مع بداية العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري الماضي، والى العقد السادس منه، كانت فترة حافلة بالكثير من التحولات، و التغيرات الكبيرة والعظيمة، التي لم تمر بمثلها فيفاء وما جاورها من قبل ، بل والمنطقة بكاملها، وحتى الجزيرة العربية عامة ، حيث اشتد الحراك السياسي، وتجاذبت المنطقة عدة قوى، كل منها تسعى إلى الفوز بكسبها في صفها ، ومع اشتداد هذا الحراك السياسي، وما ترتب عليه من شد وجذب، وتهديدات ووعود، وحروب وعهود، وتحالفات وخصومات ، فكان لابد من حسم الأمور واتخاذ القرار السليم،وتحديد المصير الذي سيترتب عليه الكثير في الحاضر والمستقبل ، فلكي يكون قرارا سليما، واختيارا موفقا ، كان لابد أن يكون مبنيا على استقراء جيد، وتوقع سليم، ومعرفة واستيعاب تام للخيارات المتاحة ، واخذ الأفضل والأسلم من القرارات ، ولم يكن ذلك بالأمر الهين ولا بالشيء السهل .
لقد كان الاختيار بفضل الله وتوفيقه سليما وموفقا، عرفناه اليوم، ونحن نرى ما وصلنا إليه وما آل إليه الحال ، في كل الجوانب والجهات ، وكما قيل (وفي الصباح يحمد القوم السرى) لم تكن الأمور في ذلك الوقت بالوضوح الذي هي عليه اليوم ،فالحليم يبيت حيرانا، وصاحب القرار مطلوب منه الحزم والعزم ، فكل يطلب منه تحديد اتجاهه مع أو ضد، ويصعب التراجع بعد الاختيار ، بل قد يستحيل في كثير من الحالات ، لذلك عاش كثير من المتصدرين لأقوامهم وقبائلهم في تلك الفترة الحيرة بعينها، والاضطراب وعدم وضوح الرؤيا، فالعيون تعلوها غشاوة، والمرجفون والمطبلون يتكاثرون، ويسعون إلى التأثير على صاحب القرار ، يدفعهم إلى ذلك، إما الخوف والجبن والخور ، أو المصالح المادية الوقتية، أو التوجهات المذهبية أو العرقية ، وكان معظمهم لا تتعدى نظرته أرنبة انفه، يعيش يومه ولا يبالي في غده ، وكل هذه الظروف والإرهاصات لا شك تجعل الحليم تائها محتارا ، فتلتبس عليه الأمور، ويضيع منه الفكر ، وهو حال معظم الناس، عندما يكونون داخل الأحداث، وفي وسط المعمعة ، تعمى بصيرتهم، وتهتز خطوات مسيرهم ، فلا يرون الأمور على حقيقتها، ولا يميزون صحيحها من سقيمها ، فالرؤيا مشوشة غير واضحة ، والأفكار مضطربة غير منضبطة ، بخلاف الناظر إليها من الخارج ، فالصورة تكون أمامه كاملة واضحة ،بعيدة عن العاطفة الخادعة، فلا يتأثر نظره بضيق الوقت ، فيكون حكمه سليما صائبا، مبنيا على منظور سليم، ورؤيا واضحة ،واستقراء مجرد جيد، فعندما لا ترى إلا جزءا يسيرا من الصورة ، لا شك سيكون فهمك واستيعابك لها ناقص وقاصر بقدر ما احتجب عنك منها ، فالعاقل يحرص على الإلمام بالصورة كاملة من جميع جوانبها، قبل أن يصدر حكمه عليها ، مهما اخذ منه من جهد ووقت ، فالإنسان يملك الكلمة والقرار قبل إعلانه ، فان أعلنه ملكه وأصبح مرهونا به ، وقد يندم بعدها ولات ساعة مندم . هذا تمثيل للوضع الذي كانت تعيشه قيادات المنطقة ومشايخها، في تلك الفترة العصيبة والمتلاحقة ، فالأحداث تعصف بهم من كل جانب ، والمغريات والوعود والتهديدات تتناوشهم ، والأمور المدلهمة تكتنفهم وتعصف بهم ، قد التبست على كثير منهم حقائق الأمور والسياسات ، لذلك سعى الشيخ الداهية العبقري الفذ علي بن يحي (رحمه الله)، وهو يتلمس الطريق الأمثل والأسلم، في خضم تلك الأحداث التي تمر به ومن حوله، والأمواج العاتية التي تكاد تغرق كل السفن في محيطه ، إحساسا منه بالمسؤولية ، وتحريا للاختيار السليم الصائب ( والرائد لا يكذب أهله). فكان يشاور ويستشير من يثق بهم، ومن سيجلون له الصورة من خارجها ، لذلك دار حديث قد يقال عابر وما هو بعابر ، بل يحوي فكر وتجربة وتحديد مصائر، بدائه الشيخ علي بن يحي بتوجيه سؤال حائر ، إلى الشيخ محمد بن دليم أبو لعثة القحطاني ،كبير مشايخ قحطان (سراة عبيدة)، عندما التقيا في بلاط الإمام الإدريسي ، وكان أبن دليم ضيفا زائرا على الإدريسي ، وهو قافل من زيارة قام بها إلى صنعاء، قابل فيها الإمام يحي حميد الدين، ملك المملكة المتوكلية اليمنية ، وقد طوف قبلها في زيارات استكشافية مماثلة ، لكل من الإمام محمد بن القاسمي، الثائر على ابن عمه الإمام يحي في شمال اليمن (أم ليلى)وما حولها ، وقد زار أيضا قبلهما الملك عبد العزيز آل سعود ، فكانت لديه فكرة كاملة عن هولاء ، وكل من الشيخين قد ارتاح إلى صاحبه ، وسبر غور فكره ومنطقه ،ووثق في حكمه وحسن تدبره ، بعد أن أفضى كل منهم للآخر بسره، وتوصلا بثاقب فكريهما إلى أن الإمام الإدريسي غير قادر على سد الفراغ السياسي في المنطقة، فكان لب حوارهما ومضمونه، تقييمهما لما يجري في المحيط حولهما ، وهو في طريقه لا شك إليهما . فقال الشيخ علي بن يحي موجه حديثه للشيخ ابن دليم ، لقد كثرت علينا الدول والسلطات، وكل يريدنا في صفه وجانبه ، فمن غربنا الإدريسي، ومن الشرق القاسمي ، ومن الجنوب يحي حميد الدين، والملك عبد العزيز آل سعود من الشمال، حتى أصبحنا في حيرة من الأمر؟ ، فأجابه الشيخ بن دليم لقد وقعت على خبير، فقد عرفتهم عن قرب، وسبرت منهم الكبير والصغير، أما ابن حميد الدين فهو رجل دين ودولة، ولكن آل حميد الدين يتصفون بالشح والمكر، فإذا كانوا بحاجة إليك فهم سمن في عسل ، وإذا استغنوا عنك نسوك ، وأما الإمام القاسمي فهو رجل علم فاضل، ولكن لا بصيرة له بأمور الديولة ، وأما الإدريسي فهو رجل مكمل، ولكن ليس له عضد من ضلعه، لأنه غريب ودولته في عشعوش ، وأما ابن سعود فهو رجل دين ودولة، ولو لم يكن فيه إلا الصدق والوفاء والشجاعة لكفى ، واعتقد انه لن يستقيم لغيره أمر ، وتراني ذاهب إليه لمبايعته ، فقال علي بن يحي صدقت، وسلم لي على الملك عبد العزيز ولا تنسانا ونحن معك ، (بتصرف من كتاب ـ فيفاء بين الأمس واليوم ـ علي بن قاسم ص 90) . أكد الحوار قناعات الشيخ علي بن يحي ، فقاد السفينة بكل حنكة واقتدار، بعد أن حدد الهدف والمسار، بين أمواج عاتية، ورياح عاصفة، وتيارات عنيفة، حتى رسى بها بفضل الله وعونه، على ميناء الاستقرار والأمن والرخاء والاطمئنان، والغد المشرق والمستقبل الرغيد . كان حوله رجال يستشيرهم ويعينونه ويسندونه، ويعتمد عليهم في كثير من أموره، وما يسعى إلى تحقيقه وانجازه ، ومن نستعرض سيرته هنا، إنما هو أنموذج لعشرات بل ومئات من الرجال كانوا حوله، يثق بهم ويعتمد عليهم, وهذا كان من أقربهم وألصقهم به ، فهو أخوه من أبيه، وهو من رباه فأحسن تربيته والعناية به ، قد سبر غوره، وبلا ذكائه وعزمه ، ووثق بفكره وحسن تدبيره ، فاتخذه سندا وعضدا قويا، يعتمد عليه ويطمئن إلى حسن تصرفه ورجاحة عقله، فجعله سفيره الخاص، وممثله الشخصي، يكل إليه مهام الأمور وعظيمها ، وينوب عنه في التفاوض واتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية ، مثّله أمام الملوك والأمراء والقواد وأهل السلطة ، كان المتحدث باسمه وسفيره فوق العادة ، أدى مهامه وسفاراته بكل جدارة واقتدار ، ونفذها على خير وجه وأتمه ، ونقل صورة جميلة ناصعة عن الشيخ الجليل، وانطباعا رائعا عن فيفاء وأهلها (رحمه الله رحمة واسعة ، وأعظم أجره، وأثابه خير الثواب وأجزله). انه الشيخ الفاضل/ حسن بن يحي بن شريف بن جابر السنحاني المثيبي الفيفي . ![]() إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل الأخ الأصغر للشيخ علي بن يحي، وساعده الأيمن، وعضيده ونصيره ،وسفيره الخاص وممثله الشخصي في كثير من اللقاءات الهامة والمصيرية، أداها بكل اقتدار واحتراف، وصدق وإخلاص، وكان أهل لكل ما أوكل إليه من مهام خطيرة وجليلة . مولده ونشأته: والده هو الشيخ يحي بن شريف (رحمه الله) الشيخ المصلح ، والسياسي المحنك ، الذي أسس قواعد إصلاح المجتمع، وتكفل بها حتى دخلت حيز التنفيذ، فهو مصلح عظيم، له فضل كبير على فيفاء والمنطقة بكاملها، نقلها من الجهل إلى دروب العلم والنور، ومن دياجير الشرك إلى دائرة الإيمان، جلب إليها المعلمين، وأقام فيها المساجد، وحكّم الشريعة الإسلامية، وحارب البدع والخرافات، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وشجع الناس على طلب العلم وتعليم أبنائهم، وابتداء بتعليم أبنائه وهيئهم حتى ساروا من بعده على نفس النهج، فكان له بفضل الله الأجر والمثوبة على كل خير وصلنا إليه ، في حاضرنا وغدنا، والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأمه هي الفضلة / ريعة بنت يحي بن علي المشرومي المثيبي الفيفي، كانت قارئة للقران الكريم ومتفقهة في أمور دينها، فهي من أسرة علم وفضل وتقى ، من آل المشروم الذين لهم القدح المعلى في العلم ونشره وتعليمه ، فمنهم إخوتها/ سلمان وعلي وحسن واحمد ابنا يحي علي، وأبنائهم أهل حمزة، وأهل حقيقة والمشروم ،وأهل الثاهر، رحم الله من مات منهم ، وحفظ بحفظه الباقين من آلهم وذرياتهم. ولد لهذين الأبوين الفاضلين في بيتهم (الحيداني) الواقع في منتصف الجانب الشرقي من الجبل الأعلى من فيفاء، في تاريخ 2/2/1317هـ ، ولكنه لم يسعد بوالديه، ولم يعرفهما تمام المعرفة ، حيث ماتا وما زال صغيرا لم يميز بعد ، حيث توفي والده الشيخ يحي بن شريف(رحمه الله) وهو دون الرابعة من عمره، ولم تلبث أمه طويلا حتى توفيت (رحمها الله) وهو دون السادسة من عمره، فعاش يتيم الأبوين . تولى تربيته ورعايته من بعدهما، أخوه الأكبر الشيخ علي بن يحي (رحمه الله) حيث حرص أن لا يشعر بفقد والديه، أو يؤثر فيه موتهما، فتولى بنفسه رعايته، واسكنه معه في بيته، البيت المعروف (القديم) ، وزاد من حرصه عليه وعنايته به، انه بقي فترة طويلة لم يرزق خلالها بولد، فانزله من نفسه منزلة الولد ، وحباه من الحب والعطف الشيء الكثير، وحاطه بالرعاية والتربية والحنان، ما عوضه فقد والديه، لذلك لم ينسى لاخيه ذلك الفضل والمعروف ، فكان لا يخاطبه إلا خطاب الابن لأبيه، حيث بادله حبا بحب ، ووفاء بوفاء ، في حياته ولذريته من بعد مماته، رحمهما الله، وجمعهما في مستقر رحمته . طلبه العلم : أظن ولا اجزم أن والدته (ريعة) وهي قارئة للقرآن الكريم، ومتفقة في الدين، أنها كانت ولا بد تناغيه وتلقنه بعض قصار السور في صغره، فقد تربى في كنفها إلى أن بلغ السادسة من عمره ، والمعروف أن الطفل يبدأ في الاستيعاب والتعلم من بعد الثالثة أو الرابعة من عمره. وأما ما اجزم به انه لما بلغ سن التمييز، في حدود العاشرة من عمره، رغب عمه احمد بن شريف بن جابر، في أن يكون تحت وصايته ، وكان قد كبرت سنه ، ولم يرزق بولد ، لعارض أصابه في شبابه ، من جراء مشاركته في حرب عدة ، لذلك استأذن من ابن أخيه الشيخ علي بن يحي في أن يقيم لديه ، ليعينه على بعض أموره الحياتية ، ويتكفل هو بتربيته على أفضل ما يكون ، فلم يمانع من الموافقة له بذلك، لما يعرفه عنه من الصلاح والتقى، ولثقتة انه سيوليه عناية ويحسن تربية . فانتقل للسكن في بيت عمه المربوعة، وهو البيت الواقع في جهة النفيعة ، فأولاه عمه جل اهتمامه، وكامل رعايته وعنايته ، حيث رباه على أفضل الأخلاق وأحسنها ، وحرص على أن ينال أفضل تعليم وأتمه ، وان ينشأ على التربية الصالحة النافعة ، فسعى به إلى مدرسة خاله سلمان بن يحي المشرومي، حيث كان يصطحبه بنفسه في كل يوم سبت إلى مقر هذه المدرسة، في بيت خاله (المشروم)الواقع في منتصف الجبل الغربي من الجبل الأعلى ، وتكفل عمه بالإنفاق عليه، وتوفير كل ما يلزم له في سبيل تعلمه ، وتكفل خاله بان يوليه جل اهتمامه وكامل رعايته ، فلازم خاله ملازمة تامة ، يبقى لديه من صباح يوم السبت إلى مساء الأربعاء ، لا يكاد يفارقه في كل حالاته ، يعيش معه خلالها في بيته ، وفي صحبته في مدرسته ومسجده ومزرعته ، ولا يغادره إلا يومي الخميس والجمعة، ليعيشهما في بيت عمه ، وقد بقي على هذا الحال سنين عديدة ، حتى أتم ختم القرآن الكريم وأتقنه ، وأتقن معه القراءة والكتابة ، واستوعب الكثير من مبادئ العلوم الشرعية ، يعينه مع زيادة الحرص من عمه وخاله ، ما منحه الله من ذكاء وفهم وحسن استيعاب . توفي عمه احمد بن شريف (رحمه الله)، وكان في مشارف سن البلوغ ، ناهز الخامسة عشرة أو قريبا منها، وكان عمه قد أوصى له ببيته المربوعة، وكل أملاكه حولها ، وجعل خاله سلمان بن يحي المشرومي وصياً عليه ، في القيام عليه في تنفيذ تلك الوصية ، والإشراف على استكمال تعليمه. لما كانت الوصية لا تجوز شرعا، بما ورد نصه (لا وصية لوارث)، ولعلم الشيخ علي بن يحي والمعلم الوصي سلمان بن يحي بذلك، فقد حرصا على ما فيه مصلحة اليتيم،على أن لا يخالفا الشرع الحنيف ، حيث سعيا إلى إيجاد الحل المناسب لتتميم هذه الوصية ، وذلك بتعويض بقية الورثة من بعض المنقولات في البيت من حبوب وخلافه ، فتنازل هولاء الورثة عن طيب خاطر لمصلحة الموصى له وشفقة عليه ، وهكذا حلت هذه المشكلة ، فلما عولجت هذه الجزئية من الوصية ، سعى الخال الوصي إلى استكمال بقية الوصية، فيما يتعلق بتعليمه، فاصطحبه إلى هجر العلم القائمة في تلك الفترة، في صعدة وضحيان ، حيث ادخله بعض مدارسها، وبقي معه يراعي مصالحه، ويهيئ له أمور معيشته ، فانغمس في طلب العلم بكل جد واجتهاد ، ونال الكثير منه ، وقد بقي على ذلك ما يقارب العام ، ثم اشتاقا إلى الأهل والديار . وقررا الزيارة لفترة يسيرة ثم يعاودان المشوار. لما عادا وكان الشيخ علي بن يحي، على أحر من الجمر، يرقب غياب أخيه بكل قلق ، لمعرفته بالأحداث والقلاقل التي تجتاح المنطقة في تلك الفترة ، والاضطرابات الأمنية القائمة في تلك الجهات ، من جراء الحروب والتنافس المحموم على السلطة، بين الإمام يحي حميد الدين وابن عمه المنشق محمد القاسمي، الذي اتخذ من لواء صعدة مقرا له ، حيث خشي الشيخ على أخيه من أن يتعرض لأي أذى، أو يتخذ وسيلة ضغط ضده إن عرفت صلتهما ببعض، فلما لم يستطع إقناعه أو إقناع خاله بهذا الخطر المتوقع ، لم يجد وسيلة أو حيلة يمنعه بها عن معاودة السفر، إلا أن زوجه رغم صغر سنه ، فكان ذلك علاجا حاسما أبقاه معه، وحجة يستطع منعه بها من السفر ، فكيف يترك أهله وزوجته ، فحمله المسؤلية بهذا الزواج . ولأنه لم يستطع السفر مرة أخرى ،في سبيل طلب العلم،ولكنه مع ذلك لم يقف عن الاستمرار في نوال حظه منه، فعوضه بالاتجاه إلى القراءة الجادة، ونمى من خلالها الكثير من معلوماته وثقافته وفكره ، فاشتد نهمه للقراءة في كل ما يتوفر أمامه من الكتب وهي شحيحة ، فلا يكاد يجد كتابا في بيت أبيه أو أخيه أو لدى أخواله إلا وسعى إلى الحصول عليه، ومطالعته واستيعابه وفهمه ، واقتنى في سبيل ذلك الكثير من الكتب، من خلال أسفاره واتصالاته بالعلماء، فكانت لديه مكتبة عامرة ، فيها الكثير من الكتب العلمية والمخطوطات الجيدة ، في مجالات شتى من الحديث والتفسير، وكتب السير والتاريخ والآداب . بل انه درس في مدرسة أخيه الشيخ علي بن يحي، بل جامعته التي تلقّى فيها الكثير من الدروس والعبر، العلمية والعملية , النظرية والتطبيقية ، فقد تربى على يديه أحسن تربية ، وتدرب على الكثير من المهارات ، فقد كان له الأب والأخ المشفق ، فعاش في بيته ونشأ في كنفه ، يحوطه برعايته ويوليه عنايته ، حتى بلغ مبلغ الرجال ، واكتمل تكوينه العلمي والعقلي ، ولازمه طوال حياته كظله، لا يكاد يفارقه نهاره وليله , يحضر مجالسه الخاصة والعامة، لا يفوته موقف من المواقف، فهو حاضر ومشارك فاعل، في قلب الأحداث واللقاءات، بجانب أخيه في حله وترحاله، في حربه وسلمه ، يسمع ويرى ، يفكر وينظر ، يدرك ويستوعب ، يرقب كامل التصرفات، وكل النقاشات والحوارات،وكل المحاورات والمساومات، يتفاعل مع الشد والجذب والضغوطات ، وكل تفاوض وما يتخذ من إجراءات، يدقق بعين الفاحص الخبير، ويتعرف على أساليب التوريد والتصدير ، فعرف دهاليز السياسة ، وكيف مخاطبة العامة وأهل الرياسة ، وحسن التعامل مع الواقع، والتأقلم مع الفعل ومجرياته والدوافع ، متى تكبت العواطف فلا تظهر لمستغل ، والتصرف المناسب مع كل ملم ومشكل ، يميز الصحيح من السقيم ، ويتجنب الخطأ ويتبع السليم ، لا يتأثر في حال الغضب وحال الرضا ، فالقائد إن سار خلف عاطفته ضيع من خلفه ، وان حكم عقله وشاور ثقته، سعد وسعد قومه من بعده ، فيعرف موقع الخطوة واتجاهها ، ويشاور أهل الرأي في صغيرها وكبيرها ، لا يعتمد على رايه المجرد ، أو يركن إلى عقله وخبراته فقط ، مما قد يتسبب في الزلل والخطأ ، فيندم ولآت ساعة مندم . كل هذه الدروس والتطبيقات، تلقاها من هذه الجامعة العظيمة، والأكاديمية المتخصصة، وحاز الدرجات العالية، حتى اشتد عوده وقوي زنده ، وأصبح لأخيه سندا وعضدا ، ووزيرا محنكا خبيرا، وسفيرا ثقة جديرا، حاز ثقته ونال رضاه ، حتى أصبح ممثله الشخصي ، وسفيره ونائبه الخاص، أدى ما أوكل إليه بكل جدارة واقتدار، ونفذ كل ما اسند إليه دون تباطآ أو تأخير. أهم أدواره ومهامه : له العديد من الأعمال والأدوار المهمة والخطيرة، قام بها داخل فيفاء وخارجها، بناء على تكليف من أخيه الشيخ علي بن يحي، لا نستطيع حصرها ولا تعدادها ، ولكن نورد بعض منها مما نظنه جدير بالتخليد (فحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق) ونقصر حديثنا على أهم الأدوار وأكبرها، التي كانت أركانا ومحاورا عظيمة، قامت عليه الكثير من حياة أهل فيفاء، في حاضرها آنذاك، وفي مستقبل أيامها ،وما نحن عليه اليوم وغد، والى ما شاء الله، رحمهما الله جميعا، وكتب لهما كل ما قدما في موازين حسناتهم ، ونلخص أهم ذلك فيما يلي : أولا: بعد المعاهدة التي تمت بين الملك عبد العزيز آل سعود وبين الإمام الحسن الإدريسي، المعروفة بمعاهدة مكة المكرمة في 24/4/1345هـ ، والتي كان من مقتضى بنودها، اخذ البيعة والعهد على جميع قبائل المنطقة للملك عبد العزيز، ليستطيع إدارتها خارجيا، ولتنضوي تحت حكمه إداريا، فكان الحسن الإدريسي يحث المشايخ على سرعة المبادرة إلى هذه البيعة، ليفعل المعاهدة ، وقد تلقى منه الشيخ علي بن يحي في هذا الشأن رسالة مؤرخة في جمادى الأولى 1346هـ ، وعززها برسالة ثانية في 13/1/1347هـ ،يطلب منه سرعة المبادرة لإكمال هذا الأمر، وعلى ضوئها تشاور الشيخ مع بقية مشايخ فيفا وأهلها ، واتفقوا جميعا برضاهم وقناعتهم بهذه التبعية. نزل الشيخ علي بن يحي قاصدا مدينة صبياء، عاصمة الدولة الادريسية، وفي معيته كافة قبائل فيفاء ومشايخها، وكان الاجتماع في سوق عيبان ، واصطفوا في صفوف عظيمها في طريقهم ، يرددون الأهازيج والمغارد ، فلما وصلوا أم الدراهم وهي في الطرف الغربي من فيفا، أقام فيها الشيخ علي بن يحي ، نظرا لكبر سنة (تجاوز الخمسين) ، ولأنه لا يقوى على ركوب الدواب (وسيلة النقل الوحيدة في تلك الفترة) فأهل الجبال لم يألفوا ركوبها، لأنهم لا يستخدمونها في بلادهم، لوعورة طرقهم وصعوبتها ، ويقال انه تذكر عهدا قطعه على نفسه، أن لا يتجاوز (كرس آل حسن) الكائن في وادي ضمد ( ولا أظن ذلك هو السبب ) ، لذلك اعتذر عن وصوله الشخصي إلى مدينة صبيا، وبعث أخاه حسن بن يحي لينوب عنه ، على رأس وفد كبير من المشايخ والأعيان ، فقدم البيعة باسم فيفا وشيخ الشمل والمشايخ ، فقبلت منه البيعة، وقبل عذر الشيخ لعدم تمكنه من الوصول شخصيا ، ورحبت بنائبه وكامل الوفد، ثم من باب التكريم وإبرازا مكانة الشيخ وقدره ، أوفدت مندوبا من قبلها ليأخذ البيعة منه مباشرة، في مكان إقامته في (أم الدراهم). ثانيا: بعد اكتمال البيعة التي كان للشيخ علي بن يحي الدور الأكبر، والتأثير البالغ على بقية مشايخ المنطقة الجبلية، (ساق الغراب) حيث كان معظمهم يترسمون خطاه، ويثقون في حسن تصرفه وصواب رأيه ، فتابعوه عند ما بايع الملك عبد العزيز آل سعود ، وعلى رأسهم كبير مشايخ بني مالك الشيخ جابر بن ناجعة العليلي ، وشيخ شمل بلغازي مفرح الجرو ، ولتفعيل هذه البيعة وصلت لجنة إلى فيفاء برئاسة الشيخ محمد بن دليم أبو لعثه ، لترتيب مراكز السلطة فيها، وفي بقية جبال ساق الغراب، وقد جرى لهم استقبال حافل من قبل الشيخ علي بن يحي ، حيث تم الاحتفال بهم في سوق النفيعة، بحضور معظم قبائل فيفاء، وقد تعاون الشيخ علي بن يحي مع هذه اللجنة في تسهيل عملها وإتمام مهمتها، وبعث في رفقتها كل من أخيه الشيخ حسن بن يحي، وولده الشيخ حسن بن علي، ونخبة من المشايخ، حتى أنجزت ما أوكل إليها على خير وجه وأتمه. ثالثا: لما نكث الحسن الإدريسي بعد ذلك بالعهد، وسولت له نفسه النكوص عن المعاهدة ، عندما زين له ذلك بعض أعوانه، وبعض الحركات التي قامت في ذلك الحين ، وبالأخص في الحجاز ، فقد قام الحسن بمكاتبة رؤساء القبائل يدعوهم للانتكاث على عبد العزيز، ويحثهم على إلقاء القبض على رجال ابن سعود لديهم ، فأرسل إلى الشيخ علي بن يحي عدة خطابات بهذا الخصوص ، منها خطاب في 8/7/1351هـ وآخر في 9/7 وآخر في 16/7 ، ولكنه لم يستجب لدعوته، وبقي على ولائه وطاعته، وتمسكه بالبيعة لابن سعود ، وحافظ على مركز الأمارة وعلى الأمير والجنود ، وصد الحسن الإدريسي ومن معه عن الاعتصام بفيفاء، أثناء تقهقره أمام قوات الملك عبد العزيز آل سعود ، وكان قد بعث بأمير فيفاء (علي بن عبد الله الخليوي) ورجاله إلى أمير أبها عن طريق الحرجة ،وأوكل بهم رجالا من قبائله يحافظون على سلامتهم وأمتعتهم ، وعلى رأسهم أخوه الشيخ حسن بن يحي وابن عمه قاسم بن اسعد حسن. وقد قدر له ذلك، حيث تلقى رسالة شكر وتقدير، مؤرخة في 21/11/1351هـ من سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد آل جلوي، قائد الحملة السعودية التى وصلت إلى عيبان لفك الحصار عن فيفاء ومطاردة الإدريسي، نوه فيها بوفائه وإخلاصه، وان فعله هو الفعل الجميل. رابعا: بعد انتهاء الحرب بين الملك عبد العزيز والإمام يحي حميد الدين،عندما احتلت جيوش إمام اليمن أجزاء من الأراضي السعودية (فيفاء وبني مالك وبلغازي وهروب وقيس والعبادل) في أواخر شهر رمضان 1352هـ، متناسية كل العهود والمواثيق بين البلدين ، وقد استولت من قبل على نجران، وزادت أطماعه ولم يعد يجدي التفاوض الدبلوماسي والمكاتبات معه ، حيث كان يكسب بها الوقت لزيادة تمكنه ، وكان يفسرها بأنها جبن من عبد العزيز عن المواجهة ، لذلك لم يعد يرى عبد العزيز بد من الحسم المباشر، فقامت الحرب ، واسند الملك عبد العزيز القيادة لكل من ولديه ، الملك سعود (ولي العهد) من جهة السراة (ظهران الجنوب) ، والملك فيصل من جهة تهامة (جازان) ، فاجتاحت الجيوش ما قبلها، حتى كادت تصل صنعا ، مما جعل الإمام يعلن هزيمته وانسحابه الكامل من كل المناطق التي استولى عليها، وذلك في شهر ربيع الأول 1353هـ ، لأجل ذلك صدرت أوامر الملك عبد العزيز لقائديه المظفرين، بالانسحاب إلى داخل الحدود السعودية ، وإيقاف الحرب على كل الجبهات، فلما وصل الملك فيصل (رحمه الله) إلى مدينة جيزان ، قافلا من الجبهة التي قد وصلت إلى مدينة الحديدة ، فأوفد الشيخ علي بن يحي أخاه الشيخ حسن بن يحي ، ليقابل الملك فيصل نيابة عنه في تقديم التهنئة له بالانتصار الذي حققه، ومجددا البيعة والعهد ، فرحب به الملك فيصل وقبل وفادته ، وحمله رسالة للشيخ علي بن يحي، كانت تحمل الرقم 443 في 14/4/1353هـ، يشكره فيها ويقبل عذره في عدم وصوله الشخصي . خامسا : تطلب الأمر في عام 1354هـ مشاركة قوة من قبائل فيفاء مع القوات السعودية التي معظمها من القبائل ، وكانت مرابطة بقيادة الأمير تركي السديري، في جهة الحسينية شمال عكوة ، تحسبا لبعض الحركات القبلية المناؤة بعد انسحاب القوات اليمنية ، ووجود بعض القلاقل والاضطرابات ، فتكونت مجموعة كبيرة من قبائل فيفاء للمشاركة في هذه القوات ، كانت بقيادة الشيخ حسن بن يحي والشيخ عمر بن مسعود حسن العمري ، وانتهت على خير. سادسا : كان من نتائج الحملة السابقة، ما تمخضت عنه عبقرية الملك عبد العزيز آل سعود (رحمه الله)، لضمان حفظ الأمن الدائم بين المناطق المترامية ، وترسيخ مفهوم الأمن والأمان الشامل ، وتحديد المسؤوليات والتبعات لكل الأفراد ، بان سن نظام ما يعرف بالدرك، ويقوم هذا النظام على التعاضد بين القبائل ، فكل قبيلة مسئولة عن ما يقع داخل حدودها، ومجال نفوذها ، ملزمة بضبط أي اعتداء يحدث في محيطها، وإحضار من أحدثه من أفرادها ، أو تحمل تبعاته وما يترتب عليه ، وقد عقد مجلسا كبيرا في صبيا، في تاريخ 3/5/1354هـ ، برئاسة أمير عسير وملحقاتها، الأمير تركي بن احمد السديري، وعضوية عبدالوهاب أبو ملحه، ودليم بن محمد بن دليم، وعبدالله قاضي ، وبعد التشاور والنقاش التزم عموم مشايخ ونواب وعقال تهامة عسير، وجبالها من اهل ساق الغراب وغيرهم، القيام على ذلك وتنفيذه، من خلال ثلاث عشرة مادة، وقعوا عليها ،وقد مثل شيخ شمل فيفاء في هذا الاجتماع، الشيخ حسن بن يحي، ووقع نيابة عنه . سابعا : بعد انتهاء الحرب، وتوقيع معاهدة الطائف، بين المملكتين السعودية والمتوكلية، شكلت لجان من الطرفين لترسيم الحدود النهائية بين البلدين، وقامت خلالها بجولات ميدانية على طول الحدود ، ووضعت العلامات والأعلام ، وعقدت العديد من الاجتماعات لتنظيم العلاقات بين المتجاورين على أطراف الحدود ، وكان من ضمن هذه اللقاءات وأهمها ما عقد في ظهران الجنوب ، في عام 1354هـ ، حضره الكثير من الوفود القبلية ،وحضره من فيفا وفد كبير برئاسة الشيخ حسن بن يحي بلغ عددهم (27) رجلا ، ومع انه لم يكن العدد مسجلا ، ولكننا عرفناه من خلال حكاية طريفة ، جديرة بالذكر لطرافتها ، تتلخص في انه كان من عادة بعض البلدان والقرى في تلك الجهة، أن يقوم أهل كل بلدة أو قرية، إذا حل بهم ضيوفا أن يقتسموهم على عدد بيوت القرية بالتساوي (يتخططونهم) ، وذلك من باب التعاون في إكرام الضيف ، وان لا يثقل على البعض دون الآخر، لضعف حالة معظم الناس، وقلة ذات اليد ، ولأنه لا يوجد دار للضيافة تستوعب كامل الضيوف ، فعندما وصل القادمون من أهل فيفاء ، انتدبت القرية من يستطلع لهم عددهم ، ليتم توزيعهم حسب العادة ، فلما قابلهم المندوب على مشارف البلدة ، سلم عليهم وابتدرهم بالسؤال عن عددهم قائلا (كم انتم)، فالتبس عليهم الأمر حيث لم يستوعبوا فحوى السؤال ، وظنوه يسأل عن الحال (كيف انتم) فكانت الإجابة المتعارف عليها (نحمد الله طاب حالكم)، ثم تنبهوا وصححوا الإجابة، ولم يمضي طويل وقت حتى قدم من يرحب بهم ، فسلم عليهم وأردف بالسؤال المعتاد (كيف انتم) فكانت الإجابة دون تمعن، ظن انه كالسؤال الأول ، نحن (27) ، فبقي هذا الموقف طرفة يتندرون بها بينهم ، وأبقى لنا المعلومة المؤكدة عن عددهم، رحمهم الله جميعا وغفر لنا ولهم. ثامنا : أوفده الشيخ علي بن يحي، في حوالي عام 1358هـ إلى مدينة الرياض، لمقابلة الملك عبد العزيز آل سعود ، يحمل منه رسالة خاصة ، وكان يرافقه في هذه الرحلة البعيدة والمهمة، كل من ابن أخيه فرحان بن احمد يحي، وحسن بن اسعد جبران الترابي القبلي المثيبي ، وكان سفرهم عن طريق أبها، حيث رتبت لهم أمارة عسير، رحلة بواسطة سيارة البريد، وهي الوسيلة الوحيدة الحديثة في تلك الفترة، وكانت سفارة ناجحة ، وعلى ما يبدو أنها كانت لتجديد الولاء والطاعة من أهالي فيفاء، بعد حدوث بعض الاضطرابات والفوضى من بعض الشباب حينها، تسببت في قتل احد اخوياء المركز، وإحراق مجلس الأمير عبد الهادي بن سريع ،وأطلقت عليه رصاصة في منزله، وقد تم تأديب مثيري هذا الشغب، واخذ على أيديهم وحسمت المشكلة. ومن لا يتصور ظروف تلك الفترة فلن يستوعب مدى المشقة والتعب الذي يلاقيه المسافر خلالها، فلا يوجد من وسائل النقل إلا الدواب من جمال وحمير ،والطرق غير آمنة وغير واضحة ، فالسفر معظمه سير على الأقدام، وقد يركب المسافر في بعض المناطق المستوية إن كان لديه دابة ، وتوفرت في وقت قريب بين بعض المدن الكبيرة، سيارات حكومية تقوم على توزع البريد في أوقات متفاوته ، ولا يتمكن من ركوبها إلا قلة بتوجيهات خاص ، والمسافر يحتاج إلى حمل أمتعته وما يلزمه من أكل وشرب، وسلاح يحتمي به من الوحوش ومن بعض قطاع الطرق ، وكان يلزمه لقطع تلك المسافات، الأيام والليالي ذات العدد، تصل أحيانا إلى أشهر، فالمسافر إلى الرياض مثلا يحتاج لأكثر من شهر في الروحة، ومثلها في العودة، والى مكة كذلك، والى أبها ما يقارب الأسبوع ، والى جيزان يومين إلى ثلاثة أيام ، ففي سفره إلى الرياض بقي أكثر من أربعة أشهر غائبا ،ما بين ذهاب وإياب ومكث في الرياض لتنسيق المقابلة، وقد لا يرجع المسافر أبدا (فالذاهب كما قيل مفقود والعائد مولود) ، فلك أن تتصور المشقة والخطورة والتعب . تاسعا: في عام 1360هـ حدث التمرد الأول من بعض قبائل الريث، واستنفرت قبائل المنطقة لإعادتهم إلى الطاعة، فكان من ضمن هذه القبائل، قبائل فيفاء وعلى رأس قيادتها الشيخ حسن بن يحي ، نيابة عن اخيه الشيخ علي بن يحي ،وقد انتهى هذا التمرد والحمد لله . ما بعد وفاة الشيخ علي بن يحي: في عام 1364هـ انتقل إلى رحمة الله الشيخ العبقري(علي بن يحي رحمه الله ) وكانت قد انتهت مشاكل البدايات واستقرت الأوضاع ، فخلفه من بعده ولده الشيخ حسن بن علي يحي (رحمه الله)،حيث واصل المسير على نفس خطى الوالد، وواصل معه عمه الشيخ حسن بن يحي (رحمه الله) على نفس النهج، فكان له خير معين، وأفضل عضيد، وكان مستشاره الصادق الأمين ، فأوكل إليه شيخة القبيلة (آل المثيب) ، فكان نعم الرأي ونعم الاختيار، تفرغ هو لشيخة الشمل ، وفي هذه المرحلة استمر مع ابن أخيه يؤدي أدواره على خير وجه، وان كان للعمر تأثيره،ولكن المراحل والمهمات فقد اختلفت أيضا ، وتحسنت الأمور واتضحت الخطوط ، وبدأ دور البناء والتنظيم ، فكانت له أدواره المناسبة ، وجهوده المتعددة ، فيما فيه المصلحة وخدمة البلد وشيخه وأهله، واستكمالا لما سلف نواصل ، فمنها : عاشرا : صدرت في عام 1368هـ ،في عهد جلالة الملك عبد العزيز آل سعود (رحمه الله)، أول أوامر إزالة أشجار القات من فيفاء، فتذمر الأهالي وخافوا لأنها كانت مصدر رزق لمعظمهم ، يعتمدون عليها زراعة وبيعا وشراء ، فأوفدوا من يشرح ما قد يترتب عليهم من أضرار متوقعة يخشونها ، ويتمنون الترفق بهم ورفعها ، فتم اختيار الشيخ حسن بن يحي ليكون مرسولا خاصا لهم ، فسافر إلى مكة المكرمة، وقابل الملك فيصل (رحمه الله) ،(نائب جلالة الملك عبد العزيز في الحجاز)، وكان في معيته في تلك المهمة ولده محمد بن حسن، وابن خاله محمد بن سلمان المشرومي (رحمهم الله)، وقد عاد بنتيجة طيبة، وفي طريق العودة توفي ابن خاله محمد بن سلمان المشرومي في صبيا ودفن بها(رحمه الله). واقتضت الأمور بعد ذلك تكليف من يقابل الملك عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) شخصيا، في مدينة الرياض ، فكان الشيخ جبران بن مفرح الدفري (جبران سعيدة رحمه الله) هو المرسول فيها ، وبناء على هذه المقابلات ، وتجاوبا من ولاة الأمر مع ما فيه مصلحة المواطن ، صدرت التوجيهات السامية بإرجاء الموضوع ، لبينما تدرس القضية بشكل أوسع، وينظر في البدائل المناسبة. حادي عشر: في عام 1374هـ تمردت بعض قبائل الريث مرة ثانية ، فجهزت حملة تأديبية من قبائل المنطقة ومن عسير، وكانت قبائل فيفاء برئاسة شيخ الشمل حسن بن علي (رحمه الله)، وكان بجانبه عمه حسن بن يحي ، وأمير فيفاء حينها عبد العزيز السماري (رحمهم الله جميعا)، فأبلت قبائل فيفا بلاء حسن، وكانت لها مشاركة فاعلة، وقد أصيب شيخ الشمل بطلقة كسرت رجله ، وأصيب الشيخ حسن بن يحي بطلقة اخترقت كتفه ونفذت من ظهره ، وأصيب الشيخ حسين بن احمد آل خفشة الابياتي ، وقتل أيضا الشيخ سليمان بن علي آل ظلمة ،والشيخ فرح بن يزيد العبدلي، وجبر المشنوي، واحمد بن محمد الابياتي. ثاني عشر : في عام 1393هـ وصل الملك فيصل رحمه الله إلى منطقة عسير، لافتتاح المدينة العسكرية في الخميس ، فاستقبلته قبائل المنطقة ، وشاركت وفود من منطقة جازان برئاسة أميرها معالي الأمير تركي السديري ، وكان من ضمن المشاركين من فيفاء الشيخ حسن بن يحي، وفضيلة الوالد الشيخ علي بن قاسم، وأنضم إليهم من أبها الشيخ الاستاذ حسن بن فرح (كان يعمل فيها)، وفي هذه الاحتفالات تم السلام على جلالة الملك فيصل (رحمه الله)، وفي جلسة خاصة تمت لهم مقابلة وزير الداخلية الملك فهد (رحمه الله)، حيث نسق للقاء معالي أمير منطقة جازان تركي بن احمد السديري، ومعالي أمير منطقة نجران خالد بن احمد السديري ، وتمت فيه مناقشة مشكلة القات ، والحلول العملية المقترحة، حيث اشتد على الناس الأمر، فالتوجيهات قوية وشديدة، وظروف الناس صعبة وعسيرة ، لانقطاع الأمطار فترة طويلة، جفت خلالها الآبار، ويبست الثمار، وتقطعت بكثير من الناس السبل في الحصول على المتطلبات الضرورية ، مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة والاغتراب ، بحثا عن العمل وطلب الرزق(سنة الهربة) كما أسموها. تمخض اللقاء بتوجيهات وزير الداخلية (رحمه الله) بان اقترح عليهم تلخيص ما يرونه مناسبا من حلول ومقترحات معقولة وقابلة للتنفيذ ، وتقديمها لجلالة الملك فيصل (رحمه الله) ، وبناء عليه شكلت لجنة برئاسة أمير المنطقة، وعضوية ثلاثة قضاة من أبناء المنطقة، وشيخ الشمل ومشايخ القبائل ، وفي نهايته رفع محضر موقع من هذه اللجنة، ومن الحضور من مشايخ فيفاء ،وبعض مشايخ بني مالك، وأميري مركزي فيفاء وبني مالك، في تاريخ 4/10/1395هـ ، وقد وافق جلالة الملك خالد (رحمه الله) على كل ما ورد في هذا المحضر، واعتمد تنفيذه في الحال، وبموجبه أنشئت هيئة تطوير وتعمير منطقة فيفاء، التي كان من أهدافها ومهامها الإشراف على إيجاد البدائل لتحقيق إزالة القات. وبعد: لقد كان الشيخ حسن بن يحي (رحمه الله) من الرجال العاملين المخلصين ، تميز بالكثير من الميزات التي أهلته لان يقوم بهذه الأدوار العظيمة المتعددة، وغيرها ما لم نستطع حصره ، وكانت من أهم صفاته وميزاته انه كان (رحمه الله) شجاعا وفيا مخلصا، راجح العقل قوي الحجة ، يزينه العلم والأدب، وحسن الحوار، والطرح الهادئ المقنع المميز . وكان متواضعا خلوقا، ذو دين وتقوى، يحترم الآخر ويقدره ،متحدثا لبقا لا تمل مجالسه ،ولا تشبع من أحاديثه العذبة المفيدة، ملم بالتاريخ والأدب والثقافة العامة ، يربط بين التراث وأحداث المنطقة ، اذكر ربطه بين ما ورد في حكاية هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم ، في كتب السير والأدب ، من قصتها مع زوجها السابق (الفاكهة بن المغيرة المخزومي) وما ورد من اتفاقهم على التحاكم عند كاهن في اليمن، والقصة مشهورة معلومة ، فكان (رحمه الله) يربطها مع ما تناقلته الأجيال عن سبب تسمية (شط الصبايا) المعروف في حقو فيفاء، والحكايتان بينهما توافق عجيب، فما زلت اذكر أسلوبه البديع، وربطه المتقن الحكيم، فلقد قاصا ماهرا من الدرجة الأولى، لا تمل حديثه وقصصه وسرده الجميل ، حتى انك إن جلست إليه، أو رافقته في سير أو سفر، تتمنى أن يطول بك الوقت والمسير، لتستمتع بسرده وقصصه ، وتستمع بعذب الحديث وأمتعه ، رحمه الله وغفر له. وكان ذو خط جميل وأسلوب بديع، وكاتب ثقة أمين ، يسعى الناس إليه لتوثيق ضناتهم ومبايعاتهم ، ولا يبخل بجهده وجاهه في الإصلاح بين الناس ،وقد شارك كثيرا في خرص الثمار وتقدير أنصبة الزكاة ، ومن أوائل من عمل مأذونا شرعيا، وتولى الخطابة وإمامة المصلين في الجمع والأعياد لسنين طويلة في جامع مروح ، كتب الله له كل ما قدم في ميزان حسناته، وجعله خالصا لوجهه الكريم. وفاته : عمر طويلا حتى بلغ من العمر84 سنة، قضاها مجاهدا صابرا عاملا محتسبا، خدم أهله وبلدته، وقدم لهما الشيء الكثير ، وكانت وفاته رحمه الله في 11/8/1401هـ في فيفاء، رحمه الله رحمة الأبرار، وغفر له ولوالديه، وجمعنا وإياه ووالدينا ووالديه وذرياتنا في جنات النعيم . حياته الاجتماعية : تزوج في حياته المديدة العديد من الزوجات على النحو التالي: 1ـ مطرة بنت سلمان حسن الداثري(رحمها الله) لم يستمر زواجهما طويلا، ولم يرزق منها بولد. 2ـ سعيدة القطبرية (رحمها الله)عاشت معه طويلا، وتوفيت وهي في عصمته، ولم يرزق منها بولد. 3ـ خيرة بنت احمد العمامي من آل دمه أم محمد (رحمها الله). 4ـ فاطمة بنت احمد المشرومي المثيبي ام موسى (رحمها الله) . 5ـ صفية بنت علي العسيري (رحمها الله) تزوجها وهو في مهمة في عسير في حوالي عام 1356هـ واصطحبها معه إلى فيفاء، وعاشت معه لأكثر من عشرين سنة، لم يرزق منها بولد. 6ـ جميلة بنت اسعد سالم آل السلعي الخسافي ام يحي (رحمها الله)عاشت بعده وتوفيت في عام 1430هـ . أولاده : رزق من زوجاته بالعديد من الأولاد والبنات على النحو التالي : 1ـ محمد عمل خويا في أمارة فيفاء إلى أن تقاعد وقد توفي رحمه الله . 2ـ موسى عمل في عدة وظائف حكومية آخرها في بلدية فيفاء إلى أن تقاعد . 3ـ احمد عمل في عدة وظائف آخرها في شركة ارامكو في ينبع إلى أن تقاعد، وهو مقيم في مدينة ينبع . 4ـ يحي عمل إداريا في عدة إدارات في المحكمة الشرعية وفي مركز أمارة فيفاء وما زال . 5ـ عبد الله يعمل عسكريا بالجيش السعودي بمنطقة تبوك وما زال . 6ـ عبد العزيز يعمل عسكريا في قوة المجاهدين في عسير وما زال. والبنات : 1ـ عافية أم محمد بن جابر الابياتي . 2ـ سلامة توفيت رحمها الله . 3ـ مريم أم فهد بن علي آل طارش . 4ـ عائشة أم محمد بن عبد الله السنحاني . بارك الله فيها من أسرة مباركة، ورحم الله برحمته من توفي منهم ، وحفظ بحفظه وتوفيقه وصلاحه الباقين، وجعلهم خير ذخر للوالدين، وجمعهم جميعا في جنات النعيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم /عبد الله بن علي قاسم الفيفي ـ أبو جمال
ملحوظة: كثير من المعلومات الواردة مقتبسة من بعض كتب الوالد فضيلة الشيخ علي بن قاسم كتاب(فيفاء بين الأمس واليوم ) وكتاب (الحكم القبلي في فيفاء قبل العهد السعودي الزاهر) وما زودني به مشكورا الشيخ موسى بن حسن يحي، ومعلمي الشيخ سليمان بن احمد المشرومي ،والأخ الغالي فهد بن علي، والعمة الغالية أم فهد . الرياض في 21/11/1432هـ |
الاثنين، 8 أبريل 2013
الشيخ حسن السنحاني المثيبي الفيفي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق