هو الجندي المجهول، والدينمو المحرك، لكل تجمعات أبناء فيفاء الناجحة في مدينة الرياض، هو أساس نجاحها، وقاعدة بنائها، يحب الناس واجتماعهم وتلاقيهم، قائد ملهم ورائد مسدد، يبذل جهده وماله وراحته في سبيل أن يسعد الآخرون، يضحي بالكثير من فكره وجهده ووقته وماله لكي يفرح مجتمعه، صائب الفكر سليم الفكرة، ذكي لماح فطن، قائد يحسن فن القيادة، وتوزيع العمل ومتابعة أدائه، وبث الحماس فيمن حوله، بأسلوب راق جميل، لا احد ممن حوله يحس بغضاضة في تنفيذ ما يطلبه منه، بل يتسابق الكل إلى انجاز ما يوجه به ، لأنه يخاطب القلوب قبل العقول، ويتعامل مع المشاعر قبل الجوارح، إنسان بمعنى الكلمة، إن أردته في استشارة أو معونة وجدته يندفع إليك اندفاعا، ويزودك بأكثر مما تطلب منه، هو كتلة من المشاعر والأحاسيس، يندر أن تجد له مثيلا في هذا الزمن، إن عرفته أحببته، وان أحببته أخلصت له، لصدق أفعاله وأقواله، وتوافق باطنه مع ظاهره، لا يحمل حقدا ولا يعرف كرها، الناس لديه سواسية، لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم، ينزل كل المنزلة التي يستحقها، دون مجاملة أو تملق، حليم مؤدب، رقيق العبارة صادق اللهجة .
فيه ولاء صادق ، ووطنية قوية بارزة ، تلمحها في أقواله وأشعاره وأفعاله،شجاع فطن، قوي العزيمة غير متردد، لا يرضى مواقف الهوان والصغار لا له ولا لغيره، لا يبرز نفسه ولا يصدرها، ولا يعجبه المديح ولا يستمع للثناء ، ان أوكل إليه أمر لا يقبل فيه إلا الكمال، فلا بد أن يبلغ به نهايته وقوته ، متحدث لبق، ومحاور مقنع، إن تصدّر انتقى أجمل العبارات، وان تكلّم ابهر بقوة المنطق وأجاويد الكلام .
انه العقيد / يحيى بن احمد بن قاسم آل معسف الابياتي الفيفي .

إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل
ولد لهما في بيتهما دمينة السفلى، بجوار سوق (النفيعة)، في الجبل الأعلى من فيفاء في عام 1373هـ ، وتربى بين هذين الوالدين الفاضلين على أحسن تربية وأتمها، مع شظف العيش وقسوة الحياة في تلك الفترة، فمصادر الرزق محدودة قاصرة على ما تخرجه الأرض من مزروعاتها البسيطة المحدودة، في مقابل ما يتطلبه ذلك من كدح متواصل، فالعمل مضن وشاق ، والمردود قليل ومحدود، بل ويتطلب من كل أفراد الأسرة أن تسخّر كل إمكانياتها وطاقاتها ، وتتظافر جهودها في جلب المصلحة، وتحصيل الرزق ، فكل أفراد الأسرة مطالبون بالمشاركة في الأعمال اليومية في المزرعة، أو في رعي غنيمات قليلة من الماشية، وهذه تأخذ معظم أوقاتهم، وليس هناك متسع أمام الأطفال لكي يلهوا أو يلعبوا .
تعليمه:
كان أخوه الأكبر موسى قد سبقه إلى دخول المدرسة الابتدائية الوحيدة في فيفاء (ابتدائية النفيعة)، وهي قريبة من بيتهم، بل مناظرة له في نفس الجهة (البقعة) فتقع المدرسة في بيت المربوعة في اتجاه الشمال من بيتهم ، وبدخول أخيه المدرسة أزال ما كان عالقا في فكر الأب عن هذه المدرسة الحديثة، من عدم القناعة والجدوى منها، وهو رأي الغالبية في تلك البدايات التطويرية ، لذلك ما إن بلغ (يحيى) من العمر السادسة ، وهي سن الدراسة ، إلا وبادر والده بتسجيله فيها، وذلك في العام الدراسي 1379/1380هـ فكان الأمر بالنسبة إليه أمرا طبيعيا، لم يشعر فيه بأي تغيير أو رهبة، لأنه سيرافق أخاه في غدوه ورواحه، بل أخيه كان له خير معين على فهم واستيعاب دروسه، فكان مدرّسه الخاص في البيت، مما جعله متميزا ومتفوقا في دراسته، اجتاز سنوات الدراسة بكل سهولة، ومضت به السنين مسرعة، وما إن بلغ الصف السادس إلا ووجد أخاه ينتظره فيها، حيث قرر الأب بان يبقى الأخ الأكبر في صفه، فلم يمكنه من أداء الاختبار مع بقية زملائه ذلك العام، ليتزامل مع أخيه في دراستهما، ويطمئن عليهما في سفرهما وفي غربتهما بعد ذلك، إذا ما رغبا في المواصلة ، وهو ما كان ، فالدراسة في فيفاء حينها تنتهي عند هذا الحد وهذه المرحلة ، وما بعدها من المراحل لا بد من الاغتراب خارج البلدة.
تزاملا تلك السنة في الصف السادس، وقدما الاختبار مع بعضهما في نهاية العام الدراسي 1384/1385هـ ، ضمن طلاب المدرسة، في مدينة صبيا، أمام لجنة الاختبارات المركزية، المعتمدة من وزارة المعارف، وقد حققا بفضل الله وتوفيقه النجاح، وكان اسميهما ضمن الناجحين المعلنة بواسطة الإذاعة ، استلما شهادتيهما وبادرا بالتسجيل في المتوسطة الثانية بمدينة جيزان، وسكنا مع بعض الطلاب من أبناء فيفاء ممن سبقوهم .
اصطدما بواقع جديد لم يألفها ، لصغرهما دون سن البلوغ، وهما لأول مرة يفارقان بلدتهما، ويبتعدان عن أبويهما ، فواجها كثيرا من المصاعب والمشاق ، فكانت الأمور مختلفة ، والحياة صعبة ومتعبة ، وهما في هذه السن، قليلي التجربة، معدومي الخبرة ، وبعيدان عن أهلهما ، مغتربان عن بلدتهما ، ويلزمهما العناية بنفسيهما ، وتدبير شؤونهما ومعيشتهما ،وجلب مصالحهما وما يتطلبه الحال، من إعداد الطعام، وغسل الثياب، مع المحافظة على دراستهما، ومواصلة تفوقهما، وواقعهما غير معين ، من حيث قلة ذات اليد،وضعف الإمكانيات ، فعليهما الاعتماد على المكافأة الشهرية فقط ، فليس للأب دخل ثابت يستطيع أن يمدهما منه ، فدخله محدود لا يكاد يسد معيشته و أموره البسيطة في بيته ، لذا كان لزاما عليهما أن ياقلما نفسيهما على هذا الوضع ، وهو ما كان وما اقتضاه الحال ، فقد وازنا أمورهما على ما بين أيديهما ، ومع أن الحياة المعيشية في تلك الفترة سهلة وبسيطة ، فالمكافأة التي يستلمانها (مائة ريال) لكل منهما، تكفيهما وتسد حاجتهما ، وتغنيهما على أن يكلفا والدهما شيء من ذلك.
ولكن ما يعانيانه ليس من هذا القبيل، بل هو اكبر واشد ، يتمثل في الغربة ومفارقة الأهل ، والصدمة الحضارية التي هزتهما ، فاختلاف البيئة والجو ،والناس واللهجة ،والحياة والمعيشة ،وكل الموجودات من حولهما ، سواء في السكن أو في الشارع والمدرسة ، كلها أشياء جديدة لم يألفاه، بل معظمها لم يسبق أن تعاملا معه ، ولأول مرة يشاهدانه، فالبحر المبهر، والسيارة السريعة ، والكهرباء العجيبة ، وكل شيء مختلف من حولهما، فالحياة سريعة صاخبة ، الكل يلهث لا يأبه لغيره ، كأنهم في سباق محموم ، فلا تعارف ولا تعاطف ولا رحمة ، مما جعلهما يحسان أنهما في عالم مختلف ، معاناة وغربة ووحشة، وحياة عابسة مكفهرة ، وجو خانق ، وحالة بائسة قد لا يتصورها أبناء هذا الجيل ، و يتعجبون من ذكرها ، فالحياة اليوم تغيرت واختلفت كثيرا، بخلاف ما كان عليه الحال في الثمانينات الهجرية من القرن الماضي ، قبل خمسين عاما تقريبا، فالأمور جد مختلفة عن حاضرنا الزاهر.
الحياة في فيفاء كانت متخلفة بدائية، الناس فيها يعيشون في مجتمع شبه مغلق ،لم يصلهم شيء من وسائل الراحة، فلا اتصال ولا مواصلات، ولا خدمات كافيه، بل هو ما كان سائد في معظم أنحاء المملكة، فكل المدن والقرى يعيش أهلها في عزلة وتخلف وبدائية، بل كل يعيش في جزيرة مقطوعة عمن حولها ، فمن ينزل من فيفاء إلى عيبان ، أو حتى يخرج من محيط بيته، تنقطع أخباره عن أهله بالكلية، حتى يعود مهما طالت غيبته ، فمن كان في مدينة جيزان، فهو ابعد من أي احد الآن في أقصى نقطة على وجه الأرض ، فأنت الآن تستطيع الاتصال بأي شخص في أي مكان من زوايا الأرض ، تحدثه ويحدثك وتشاهده ويشاهدك مباشرة ، أما حينها فليس من ذلك شيء، فالأخبار تنقطع عن الطرفين جملة وتفصيلا ، إلا أن تصادف من نزل لعمل خاص ، فأخبرك ببعض العموميات عن اهلك ، ونقل عنك بعضا من أخبارك لهم ، أو حملته رسالة مقتضبة ، لا تبل ريقا ولا تشفي غليلا ، ولكن كان لها في ذلك الزمان اكبر الأثر واجل المعاني، وأما لقاء الأهل فلا يتم إلا بنهاية العام الدراسي ، في العطلة الصيفية ، حيث يقضي الطالب إجازته في بلدته عند أهله .
لا تسل عن وضعيهما وحالهما، فقد امضيا عامهما الدراسي الأول، كأطول ما يكون ، لم يكد ينتهي أو يصل إلى انقضاء ، وهما بين دهشة الغربة والمكان ، والتعرف على طبيعته والتعود عليه ، والتأقلم مع النقلة الحضارية، وصخب الحياة من حولهما ، ومعاناة الغربة وصعوبتها ، وعناء المعيشة ومشقتها، وفقد الوالدين وحنانهما ، وذهول الواقع الجديد الذي أقحما فيه ، فالفرق مختلف جدا بين أن تفتح عينيك في الصباح بين والديك ، على زقزقة العصافير، وحفيف الأشجار، ونسيم الصباح، وكل شيء معد ومهيأ، وبين أن تفتحهما على هدير الأمواج، وزعيق طيور البحر، وضجيج السيارات وصياح الباعة ، ولكنهما مع كل ذلك كانا لبعضهما دفق من الحنان والعاطفة ، يشفق كل منهما على أخيه ، يؤانسان بعضهما ويتراحمان، ويخفف كل منهما عن الآخر ، ويخفي عنه كل ما يجده في نفسه من غربة وشوق ، ويحتفظ بها في نفسه، حتى لا يفت في عضد أخيه، أو يزيده هما على همه (إن شكيتم بكينا وان بكينا شكيتم ) ، بل كانا يتواصيان بالصبر والجد والاجتهاد، وان كان الأكبر أكثر معاناة وتحملا من اجل أخيه ، ولكن الأصغر أكثر تأثرا وفقدانا، مضت بهم الأيام والليالي ثقيلة ، ومرت الشهور بطيئة ومتثاقلة ، ورضخا لواقعهما واجبرا نفسيهما على التأقلم على وضّعيهما ، ومع ذلك فالأصغر لم يصل بعد إلى درجة أن يعي سبب غربتهما ، ويفهم أهمية الدراسة وما تعنيه في مستقبل حياته ، لذلك لم يهتم بها كما ينبغي، ولم يلقي لها بالا كما يجب ، فكان كلما خلا لمذاكرة دروسه ، سرح به الخيال، وانشغل عن دروسه بالعبث والتفكير، وعاش في أحلام اليقظة، والتفكير في أهله وبلدته ، حتى مضى به العام دون تحصيل نافع في دروسه ، فلم يوفق في اختبار نهاية العام ، بل رسب ولزمه أن يعيد في سنته .
كان الرسوب يعني إعادة الطالب في فصله ، وتقلص مكافأته الشهرية إلى النصف ، فبدل المائة ريال لا يعطى إلا خمسين فقط ، ولما كانت المائة لا تكاد تكفي فكيف بنصفها ، فلن تغطي شيء من احتياجاته المعيشية الأساسية ، وظروف والدهما لم تتغير ولم تتحسن ، فلن يستطيع جبر النقص الذي حدث ، لذلك قرر من نفسه البقاء في فيفاء، وعدم العودة مع أخيه إلى جيزان ، فهو الحل الوحيد المتاح ، لم يعترض احد على ذلك ، بل لم تجري أي مناقشة للموضوع ، ومضى الوضع وكأنه أمر حتمي وعادي، فمعظم الناس في تلك الفترة لا يستوعبون معنى المستقبل، والجدوى من الدراسة والحصول على الشهادات ، فالنظرة قاصرة عن كل ذلك ، نظرة محصورة في الظروف المعيشية الآنية، والأمور القريبة البسيطة، لذلك مضى موضوع تركه الدراسة دون اهتمام أو اكتراث أو ندم .
بقي مع والديه، ليس لديه ما يشغله في حياته من الدراسة أو غيرها، وانغمس في مشاركة والده ومساعدته في الحقل، يعمل ويكدح وهو في أوج نشاطه وحماسه، وبداية فتوته وشبابه ، فمارس كل ما تتطلبه المزرعة، من الحرث والزرع والقلع ، وحمل كثيرا من الأعباء عن والده في هذا الشأن، وكان في البداية سعيدا راضيا بوضعه الجديد،ولكن مع مضي الوقت ، وانقضاء السنين والعمل واحد يتكرر لا يكاد ينتهي ، وهو يرى أترابه بل ومن هم اصغر منه، جادين في بناء مستقبلهم ، فمن كان منهم يدرس، ومن هو في وظيفة جيدة ، ومن قد تزوج ومن رزق بالأولاد ، وهو في حال واحد لا يرفع رأسا ولا يتحسن له وضع (أصبحنا حيث أمسينا) مما جعله يراجع نفسه، ويفكر في أمره، ويبحث عن مستقبله ، وهل سيبقى هكذا على هامش الحياة ، وهل يرضيه هذا العيش وهذه الحياة المحدودة ، فكر كثيرا حتى استحوذت على فكره ، ثم ناقش الأمر مع أبيه ومع إخوانه ، وتوصلوا جميعا إلى انه لا جدوى من بقائه على هذا الوضع، فهو لا يرضي احد ولا يسر محبا ولا صديقا، وان كان في واقعه قد أراح والده وأهله طوال الفترة الماضية ، وحمل عنهم الكثير من المعاناة والتعب، ولكنه لا يرضيهم ولا يسعدهم أن يبقى هكذا ، والمستقبل أمامه مفتوح ملي بالفرص والطموحات، لخدمة نفسه وأهله ووطنه ، لذلك اتخذ قراره دون تردد، وقد اكتمل شبابه ونضج عقله واتضحت رؤيته .
غادر بلدته فيفاء عام 1393 هـ، متجها إلى مدينة الرياض، يحمل طموحه، متسلحا بشهادته الابتدائية، وكانت لها قيمة، لقلة حامليها في ذلك الوقت ، حيث التحق عسكريا بالحرس الوطني، وتم توجيهه على ملاك مركز الحرس الوطني في منطقة جازان (أبي عريش)، ثم انتقل هذا المركز بعد فترة إلى داخل مدينة جيزان.
أحس بكيانه ووجد نفسه، واستقرت أموره وتفتحت مداركه من جديد ، ووجد عندها أن ما تحقق ليس هو طموحه، فآماله كبيرة ونفسه تواقة إلى الأفضل ، ولكنه إذا ما عاد إلى نفسه أنبها بان هذه هي إمكانياتها والمستوى الذي يناسبها، فاقتنع أن الطموحات لا تتحقق بالأحلام والأماني فقط ، فلا بد إذا من الكدح والعمل، والجد والاجتهاد والتحصيل الدراسي، ليحقق ما يصبوا إليه .
|
لما حصل على هذه الشهادة، تقوت عزيمته، وتفتحت آماله، وزادت طموحاته، واستعاد ثقته بنفسه ، وكان في هذه الأثناء قد تقرر نقل مركز الحرس الوطني الذي يعمل فيه ، إلى المنطقة الغربية (ينبع) فسعى جادا إلى طلب نقله لمدينة الرياض ، حيث أدرك أن فرص تحقيق ما يؤمله ستكون هناك أفضل.
تم نقل عمله إلى مدينة الرياض ، وهنا ارتفعت معنوياته ، وتقوت أحلامه ، واتضحت أمامه الرؤيا ، ووجد التشجيع والتقدير من محيطه ، فوازن بين الفرص المتاحة أمامه ، ولما كان القطاع الذي ينتمي إليه (الحرس الوطني) من القطاعات الناهضة، ومن الأجهزة الحديثة المتوثبة ، التي تهتم بمنسوبيها وتحتضنهم، وتهيئ لهم كل فرص الارتقاء بمستوياتهم ،وتحسين أوضاعهم العلمية والعملية ، بما تتيحه لهم من فرص الدراسة والدورات ، سواء داخل مدارسها ومعاهدها وكلياتها المتخصصة، أو من خلال ابتعاثهم على حسابها الخاص، لنيل التخصصات العلمية المطلوبة، لذلك فقد أبدى رغبته إلى أخيه موسى، بأنه يأمل أن يقبل في المدرسة العسكرية بالحرس الوطني (كلية الملك خالد العسكرية الآن) .
اهتم أخيه بطلبه ، بل وفرح بطموحه وشجعه، ما دامت تلك هي رغبته ، فهو لا شك مؤهل لذلك وتنطبق عليه شروطها ، إلا انه حينها قد مضى ما يقارب الشهر على بداية الدراسة فيها ، ولكنه سعى جادا بنقل رغبته إلى اللواء (عبد العزيز العيار) قائد سلاح الإشارة بالحرس الوطني، مستعينا بشفاعته لتجاوز هذه المشكلة ، فعمل سعادة اللواء على إلحاقه بها ، فتم بحمد الله قبوله طالبا في هذه المدرسة ، فلا تصف مشاعره وفرحته، وهو يضع قدمه على أول درجات تحقيق حلمه ، يقول معترفا بفضل هذا الإنسان القائد (جزاه الله عني كل خير، وأثابه ووفقه دنيا وآخرة مشكورا، إنه إنسان أدين له بعد الله بالفضل ).
كان نظام المدرسة العسكرية، أن يدرس الطالب العسكري فيها المرحلة الثانوية، ومدتها المعتادة ( ثلاث سنوات)، إضافة إلى التدريبات العسكرية اليومية ، فإذا ما حصل الطالب على شهادة الثانوية العامة فيها، أكمل سنتين متخصصة في الدراسة العسكرية ، ولما كان كعادته وطبعه ، على مبدأ الجدية والحزم، والاهتمام التام ، فقد ثابر وتحمل وصبر، إلى أن تحقق له حلمه بالنجاح المستحق ، حتى تخرج منها وقطف ثمرة جهده وسهره ، ونال الشهادة العسكرية بجدارة في تاريخ 1/5 /1401 هـ برتبة ملازم ثاني.
هكذا دوما الطموحات تتحقق، وتدنوا ممن سعى إليها، وجد واجتهد ، ولا تتوقف عند حد معين ، بل يجب على الإنسان أن لا يفقد الأمل، ولا يقعد به الكسل، وإذا ما اخفق مرة عاود المحاولة مرة ومرة ، واختبل كل فرصة شريفة تلوح أمامه ، فيرفع من حصيلته العلمية والمعرفية ، وعلى قدر علوك ترتفع معنوياتك وتعلو همتك، وتزداد ثقة بنفسك ، والإنسان لا يقف طموحه عند سن معين، ولا يتوقف عند أول عقبة تعترضه وتقف أمامه، بل تزيده المعوقات تحديا وعزيمة وإصرارا.
وبعد تخرجه والتحاقه بالعمل الوظيفي، شارك في العديد من الدورات العلمية والتدريبة، التي ترفع وتحسن من قدراته الفنية والمهارية ، مما يتطلبه عمله، وما أوكل إليه من مهام كبيرة ومتعددة ، فقد التحق طوال سنواته العملية بأكثر من دورة ، ومن ضمن هذه الدورات ما يلي :
1 - دورة تأسيسية .
2- دورة متقدمة.
3- دورة تدريب مدربين.
4- دورات تأهيلية على بعض الأجهزة الحديثة.
5- دورة القادة.
الإعمال الوظيفية :
كما أسلفنا كان أول أعماله الوظيفية، أن تعين جنديا في العام 1393هـ ، وباشر هذا العمل في مركز الحرس الوطني في منطقة جازان، فلما انتقل هذا المركز إلى مدينة ينبع عام 1396هـ ، طلب هو النقل إلى مدينة الرياض رئاسة الحرس الوطني ، والتحق مباشرة طالبا كما أسلفنا في مدارس الحرس الوطني.
بعد تخرجه من مدارس الحرس الوطني، وحصوله على شهادتها في تاريخ 1/5/1401هـ ، تم تعيينه على رتبة ملازم ثاني بسلاح الإشارة في الحرس الوطني ، وتدرج في هذا القطاع الناهض مهاما ورتبا، فقام بكل ما أوكل إليه ومارس عمله بكل جدارة وإخلاص ، واثبت نجاحه وتميزه في كل ما اسند إليه من مهام، لان هذا هو طبعه وديدنه وما جبل عليه ، في كل أموره وفي حياته الخاصة والعامة، ينشد دوما الكمال والغاية والإتقان، وقد شغل كثيرا من المهام التي أوكلت إليه طوال حياته العسكرية، في سلاح الإشارة بالحرس الوطني، وتتلخص في التالي:
1.قائد فصيل.
2.قائد للتدريب العسكري بسلاح الإشارة.
3.ضابط شؤون الأفراد في مركز الاتصالات بالحرس الوطني بالرياض، بعد أن تم افتتاحه مباشرة بتقنية جديدة ،واستمر فيه لمدة خمس سنوات.
4.نقل بعدها إلى مدرسة سلاح الإشارة بالحرس الوطني، وعين ضابطا لشؤون الطلبة، ومسؤولا عن استقبال المتقدمين للالتحاق بالمدرسة ، واختبار واختيار من تنطبق عليه منهم الشروط ، وإنهاء كامل إجراءاتهم .
5.بعدها عين على وظيفة ركن العمليات والتدريب بمدرسة سلاح الإشارة .
6.عين مساعدا لقائد مدرسة سلاح الإشارة بالحرس الوطني، إلى أن تقاعد وهو عليها برتبة عقيد في تاريخ 13/ 4 /1424 هـ.
فكانت مدة خدماته الوظيفة ، في القطاع العسكري في الحرس الوطني، منذ تعيينه جنديا في عام 1393هـ إلى أن تقاعد برتبة عقيد عام 1424هـ ، بما مجموعه إحدى وثلاثون سنة (31) كانت كلها سنينا حافلة بالجد والاجتهاد والإخلاص والعطاء .
بعض أدواره الاجتماعية :
هو بطبعه وتكوينه النفسي وجبلته، إنسان اجتماعي ، لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الناس ، بل يعيش في قلبهم وهم يعيشون داخل قلبه ، هو من النوع الايجابي والفعال في مجتمعه ، يتفاعل مع محيطه ويؤثر فيه ، إن حضر أفاد وان غاب فقد، مشارك مؤثر، ومستشار موفق ، وقائد مسدد، لا يستغنى عنه وعن أمثاله في كل أمر جلل .
رأس وما زال يرأس فرقة فيفاء الرسمية للفنون الشعبية ، منذ تأسيسها أثناء زيارة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لمنطقة جازان عام 1427هـ ، حيث أسسها ورأسها بعد ما رشحه لذلك شيخ شمل فيفاء، الشيخ علي بن حسن، بالتنسيق مع أمارة المنطقة، وهذه الفرقة تتكون من ما يقرب الأربعين عضوا، بين مؤد وشاعر وإداري، وشاركت حينها في الاحتفالية الكبرى ، أمام الملك في مدينة جيزان، ضمن فرق المنطقة ، ثم واصلت عطائها ومشاركاتها، واعتمدت مشاركا رسميا في مهرجان الجنادرية الوطني، ضمن الفرق الشعبية في القرية التراثية لمنطقة جازان، من عام 1431هـ وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية ، فكانت مفاجئة القرية ، وعند حسن الظن منها ، نالت الإعجاب، ولفتت الأنظار، وغيرت الصورة عن المنطقة بكاملها ، نجحت فيما تقدمه من إبداع وتميز ، من حسن الأداء، وجمال المنظر وروعته، وتناسق الحركات وبديع الكلمات، ومع الأيام صقلت خبراتها وطورت من أدائها ، وسعت إلى التجديد بما يتوافق مع الأرض ومكان العرض، وما يتناسب مع ذائقة المتلقي ، دون إخلال بالإطار العام ، وبما يعطي صورة رائعة وصادقة عمن تمثلهم ، فرسخت فكرة ايجابية وجميلة عن إنسان هذا القطاع الجبلي من منطقة جازان، وأبرزت مدى ثقافته ووعيه وجميل موروثه، وكل ذلك بفضل الله ثم بما يبذله رئيسها وأعضائها من جهد وتفان وإتقان ، واليوم لها جمهورها المتذوق، يتابعها على الطبيعة، وتلاحقها المحطات الفضائية المتخصصة .
وله دور كبير في عقد اللقاءات، وفي أللتمام الشمل بين أبناء فيفاء في مدينة الرياض، سواء في الأعياد (عيد الأضحى المبارك) وفي المناسبات العامة والخاصة ، بل هو من اكبر المؤثرين فيها وفي استمرارها ، والداعمين والمطورين لها ، وفي استقطاب اكبر قدر ممكن من أبناء فيفاء من الرياض وخارجها ، دون تمييز أو عنصرية ، يبذل الكثير من جهده، والكبير من دعمه المادي والمعنوي في سبيل الارتقاء بها واستمرارها.
عضو فعال ضمن لجان تكريم المبدعين والمتفوقين من أبناء فيفاء في مدينة الرياض، بل هو من اكبر المؤثرين في نجاحها ، فجهوده وبذله سواء المادي أو المعنوي له اكبر الأثر في إبراز هذه المناسبات وتطويرها واستمرارها .
له العديد من الأدوار، التي يصعب حصرها، واعرف انه لا يقبل الإشارة إليها، لا من قريب ولا من بعيد، فهو كما اشرنا في المقدمة (الجندي المجهول والدينمو المحرك) لكل لقاء وتجمع اخوي، لأبناء فيفاء في مدينة الرياض، وفقه الله وكثر بيننا وفي كل مجتمعاتنا وفي كل مدن ومناطق المملكة من أمثاله، العاملين الساعين إلى زيادة الألفة والمحبة في مجتمعاتهم .
وهو مع ذلك شاعر شعبي مبدع، يتفوق كثيرا في الزمول، وفي الألعاب الشعبية المتعددة ،وفي صياغة الألحان والاقتباسات الجميلة ، ويصوغ كلمات رائعة ، متناسقة بليغة، ووصف أخاذ، وصور مبهرة، وقد طرق الكثير من أبواب الشعر الشعبي الجميل، في الوصف والغزل والوطنيات، وسيخرج له في القريب ديوان (نوره ونزف العاطفة) (في المطبعة)، يحوي بعض من قصائده العاطفية الجميلة، وذلك بعد إلحاح من محبيه ومتذوقي شعره، وسيتلوه بمشيئة الله دواوين أخرى في الوصف والوطنيات والأغراض المتعددة البديعة.
نعرض نموذجين من مختاراته الشعرية الوطنية، مما أبدعت به الفرقة الشعبية في مهرجان الجنادرية ، والنموذج الأول (ديننا خط احمر) :
نعرض نموذجين من مختاراته الشعرية الوطنية، مما أبدعت به الفرقة الشعبية في مهرجان الجنادرية ، والنموذج الأول (ديننا خط احمر) :
مثلما قال أبو متعب نردد قناعـــــــة
ديننا خط احمر والوطن في مناعة
دام به نفس في داخل جسدها وداعة
مستحيل ٍ تفرط في الوطن والعقيدة
مقسم ٍ بالله تبقى جماجم روسنا فدا ـ للعقيدة والوطن والحبيب الغالي ـ خادم البيتين مالك قلوب الناس بالغلا
سيدي سيدي والكل سمعن وطاعة
خذ قسم كل فيفي ينتسب في قضاعة
ما يقع حدنا منفذ لراعي الطماعـــة
مثلما قـال بن سنحان بيعة أكيــــدة
والشعب كله جنود ٍ لكل الحد راصدا ـ والحرس والجيش متأهبين طوالي ـ والأمن في واجبه كل باب ٍ صار مقفـــلا
من يبي زعزعة امن الوطن لاندفاعـه
واشترى لأجل ذلك من ينفذ جـماعـــــه
واعتبرها ذراع ٍ سوف يقطع ذراعـــه
كـلـنا فـكـر واعـي عـارفيـن المكيدة
نسمع أصوات المخادع يقول الموت للعدى ـ لعن أبو حيه طريق العدى منّا لي ـ ويش جابه عندنا منهجه منهاج لـولا
كـل مـوهوم يصحى قـد كشـفنا قناعــــــــه
سوف يبقى وطـنا شامخ ٍ في ارتفاعـــــه
في الأيـادي ألأمينه تحت حـكم البراعه
ارض دستــورهـا الــقــرآن تبقى عنــيــده
قبلت الإسلام ربي عطاكم حكمها بدا ـ ما يسلمها لفاسق ولا متعالي ـ ربنا يعلم ويختار جل الله في العلا
اما النموذج الثاني بعنوان (جبل دخان):
كلنا يا جبل دخان شعب الجزيرة - درعك الواقي - ابتسم يا جبل دخان أحلا ابتسامة
سوف تبقى شامخ ٍ راسي - عهدنا قاسي - ســنايـدك للمـوت ظـميانــــه
دون عرض الوطن نشعل نيار ٍ سعيره - تحرق احراقي - ترمد أعظامكم يا بايعين السلامة
مـا يدنس أرضنا خاسي - باسنا باسي - صـقـور أبو متعب وفـرسانـه
بعتم أرواحكم والعهد لارض ٍ وجيره - وسط لعناقي - وصمة العار تبقى .غير يوم ألقيامه
كــــم قبضتم قيمة السـاســي - بيعة إفلاسي - راح الثــمن والسـاس وأركـانه
كم وكم يا نفوس ٍ في ذممكم كثيرة - وأنظروا الباقي - أم تبكي ولدها وابن يرضع بهامه
مــن يطـاوع كــيد خناســي - يشرب الكاسي - ويجرعه ربعه لشيطانــــــــه
ديننا خط احمر والوطن في مناعة
دام به نفس في داخل جسدها وداعة
مستحيل ٍ تفرط في الوطن والعقيدة
مقسم ٍ بالله تبقى جماجم روسنا فدا ـ للعقيدة والوطن والحبيب الغالي ـ خادم البيتين مالك قلوب الناس بالغلا
سيدي سيدي والكل سمعن وطاعة
خذ قسم كل فيفي ينتسب في قضاعة
ما يقع حدنا منفذ لراعي الطماعـــة
مثلما قـال بن سنحان بيعة أكيــــدة
والشعب كله جنود ٍ لكل الحد راصدا ـ والحرس والجيش متأهبين طوالي ـ والأمن في واجبه كل باب ٍ صار مقفـــلا
من يبي زعزعة امن الوطن لاندفاعـه
واشترى لأجل ذلك من ينفذ جـماعـــــه
واعتبرها ذراع ٍ سوف يقطع ذراعـــه
كـلـنا فـكـر واعـي عـارفيـن المكيدة
نسمع أصوات المخادع يقول الموت للعدى ـ لعن أبو حيه طريق العدى منّا لي ـ ويش جابه عندنا منهجه منهاج لـولا
كـل مـوهوم يصحى قـد كشـفنا قناعــــــــه
سوف يبقى وطـنا شامخ ٍ في ارتفاعـــــه
في الأيـادي ألأمينه تحت حـكم البراعه
ارض دستــورهـا الــقــرآن تبقى عنــيــده
قبلت الإسلام ربي عطاكم حكمها بدا ـ ما يسلمها لفاسق ولا متعالي ـ ربنا يعلم ويختار جل الله في العلا
اما النموذج الثاني بعنوان (جبل دخان):
كلنا يا جبل دخان شعب الجزيرة - درعك الواقي - ابتسم يا جبل دخان أحلا ابتسامة
سوف تبقى شامخ ٍ راسي - عهدنا قاسي - ســنايـدك للمـوت ظـميانــــه
دون عرض الوطن نشعل نيار ٍ سعيره - تحرق احراقي - ترمد أعظامكم يا بايعين السلامة
مـا يدنس أرضنا خاسي - باسنا باسي - صـقـور أبو متعب وفـرسانـه
بعتم أرواحكم والعهد لارض ٍ وجيره - وسط لعناقي - وصمة العار تبقى .غير يوم ألقيامه
كــــم قبضتم قيمة السـاســي - بيعة إفلاسي - راح الثــمن والسـاس وأركـانه
كم وكم يا نفوس ٍ في ذممكم كثيرة - وأنظروا الباقي - أم تبكي ولدها وابن يرضع بهامه
مــن يطـاوع كــيد خناســي - يشرب الكاسي - ويجرعه ربعه لشيطانــــــــه
الحالة الاجتماعية:
متزوج وزوجته هي الفاضلة فاطمة بنت جابر بن على بن حسن الابياتي الفيفي
ورزقا بالعديد من الأبناء :
1 عبد الله توفي رضيعا رحمه الله وجعله فرطا لوالديه وشفيعا لهما.
2 تركي توفي بعد ولادته رحمه الله وجعله فرطا لوالديه وشفيعا لهما.
3 سحر متزوجة وتعمل في مجال التدريس.
4 سوسن تعمل بمجال التدريس.
5 عبد الرحمن خريج كلية الهندسة جامعة الملك سعود بالرياض .
6 عبير متزوجة .
7 هاني طالب بكلية الملك خالد العسكرية بالحرس الوطني السنة الثانية.
8 أريج طالبة في الصف الثالث الثانوي.
9 حسام طالب في الصف السادس الابتدائي.
حفظها الله من اسرة كريمة ووفقهم لكل خير.
هذه صور مقتطفة ومختصرة، لشخصية اجتماعية رائعة، وجاءت متأخرة في الكتابة عنها، وان كانت جديرة بالتقديم، لتأبي صاحبها على أن يسمح لي بالكتابة عنه، فكنت اكرر الرغبة عليه والإلحاح في كل لقاء، فلم يسعه في النهاية لكرمه وحسن ذاته إلا الرضوخ والاستجابة، وإنما كان تأبيه تواضعا منه، حيث يرى انه دون أن يستحق الكتابة عنه، أو يكون ضمن الكوكبة التي شرفت بتقديمها هنا ، ولدينا والحمد لله في مجتمعنا الكثير من هولاء الكواكب المضيئة، فهو مجتمع والحمد لله يزخر بالعديد من هولاء القمم، الذين يرفع بهم الرأس ، مما يجعلني احتار كثيرا في انتقاء الشخصيات التي أقدمها، وان كنت اجهل كثيرا من الشخصيات الجديرة بالكتابة عنها، فالعذر فهذا جهد المقل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
محبكم /عبد الله بن علي قاسم الفيفي /أبو جمال
الرياض في 13/10/1433هـ
الرياض في 13/10/1433هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق