الاثنين، 8 أبريل 2013

الشيخ موسى بن حسين ضيف الله


الشيخ موسى بن حسين ضيف الله



الإحساس بالواجب يبرز عندما يتجه إليك الخطاب، لكونك المرشح الوحيد والمؤهل لهذا الأمر، ويعظم الواجب بقدر أهميته ، وتعلقه بخدمة الآخرين ونفعهم ، وتزداد قيمته بمقدار التضحية المبذولة في سبيله ، والمكاسب المهدرة من اجله ، فمن تنازل بطوعه عن حلم حياته، وما رسمه لمستقبل أيامه ، وهو قادر على أن لا يفعل ، ولكن إحساسه بالواجب جعله يضحى بكل ذلك ، ويقدم على المجهول بكل تبعاته ، ويرى أن ما أقدم عليه هو فرض عين، وواجب يخصه دون غيره ، راضيا به عن كل ما سواه ، فتلك إذا هي التضحية وهي الوطنية، وهو الإحساس بالواجب والمسؤولية .
مجتمع فيفاء كغيره من المجتمعات في أنحاء مملكتنا الغالية، مر في بدايات هذا العهد الزاهر، بالكثير من التغيرات والتطورات، حيث قامت فيه العديد من المؤسسات الخدمية والاجتماعية والعلمية ، مما هو قائم منها اليوم، حتى أصبحنا نراه أمرا واقعا وكيانا ناجحا، نجهل كثيرا من تاريخها وكيفية نشأتها ، ومعظمها في الحقيقة مر بالعديد من الخطوات والمراحل التأسيسية الصعبة , ونهض على مناكب رجال ضحوا وبذلوا الكثير من الجهد والعرق ، وأعطوا جل وقتهم وعصارة فكرهم وشرخ شبابهم ، وجابهوا العديد من المعوقات والعثرات ،إلى أن وصلوا بها إلى ما هي عليه اليوم من النجاح والثبات والقوة .
كان المؤهلون من أبناء فيفاء وغيرها في تلك الفترة من أواخر التسعينات الهجرية قلة، يعدون على أصابع اليد، ولا يوجد ما يشجع معظمهم على العمل في فيفاء وأمثالها من المناطق النائية ، لعدة أسباب وعوامل ومعوقات , أهمها انعدام المحفزات والمعينات على الحياة الميسرة ، فلا تتوفر فيها الخدمات الأساسية ، فلا طرق للسيارات،ولا كهرباء ولا اتصالات ، ولا خدمات صحية وتعليمية متكاملة ، ولا تتوفر حتى الخدمات التموينية ، ولا الوسائل العصرية المريحة ، فالحياة حينها ما زالت بدائية متخلفة ، مع توفر كل الفرص والإغراءات خارجها ، ومن ألف العيش في المدن وذاق الراحة وسهولة الحياة العصرية ، صعب عليه التأقلم من جديد في بيئة هي على النقيض ، بل قد يوصف من يقدم على مثل هذا بالطيش والتهور ، وان عمله مغامرة ومجازفة غير مضمونة العواقب، قد يندم عليها ولآت ساعة مندم ، فقد لا يستطيع التراجع عنها إن أراد ، إذ لا بد أن يواصل السير إلى آخر الطريق، فالانسحاب خسارة مضاعفة ، وهزيمة صعبة على النفوس الأبية ، لأجل ذلك لا يقدم على خوض مثل هذه التجربة ، إلا صادق العزم قوي الإرادة ، قد وطن نفسه على التحمل والصبر والتضحية، وشمر عن ساعد الجد، وأحسن التوكل على الله ، ولن يخيب رجائه وقت الجنى والحصاد ولو تأخر، فالتربة طيبة صالحة منتجة ، والفضل لا ينسى لأهله، وما عند الله خير وأبقى .
إن التضحية تزداد عندما يكون الإنسان قد تنازل عن طموحاته وأحلامه الشخصية ، التي طالما كافح وجاهد من اجلها ، فلما أصبحت قاب قوسين منه ، وفي متناول يديه ، وإذ به يتخلى عنها راضيا مقتنعا، في سبيل تلبية واجب دعاه، ومهمة عظيمة أسندت إليه، فرأى حتمية الإجابة ، واستشعر عظم المسؤولية ، وانه يرى أن لا عذر له ، خدمة لربه ثم لأهله وأبناء بلدته .
كان يحلم ويخطط لمواصلة دراساته العليا ، التي ضحى من اجلها بالوظيفة المرموقة والمركز الرفيع، حيث كان قد رشح بعد تخرجه قاضيا ، فترك كل ذلك وتنازل عنه في سبيل تحقيق حلم طالما راوده في مواصلة دراسته العليا ، فهو يأمل في أن يحصل على الماجستير والدكتوراه، ويرتقي سلم العلم صعودا ، ذلك هو حلمه وذلك هدفه ، وهاهو يرى الأحلام تدنو وتقترب منه، بل ويلمسها واقعا بين يديه ، فقد أمضى عاما دراسيا ناجحا في المعهد العالي للقضاء ، فكيف إذا يترك كل ذلك ويتخلى عنه ، ويغير مساره واتجاهه بالكلية ، وينقض كل أحلامه ويبددها بيده ، لنستمع إليه وهو يلخص كل ذلك في قوله ( بعد تخرجي من كلية الشريعة مباشرة، تم اختياري مع مجموعة من الخريجين للعمل في وزارة العدل كملازمين قضائيين، إلا أنه نظرا لرغبتي في مواصلة الدراسة، وعدم رغبتي في القضاء، لم أباشر عملي وبقيت على ذلك الحال قرابة سبعة أشهر، وخلال ذلك التوقف كنت أواصل دراستي في المعهد العالي للقضاء ، ثم عينت على وظيفة دارس بالمعهد العالي للقضاء، وحصلت على دبلوم السنة التمهيدية للماجستير، ولم أتمكن من إكمال الدراسة، لأنه عندما تم افتتاح المعهد العلمي بفيفاء، وكانت المنطقة آنذاك صعبة الظروف، إذ لا يوجد بها طرقا للسيارات، والظروف المعيشية صعبة جدا، وواجهت الجامعة مشكلة استمرار أي موظف يوجه لإدارة هذا المعهد آن ذاك، وقد تم استدعائي من قبل وكيل الجامعة حينها، وعرض علي الوضع واعتذرت، لأني لم أكمل الدراسة، وذهابي إلى فيفاء سوف أنقطع تماما عن مواصلة الدراسة، ولكنه ألح علي وأوضح لي أن الأمر يحتاج إلى تضحية وتعاون، فقبلت الأمر لاسيما وقد كان يردد علي مداعبا بأن الجامعة هي التي أنقذتني من القضاء، ثم رأيتها فرصة سانحة لخدمة والديّ الذين كانا كبيرين في السن، وتقديم شيء ولو قليل مما قدماه لي ولأخوتي، ثم خدمة أهلي وجماعتي وتقديم بعض الواجب الذي يجب أن يقدمه أي شخص لإخوانه وأبنائه، وفعلا توجهت للعمل في المعهد العلمي )
أظن الكل قد عرفه، وقدر التضحية التي قدمها ، إن نظرنا اليها بعقلية وفكر تلك الفترة وظروفها، والحاجة القائمة التي عرضتها عليه الجامعة ، وإحساسه بالواجب تجاه تلبيتها ، وما ترتب على قبوله لها من تغيير مساره ومستقبله ، حيث بعثرت كل أحلامه وطموحاته ، وقد أوشك على الوصول إلى تحقيقها .
انه الشيخ الفاضل موسى بن حسين بن ضيف الله بن يحي بن احمد بن الحسن بن احمد .... ... ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما .
image
والده الشيخ الفاضل، والمربي الجليل، الذي بذل حياته وعمره لطلب العلم وتدريسه، والنصح والإرشاد ، وخرّج مجموعة من طلبة العلم المبرزين، في مقدمتهم أبنائه الأفاضل، الشيخ إبراهيم (رحمه الله) والشيخ يحي (حفظه الله) وصاحب سيرتنا العطرة الشيخ موسى (حفظه الله)، رحمه الله من أب شفيق، ومعلم قدير، ومرب كريم ، أجزل الله له المثوبة وأعظم له الأجر ، قال صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاثة ... ومنها ولد صالح يدعو له ).
وأما أمه فهي الفاضلة عافية بنت قاسم سلمان السلماني، من أهل النيد، المشهورين حديثا بأهل الروحة (رحمها الله).
ولد لهذين الفاضلين في عام 1373هـ ، في بيتهم (المبداه) في ذراع آل يحي علي، الواقع في الشمال الغربي من الجبل الأعلى، يطل على كل من وادي الفرع من الجنوب، ووادي المفراة من الشمال ، وعاش طفولته في ذلك المنزل .


تعلمه:
كان والده الشيخ حسين بن ضيف الله (رحمه الله)، يقوم بالتدريس في المدرسة التي افتتحها في منزله المبداه، إحدى مدارس فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي (رحمه الله )، وكانت من اكبر المدارس في فيفاء، لنشاط وتمكن وصرامة شيخها، فما تفتحت عينا(موسى) إلا وهذه المدرسة كيان قائم في فناء دارهم ، ولم يميز إلا وهو يتردد عليها قبل أن يتقن المشي ، لم يهنئ باللعب في طفولته إلا في جنباتها ، فقد ولدا سويا، حيث أنشئت المدرسة مع ولادته ، وتلقى فيها ومنها الكثير من الدروس الحياتية والاجتماعية ، إضافة إلى تعلمه مبادئ القراءة والكتابة ، وحفظ الكثير من سور القرآن الكريم، وأتاحت له فرصة الاختلاط بالناس والطلاب المترددين عليها، واستوعب بعقله الفطن كيفية التعامل مع كل الأطياف ، وأتقن حسن التأدب وكمال الأدب ، والسمت والجراءة في مواجهة الغرباء، والتحدث مع الآخر بكل أدب واحترام .
كانت هذه المدرسة هي الوحيدة في تلك الجهة من الجبل ، تخدم قطاعا كبيرا من قبائل آل سلمان وآل المثيب وآل الخسافي والأبيات، الساكنين في البقع من حولها، ما بين الفرحة إلى بير والى بقعة آل داوود وحاذر، والى المعفودة والدحرة وحمزة والقحيزة والمزام ، يدرس فيها أكثر من تسعين طالبا، كان يعلمهم القراءة والكتابة ، والقرآن الكريم، والفقه والتوحيد والحديث، واستمرت في ذلك النشاط المتدفق حتى بعد أن أغلقت مثيلاتها من مدارس فضيلة الشيخ القرعاوي في عام 1379هـ ، لانتشار المدارس النظامية التابعة لوزارة المعارف ، وتقلص الدعم المادي عنها .
قرر الشيخ حسين بن ضيف الله بعد إغلاق المدارس المماثلة ، وعدم قدرته على المواصلة فيها لتسرب معظم طلابها ، الانتقال إلى صامطة دار العلم في تلك الفترة، حبا للعلم وحرصا منه على استمرار تعليم أبنائه ، وممن يرغب من طلاب مدرسته النجباء، فكان في معيته إضافة إلى أبنائه (إبراهيم ويحي وعلي وصاحبنا موسى) العديد من أبناء جهته وطلاب مدرسته، حيث ألحقهم بالمدارس القائمة في صامطة، وبقي معهم لكي يتشجعوا، بل والتحق بنفسه دارسا في المعهد العلمي ، رغم كبر سنه وتجاوزه الخمسين من عمره ، وكان يرعى الجميع وكأنهم كلهم أبنائه ، واستأجر منزلا كبيرا ليستوعب سكنهم ،بل كان يقوم على خدمتهم والصرف عليهم، بل وحتى الطبخ لهم وتهيئة كل ما يلزمهم ، ومتابعة دراستهم وحسن تربيتهم .
التحق موسى في البداية بالمدرسة السلفية، التي كان يشرف عليها ويديرها فضيلة الشيخ ناصر بن خلوفة (رحمه الله)، وهي تتكون من ثلاث حلقات تدرس القرآن الكريم، والمبادئ في الحديث والتوحيد والفقه واللغة ، وبقي فيها ما يقارب ستة أشهر ، وتعتبر هذه المدرسة هي معيارا لما لدى الطلاب، فمن كان متفوقا واجتاز موادها، ينتقل مباشرة إلى القسم التمهيدي في المعهد العلمي ، التابع لرئاسة الكليات والمعاهد العلمية (جامعة الإمام محمد بن سعود فيما بعد ) .
تزامن في تلك الفترة من عام 1382هـ وما بعدها مع قيام الثورة اليمنية ، واشتعلت بسببها فوضى وفتن عمت اليمن ، وحرب ضروس اشتعلت بين الجمهوريين الثائرين والدولة التي كانت تحكم اليمن(المملكة المتوكلية ) ، وقد وصل شررها وضررها إلى المناطق المجاورة من المملكة العربية السعودية ، حيث لجأ إليها العديد من الفارين من هذه الحروب والقلاقل، بل وحدثت اعتداءات على بعض المدن والقرى الحدودية ، حتى انه في عام 1385هـ تعرضت مدينة صامطة إلى الكثير من هذه الاعتداءات، وألقيت عليها القنابل بواسطة الطيران المصري الداعم للجمهوريين ، مما تسبب في إخافة الناس وإرهابهم ، فهرب معظم سكان هذه المدينة، وتفرق الطلاب منها ، خوفا وطلبا للنجاة لأنفسهم ، ومنهم الطلاب القادمون من فيفاء، ومعهم من كان في رفقة الشيخ حسين بن ضيف الله (رحمه الله) ، فعاد معظمهم إلى فيفاء، وانقطعت المدارس فترة من الزمن بسبب ذلك ، فلما أن هدئت الأحوال ، أعيد فتح هذه المدارس واستأنفت الدراسة فيها ، ولكن لم يعد من الطلاب مع الشيخ حسين إلا أولاده فقط ، وعدد بسيط جدا .
كان موسى حينها قد قبل في القسم التمهيدي من المعهد العلمي، وهو ما يعادل المرحلة الابتدائية، ويؤهل للقبول في المرحلة المتوسطة في المعهد العلمي، فكان من ضمن الدفعة الأخيرة الذين تخرجوا من ذلك القسم، حيث حصل على شهادته، وفي نفس الوقت كان قد سجل بالمدرسة الابتدائية بصامطة التابعة لوزارة المعارف ، في القسم الليلي منها،ونجح منهما جميعا في عام 1386هـ ، فهو يحمل شهادتين ابتدائيتين، مما يدل على تفوقه وذكائه وحرصه على الاستزادة من طلب العلم.
واصل الدراسة في المعهد العلمي المرحلة المتوسطة، لان القسم التمهيدي مرحلة أساسية في المعهد ، ومن اجتازها يدخل الصف الأول متوسط مباشرة ، ولكنه لم يدرس في المعهد العلمي بصامطة إلا السنة الأولى فقط ، حيث انتقل إلى مدينة الرياض ، لان إخوانه الكبار الذين يقيم معهم قد تخرجوا من المعهد العلمي في صامطة، واتجهوا إلى مدينة الرياض للالتحاق بالكليات الجامعية فيها ، ولم يبقى من احد في صامطة يشرف عليه ومازال صغير السن، فانتقل إلى معهد إمام الدعوة العلمي ، وواصل دراسته في هذا المعهد، المرحلتين المتوسطة والثانوية إلى أن تخرج منه وحصل على الشهادة الثانوية في عام 1394هـ .
وقد تتلمذ على العديد من كبار العلماء والمشايخ، فمن أساتذته سواء في المعهد العلمي أو في الجامعة (كلية الشريعة) سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام حاليا في المملكة العربية السعودية، وسماحة الشيخ عبد الله بن جبرين (رحمه الله)، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان مؤلف كتاب الأسئلة والأجوبة الفقهية (رحمه الله) ، وسماحة الشيخ عبد الله الركبان عضوا هيئة كبار العلماء حاليا، وسماحة الشيخ سعود الفنيسان، وسماحة الشيخ عبد الملك آل الشيخ (رحمه الله)، وغيرهم من الأساتذة الفضلاء.
بعد تخرجه من معهد إمام الدعوة ، وحصوله على الشهادة الثانوية منه، التحق مباشرة بكلية العلوم الشرعية ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ،وحصل منها على بكالوريوس في الشريعة عام 1397هـ ، وكان يتوق إلى مواصلة دراسته العليا، فسعى جاهدا إلى الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، حيث يمنح الماجستير، وفي سبيل تحقيق ذلك ضحى بالوظيفة التي رشح عليها، حيث رشح قاضيا في وزارة العدل ، ولم يقبلها ولم يباشر فيها ، وبقي لما يقارب سبعة أشهر في صراع مع وزارة العدل لكي تعفيه من هذه الوظيفة ، وأخيرا استطاع فك ارتباطه من وزارة العدل، وموافقتهم على التنازل عنه، بعد جهد كبير وشفاعات كبيرة، من أناس تعاطفوا مع رغبته العارمة في مواصلة دراسته ، لأنه قرن رغبته في الدراسة في المعهد، مع العمل الفعلي على تنفيذها على الواقع، فقام بالتسجيل في المعهد ومواصلة الدراسة فيه ، مما اقنع القائمين على هذا المعهد برغبته الأكيدة في الدراسة ، وفي مقدمتهم مدير المعهد آنذاك فضيلة العلامة الشيخ مناع القطان (رحمه الله)، فلما تنازلت عنه وزارة العدل رسميا ، عين حينها على وظيفة دارس بالمعهد العالي للقضاء، وكان قد حصل منه على دبلوم السنة التمهيدية للماجستير ، ولكنه عندها توقف عن الدراسة لا رغبة عنها، ولكن تضحية منه بها وبغيرها من الأحلام والآمال ، عندما استدعاه الواجب تجاه بلدته وأهله ، ليستلم إدارة المعهد العلمي في فيفاء في بداية تأسيسه ، وفقه الله وأجزل له المثوبة والأجر.
حياته الوظيفية :
بعد تخرجه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية العلوم الشريعة، تم ترشيحه قاضيا، وأرسلت أوراق تعيينه لذلك من ديوان الخدمة المدنية إلى وزارة العدل، لاستكمال توجيهه إلى إحدى المحاكم الشرعية، ولكنه رفض هذا التوجيه ولم يباشر العمل فيها ، بل سعى جاهدا لإعفائه من هذه الوظيفة ، رغبة منه في مواصلة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، وبعد ما مضى ما يقارب السبعة أشهر ، تم إعفائه من خلال الكثير من الشفاعات والمراجعات، وعندها تم تعيينه على وظيفة دارس في المعهد العالي للقضاء ، وكان هذا المعهد هو الوحيد الذي يمنح شهادة الماجستير، فارتاحت نفسه عندما وضع رجليه رسميا على بداية الطريق الذي طالما حلم به ورغب فيه ، وقد استمر فيه عاما دراسيا كاملا ، حصل فيها على دبلوم السنة التمهيدية للماجستير.
ولأنه قد تم في العام 1397هـ الموافقة على افتتاح المعهد العلمي في فيفاء ، حيث جرى افتتاحه في العام الدراسي 1397/1398هـ ، وأصبح أمرا واقعا، ولكن الجامعة واجهت بعض الصعوبات والمعوقات التي كادت تتسبب في فشله، واكبر هذه المعوقات البيئة الصعبة في فيفاء حينها ، إذ لا يوجد بها طرق للسيارات، والظروف المعيشية متعبة ومرهقة، فإيصال متطلبات المعهد من أثاث ومقررات كانت شاقة ومتعسرة ، ثم مشكلة عدم استمرار الأكفاء الذين اختيروا لإدارة المعهد لتلك الأسباب ، فكلما ندب شخص لتلك المهمة لا يستمر طويلا ، فمعظمهم يطلب منحه فترة ليتعرف على الواقع، وليجرب نفسه ويختبر قدرته على التأقلم مع العيش في هذه المنطقة شبه المعزولة، وقد تعاقب على ذلك أكثر من واحد، منهم الشيخ فرحان بن سليمان، ثم الشيخ بخيت فقيهي، ثم الشيخ إبراهيم بن حسين ضيف الله (رحمه الله)، ثم الشيخ حسن الاسمري ، وكل منهم يطلب إعفائه بعد نهاية فترة ندبه، لظروفهم الأسرية وعدم قدرة الواحد منهم على الاستقرار في فيفاء، لذلك جدت الجامعة في البحث عن الشخص المناسب لهذه المهمة، وكان من اكبر التحديات أمامها ، فمن سيرضى أن يكون في هذا المنصب وكل الظروف والمعوقات تقف أمامه (البيئة وظروفها، والبدايات التأسيسية، وقناعات الناس وكسب ثقتهم، وغيرها من المعوقات والمثبطات الكثيرة).
كان موسى ممن رشح لهذه المهمة ممن يعرفه ، فتضمن تقرير أكثر من واحد ممن كلفوا لشغل هذه العمل ترشيحه ، حيث رشحه الشيخ فرحان، والشيخ ابراهيم ،ورشحه كذلك فضيلة الوالد الشيخ علي بن قاسم، وفضيلة الشيخ د/سليمان بن قاسم، لذلك استدعائه وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية آنذاك، الدكتور عبد العزيز السعيد (الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بعد) لمكتبه وعرض عليه الوضع، ولكنه اعتذر صادقا بأنه لم يكمل دراسته ، ولم يحقق هدفه وحلمه، وفي ذهابه إلى فيفاء حينها انقطاع تام عن مواصلة دراسته، ولكنه ألح عليه، وأوضح له أن الأمر يحتاج إلى تضحية منه وتعاون ، ولم يترك له فرصة للاعتذار، فلما رأى أهمية وخطورة الأمر، وان الواجب يتجه إليه شخصيا في هذا الأمر، وانه لا بد من التضحية في سبيل خدمة بلده وأهله ، وان النكوص عن الاستجابة لما أمل فيه، يعتبر نكران للجميل، وتفريط في الواجب المتحتم عليه تجاه بلده ووطنه ، ثم فكر أن في ذلك فرصة سانحة لخدمة والديّه اللذان كانا قد كبرا في السن، فاستخار الله ووافق متوكلا على الله معتمدا عليه.
توجه لعمله الجديد، وكله أمل وعزيمة وطموح ، ولكن كيف به ولم يكن ذو خبرة سابقة في العمل الرسمي الوظيفي، وكيف به وهو يكلف مباشرة ليكون قائدا ومديرا لمثل هذه المؤسسة الحساسة ، وكيف له التعامل مع واقع جديد ومتغير، وكل يوم يجد أمامه أحداثا وإشكالات وإجراءات مختلفة ، تتطلب معالجات وحلول سريعة وحاسمة ، ففي كل لحظة تحديات ومستجدات ، ولكنه جعل منها محفزات تجعله يتعلم بسرعة ، فكان في كل موطن يستعيد مخزونات ذاكرته ، ويسترجع كل ما مر به أثناء طلبه في المعهد وفي الكلية، ويتذكر كيف كانت تعالج أمثال هذه الأمور، وكيفية التغلب عليها ، وقد وطن نفسه وهيئها لتقبل واستقبال كل التوجيهات، وكل النصائح والانتقادات من الآخرين، والسماع لمن سبقوه سنا وخبرة وتجربة، فيسمع ويتروى ويتعامل مع الأمور بواقعية ، لا يتعالى ولا يتكبر عن قبول النقد الايجابي والملاحظات، وكان لتميز شخصيته الهادئة ، ولذكائه وفطنته ، ولقوة إرادته وإصراره وعزيمته ،دور كبير ومهم أعانه على التأقلم مع هذه التحديات ، فما أسرع ما اتضحت له الرؤيا، وتفاعل مع الواقع، ونجح نجاحا باهرا، دفعه إلى حب العمل والتفاني فيه .
كان يواجه الكثير من التعب والعنت والمصاعب ، حتى في حضوره وانصرافه من والى المعهد، يعاني مشقة السير الطويل ، فسكنه كان في ذراع آل يحي علي، ومقر المعهد في النفيعة ، ويتطلب ذلك جهدا يوميا مضاعفا ، فمع صلاة الفجر ينطلق مشيا على الأقدام لأكثر من ساعة وفي العودة مثلها ، واستمر على هذا المنوال طوال سنوات عمله في المعهد، التي امتدت لما يقارب عشر سنوات، ولكنه مع ذلك كان سعيدا، في إحساسه ورضاه عن نفسه ،وهو يرى في كل يوم وفي كل عام نجاح يتواصل، والطلاب يتزايدون، والإقبال على المعهد يكثر، والأعداد تكبر،والدراسة في أقسام المعهد الثلاثة (التمهيدي والمتوسطة والثانوية) تتطور، حتى انه بلغ عدد الطلاب في تلك الأعوام ، لأكثر من أربع مائة وخمسين طالبا ، وثقته بنفسه تزداد ، وثقة الناس به وبالمعهد تتضاعف ، وكان لما يلقاه من التعاون الايجابي من المواطنين وأولياء أمور الطلاب ، وما يسير عليه المعهد من تألق ونجاح فاق الكثير من أمثاله ممن سبقه من المعاهد العلمية المماثلة ، ولما يراه من تزايد الخريجين في كل عام ، وهم يواصلون دراستهم في الكليات الجامعية ، ويثبتون تفوقهم وجدارتهم ، وحسن إعدادهم وتأسيسهم في هذا المعهد المتميز، يفرحه ويشرح صدره ، ويعوضه عن التضحيات التي بذلها ، والتعب الذي قدمه .
لقد حظي المعهد بالكثير من الدعم والاهتمام من الجميع ، فالجامعة أولته الكثير من الدعم والتشجيع ، فالاهتمام المتواصل من مديرها (معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي) ووكلائه ، كانت مشجعة على تفوق المعهد ونجاحه المضطرد، وتوج هذا الدعم بزيارة معاليه ووكلائه للمعهد في عام 1406هـ ، مما كان له اكبر الأثر على العاملين فيه ، وعلى الطلاب وأولياء أمورهم، وعلى الأهالي كافة، وبالتالي دافعا قويا لمواصلة النجاح، وشاهد على المكانة التي بلغها المعهد بقيادة مديره الفذ ونجاحه.
بعد هذا النجاح، وبلوغ المعهد مكانة راسخة، وتفوقه في كل المجالات والأنشطة ، وبعد مضي أكثر من عشر سنوات من العمل المتواصل ، وبعد وصول التغذية الراجعة من خريجيه الأوائل ، ليكون لهم الدور، ليعملوا ويستلموا الراية بجدارة ، ليواصلوا المسير والترقي به إلى الأعالي ، قرر حينها الانتقال لعمل آخر، ويغير مركزه مجربا مجالات خدمية حيوية خارج التعليم ، فعندما شغرت رئاسة بلدية فيفاء، رغب إليه الكثير من الأهالي في أن يكون مديرا لها ، لكونه من أبناء البلد وهو اعرف باحتياجات بلدته ، ولتفعيل دور البلدية كمؤسسة خدمية تلامس حاجة الناس اليومية ، وتؤسس لمستقبل البلدة ونهضتها ، فهي اكبر المصالح الخدمية في المجتمع ، وأكثر احتكاكا بالمواطن على كل المستويات ، ونجاحها وعطائها مرتبط بما تقدمه من خدمات متواصلة وحيوية ، ورضى الناس وعدمه هو المعيار الأمثل لعملها ، لذلك قرر دخول هذه المغامرة ، مضحيا براحته الشخصية ، خاضعا لحكم الناس، وهو في الغالب حكم شديد وقاس ، (فرضى الناس كما قيل غاية لا تدرك) ولكنه آنس من نفسه قبولا للتحدي ،وانتقل من المعهد العلمي في فيفاء (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية رئيسا لبلدية فيفاء، في عام 1407هـ.
في عمله الجديد تجدد نشاطه وزاد عطائه ، وبذل جهدا ونال نجاحا، وقدم الكثير لبلده وأهله من هذا المكان لا يقل عن ما قدمه في مكانه الأول ، وان كان يختلف لاختلاف الخدمة المقدمة، فالأول نتائجه بطيئة لكنها مؤثرة على المدى البعيد، وهذه نتائجه سريعة وتأثيرها أسرع ، لأنه يتعايش من خلالها مع الحياة اليومية للناس ، ويتفاعل مع معايش الناس اليومية ، فردود أفعالهم سريعة ووقتية ، ورضاهم التام من المستحيلات ، فمن رضي عنك اليوم لمنفعة نالها ، تغير رضاه غدا وأعلن سخطه لتغير الحال وانقطاع المنفعة ، ولكنها في النهاية تتكون الأحكام الصادقة والفاصلة ، فالسائد لدى معظم الناس الاعتراف بالفضل لأهله ، وتقدير البذل والعطاء المخلص ، من خلال المقارنات مع من سبق وتلى ، واتضاح النتائج ومجريات الأمور.
بقي رئيسا لبلدية فيفاء لأكثر من سبع سنوات، حافلة بالجهد والعطاء والإخلاص ، إلى أن ترقى إلى مرتبة وظيفية عليا في جهاز الوزارة في الرياض ، حيث ترقى على وظيفة محقق شرعي ، وباشر عمله فيها ، ثم تواصلت ترقياته في نفس الجهاز ، وتنقل في عدة أماكن ومهام ، فقد تنقل في عدة مناطق ووظائف قيادية ومنها : رئيسا لبلدية رنية وتوابعها منطقة مكة المكرمة ، ثم بعدها مديرا للشؤون المالية والإدارية في أمانة منطقة جازان ، ثم كلف بالعمل مديرا لإدارة التنظيم والتطوير في نفس الأمانة ، ثم محاميا ومستشارا شرعيا و قانونيا ، وهو الآن على وظيفة أخصائي استثمار في أمانة منطقة جازان ، وهو على وشك أن يرسي قاربه على شاطئ التقاعد ، الذي سيبلغه في شهر رجب هذا العام 1433هـ ، وكانت حياته الوظيفية حافلة بالعطاء والبذل والجهد المتواصل، والإخلاص لوطنه ولولاة أمره ولأهله، جعل الله كل ذلك في حسناته، وجعلها تثقيلا لموازينه ، ووفقه في قادم أيامه لما يحبه سبحانه ويرضاه .
فمن خلال عمله الوظيفي الذي بلغ (36) سنة ، شارك في العديد من اللقاءات والمؤتمرات ، فيما يتعلق بطبيعة عمله ، حيث حضر ثلاث مؤتمرات على مستوى المملكة، كانت تناقش الخدمات البلدية وتطويرها، والتنسيق والتكامل فيها مع بقية الدوائر الأخرى، أقيمت في كل من الرياض والمدينة المنورة وأبها.
وله العديد من المشاركات والأنشطة الاجتماعية والخدمية غير الرسمية ، فهو عضو نشط وفاعل في الجمعية الخيرية بفيفاء ، وله جهود متواصلة في الكثير من المشاركات الرسمية وغير الرسمية، وهو إمام وخطيب جامع ذراع آل يحي علي، وله مشاركات دعوية وتثقيفية عديدة ، بارك الله فيه ونفع بعلمه وجهده ، ونتوقع منه الكثير في هذا المجال بعد تقاعده وتفرغه عن الارتباطات الرسمية ، وهو يعلن بكل فخر واعتزاز قوله إن أجمل أعماله وأحبها إلى قلبه كانت (الأيام التي قضاها في خدمة التعليم ، ويعتز كثيرا بالخريجين ممن خدموا وطنهم في كل المجالات ) وفقه الله ورفع من قدره ومكانته في الدنيا والآخرة، ورحم الله والديه، وأصلح له ذريته، وختم له بالصالحات .
حياته الاجتماعية :
له زوجتان هما :
1. الفاضلة خيرة بنت جابر محمد الفيفي ربة منزل .
2. فاطمة بنت مفرح يحي الفيفي مديرة مدرسة آل سلمان الابتدائية .
وله من الأبناء :
1. عبد الرزاق يعمل مديرا لشركة مت نور((mT. Noor ويحضر الماجستير في المعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، ويعمل مستشارا لتطوير الأفراد والمنظمات، ورئيس وحدة البرامج والأنشطة بلجنة شباب العالم العربي.
2. عبد العزيز معلما في مدينة نجران .
3. عبد الرحمن يعمل في هيئة التحقيق والادعاء العام ، ويدرس الماجستير بالمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .
4. خالد طالب جامعي جامعة الملك عبد العزيز بجدة قسم الشريعة والقانون .
5. عبد الله طالب جامعي كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
6. عبد المجيد طالب في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالداير بني مالك .
7. أسامة طالب بالمدرسة الابتدائية بالجوة بفيفاء.
8. عبد الإله طالب بالمدرسة الابتدائية بالجوة بفيفاء.
ومن البنات :
1. أسماء معلمة .
2. أمنة معلمة .
3. لطيفة جامعية ربة بيت .
4. أمينة طالبة .
5. عزيزة طالبة .
6. أنوار طالبة .
حفظهم الله جميعا، وبارك فيهم، ووفقهم إلى كل ما يحبه ويرضاه، ونفع بهم والديهم ، ومنحهم الإخلاص في القول والعمل .
ووفقنا جميعا إلى طاعته ونوال رضاه ــ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محبكم / عبد الله بن علي قاسم الفيفي : أبو جمال
الرياض في 7/3/1433هـ

هناك تعليق واحد:

  1. علم وركن من أركان التعليم في جبال فيفا
    كريم طيب بشوش خلوق ملم مثقف من أسرة طيبة لها مكانتها العلمية في المجتمع الجبلي
    بارك الله له واسعده وكتب أجره ورفع قدره. ..

    ردحذف