المطوع سالم حسن رايح الحربي لقب لازم الاسم فلا يكاد بفارق احدهما الآخر وكليهما يدلان على الشخص فان أطلقت المطوع لم يتبادر للذهن إلا سالم حسن وان قلت سالم حسن لم يتبادر إلا المطوع.

ولد سالم حسن رايح الحربي في عام 1346هـ تقريبا ونشى وترعرع في بقعة قرضة جبل آل حرب بفيفاء، موطن ابائه وأجداده ، درس صغيرا في معلامة جابر بن حسن المشنوي عند منزله (ذا امدودة) الجبل المناظر لجبل آل حرب فكان يقطع المسافة من بيته إلى هذه المدرسة يوميا جيئة وذهابا، حبا لطلب العلم وحرصا على تحصيله، فختم القرآن الكريم في سنتين ، ثم انتقل إلى معلامة حسين بن شريف العبدلي عند منزله (العلاج) في جبل آل عبدل ، فلما كبر قليلا كانت شهرة مدارس فضيلة الشيخ عبد الله القرعاوي في صامطة قد بلغت الآفاق، فتشجع وسافر إليها والتحق بمدارسها ،وانكب على طلب العلم برغبة كبيرة، ولكن ظروفه الأسرية، وصعوبة الحياة في مهاجره، وعدم تعوده على الغربة والصبر عليها ،مع قلة ذات اليد، وقفت حائلا دون استمراره على المواصلة فيها، مما اضطره إلى ترك الدراسة وتأجيل الرغبة الجامحة في نفسه لطلب العلم ، فعاد إلى بلدته وانغمس في حياته الخاصة ،حيث عمل في مزرعة أهله، وكان يقوم بالإمامة في جامع قرضة محتسبا.
لما عين فضيلة الشيخ علي بن قاسم الفيفي قاضيا في فيفاء ، وعهد إليه شيخه فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي الإشراف على المدارس التابعة له في فيفاء وبني مالك، والتوسع فيها على حسب مقتضى الحاجة وتوفر الإمكانيات من المعلمين ، مما جعله يتلمس الأماكن والجهات الأكثر حاجة لهذه المدارس ، وتوفر المعلم المؤهل لإقامتها، فكان من أوائل هولاء المطوع سالم حسن الحربي، حيث كلفه بافتتاح مدرسة قرضة ،فبادر بتهيئة هذه المدرسة تحت شجرة ظليلة (حمرة) بجوار الجامع ، وشجع الآباء بالاحاق أبنائهم بها ،فانتظمت المدرسة والتحق بها الكثير من الطلبة من آل حرب وآل المشنية وآل عبدل والدفرة القريبين من هذا الموقع ،فأصبحت هذه المدرسة من اكبر المدارس في فيفاء وأنشطها ،لكثافة طلابها وهمة معلمها ، فكان يدرس في هذه المدرسة القرآن الكريم وبعض المتون المهمة في العقيدة والفقه والحديث ، وكان لحرص المعلم على إيصال المعلومة الصحيحة والكاملة إلى طلابه يبذل جهدا مضاعفا ، لذا فقد طلب هو وبعض المعلمين في المدارس الأخرى إلى فضيلة القاضي ليرتب لهم دروسا خاصة، تزيد حصيلتهم العلمية ، وتعينهم على تنمية معلوماتهم وقدراتهم، ليكونوا أكثر نفعا لطلابهم ، فكان لهم ما أرادوا، حيث نظم لهم دروسا في التفسير والحديث والعقيدة والفقه واللغة العربية، في منزله (الرثيد) الواقع بذراع منفه شرقي الجبل الأعلى من فيفاء، وذلك من بعد صلاة المغرب من كل يوم، فكان المطوع سالم رغم انه ابعد القوم سكنا لا يكاد يفوته درس منها ، فما إن ينصرف الطلاب قبل المغرب إلا ويبادر إلى حضور هذا الدروس ، ولا وسيلة حينها إلا السير على الأقدام،فإذا أنتهى الدرس أنطلق عائدا إلى منزله ليرتاح ليكون في الصباح الباكر مع طلابه ، كتب الله الأجر والمثوبة وجزاه كل خير.
لقد استمر في مدرسته تلك مواظبا على نفع طلابه، وتنمية قدراتهم، لم يتوانى أو يكسل إلى أن انتهت هذه المدارس رسميا، ثم واصل العمل على استمرارها بعد ذلك محتسبا لفترة طويلة، إضافة إلى عمله إماما وخطيبا لجامع قرضة ، وقد أحيا هذا الجامع كما ينبغي ، وحافظ على إقامة الجماعة والجمعة فيه حتى توفي رحمه الله ، و قد سعى هو والشيخ سليمان بن جابر الحربي رحمه الله شيخ قبيلة آل الحرب، إلى توسعة هذا الجامع بما يتوافق مع التطور العمراني وكثافة الجماعة فيه ، جعل الله ذلك في موازين حسناتهم .
وقد كان رحمه الله المأذون الشرعي في تلك الجهة وما جاورها، بل كان من أوائل من اعتمد في فيفاء في ذلك ،وهذا العمل يشترط أن يكون القائم به محتسبا لله لا يأخذ أجرا عليه، فكان رحمه الله لا يتردد في تلبية من يطلب منه إثبات عقود الانكحة لهم في معظم قبائل آل عطاء وغيرها.
كان يتصف رحمه الله بالكثير من الصفات الكريمة، والأخلاق العالية النبيلة، وحسن التعامل مع الناس، كبيرهم وصغيرهم من عرف ومن لا يعرف ،سمحا كريما متواضعا، يحبه الناس ويسمعون لتوجيهاته، وكان محل ثقتهم ،يتدخل في حل الكثير من مشاكلهم، بل كان القاضي يوكل إليه الكثير من ذلك في جهته،فيسعى دوما إلى إصلاح وحل ما يحدث بينهم، بما يحقق الرضا والقناعة ، فكان الأمين في معظم أمورهم، يرسّم الحدود ، ويقسّم التركات ،ويقدّر النفقات، وكل ما يهمهم ، فكانت له الأدوار المتعددة ، يزيل ما يطرأ بينهم من خلافات ، ويحل ما يحدث لهم من مشاكل، قد قنعوا به ، ووثقوا بسداد رأيه، ورجاحة عقله، وحسن تصرفه، وكمال عدله وحكمته ، رحمه الله واسكنه فسيح جناته .
توفي رحمه الله في عام 1406هـ وقد ناهز الستين سنة رحمه الله رحمة واسعة ، وقد خلف أربعة أولاد وثلاث بنات ،بارك الله فيهم وأصلحهم ، وجعلهم امتدادا لوالدهم في هذه الحياة وبعد الممات .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عبد الله بن علي قاسم الفيفي ــ أبو جمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق