الاثنين، 8 أبريل 2013

الفقيه جابر بن شريف الثويعي


قال الله تعالى(... فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) ..
قد يرى الإنسان بنظره القاصر شيء كله شر محض ولكن حكمة الله عز وجل قدرت الخير من خلاله، وما حكاه لنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن قصة يوسف عليه السلام وكيد إخوته له، وإلقائهم له في الجب تخلصا منه، وما جرى له بعد ذلك من بيعه عبدا مملوكا في مصر، ثم دخوله السجن ولبثه فيه سنين عديدة دون ما جرم ارتكبه، وما كان له من خلال ذلك في علم الغيب من الخير العميم بعد هذه المحن العظيمة، والتي خلاصتها في سورة يوسف بين قوله تعالى..
(إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم لي ساجدين) وقوله تعالى( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رأياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم ، رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) ..
فإذا تأمل المسلم هذه القصة التي يرى فيها كل الشرور والمنغصات التي تعرض لها يوسف عليه الصلاة والسلام، وكيف كانت بفضل الله طريقا موصلا له إلى الخير في الدنيا والآخرة وتحقيقا لرؤياه من قبل، ورؤيا الأنبياء حق.
*تتكرر الكثير من الأحداث والوقائع في هذه الحياة الدنيا وقد تكون متشابهة في معظمها فالظلم بين الناس لا ينقطع، وان كان ما يخص الأنبياء والرسل مختلف جدا عن كثير مما يحدث لعامة الناس، ولكن التشابه ولو في بعض الجوانب يجعلنا نستشهد بما ورد في القرآن الكريم من قصة هذا النبي الكريم عليه السلام .
لقد كانت الحكومات في كثير من المجتمعات إلى وقت قريب يقوم معظمها على السيطرة على رعاياها بالكثير من التسلط والقهر، فتسومهم سوء العذاب، وتخضعهم لطاعتها والانقياد لسلطتها بممارسة كثير من البطش والإرهاب وتسوقهم بالحديد والنار والكثير من أساليب العنف والجبروت والترويع دون مراعاة لمشاعر وآهات هذا الإنسان الضعيف ،فكان من ضمن طرقها الرهيبة اخذ جزء من الشعب رهائن لديها فتحتفظ بأقارب مشايخ القبائل وبعض أصحاب الشأن من أفراد القبائل فتودعهم لديها في السجون والمعتقلات كوسيلة ضغط على أهاليهم وجماعتهم في حالة إظهارهم أو حتى تفكيرهم في أي نوع من أنواع التمرد أو العصيان لعلمهم أن قريبهم المرتهن سيصيبه الأذى بفعلهم والكثير من العنت إذا ما تمردوا وسينزل به أقصى العقوبات حتى الموت ، لذا فهم يحجمون عن إظهار شيء من العصيان أو المخالفة ، بل ويبادرون إلى الاستجابة لكل ما يطلب منهم دون تردد .
ومن أمثلة ذلك ما كان معمولا به في امارة الادارسة التي كانت قائمة في المنطقة وعاصمتها صبيا فمن أساليبها إخضاع القبائل لسلطتها باحتفاظها ببعض أبناء هذه القبائل رهائن لديها (رهائن طاعة) كما يسمونهم ، تأخذهم بطرق ملتوية ثم تحتفظ بهم لديها ، وبالذات من القبائل البعيدة في الأطراف ،حيث لا يكلفها ذلك عناء نفقات وقوات وجيوش، وهي تلجئ إليها عادة في حالة ضعف السلطة المركزية ، ومما يحفظه الناس في فيفا وكان مشهورا في هذا الشأن، حكاية بعض من غرر بهم صديقهم يحي بن إبراهيم الحازمي واستدرجهم للنزول إلى صبيا حيث قبضت عليهم الدولة واودعتهم السجون لتضمن من خلالهم ولاء جماعتهم ، والحكاية كما وردت في كتاب (باقة من تراث فيفا الشعبي تأليف الوالد علي بن قاسم الفيفي ص73) يقول فيها :
كان السيد يحي بن إبراهيم الحازمي احد رجال الإدريسي قد زين لبعض أعيان القبائل النزول إلى صبيا ليسهل بذلك اعتقالهم كرهائن طاعة للإمام الحسن الإدريسي ومن بينهم صديقه وحليفه يحي بن سالم العبدلي الذي مات في سجن صبيا، ومما قاله الشاعر الشعبي يحي بن محمد العبدلي منوها بهذه الحادثة :
يحي براهيم خان حلف الله وعيبا 
نسي متاع أمزاد وكباش مرببا 

وفي امجبل يعي يها بيت يرز بو 

الله يسود مفرقو وامراس شايبا 
واطلع نقايو كل مصبوغة مصلبا 

وحلمد امقطران من خفو لغاربو 

ساغمني يحي ولد سالم مقحجبا 
ما ينطف امبواب أيل اموقت كلبا 

بين أمخبر يريع أمصبيان نادبو 
إلى آخرها وهو أسلوب كما ذكرنا متبع في معظم تلك الحكومات والدول الضعيفة الظالمة ، ولا ينسى أهلونا ما حل بهم يوم دخل الجيش اليمني إلى فيفا في عام 1352هـ عند ما اخذ الكثير من الناس كرهائن طاعة ،حيث ساقوهم بالأغلال والحديد إلى سجون أم ليلى وباقم وقطابر وغيرها من المعتقلات ومعظم هولاء لم يعودوا إلى أهليهم أبدا .

فالناس لم يسلموا من تعسف وظلم هذه الحكومات فضلا عن أن تقدم لهم شيئا من الخدمات الأساسية كسلطة حاكمة لها حقوق وعليها واجبات فلا يتوفر لهم منها لا أمن ولا تعليم ولا أي خدمات أخرى ضرورية وأساسية لحياتهم ومعاشهم فلا تطبيق لأحكام الله بينهم ،فما بالك ببقية أوضاعهم وأمورهم ومعاشهم، فلله الحمد الجزيل على ما نحن فيه اليوم من نعمة هذه الدولة الرشيدة والحكومة العادلة وما نعيش فيه من رغد في العيش وامن وأمان وحياة مطمئنة هانئة ، فلله الحمد سبحانه وله الفضل والثناء كله ، اللهم أحفظ لنا ولاة أمرنا ووفقهم لكل خير وأعزهم بطاعتك وتوفيقك ،واصرف عنهم كل حاقد وكل غر سفيه ،وادم علينا أمننا وإيماننا انك أنت العزيز الحكيم.

*حكاية صاحب السيرة في هذه الحلقة من هذا القبيل وان كانت أفظع لأنه اخذ مخطوفا وما زال صغيرا في السن دون التمييز، وأودع السجن ظلما وعدوانا ، حيث تعرض للخطف والسجن من دون ما ذنب ارتكبه ولكنه الظلم والتسلط والقهر و كان بفضل الله ذلك سبيل له إلى الخير والفلاح رحمه الله وغفر له.
لندلف بتوفيق الله إلى حكاية هذه الشخصية المباركة فنقول :

انه ـ الفقيه/ جابر بن شريف بن حسين بن جبران بن شريف بن جدم من آل امغسي الثويعي الفيفي 

image


والده شريف بن حسين وأمه الفاضلة/عائشة بنت يحي بن يزيد بن علي بن جدم من آل مغسي الثويعي الفيفي ولد لهما (جابر) في حوالي عام 1330هـ في بيت المديد الذي يقع في أسفل جبل آل الثويع في بقعة الهضمة المطل على وادي القصبة من الجهة الشرقية .
سعد به والداه وهو اكبر أبنائهما، وقد رزقا بعده بأخته (ريعه) فكانا لا يفترقان يلعبان سويا ويخرجان ويدخلان مع بعضهما، ولقرب الوادي من منزلهما فهما كثير ما يترددان عليه يلعبان تحت شجرة صومل كبيرة ظليلة في بطن الوادي، ولما بلغ (جابر) السابعة أو الثامنة وذلك في حوالي عام 1337هـ تقريبا، وقد انطلق هو وأخته في ذلك اليوم كعادتهما يلعبان ويمرحان في الوادي وإذ بأخته تعود بعد ساعات إلى البيت وحيدة باكية على غير عادتها شاردة الذهن قد تملك الخوف والفزع قلبها .
تلقتها أمها تحاول تهدئة روعها لتستشف ما خلف هذه الصدمة الفظيعة التي اجتاحت كيانها ولتعرف منها ما الحكاية وأين هو أخوها الذي كان في صحبتها ولماذا لم يعد معها ، لم تستطع الوصول معها إلى إجابة شافية فلم تقدر على الإفصاح عما جرى، مما زاد قلق ولوعة الأم وجعلها تنطلق على غير هدى تبحث عن ولدها الذي لا بد انه قد حدث له مكروه وشيء مهول ، فكانت تهرول هنا وهناك كالمجنونة تبحث وتفتش وتدور على نفسها كالمسعور تصيح في الزوج والجيران وكل احد، تطلب منهم الاهتمام في البحث عن ابنها ، واستشعر الكل الخطر، فانطلقوا جميعا يبحثون في مظانه المتوقعة وفي كل مكان وكل اتجاه في بحث شاق متصل ومضن لا يتركون غديرا ولا كهفا ولا بئرا إلا بحثوا فيه ولكن دون جدوى فأين ذهب وماذا حل به وأين اختفى ، لم يعد أمامهم إلا هذه البنت الصغيرة فلعلهم يجدون لديها إجابة تطمئنهم وبعد محاولات لتهدئة روعها واستنطاقها حيث ما زالت متأثرة قد تملكها الرعب من هول ما شاهدت مع أنها ما زالت صغيرة السن عن استيعاب حقيقة ما جرى وتمييز ما حصل أمامها وكلامها في معظمه غير مفهوم العبارة لا تستطيع التعبير التام عما نريد قوله ، ولكن بعد الكثير من العناء والمشقة استطاعوا الحصول منها على نتف بسيطة زادتهم توجعا وقلقا .
لقد أخبرتهم انه هجم عليها وأخيها مجموعة من الرجال الأشداء حينما كانا يلعبان تحت شجرة (الصومل) وأخذوهما بعنف وشدة وقيدوهما بالحبال فلما وصلوا بهما إلى أسفل الوادي وعرفوا أنها بنت أطلقوا سراحها وتركوها تعود وأما أخيها فقد احتفظوا به معهم .
انطلق عندها الوالد وكل من حوله يحثون الخطى في الاتجاه الذي أشارت إليه البنت لعلهم يلحقون بهولاء الأشرار، حيث لم يخطر ببالهم إلا أنهم مجموعة من اللصوص الذين يكثرون في تلك الأزمنة المنفلتة من الأمن فيخطفون صغار السن لبيعهم في أسواق النخاسة كعبيد أرقاء.
لقد فات الأوان على أن يلحقوا بهم فقد ابتعدوا كثيرا والطرق غير أمنة ، فعادوا بعد أن اظلم عليهم الليل بخيبة أمل شديدة ،وعم الحزن أهل البيت وأقربائهم وكل من عرفهم أو سمع بخبرهم ، وواسهم القريب والبعيد وعزوهم في فقيدهم ، ومع ذلك لم ينقطع الأمل والرجاء فقد استمر بحثهم وتقصيهم وتعلقوا بكل قشة،ومن ضمن ما اخبروا به وتوصل إليه احتمال أن يكون من قام باختطافه هم أتباع الإمام الإدريسي الذين ينشطون في هذه الأيام لجلب بعض الرهائن ليتخذونهم وسائل ضغط لكسب تابعية قومهم لهم ، فلعل الأمر كذلك فقد يكون نمي إليهم أن هذا الطفل من أقرباء شيخ قبيلة آل الثويع (قاسم بن يحي من آل امجدم) بل هو ابن أخته فسيكون ولا شك رهينة ثمينة لها تأثيرها ولو كان صغيرا في السن .
رغم كل هذه النتف من الأخبار والشائعات الغير مؤكدة التي لا سبيل لديهم للتحقق منها، فالاتصالات مقطوعة ومن ذا يجرؤ عن البحث عنه وأين ، ولا توجد سلطة منصفة يلجئون إليها ، ولكن مع ذلك فهو يفتح أمامهم باب أمل لعله يعود إليهم في يوم من الأيام ، وليس أمامهم اليوم إلا الصبر والاحتساب والدعاء إلى الله بان يلطف بهم وبهذا الطفل المسكين .
هذه هو حالهم وأما الطفل فانه في البداية تمرد وحاول الهرب من خاطفيه ولكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا ثم بكى وصاح واستعطف واستجدى ولكنه كان يخاطب قلوبا كالحجارة أو اشد قسوة فلم يجدي كل بكائه واستعطافه وبالذات وقد رأى منازل أهله تغيب عن ناظريه حتى لو أطلقوه فلن يستطيع العودة بمفرده لذلك استسلم لمصيره المجهول وحاول أن يتأقلم مع وضعه الجديد فكانوا يسوقونه مع آخرين إلى مصير مجهول ، وكان إذا ما أعياه السير وأنهكه التعب لصغر سنه اركبوه قليلا على بعض الدواب ، إلى أن أوصلوهم إلى مدينة صبيا، ودون ما سؤال أو فحص أو تدقيق أودعوهم في السجون المليئة بأمثالهم .
أصبح هذا الطفل بين عشية وضحاها في عالم مجهول لم يألفه وبين أناس لم يعرفهم في مكان مغلق مزدحم بالبشر قد أوصدت من دونهم الأبواب وسدت عليهم الحجب ، وحرس غلاظ ينتهرونهم من كل صوب ، والأقبية والممرات مظلمة موحشة، شيء لم يستوعبه ولم يفقه منه شيء، يبكي وينتحب ولا احد يلتفت إليه أو يهتم لأمره أو يلقي له بالا، فالكل مشغول بنفسه يشكو همه وفقد أهله وحريته ، استمر كذلك إلى أن أتعبه البكاء واكتشف انه لا يجديه شيء مما حدا به إلى أن يستسلم لواقعه الجديد.
وفي إحدى تلك الليالي الطويلة المظلمة والناس قد هجعوا وهو قابع في احد الزوايا يبكي ويرتعد قد اكتنفه الخوف والشوق إلى والديه وأهله ، وقد علا نحيبه وجف دمعه، فإذا يد حانية تربت على ظهره وتمسح رأسه وتهدئ من روعه ، وكلمات عذبة رقيقة تناغيه ، فاطمأنت نفسه وهدئت روحه وخلد إلى نوم عميق كما لم ينم مثله من قبل في هذا المكان الموحش ، وما إن أصبح الصبح حتى وجد ذلك الإنسان الرحيم ببشاشته يتكلم معه بلسان قومه الذي يفقهه فإذا هو ابن بلدته من قبيلة (آل الحكم) المجاورة لقبيلتهم واعلمه انه يعرف أهله وأسرته ، فاطمئن إليه وتعلق به حتى لا يكاد يفارقه، فبادله المحبة واحتضنه ورعاه، واستأنس كل منهما برفيقه ، ومضت بهما الأيام وتعاقبت عليهما الشهور والأعوام في هذا السجن الكئيب .
ألف جابر محيطه الجديد وتأقلم مع من حوله وكان رفيقه نعم الرفيق سعى به إلى بعض طلبة العلم من الموجودين في السجن واتفق مع بعضهم على تعليمه القراءة والكتابة والقرآن الكريم وبعض العلوم الشرعية مقابل اجر يدفعه لهم ، وكان الطفل على قدر كبير من الذكاء والفطنة جعله يستوعب الكثير من هذه العلوم ولا يشغله في هذا المكان أي شاغل عن طلب العلم الذي ترقى فيه وحصل على الكثير منه.
استمر في محبسه ذلك لما يقارب أربع سنوات كانت عامرة بطلب العلم وتحصيله، ففي عام 1341هـ توفي الأمام محمد بن علي الإدريسي وخلفه في الإمارة أخوه (الحسن) حاكما بالوكالة حتى يحضر الوريث الشرعي الابن (علي) الموجود عند أخواله في السودان، فكانت من أول قراراته التي اتخذها أن أمر بإطلاق سراح هولاء السجناء الذين قد اكتظت بهم السجون فاخلي سبيل معظمهم وكان من ضمنهم هذا الطفل (جابر) وكان حينها قد ناهز الثانية عشرة تقريبا فتلمس طريقه عائدا إلى أهله وأسرته .
تفاجأ أهله بعودته بعد إياس فقد انقطع كل أمل لديهم في أن يروه مرة أخرى ولكنه ها هو بينهم حقيقة لا وهما، وقد عاد بحمد الله إنسان آخر مختلف، إنسان ناضج قد عركته الحياة، إنسان مكتمل في عقله وإدراكه وعلمه، حافظ لكتاب الله يحسن القراءة والكتابة، فالفرحة به مضاعفة فلله الحمد ما أكرمه وما أعظمه .
تعلمه : 
كما قيل (المنحة من المحنه) كان السجن وهو يعج بالكثير من الناس مغلق مظلم كئيب ولكنه كان لهذا الطفل بفضل الله ورحمته نور وضياء ،فقد قيض الله له إنسان فاضل من أهل الخير يدعى (حسن بن محمد الحكمي) من (آل مفلح) كان رهينة من ضمن هولاء السجناء ، أشفق على هذا الطفل ورحمه واهتم بأمره والعناية به فلا يكاد يفارقه كأنه ولده، ومن حرصه على مصلحته أن أوكل به إلى بعض نزلاء السجن من طلبة العلم،حيث تعرف على كل من الفقيه مصبح الخولاني والفقيه متعب الخولاني من أهل حيدان فاتفق معهما على أن يقوما بتدريس هذا الطفل القرآن الكريم وغيره من العلوم الشرعية النافعة في الحديث والتجويد والفقه مقابل اجر يدفعه لهما فلازمهما مدة بقائه في السجن التي قاربت الأربع سنوات ختم خلالها القرآن الكريم كاملا قراءة وتجويدا وتعلم القراءة والكتابة والفقه والفرائض وبعض العلوم النافعة المفيدة .
تعليمه :
عندما خرج من محبسه وهو إنسان كما ذكرنا ناضج متعلم ،فكان بفضل الله نعمة كبيرة لأهله وجماعته حيث كان في تلك الأزمنة يفشوا الجهل فكان لهم كالشمعة المضيئة ، فهو إمامهم في الصلاة ، وخطيبهم في الجمع والأعياد، وكاتبهم في كل ما يحتاجون إليه من الوثائق والضنات والاتفاقيات وعقود الانكحة والبيوع وكان معلمهم ومرجعهم في كل ما يريدون معرفته من أمور دينهم ودنياهم .
وفي عام 1357هـ في عهد أمير فيفا رشيد بن خثلان رحمه الله الذي قام بتشجيع الناس على نشر العلم فيما بينهم وتعليم أبنائهم وبالأخص القرآن الكريم وعلومه فاستنهض الهمم وحث كل متعلم بان يفتتح مدرسة في جهته وألزم الأهالي بإرسال أبنائهم إلى هذه المدارس ليتعلموا فيها ، وكان يتابعها ويقيم طلابها بنفسه، حيث يجري لهم الاختبارات في مقر مركز الأمارة بالنفيعة بين فترة وأخرى ويجيز المتفوقين من الطلاب .
كان الفقيه جابر من أوائل هولاء المتعلمين الذين تجاوبوا مع هذه الدعوة المباركة حيث افتتح له مدرسة بجوار بيته في بقعة الهضمة تحت (حمرة المرازم)، واجتمع لديه مجموعة كبيرة من الطلاب من قبيلة آل الثويع وقبيلة آل الحكم وآل عبدل المجاورة ،ووجد نفسه في هذا المجال مما جعله يستمر في هذا العمل النافع حتى بعد أن انتهى زخم اهتمام الأمارة في هذا المجال لانتقال هذا الأمير الموفق ،وتنقل بهذه المدرسة في أكثر من موقع فقد انتقل بها إلى تحت شجرة (سدرة خيران) ثم انتقل بها إلى تحت (حمرة امرفسته) في بقعة الهضمة واستمرت هذه المدرسة تؤدي رسالتها سنين عديدة لرغبة المعلم ورغبة الأهالي .
وفي عام 1373هـ عندما انتشرت مدارس فضيلة الشيخ عبد الله القرعاوي (رحمه الله) في أكثر من موقع من فيفا حين كان المشرف عليها فضيلة الشيخ علي بن قاسم الفيفي (حفظه الله) قاضي فيفا في ذلك الوقت وقد تواصل مع كل من له جهد في هذا المجال ومن ضمنهم الفقيه جابر بن شريف وذلك في عام 1374هـ حيث ثبته معلما رسميا في تلك الجهة واتفق معه على أن يكون مقر المدرسة في المروة عند جامع آل الثويع لتخدم بذلك اكبر شريحة من الطلاب سواء من قبيلة آل الثويع أو من القبائل المجاورة (آل عبدل وال بالحكم وآل امشنية ) وافتتحت هناك تحت (حمرة الجميمة) المجاورة للجامع ، والتحق بها عدد كبير من الطلاب وأصبحت من اكبر المدارس وأنشطها،وفي عام 1375هـ سعى المعلم إلى إقناع جماعة المسجد وأولياء أمور الطلاب على إنشاء مبنى خاص ومناسب لهذه المدرسة حيث أقيم لها مبنى ملاصق لجامع المروة من الجهة الخلفية فكان بحمد الله معين ومشجع للمعلم وللطلاب على بذل جهد اكبر في سبيل تحصيل العلوم، فكان لهم مقر مناسب وقاهم الكثير من العوامل الجوية من حر وبرد وشمس وأمطار ورياح، واستمرت هذه المدرسة في ترق وازدهار ، مدرسة نموذجية متميزة تحت مظلة مدارس الشيخ القرعاوي إلى أن أغلقت هذه المدارس في حوالي عام 1379هـ ومع ذلك فقد مضى المعلم يودي عمله هذا دون توقف أو كلل واستمرت مدرسته تعمل على أكمل وجه إلى عام 1384هـ وكان يتخللها فترات محدودة من التوقف البسيط ثم تستأنف نشاطها من جديد، ولكن أخيرا كان عامل السن للمعلم ،ثم تسرب الطلاب وانتشار التعليم الرسمي، كلها كانت أسباب أدت إلى توقف هذه المدرسة بالكلية .
حياته الاجتماعية:
تزوج من زوجتين وهما :
1. مشنية بنت يزيد سلمان الثويعي الفيفي رحمها الله .
2. وشمة بنت يزيد الثويعي الفيفي رحمها الله .
وله منهما من الأبناء والبنات ثمانية على النحو التالي :
1. يحي بن جابر عسكري متقاعد مقيم في مدينة الطائف.
2. حسين بن جابر موظف متقاعد مقيم في مدينة الطائف.
3. حسن بن جابر متقاعد وهو محامي ومستشار شرعي ومعرف قبائل فيفاء بمنطقة تبوك .
4. سالم جابر عسكري متقاعد مقيم في مدينة الرياض.
5. محمد بن جابر رحمه الله .
6. سلمان بن جابر عسكري متقاعد مقيم في مدينة خميس مشيط.
7. فرحان بن جابر رحمه الله .
8. عافيه بنت جابر.
حفظهم الله بحفظه وجعلهم صلة بر ورحم لوالديهم ورحم الله من توفى منهم وغفر الله له.
وفاته: 
انتقل من فيفا إلى مدينة الطائف بعد أن كبرت سنه وأعتراه الكثير من الأسقام والأوجاع وذلك في حوالي عام 1392هـ حيث استقر عند اكبر أبنائه (يحي) وابنه (حسين) اللذان يعملان فيها، وقد عاش معهما فيها لأكثر من ثلاثين سنة يتنقل فيها بين فترة وأخرى إلى المدن التي يقيم فيها بعض أبنائه في مدينة تبوك ومدينة خميس مشيط ،ولكن معظم استقراره كان في مدينة الطائف، وفي أواخر حياته عان كثيرا من بعض أمراض الشيخوخة والكبر، وقد توفي رحمة الله تعالى في مستشفى الأمير منصور بن عبد العزيز آل سعود العسكري بالطائف في يوم 1424/6/19هـ وكان قد بلغ من العمر (94) سنة.
رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وجزاه الله كل خير على ما قدم وبذل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم /عبد الله بن علي قاسم الفيفي : أبو جمال
الرياض في 1432/1/1هـ
ملحوظة: الشكر والتقدير للشيخ حسن بن جابر شريف الثويعي على ما زودني به من معلومات قيمة هي مادة هذه السيرة العطرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق