في حوالي عام 1383هـ وفي العطلة الصيفية منها الحقني والدي بمعلامة الفقيه عبدالله بن شريف العبدلي التي هيء لها عريشا تحت شجرة الابراء في نيد الدارة ببقعة العذر في موقع مبنى الشرطة الحالي وكانت تلك المنطقة خالية حينها من المباني فاقرب البيوت القائمةحولها الكوبع بيوت كل من حسين بن يحي الابياتي رحمه الله وسلمان بن يحي الابياتي وسليمان بن سالم العمري وبيت الحشحش لحسين بن حسن الابياتي رحمه الله ولا يوجد غيرها حتى ان مسجد نيد الدارة لم يؤسس بعد ، وكان الطلاب يحضرون الي هذا المكان من النفيعة ومن بقعة العذر ومن بقعة آل عمر والظلمي وكنا ندرس فيها القرآن الكريم حفظا وتلاوة، والادوات الدراسية بدائية، فمعظم الطلاب لا يوجد لديهم مصاحف ولا يملكون دفاترا ولا اقلاما، فمعظمهم يستخدم للكتابة لوح من الخشب، يتناسب مع حجم صاحبه في الكبر والصغر، بما يتراوح بين 15سم في 10 سم والى 30سم في20سم تقريبا، يتم اعداده بطريقة فنية ، فيكون له مقبض في اعلاه ، وفي المقبض ثقب يتدلى منه خيط للحمل والتعليق ، ويطلى من احد وجهيه أو كليهما بقتار الفوانيس الاسود، ثم يصقل ويلمع بدعكه ببعض ورق النباتات (الهطف) ، واما الكتابة عليه فبريشة من قصب (الريع) يتم اعدادها بسكين حاد بحجم الكتابة التي يرغبها صغرا وكبرا ، ثم يشق اعلاها شق بسيط لكي تعلق به مادة الكتابة (الحبر) عندما يغمسها فيه، وهذه المادة تكون في (دواة) وهي عبارة عن علبة صغيرة من الصفيح أو الزجاج ، في داخلها قطعة من القطن قد تشبعت بمادة النورة البيضاء، فاذا رغب في الكتابة بللها بقليل من الماء، ثم يغمس فيها القلم (الريشة) حتى يلتقط بضع قطرات منها، فيمرره على اللوح فيجري بخط ابيض جميل، ويكرر العملية اذا نضب هذا العالق ، فعادة لا يعلق الا شيئ بسيط منه، وهكذا يستمرفي جهد متواصل تتحرك يده صعودا وهبوط بالريشة بين اللوح والدواة حتى ينتهي من كتابة ما يريد ، وما اسرع ما يتعود الطالب على هذه الطريقة ويتقنها، ويتفنن في جمال الخط وحسن الترتيب ، وهكذا يكتب كل طالب الدرس المقرر عليه من احد المصاحف التي لدى المعلم أو لدى بعض الطلاب، ثم يردد تلاوة ماخطه حتى يحفظه ليسمّعه على المعلم، فاذا اجازه على حفظه مسح اللوح وكتب درسا جديدا، وكان هناك بعض الطلاب الكبار ممن قد ختموا القرآن الكريم كاملا، وانما يعيدون قرآئته ومراجعته من جديد بما يسمى (الخوض) ،ويتبع معظمهم طريقة مبتكرة رائعة ، تعينهم على سرعة الحفظ واتقانه، حيث يقوم الواحد منهم بتشذيب ما قد كتبه على اللوح من الدرس الواجب عليه، وذلك بمسحه من الاطراف بطريقة متدرجة بواسطة اصبعيه الوسطى والسباحه، حيث يضمهما متساويتين بعد ان يبللهما بالماء أو ببعض ريقه، فيمررهما على اطراف اللوح من الاعلى الى الاسفل ومن وسطه كذلك، في خطوط مستقيمة يخترم بها عدة كلمات من كل سطر، ثم يجهد نفسه ليتذكر ماكان مكتوبا في هذه الفراغات، وكلما اتقن ذلك واصل المسح بنفس الطريقة حتى تزول الكتابة بكاملها ويكون حينها قد استوعب حفظه كاملا ، وقد يكون هناك قلة من الطلاب يمتلكون دفاترا واقلاما، والنادر منهم من يملك مصحفا خاصا به فقد كانت نادرة الوجود بين الناس.
لقد استمرت هذه المدرسة طوال العطلة الصيفية، وهي شهرين أو تزيد قليلا، ولكنها كانت فترة مباركة ما زلت اذكر فضل هذا المعلم الى اليوم رغم طول هذه المدة ، وقد يكون لشخصيته واسلوبه وحرصه وحسن تعامله واستغلاله للوقت دور في ذلك ، مع ما كان يتصف به من الشدة وشيء من الحدة فكان يغضب كثيرا من المتلاعبين والمهملين، فلا يتوانا في استخدم العصا، التي كنا نخشاها كثيرا، وان كانت هي المناسبة والوسيلة المتبعة في التربية في تلك الازمنة، ولها مردود ولا شك ايجابي على معظم الطلاب في الحرص على المتابعة والنظام . لذلك كانت تلك من المحطات الجميلة التي ما زالت عالقة في الذهن رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته وجعل كل ذلك في موازين حسناته. لقد بذل نفسه وعمره للعلم دارسا ومدرسا، تنقل واجتهد واغترب حتى نال منه الكثير ، ثم واصل الجهد ينشره ويبذله لمحتاجيه ومريديه ،وما اكثرهم في تلك الازمنة قبل انتشار مدارس التعليم العام كما هوعليه الحال اليوم ولله الحمد والمنة، فتنقل بمدرسته في اكثر من موقع وفي اكثر من جهة في جبال فيفا وجبال بني مالك لما يقارب ربع القرن أو يزيد، فكان لها ولاشك الكثير من الفائدة والنفع والفضل على الكثير من الاجيال التي درست وختمت القرآن الكريم على يديه رحمه الله واثابه على كل ماقدم وبذل، واسكنه ووالديه وازواجه وذرياته جنات النعيم . انه الشيخ الفقيه عبدالله بن شريف بن حسن العبدلي الفيفي. ![]() مولده ونشأته : والده هو شريف بن حسن المعروف بابن اهل العلاج من تجار فيفا المشهورين كانت له تجارة وشهرة على مستوى المنطقة فكان يجوب معظم الاسواق الممتدة من الحديدة الى زبيد وبيت الفقيه الى الضيعة وجيزان وصبيا وعيبان وعرق وغيرها، يتاجر في الكثير من السلع المطلوبة والتي يحتاجها الناس، فيصدر البن من فيفا وبني مالك وغيرها، ويجلب اليها الملبوسات والحلي وادوات العطارة والزينة وكثير من الضروريات، فكانت له شهرة واسعة في هذا المجال رحمه الله . وامه هي الفاضلة سعيدة بنت حسين العمري الفيفي ، ولد لهما في حوالي عام 1340هـ تقريبا في بيت التالبة ونشا فيه بين والديه. دراسته : درس القرآن الكريم ومبادى القراءة والكتابة لدى اخيه القاضي حسين بن شريف رحمه الله وختم القرآن على يديه ،ولازمه واخذ عنه الكثير من العلوم الشرعية ، وذلك عندما افتتح مدرسته في بيتهم المبداه ، وذلك عندما قام امير فيفا في عام 1357هـ رشيد بن خثلان رحمه الله، بالاتفاق مع شيخ الشمل علي بن يحي رحمه الله، وبقية مشايخ القبائل رحمهم الله جميعا، بتشجيع كل متعلم على فتح مدرسة في جهته يدرس فيها الطلاب ، والزام الاهالي بارسال ابنائهم الى هذه المدارس ، فكان القاضي الفقيه حسين بن شريف من اول المتجاوبين مع هذه الدعوة، وكان اخيه عبدالله من اوائل طلابه، بل كان معينه وعضيده في متابعة الطلاب، وكانت هذه المدرسة من المدارس المتميزة لمكانة معلمها، وامكانياته الشخصية والعلمية، وقد استفاد منه الكثيرمن الطلاب ومنهم عبدالله هذا الذي ختم القرآن الكريم كاملا على يديه ، ثم لما لمس فيه الرغبة الشديدة والاقبال الجاد على طلب العلم، شجعه على الهجرة الى هجر العلم المشهورة والى مظانه ومدارسه الكبيرة المتخصصة ، وقد دعمه والده وهو من المقتدرين ماديا، فكانا له خير معين ومشجع على تحقيق رغبته الجامحة في طلب العلم والتفرغ له والاجتهاد في تحصيله ، حيث سافر مغتربا الى مدينة صعدة وهجرة ضحبان والتحق بمدارس العلم فيهما ولازم حلق الدرس بهما لعدة سنوات ، حتى انه لما مات والده واخوه الشيخ حسين الذين توفيا رحمهما الله في سنة واحدة في عام 1367هـ واصل مشواره ولم يخيب املهما فيه. حتى انه قرر في احدى الفترات الارتحال الى صنعاء، رغبة في الاستزادة من طلب العلم ، لما يسمعه من تميز مدارسها وكثرة علمائها، وقد استفاد من ذلك كثيرا حيث لازم حلق العلم بها لاكثر من تسعة اشهر وطاب له المقام فيها، الا انه في اخرها عندما حدثت الحركة الانقلابية الفاشلة في صنعاء، عند ما قام عبدالله ابن الوزيرباغتيال ابن عمه الامام يحي حميد الدين في أواخر عام 1367هـ ، فاضطربت الامور واختل الامن في العاصمة وتعرض الناس لكثير من المضايقات ،وتاثر طلبة العلم الغرباء من جراء ذلك ، فخاف على نفسه مما يجري حوله، فسارع بالعودة الى هجرة ضحيان، ثم لم يلبث بها طويلا حيث قرر العودة الى بلدته فيفا، والاكتفاء بما قد حصله من العلوم ، وكانت ولا شك حصيلة جيدة في علوم القرآن والفقه والحديث. تدريسه : بعد عودته مباشرة بادر الى احياء مدرسة اخيه القاضي حسين في بيتهم المبداه، التي توقفت بموته رحمه الله، فاعاد التدريس بها وانتظم الطلاب فيها، من قبيلة آل عبدل وآل الثويع والعمريين، واستمرت تؤدي رسالتها لاكثر من سنتين ، ثم انتقل بالمدرسة الى اللعثة تحت شجرة التالق العملاقة في اعلى جبل آل عبدل ، وفي هذه الاثناء كانت مدارس فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي قد ابتدات في الانتشار والتوسع في فيفا، وذلك حين عين فضيلة الشيخ علي بن قاسم قاضيا لفيفا، فاسند اليه فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي الاشراف على هذه المدارس في فيفا وبني مالك، والتوسع في افتتاحها، فبذل جهدا مضاعفا في هذا المجال، واستعان بكل القادرين من طلبة العلم على افتتاح المزيد منها، في كل الجهات المحتاجة ،فكلما توفر في جهة من الجهات طلابا ووجد معلما مناسبا سارع وشجعه ووجهه لافتتاح مدرسة في هذا المكان ، فكان عبد الله بن شريف وهو كما راينا من المؤهلين ، من اوائل من استعان بهم في هذا المجال. لقد كلفه بافتتاح مدرسة في المغاشي، غرب جبل آل عبدل، ولكنه لم يستمر فيها طويلا لتسرب الطلاب منها، فطلب منه الالتحاق بمدرسة الخشعة الواقعة في جبل آل بالحكم مساعدا لمعلمها احمد بن علي سالم الخسافي، لكبر المدرسة وكثرة الطلاب فيها حيث كانت تخدم كل من قبيلتي الحكمي والمشنوي،فاصبح فيها خمسة معلمين (احمد بن علي الخسافي وعبدالله بن شريف العبدلي وقاسم بن محمد الحكمي وعلي بن جابر المشنوي وحسن بن محمد الحكمي )،ثم انتقل منها الى جبال بني مالك تابعا لمدارس القرعاوي ايضا، فافتتح بها مدرسة في حراز في جبل آل خالد، ثم انتقل منها وافتتح مدرسة في قبيلة آل سلمى ،ولما اقفلت معظم مدارس الشيخ القرعاوي، بعد تقلص الدعم المخصصة لها لانتشار مدارس وزارة المعارف النظامية، ومع ذلك فقد استمر هو في اداء العمل الذي يتقنه ويعشقه ولا يكاد يعرف غيره وهو التدريس ،فهذه المدارس التابعة لوزارة المعارف الحديثة لم تغطي كامل المناطق والجهات، فقد بقيت الكثير من الجهات بحاجة الى هذه المدارس التي تسد جانبا ولو يسيرا من حاجة الناس الى طلب العلم ، فكان يتنقل من جهة الى اخرى يفتتح هذه المدارس حسب رغبة الناس اليها، يعلم فيها القرآن الكريم وبعض مبادئ القراءة والكتابة، والاهالي يؤمنون له ما يكفيه من مبالغ بسيطة يدفعونها في نهاية كل شهر، لذلك تنقل في اكثر من جهة لاجل ذلك ، ومن هذه الاماكن وان لم نحصرها جميعها هي في نيد الدارة في بقعة العذر التي سبق وان ذكرنا شيئا عنها في بداية هذه الترجمة ، ثم انتقل بعدها الى جهة بيت القحم شرقي جبل آل عبدل عند شجرة الظلام الظليلة الواقعة في الذراع فوق مسجد المربوعة . ولم يكن عمله التنوير قاصرا على التدريس فقط ، بل كان له اسهامات في الدعوة والارشاد، وتعليم الناس امور دينهم، فكان يخطب بهم في صلاة الجمعة وفي الاعياد، في جامع المربوعة وغيره من المساجد القريبة من سكنه، محتسبا لله دون أي مقابل ، وكان له الكثير من الادوار التنويرية والجهد المتواصل في نشر العلم وبثه بين الناس في وقت كان الكثير من المجتمعات في امس الحاجة الى مثل ذلك ، فكانت جهوده مشهودة ومشكورة فلم يتوان ولم يكسل طوال حياته الى ان توفي رحمه الله وهو فوق السبعين من العمروذلك في عام 1414هـ وقد ادى رسالته بكل اقتدار رحمه الله رحمة الابرار واسكنه فسيح جناته واثابه على ما قدم وبذل. حياته الاجتماعية : تزوج اكثر من مرة ورزق بالذرية الطيبة المباركة وذلك على النحو التالي . زوجاته : 1ـ سعيدة بنت احمد العبدلي الفيفي رحمها الله 2ـ زيدة الخالدي رحمها الله 3ـ خيرة بنت سالم العبدلي الفيفي رحمها الله . وله العديد من الابناء والبنات والاحفاد والاسباط ومن ابنائه : 1ـ محمد 2ـ عبدالرحمن 3ـ يحي 4ـ مريم 5ـ سلامة حفظهم الله وبارك فيهم وجعلهم صلة بر لوالديهم . ورحمه الله من معلم وشيخ فاضل واجزل له المثوبة والاجر وجمعنا واياه ووالدينا ووالديه وذرياتنا واخواننا واخواتنا في جنات النعيم ــ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم /عبدالله بن علي قاسم الفيفي ــ ابو جمال
ملحوظة:الرياض في 8/11/1431هـ اشكر كل من الاخ علي بن شريف حسن العبدلي والاخ عبدالرحمن بن عبدالله شريف على مازوداني به من معلومات قيمة والصورة الشخصية المرفقة . |
الاثنين، 8 أبريل 2013
معلمي عبدالله بن شريف العبدلي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق