الاثنين، 8 أبريل 2013

الفقيه سليمان بن جبر الفيفي


الفقيه سليمان بن جبر الفيفي
إعداد الأستاذ : عبد الله بن علي قاسم الفيفي

[HR]

كان التعليم في فيفاء محدودا، قاصر على القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم، فمن كانت تطلعاته عالية وطموحه إلى الاستزادة من طلب العلم أكثر، فلا بد له من أن يهاجر إلى أماكن العلم ومظانه ،ومدارسه وهجره، إما في تهامة في هجر العلم المشهورة، كضمد وزبيد في عصور مضت، ثم صامطة وبيش في العهد القريب، كمدارس فضيلة الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله، أو في المشرق (كما تعرف) وهي صعدة وضحيان وقطابر وفلة وصنعاء، وغيرها من هجر العلم المشهورة، وكان أبناء فيفاء والمناطق الجبلية والى عهد قريب، يفضلون الثانية لعدة أسباب وعوامل، أهمها الامتداد القبلي الواحد المتماثل، والمتقارب في النسب (خولان بن عامر) والعادات والتقاليد، والامتداد الجغرافي المتشابه بيئة ومناخا، فلا يشعر احدهم بالغربة كثيرا،فلا يكاد يختلف عليه شيء في العادات المعيشية، والتقاليد المرعية واللغة ، فيتأقلم مع الناس ومع الحياة العامة هناك سريعا، دون تأثيرات نفسية أو شعورا بالغربة، مما يصرفه عن هدفه الأسمى في طلب العلم، ولتراكم الخبرات لقدم نشأت هذه المدارس والهجر في المشرق، جعلها (على ما يبدو) أكثر تنظيما من غيرها في تلك الفترة ،فمعظمها قد سبّل لها أوقاف عينيه، يتم الصرف من ريعها على هذه المدارس، في توفير السكن للطلاب والخدمات المعيشية ولوازم الدراسة، وكذلك مخصصات للقائمين عليها من المعلمين والمشايخ من غير المحتسبين، فيتفرغ الطالب فيها تفرغا تاما لطلب العلم، دون أن يشغله شاغل من أمور معيشته ،فيستفيد من تواجده في هذا المكان بأكبر قدر ممكن، لذلك نجد كثيرين من طلبة العلم في العصور الماضية ، يعودون من هناك بحصيلة طيبة من العلوم، وبتحصيلهم العلمي هذا تكون لهم مكانة مرموقة بين أهاليهم وجماعتهم، يتخذ الناس منهم قضاة وعلماء للفتوى والدرس، وكانوا مثالا طيبا وقدوة للآخرين،يحتذون بهم ويتبعون خطاهم ويسيرون على نهجهم ومنوالهم في الهجرة لطلب العلم.
ونخلص إلى أن الأمر في هذه الشأن مر بثلاث مراحل : الأولى: كان كل من يرغب في طلب العلم من هذه المناطق لا يتجهون إلا إلى هجر العلم في المشرق دون غيرها، الثانية : فيما تأخر من الوقت ومع توافر الأمن والآمان في بداية العهد السعودي الزاهر، ووجود مدارس وهجر علم في تهامة الملاصقة، ابتدأ الناس يتجهون إليها، مع استمرار البعض في الاتجاه السابق، دون تفضيل جهة على أخرى، فكلا الجانبين يجد غايته وهدفه الذي ينشده ، الثالثة : مع مرور الوقت وازدهار الأوضاع في المملكة العربية السعودية ،وتميز طالب العلم القادم من مدارس تهامة، مالت الكفة وكثر الاتجاه نهائيا إلى تهامة وغيرها من مناطق المملكة ،لازدهار المدارس فيها وترقي العلم بوجود الكليات والجامعات والمعاهد ، والدعم ألا محدود لها من الحكومة الرشيدة، بإحداث المزيد منها وتنميتها وتطويرها ، حتى لم يعد هناك من يطلب العلم في غيرها، فلله الحمد والمنة وأدام الله علينا فضله ونعمه في ظل حكومتنا الرشيدة حفظها الله ووفقها وزادها رفعة وتمكينا.
وشخصيتنا في هذه الحلقة ممن جاء في المرحلة الثانية :
انه الفقيه العالم : سليمان بن جبر بن حسن بن جبران بن مسعود بن احمد بن حسن الجباهي الظلمي الفيفي رحمه الله .


image

سليمان بن جبر الظلمي رحمه الله


ولد في بيت الغشامر ببقعة العرق عام 1342هـ تقريبا، ووالده كما ذكرنا في نسبه هو جبر بن حسن، وأمه عافية بنت يزيد آل شحره الخسافي، وهو الثالث في الترتيب بين إخوانه، كان والده من محبي العلم ومن الحريصين على أن ينال أبنائه حظا وافرا منه ، لذلك كان قد أرسل ولديه الأكبرين سلمان رحمه الله وسالم للدراسة في مدرسة خالهم احمد بن يزيد آل شحره رحمه الله،الواقعة عند بيته المبدا في أسفل ذراع منفة، ولم يرسله معهما في البداية لحداثة سنه، ولبعد المدرسة عن دارهم، فقد خشي عليه أن يرهقه الوصول إلى المدرسة في هذه السن الصغيرة، فالمدرسة كانت بعيدة بالفعل،حيث يفصلها عن سكنهم أكثر من أربع بقع كبيرة، ليس في معظمها طرق مطروقة، بل كانت ارض خالية قفر لم تستصلح (جنب)، بل قد تكون لصغير السن موحشة وخطيرة، لما فيها من المنحدرات الشديدة، والغابات الموحشة، وما يعيش فيها من الضواري والحيات ،وهي المدرسة الوحيدة الأقرب لسكنهم ، وروي أن هذا المعلم احمد بن يزيد رحمه الله، مراعاة لطلابه وتخفيفا من بعد المسافة والمشقة عليهم ، حيث كان طلابه يقدمون من اتجاهين مختلفين، من الجهة الشرقية من أبناء قبيلة آل الخسافي والقبلي (آل أمثيب) ،ومن الجهة الغربية من قبيلة آل ظلمة وقبيلة الدفرة، فكان يوازن بين الجهتين بطريقة مبتكرة ،حيث ينتقل بالمدرسة كل أسبوع إلى جهة تكون فيها اقرب لإحدى المجموعتين ، فأسبوع تكون بجوار بيته المبدا في أسفل ذراع منفة ،القريب نسبيا ممن يأتون من الجهة الشرقية ،وهي بعيدة قليلا عن الآتين من الجهة الغربية، ثم في الأسبوع التالي ينقلها إلى الغرب إلى نيد المزرة، تحت شجرة عتم ضليلة هناك ، فتكون أقرب للقادمين من الجهة الغربية وتبتعد قليلا عن القادمين من الجهة الأخرى، وبهذه المعادلة خفف العبء عن طلابه، وجدد نشاطهم بزوال رتابة المكان الواحد .




image
احمد بن يزيد آل شحره رحمه الله


وكما ذكرنا فان سليمان لم يلحقه والده بالمدرسة مع أخويه في بادي الأمر نظرا لصغر سنه وبعد المسافة، وكلفه برعي بعض غنيمات لهم، فكان يصعد بها حول البيت إلى قمة (جبل ألقرية) فوق نيد العقوة ، ومن هذا المكان كان يراقب الطلاب في ذهابهم وإيابهم من المدرسة، يدفعه الشوق والتمني في أن يكون واحدا منهم، فكان يصيخ السمع مترقبا انصرافهم من المدرسة وهم يرددون بعض ما حفظوه من القرآن الكريم ،وبعض الأدعية التي تعلموها، مما يسمى الغفارة، فيلتقط كلما يسمع بشوق وحافظة عجيبة ، ثم يردده بإعجاب وهو راجع إلى البيت خلف الغنم ،ولا يفتر يردده داخل البيت وفي معظم أوقاته،فلاحظ والده ذلك، وشعر بتعلقه بالدراسة، وما يتمتع به من ذكاء مفرط وحافظة قوية، مما جعله لا يتوان في إرساله مع أخويه لهذه المدرسة متجاهلا أي أخطار كان يتوجس منها،فكان كما توقع له، فقد بز زملائه بل وتفوق على معظمهم بقوة الاستيعاب والفهم، حتى لم يمضي طويل وقت حتى اثبت جدارته أمام زملائه ومعلمه،مما جعل منه قائدا للطلاب عند ترديد حروف الهجاء (البغدادية)، وقصار السور وبعض الأدعية، التي تعارف المعلمون على جعل الطلاب يرددونها جماعيا في نهاية كل يوم دراسي قبل انصرافهم ، ويختمونها وهم ينصرفون بالدعاء الذي يسمونه التغفيرة (اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمعلمينا ومعلمي معلمينا... ) والكثير من العبارات المماثلة ، فكان هو لحافظته القوية وصوته الجهوري، هو الذي يلقنها الطلاب وهم يتبعونه في ذلك، وكذلك يتقدم أمام صفوف الطلاب حينما ينتقلون كما ذكرنا في نهاية كل أسبوع بين نيد المزرة أو المبدا، فكان يرفع صوته بآيات من الذكر الحكيم من سورة يس أو قصار السور والأدعية المأثورة ، والطلاب يرددونها خلفه سائرين في طابور طويل مهيب .
هجرته في طلب العلم :
اكتمل شبابه وبلغ مبلغ الرجال، وقد نال حظا لا باس به من العلم، حيث استكمل حفظ القرآن الكريم، ولكن تطلعاته وأماله لا تكتفي بهذا القدر، فهو يجد في نفسه الكثير من الطموح والرغبة الأكيدة من الاستزادة من طلب العلم، والتحصيل مما ليس متاحا بين يديه في بلده، ولا بد لتحقيقه من السفر والغربة، وتحمل مشاق البعد عن الأهل والأقارب، وبعد تفكير قرر السفر والهجرة في سبيل تحقيق ما يصبوا إليه ، ولكن إلى أين؟ لم يتردد فقد كانت حينها مدارس فضيلة الشيخ عبد الله القرعاوي في صامطة تنتشر أخبارها والثناء عليها، وقد التحق بها حينها مجموعة من الطلاب، منهم فضيلة الشيخ علي بن قاسم وفضيلة الشيخ علي بن احمد ولد خاله ومعلمه،فكان توجهه إليها مباشرة، حيث التحق بهذه المدارس، ولكن لم تمضي بضعة أشهر حتى اصطدم بواقع لم يألفه ،وكان خلالها يعمل جاهدا على ترويض نفسه وأطرها على التعود على هذه الحياة الجديدة عليه ،المختلفة عما تعوده في بيئته الجبلية التي نشئ فيها، فالجو حار منهك ، والأكل مختلف وقليل، وعادات الناس ولهجتهم لم يألفها، وكلها أشياء جديدة لم يستطع التأقلم معها بسهولة ،وأخيرا قرر العودة والنكوص، فمن المستحيل عليه العيش في هذا المكان ،ولكن كيف به يعود صفر اليدين خالي الوفاض، لم يحقق شيئا مما كان يحلم به، وما تغرب من اجله ،وماذا سيكون عذره، وكيف يبرر لأهله ومعارفه خيبته، وعودته هكذا حتى دون خفي حنين ، وبعد تفكير وتقليب للأمور، وعدم الاعتراف بالهزيمة، قرر البحث عن مكان آخر، يوافق طبعه ويناسب وضعه ، فاتجه دون تردد صوب المناطق الجبلية، إلى صعدة وضحيان، وفعلا وجد فيها ما ناسبه من جو وطبيعة وحياة ، فقد وجد البيئة الموافقة ،التي ألفها واعتادها في بلدته ،فاستقر به المقام، وطاب له العيش في ضحيان، والتحق بمدارسها العامرة، وحلق العلم المتنوعة، فالمدارس مليئة بالعلماء، وفيها الكثير من التهيئة لطلبة العلم في السكن والإعاشة، ووفرة العلماء في كل علم وفن، فيجد طالب العلم بغيته بسهولة ويسر، لا يشغله شاغل ولا يلهيه ملهي من طلب الرزق والمعيشة ،فقد كفي كل ذلك .
لقد راق له هذا الجو العلمي الذي وجده ، وطاب له المقام، ونهل من مناهل العلم المبذولة، فلم يشعر بالوقت وهو يمر من بين يديه، لما هو فيه من لذة طلب العلم، وتحصيل المعرفة، في علوم القرآن وتفسيره وتجويده، والفقه والحديث، واللغة والبلاغة والأدب،وغيرها من العلوم النافعة التي لا يشبع طالبها ،فقد مضت به السنين سريعا، حتى قاربت التسع، كسب خلالها الكثير من التحصيل العلمي، وتوسعت مداركه، وتسلح بالكثير من العلوم والآداب ،ثم قرر العودة إلى بلدته بعد هذه الفترة، والاكتفاء بما تحقق واكتسبه في غربته .
العودة والاستقرار:
لما عاد إلى بلده بعد كل هذه السنين،أحس انه لزاما عليه أن يفيد قومه بقدر استطاعته وقدرته، ورأى خير وسيلة هي بذل هذا العلم لمحتاجيه ، فقام بافتتاح أول مدرسة له (معلامة)في نيد اللمه، التحق بها مجموعة طيبة من الطلاب ،شعر من خلالها بالراحة والاستقرار، وفي هذه الأثناء تزوج زوجته الأولى فاطمة بنت اسعد يزيد الظلمي رحمها الله، وما أسرع ما حملت، ولكن عند الوضع تعسرت ولادتها، مما كان سببا في موتها وجنينها رحمهما الله ، فتأثر لموت زوجته تأثرا شديدا، جعله لا يطيق البقاء في هذا المكان ،حيث غادر بلدته مرة أخرى، متوجها إلى مراتع العلم التي عرفها وألفها في ضحيان، وانكب من جديد على ملازمة حلق العلم ودروسه،حيث وجد فيها سلوته، ونسي فيها همومه وغمومه، فمكث بها ما يقارب الثلاث سنين، طابت خلالها نفسه وشفيت مما أصابها وأحزنها،ثم عاد إلى فيفاء وقد نال حظا وافرا من العلوم والمعارف .
وبعد عودته تلك تزوج من زوجته الثانية فاطمة بنت احمد اسعد العمري (أم حسن) حفظها الله، حيث رزق منها بولدين وثلاث بنات، توفي منهم ولد وبنت في صغرهما ، رحمهما الله وجعلهما فرط لوالديهما ، وحفظ بحفظه الباقين وبارك فيهم وذرياتهم وجعلهم امتداد خير لوالديهم ونفع بهم المسلمين .
تفرغه للعلم والدعوة:
كان اكبر همه هو العلم دراسة وتدريسا، افتتح أكثر من مدرسة (معلامة) يدرس فيها القرآن وبعض مبادئ العلوم ، وركز على الفرحة القريبة من سكنه ،المكان المتوسط بين قبيلتي الدفرة وآل ظلمة، وفي عام 1388هـ بنى مسجدا صغيرا بجوار بيته (اللحج)، وكان يقوم فيه بالتدريس وفي بيته لمن يحضر من طلبة العلم، يتدارسون بعض المتون والسير ،وفي عام 1394هـ عاود افتتاح مدرسة الفرحة عند منزل احمد قاسم الدفري رحمه الله، واستمرت قائمة إلى أن افتتحت المدرسة الابتدائية فيها، التابعة لوزارة المعارف.
وكان طوال هذه الفترة يقوم بخطبة الجمعة في جامع الفرحة محتسبا إلى أن توفي رحمه الله ، وكان الناس يرجعون إليه في طلب الفتيا في كثير من أمورهم الدينية، ويرتاحون له لتواضعه الجم وتبسطه لهم ،وعلمه الغزير وإجابته الواضحة الواثقة، المدعمة بالكثير من الأدلة الشرعية، من القرآن والسنة النبوية الطاهرة ،وكان من المداومين على الحج في معظم المواسم ،إما لنفسه أو نيابة عن غيره ،وكان الكثير ممن يرغبون في أداء الحج يحرصون على أن يكونوا في رفقته ،حيث يكون لهم دليلا ومعلما ومفتيا، وعلى العموم فقد كان مكان ثقة الناس لتقواه الظاهر،وعلمه وأمانته، يلجئون إليه في كثيرا من أمورهم ، ويودعون لديه كثيرا من مقتنياتهم وأموالهم ،ويوزعون عن طريقه صدقاتهم وما يلزمهم من كفارات ونذور، ليصرفها نيابة عنهم في المصارف المناسبة ، وكان فضيلة القاضي الشيخ علي بن قاسم يوكل إليه القيام ببعض ما يحتاج فيه إلى أمناء عدول في بعض القضايا في جهته ، كتقسيم بعض التركات أو التدخل بالصلح بين متخاصمين أو خصومة على حدود وما شابهها ،وكان الكثير من الناس يختارونه أميناً يمثلهم في بعض المنازعات التي تحتاج إلى هولاء الأمناء من أهل الدين والأمانة والعدل ، فإذا ما حضر وهو عالم ملم بالفرائض وتقسيم التركات، أنجز المهمة على خير وجه مما يجيزه فيها فضيلة القاضي ويرضى بها الخصوم .
صفاته وميزاته :
كان معروفا بالتقشف وعدم التعلق بشيء من متع الحياة، فكان عيشه كفافا، متواضعا في ملبسه وبيته وأموره كلها، حتى انه لما حصرت تركته عند وفاته رحمه الله كانت بسيطة جدا ،لا تتجاوز ثلاثة كراسي (قعد) لا فراش لمعظمها،وبعض الأباريق للقهوة والأواني القليلة للطبخ، ومجموعة من كتب الفقه والحديث عليها الكثير من التعليقات في حواشيها بقلمه، ومنها بعض الكتب كانت عارية لديه، قد كتب عليها أسماء أصحابها ،ووجد لديه مجموعة من الصرر فيه بعض المال، مع كل صرة بيان مكتوب فيه : هذه أمانة لفلان قد وزع منها كذا كذا، وهذا كفارة يمين لفلان، وهذه بقية مبلغ من الزكاة خاصة بفلان ، ولا يوجد غير ذلك من زخرف الدنيا وزينتها، رحمه الله وغفر له .
وكان رحمه الله ملما بشيء من علم الطب العربي، والتداوي بالأعشاب ، وبارعا في تعبير الرؤيا والأحلام، ومن ذلك رؤيتان مختلفتان، الأولى رأها بنفسه ، والأخرى رأتها زوجته في الأسبوع الأخير من حياته، فسرهما جميعا بدنو أجله، وكان يقول رحمه الله في آخر حياته، انه لم تعد لديه إلا أمنية واحدة، وهي أن يموت شهيدا .
وفاته :
اختير رحمه الله مع آخرين أمناء في توزيع تركة، اشتد الخلاف بين ورثتها، مما جعل المحكمة تعين لهم هولاء الأمناء لقسمتها، وإنهاء وضعهم وخلافهم ،فكان هو احد الأمناء الذين اختارتهم المحكمة بتوافق أطراف القضية عليه ،وبحضور الجميع من الورثة ،وأثناء حصر وتحديد الأرض المختلف عليها، والسعي لتقسيمها على الطبيعة، حيث كانوا خلالها يتنقلون من مدرج إلى آخر، وكان التنازع بين المتخاصمين يعلو وينخفض،حتى يصل إلى درجة من التلاحي ورفع الاصوت، ويكادون يتماسكون بالأيدي، فيفرقون بينهم ويهدؤون الأمور ويذكرونهم بتقوى الله ، وبين حين وآخر يشتعل النزاع من جديد، والشيطان لا يكف عن التحريش بين الطرفين، وفي ساعة ارتفعت الأصوات وتماسكت الاطراف بالأيدي ، واختلط الحابل بالنابل (كما يقال) وتدخل الحضور للتفريق بينهم وإبعادهم عن بعضهم، وكف السوء فيما بينهم، وتذكيرهم بحق القرابة وصلة الرحم ،والمحافظة على الهدوء وعدم مجاراة الشيطان الرجيم، وفي هذه الأثناء من ثورة الغضب العنيفة التي يضيع فيها العقل والإدراك للواقع ،قام احدهم في انفعال آني فالتقط حجرا من الأرض ليضرب به احد خصومه، فأخطاء هدفه إلى رأس الشيخ فأصابته في مقتل ،فانهار في الحال بين أيديهم، ولم يلبث أن لفظ أنفاسه وفارق الحياة رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته ، وذلك في يوم الأحد الموافق 15/11/1396هـ نسال الله أن يتقبله في الشهداء ، وان يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ، وان يوفق أهله وذريته إلى كل خير ويجعلهم امتداد خير وبركة له .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
محبكم /عبد الله بن علي قاسم الفيفي /أبو جمال
الرياض في 6/11/1430هـ
تنويه : اشكر الأخ الكريم الاستاذ /حسن بن سليمان جبر على ما زودني به من معلومات قيمة في هذا الموضوع بارك الله فيه ووفقه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق