منزل ومجالس شيخ شمل فيفاء حسن بن علي (رحمه الله )، كانت كلها مدارس تحوي علوم السياسة والرئاسة والكياسة، والفطنة والأدب والحنكة والإدارة، فيها فن التعامل وجميل الحوار والمنطق، وقوة الإقناع وفن التفاوض، وإدارة الأمور وتسيير المهام ، تستفيد منها وأنت عابر بها، فما بالك بمن يكون ملازما لها في معظم الوقت ، ليله ونهاره، يطّلع على ما يجري في العلن، وما يدور خلف الكواليس، فمن تربى في حضن هذه المدرسة أو الجامعة، وترعرع في جنباتها، ودرج في بساتينها وحدائقها، واستنشق من عبيرها، وقطف من ثمارها، ونهل من معينها ،وتشرب على مهل أسلوبها وطرقها ، فعرف مسالكها وسبر اغوارها ،حتى تصبح له طبيعة حياته، وأسلوب تعامله، ونمط سلوكه، وجوهر ذاته ، لا تجده إلا بشوش الوجه، ضاحك السن، طلق المحيى، يأسرك بحديثه وحسن عرضه وقوة إقناعه ، وجمال إنصاته وأدبه وفطنته وكياسته.
زان كل ذلك بعلم وإيمان ، وكثر تجارب وسعة اطلاع، واعتماده بعد الله على نفسه، أثناء غربته وفي تحصيله العلمي، ومن خلال اختلاطه بالآخرين، فتعرف على قدراته ومهاراته، وفحصها واختبرها وآمن بها، ثم أضاف إليها كثيرا من الخبرات والتجارب والمهارات على امتداد مسيرته ، فلما شب واكتمل عوده ونضج عقله ، مارس الحياة وانغمس في جميع أدوارها ، وتنقل في العديد من الأعمال الوظيفة الرسمية المتعددة ، معلما ومساعدا ومديرا، وتمرس في أعمال المال والإدارة، مديرا لبنك الرياض في فيفاء وفي أبي عريش ، ثم موظفا ناجحا في الداخلية ، في أمارة منطقة جازان ،في المقر الرئيسي لها، ورئيسا لبعض المراكز المهمة التابعة لها، واثبت في كل ذلك نجاحا وتفوقا . وهو في حياته الخاصة شخصية متميزة ، لا تمل حديثه والجلوس معه، مكان ثقة وصدق وأمانة، وصفاء سريرة ونقاء معدن، انه ولا شك فرع من دوحة عظيمة ، من هذه الأسرة المباركة ، أجدني اقصر عن التعبير عن كل ما اعرفه عنه، فقد عاشرته سنين عديدة من الطفولة والى اليوم، وهو هو لا يتغير، كالمعدن الثمين في نقائه وثباته وغلاء قيمته، انه ولا شك الشيخ الفاضل عبد الله بن حسن بن علي بن يحيى بن شريف بن جابر آل سنحان المثيبي الفيفي . ![]() ثالث أبناء شيخ شمل فيفاء، الشيخ حسن بن علي يحيى (رحمه الله) من حيث العمر ، والشيخ حسن بن علي شيخ شمل فيفاء لأكثر من خمسة وخمسين عاما، قوة وحنكة وخبرة وشجاعة وريادة في كل المجالات ، كان من اكبر وأقدم مشايخ المنطقة والقطاع الجبلي بجازان في زمنه ، كان مدرسة بل جامعة في الإدارة والحنكة وحسن التعامل ، ففي بيته درج وعلى يده تربى وتعلم ،فنعم المربي والمتربي. وأمه هي الفاضلة /نعمة بنت فرحان بن سالم السلعي الخسافي الفيفي (حفظها الله وختم لها بالصالحات) حيث ولد لهما في بيت الذراع في بقعة مروح في حوالي عام 1374هـ وان كان المسجل في بطاقته الشخصية انه من مواليد عام 1372هـ . تعلميه: كان لبعد منزلهم عن المدرسة الابتدائية الوحيدة في فيفاء، الواقعة في النفيعة، سبب في تأخره عن دخول المدرسة النظامية في سن الدراسة المقرر ، لضعف بنيته مع بعد المسافة وصعوبتها مشيا على الأقدام، ولا يوجد وسائل نقل وطرق سيارات حينها ، ولكن والده ألحقه بمعلامة الفاضل سليمان بن احمد علي المشرومي (حفظه الله)، القائمة في جامع مروح القريب من منزلهم، فحفظ فيها عدة أجزاء من القرآن الكريم. ولما اشتد ساعده، وقوي عوده، التحق بمدرسة النفيعة الابتدائية، في حوالي عام 1385هـ ، وكان مقرها في تلك الفترة في بيت المربوعة المجاور لسوق النفيعة ، ولما كان في سن مناسب، وقد تهيئ في المعلامة، وأصبح يحسن القرأة والكتابة، ويحفظ عدة أجزاء من القرآن الكريم ، لذلك كان قويا في دراسته، متفوقا على معظم أقرانه، يتميز بالذكاء والنباهة والحرص، وقوة الاستيعاب ، وكان مع بداية صباح كل يوم ، ينطلق بعد صلاة الفجر سيرا على الأقدام في رفقة بعض أخوانه وأبناء جهته، يصحب بعضهم بعضا في طريقهم البعيد والشاق إلى المدرسة، وفي العودة بعد نهاية الدراسة كذلك، فيستأنسون مع بعضهم ويتشجعون ، وزاد انسه شخصيا، وارتفعت معنوياته بعد تعيين الاستاذ حسين بن جابر (حفظه الله) معلما في نفس المدرسة ، وهو الجار الملاصق لبيتهم (المحلة والذراع )، فكان الاستاذ حسين ينفحه بالكثير من التوجيهات والتشجيع ، ويستذكر معه ما يصعب عليه في بعض الدروس ،فكان يلازمه معظم الوقت لا يكاد يفارقه ، فتعلم منه الكثير والمفيد ، وكذلك الحال مع الاستاذ علي بن فرحان (حفظه الله) وهو من جيرانهم ، ولا ينسى فائدته الكبيرة من استاذه الفاضل الرحيم يحي بن علي حسن(رحمه الله). ما أسرع ما انقضت السنين في هذه المرحلة ، ولا يبقى إلا ذكرياتها الجميلة، فهاهو في الصف السادس الابتدائي ، الذي يلزم طلابه في هذه المدرسة مع نهاية كل عام دراسي، تقديم اختباراتهم أمام اللجنة المركزية في مدينة صبيا ، وهو ما كان فقد نزل ضمن زملائه في ذلك العام ، وفي أثناء أدائهم الاختبارات، التي تستمر لما يقارب الأسبوعين ، مر بهم والده الشيخ حسن بن علي ،وهو في طريقه إلى مدينة جيزان ، لزيارة معالي أمير المنطقة الأمير تركي بن احمد السديري (رحمه الله) للزيارة والسلام عليه، فاصطحبه في معيته، وفي أثناء الحديث مع معالي الأمير، عرض على الشيخ إمكانية تعيين ولده هذا موظفا لديهم في الأمارة، بعد نجاحه هذا العام واستلامه للشهادة ، فرحب الوالد بعرض معالي الأمير، وراقت له الفكرة ، فالشهادة الابتدائية في ذلك الوقت تعتبر انجازا قليل من يحصل عليه، والنظرة إلى الشهادات حينها قاصرة على الحصول على الوظيفة الحكومية ، فكادت الفكرة أن تكون حقيقة ، وتكون منعطفا في حياته بكاملها ، ولكن الله لم يكتب له السير فيه. بعد طلوع النتائج العامة للمرحلة الابتدائية في ذلك العام، كان من ضمن الناجحين، وأثناء ما هو يهيئ نفسه للوظيفة الموعودة ، وهو بين الفرحة والتردد ، مع أن الخيارات أمامه محدودة، سواء في مواصلة الدراسة ،فلا مجال لها في فيفاء ، فالدراسة تنتهي بالصف السادس الابتدائي ، ولا بد من مكابدة الغربة والبعد عن الأهل ،وتحمل المشاق خارج بلدته في مدينة أخرى يوجد بها مرحلة متوسطة ، وفرصة الحصول على وظيفة شيء نادر، وقل أن يتكرر مثل هذا العرض المغري، فمن الصعوبة التفريط فيه ، ولكن إذا أراد الله (عز وجل ) شيئا هيئ أسبابه، والخيرة فيما اختاره الله ، ففي تلك الأثناء من العطلة الصيفية زارهم في بيتهم خاله (لام) الاستاذ حسن بن فرح حفظه الله، وكان حينها مدير المدرسة الثانية في ابها ، وأثناء الحديث بينه وبين الوالد الشيخ حسن بن علي ، طرح عليه الشيخ فكرة الوظيفة المعروضة من قبل الأمير ، ثم استشاره فيها أو في مواصلة الدراسة، فما مضت تلك الزيارة في تلك الليلة إلا وقد تغير الاتجاه بالكلية ، لان الخال عارض بشدة فكرة ترك مواصلة الدراسة، بعذر الوظيفة مهما كانت، وهو ليس بحاجة حاليا إلى أي وظيفة، فما زال المستقبل أمامه ممتدا، ليتزود من العلم ويرفع من مستواه فيه ، ثم سيجد بعدها الوظيفة التي تليق به، بل اقترح فكرة أن يسافر في معيته إلى مدينة ابها، ويقيم لديه في منزله ، ويواصل دراسته المتوسطة فيها ، فكان ذلك الرأي متوافقا مع ما في نفس الوالد ،والذي أيدته الوالدة بقوة، لكونه سيضمن لابنها مواصلة دراسته، وهي مطمئنة عليه تمام الاطمئنان لدى خاله، وتحت إشرافه. لذلك سافر مع بداية العام الدراسي إلى مدينة ابها ، واستقر في منزل خاله حسن بن فرح ، والتحق طالبا في المدرسة الثانية بابها التي كان الخال مديرها ، فاستقرت نفسه واتضحت الرؤية أمام ناظريه ، واقبل على دراسته بكل فرح واستبشار ، وجد واجتهاد، يلقى الرعاية والحفاوة والعناية والتوجيه ، فتفوق وأبدع واستوعب دروسه، وارتاحت نفسه واطمأنت ، فمضت الأيام والليالي مسرعة، واجتاز سنوات الدراسة في هذه المرحلة ، ونجح في السنوات الأولى والثانية ، وهو يعيش سعادة واطمئنانا،ولكن مع نهاية السنة الثانية صدر قرار تفريغ الاستاذ حسن بن فرح للدراسة في مدينة الرياض، لمدة سنة دراسية كاملة، مما أضطره إلى ترك مدينة ابها متجها إلى مدينة الرياض، ولأجل ذلك انتقل عبد الله إلى مدينة نجران، حيث يقيم خاله الشقيق الشيخ علي بن فرحان السلعي (رحمه الله) ، المعلم في المعهد العلمي بنجران ، فبقي في نجران ذلك العام الدراسي، وحصل خلاله على شهادة الكفاءة المتوسطة . بعد حصوله على شهادة الكفاءة المتوسطة، وكان قد بلغ سنا اكتمل فيها شبابه، واستقل بفكره ونضج عقله ، فوازن بين ما يريد من الخيارات المتاحة أمامه، ولما كانت رغبته وحلمه أن يعمل في قادم أيامه في مجال التدريس، والوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هي الالتحاق بمعهد إعداد المعلمين الثانوي ، وبعد التشاور والاستشارات عقد العزم على الالتحاق بالمعهد القائم في مدينة جيزان، حيث تقدم بشهاداته وأوراقه اللازمة للقبول ، وكان التسابق على القبول في المعهد على أشده، وتم له ما أراد بحمد الله وتوفيقه، وابتدأ الدراسة مع بداية العام الدراسي 1394/1395هـ ، وكان لمدير المعهد حينها الاستاذ يحي عباس الحكمي ، البصمة والتأثير الايجابي عليه حينها وفي مستقبل أيامه ، حيث كان يسعى دوما إلى تشجيع الطلاب الجادين ، وكان معظم طلاب المناطق الجبلية من هذه الفئة، الذين يلقون منه كل عناية واحترام وتقدير . في سنوات الدراسة بهذا المعهد، كانت البداية الحقيقية له في الغربة، والشعور بالابتعاد عن من يراعي أموره الحياتية والمعيشية، حيث كان في المرحلة الابتدائية عند والديه، وفي المرحلة المتوسطة عند خاله حسن فرح في ابها، ثم عند خاله علي بن فرحان في نجران، وأما الآن في مدينة جيزان فهو وحيد لابد أن يراعى شؤونه بنفسه، فعليه الاعتماد الكامل عليها، ومراعاة أموره الدراسية والمعيشية ، وان كان قد بلغ مبلغ الرجال ولكن الغربة مع ذلك متعبة، وبالذات في تلك الفترة الخالية من وسائل الراحة، وفيها الانقطاع شبه التام عن الأهل ، تمضي عليه عدة أشهر لا يدري من وضعهم وهم كذلك، والحياة صعبة وضنكه ، والأمور غير متيسرة ، فتحمل كل ذلك وصبر وصابر ، وواصل دراسته وتغلب على كل المعوقات الحسية والمعنوية، حتى تخرج بجدارة يحمل شهادة المعهد مع نهاية العام الدراسي 1396/1397هـ . وكان ديدنه التزود بكل علم وخبرة تعن له ، لم يتوقف لا قبل الدراسة النظامية ولا بعدها، من تثقيف نفسه وتعليمها، وإكسابها المهارات والخبرات اللازمة ، فبعد تعيينه على الوظيفة الرسمية وممارسته مهامه فيها، متنقلا في أكثر من قطاع ، في التعليم العام ، وفي العمل المصرفي الخاص في البنوك، وفي القطاع الأمني في الأمارة، كان لا يفتر يتلقى العديد من الدورات والبرامج التعليمية والمهارية والثقافية ومن ذلك : أثناء عمله في بنك الرياض التحق بعدة دورات منها: 1. أساسيات عمل المصرف. 2. دورة تسويق الخدمات المصرفية ــ في جدة. 3. دورة في المالية والمحاسبة ــ في ابها. 4. دورة في القروض والتسهيلات ــ في ابها. 5. دورة في التخطيط والميزانية ــ في ابها. 6. دورة في تنمية الموارد البشرية. وأثناء عمله في الأمارة التحق بعدة دورات منها: 1. دورة في التخطيط الحضري الخاص ـ أمارة منطقة جازان. 2. دورة في تحقيق النتائج من خلال الآخرين ــ أمارة منطقة جازان. 3. دورة في التخطيط الاستراتيجي ــ أمارة منطقة جازان. 4. دورة بعنوان (الدور التنموي لمحافظي المحافظات ورؤساء المراكز). 5. دورة في الإشراف الإداري بإشراف معهد الإدارة العامة ــ أمارة منطقة جازان. 6. برامج التنمية الإدارية. 7. برامج القوى العاملة . 8. برامج المالية والمحاسبة. 9. برامج السكرتارية وخدمة المراجعين. 10. برامج إعداد المدربين . وغير ذلك من الدورات والندوات والمشاركات العلمية والعملية،ومن خلال الاجتماعات العامة والخاصة، واللجان التي تصقل المواهب وتكسب المهارات والخبرات الإدارية والعملية، في مجالات العمل الوظيفي وفي مجالات الحياة بصفة خاصة وعامة. الأعمال الوظيفية : بعد تخرجه من معهد إعداد المعلمين مباشرة في عام 1397هـ ، صدر قرار تعيينه معلما بمدرسة العدوين الابتدائية والمتوسطة، وكانت هذه المدرسة وما زالت من المدارس الطموحة في فيفاء ، تسعى دوما إلى إثبات مكانتها في مقدمة المدارس، من خلال تفوق طلابها وتميزهم ، والاهتمام بالأنشطة والمشاركات الفاعلة في خدمة المجتمع، بقيادة مديرها المتألق حينها الاستاذ حسين بن جابر (حفظه الله) والمدراء الذين تعاقبوا على إدارتها من بعده. عمل بعد تعيينه في هذه المدرسة ، مع الاستاذ حسين بن جابر، استاذه في المرحلة الابتدائية وقدوته، واثبت جدارته لان يكون زميلا له ناجحا ، وكان هذا المدير كعادته لا يجامل أحدا، بل ويسعى إلى التخلص واستبعاد كل من ليس مناسبا، ومن ليس على قدر ما يؤمل منه، فنال تقديره ورضاه في كل ما أوكل إليه من مهام، في التدريس والنشاطات المتعددة، بل ولنجاحه وجدارته رشحه ليكون وكيلا له ومساعدا ، فكان كعادته يثبت نجاحه وتفوقه وإبداعه ، لأنه هكذا وهذه طبيعته وشخصيته ، فبرز جهده واتضح إخلاصه وتفانيه ، للأسباب التي ذكرنا، ويحفزه أنه وجد نفسه في هذا العمل الذي يمارسه ، ولما يجده من تشجيع وتوجيه وتحفيز، فأبدع وتألق. ومع بداية العام الدراسي 1402هـ صدر قرار ترشح مدير المدرسة (حسين بن جابر) لاستكمال دراسته التكميلية في مدينة الطائف، وتفريغه لهذه الغاية ، فكلف وكيله باستلام إدارة المدرسة بدلا عنه، فكان خير خلف لخير سلف، قام على عمله ذلك على خير وجه، واستمرت المدرسة تسير على منهجها وطريقتها بنفس القوة والفاعلية والزخم ، ومضت به السنين على هذا المنوال يبدع ويتجدد ، ويواصل من نجاح إلى آخر، راض بما هو فيه وما هو عليه، وهاهو العام الثالث في الإدارة ، والعام السابع في سلك التدريس يمضي به في رضا تام يبذل ويجد ويجتهد ، ولكن الدوام على حال من المحال لغير الله عز وجل ، فما بين عشية وضحاها يغير الله من حال إلى حال ، تغير اتجاه البوصلة وتغير المسار، على غير سابق إنذار أو إعداد وتهيئة ، وهاهو يضع قدمه في بداية طريق آخر، لا يدري إلى أين سيتجه به، والى أين يوصله ، يدلف إلى طريق ومجال وأفق رحب آخر، مغيبة عنه نهايته وغايته ونتائجة ، ولا يدري هل سيحقق فيها نفسه وكيانه، أم يريد الله له غير ذلك. تغير المسار الوظيفي: في احد أيام عام 1405هـ ، حضر وفد من الإدارة العامة لبنك الرياض المصرفي ، في رفقة مدير فرع البنك بجازان الاستاذ/ يحيى الرفاعي، لزيارة فيفاء ضيوف عمل على سعادة شيخ شمل فيفاء حسن بن علي (رحمه الله) ، للعمل على افتتاح فرع لبنك الرياض في فيفاء، واختيار الشخص المناسب من أبناء فيفاء لإدارته ، وقد وقع اختيارهم على الاستاذ (عبد الله) ليشغل هذا المنصب ، وكانت مفاجئة له في البداية ، وتردد في الإقدام على مثل هذه الخطوة ، لكونه مرتاحا في عمله الذي هو فيه (مدير لمدرسة العدوين الابتدائية والمتوسطة) وراض عن عمله تمام الرضى ، ولمعرفته أنما سيقدم عليه مغامرة في حد ذاتها غير مضمونة العواقب ، وإدراكه اختلاف العمل الحكومي الذي هو فيه ، عن العمل في القطاع الخاص الذي سيقدم عليه ، والبون الشاسع بينهما ، وبالذات الأعمال المالية والمصرفية في البنوك التي لا يفقه كثيرا فيها، فالعمل الحكومي مع أهميته القصوى، وبالذات في مجال التربية والتعليم، عمل مضمون وآمن، وقد خبره وارتاح فيه ونجح نجاحا يرضيه ، بخلاف العمل التجاري في البنوك والمصارف ، فهو في طبيعته عمل يخضع للربح والخسارة ،والموظف المسؤول فيه يدور على هذين القطبين، لذا ليس مستبعد أن يجد نفسه بين عشية وضحاها مطرودا دون عمل، إن لم يحقق للبنك ما يؤمله من النجاح والكسب ، وجلب المردود الايجابي الذي يسعى إليه ، فمستقبله على كف عفريت (كما يقال)، فأما أن ينجح وهو ما سيحرص عليه ولا شك ، فيعلوا في الآفاق ويترقى في درجاته، أو يهوي به حظه العاثر إلى الحضيض ويفقد كل شيء. ولكن عندما لفت والده نظره إلى الجانب الايجابي من وجود البنك، وما سيجنيه أبناء فيفاء وما جاورها من خلال ذلك ، والخدمات التي سيقدمها لهم ، والتسهيلات المهمة والجليلة للمجتمع بكامل أطيافه ، من صرف المستحقات والتحويلات، والكثير من التعاملات البنكية التي أصبحت ضرورية في هذا العصر، وتخفيف كثير من المعاناة والمشقة التي يتكبدها أبناء هذا القطاع في سبيل الوصول إلى مقرات البنوك البعيدة ، كل ذلك جعله يستسهل كل تضحية يقدم عليها ، وبالذات وطبيعة نفسه تتوق دوما إلى حب التغيير، وتنزع إلى التعرف وتجربة كل جديد ، وبعد التفكير الجاد والاستخارة والمشاورة توكل على الله وقرر القبول بهذا العمل، يحدوه الأمل أن يكون في ذلك النفع والمردود الايجابي لمجتمعه . ابتدأت الترتيبات من تلك اللحظة ، حيث توجه إلى مدينة جدة لمقابلة المسؤولين في الإدارة العامة للبنك، وبعد التفاوض واطلاعه على المزايا التي سينالها، وماله وما عليه، والصلاحيات المخولة له، جرى توقيع عقد العمل مع البنك ، وانطلق لمتابعة انفكاكه من العمل الحكومي الذي يشغله ، حيث قدم استقالته من إدارة التعليم ، وسعى بكل نشاط واجتهاد لاستكمال تأسيس البنك على الواقع، ليمارس مهامه المأمولة في اقرب وقت . وبعد اختيار المقر المناسب للبنك، الذي كان في جوة آل شراحيل، جرى العمل الجاد على تهيئته بكل ما يلزم من أجهزة وأدوات، وتعيين الموظفين الأكفاء من أبناء فيفاء، وتدريبهم على جميع أعمال البنك الذي تم في مقر البنك بمدينة جيزان ، فلم تمض بضعة أشهر إلا والبنك كيان قائم على قدميه ، حيث تم افتتحه رسميا بموقعه الجديد ، بكامل طاقمه من إدارة وموظفين ، ومارس عمله الجديد بكل دراية واقتدار، وقد استوعب عمله كمدير له مهامه وصلاحياته ،وسارت به الأمور من حسن إلى أحسن ، ومن يوم إلى يوم يتعلم جديدا، وترتفع قدراته وخبراته وثقته بنفسه ، فاثبت نجاحه واكتسب خبراته ، وما أسرع ما تفوق في مجاله وأبدع ، مما جعل الإدارة العامة للبنك ترتاح إلى هذا التقدم والتفوق ، فنال الحظوة لديهم والثقة ، التي انعكست على البنك وأعماله ، فكان النجاح عنوانه وطريقه . مضت السنين وهو يجني نجاحا عقب نجاح ، ودليل نجاحه انه بعد فترة تمت ترقيته إلى درجة أعلى، وتكليفه بالعمل مديرا لفرع البنك في مدينة أبي عريش ،وانتقل إلى هناك وقد كسب خبرة ودراية ، واستمر عمله في بنك الرياض (فرع فيفاء ثم أبي عريش ) لأكثر من عشر سنوات ، ولكنه لم يعد يحتمل الاستمرار في هذا المجال، فعمل البنوك عمل مرهق ومتعب، استنزف جهده وطاقته، واخذ كل وقته ونشاطه ، فدوام البنوك في ذلك الوقت على فترتين صباحية ومسائية، لا تترك لك مجالا لمتابعة أمورك الخاصة والعامة، لا في بيتك ولا مع أسرتك، أو التواصل الاجتماعي كما ينبغي ، وطبيعة شخصيته لا تتوائم مع هذا الأسلوب ،ولم يطق الصبر زيادة على هذا الحد ، فسعى جادا إلى البحث عن مجال آخر، يتوافق مع طبيعة نفسه الاجتماعية، وارتباطاته الأسرية والعائلية ، وبالذات في هذه الفترة حيث أن أبنائه أصبحوا شبابا، في مراحل متقدمة من الدراسة ، يحتاجون إلى أن يكون أكثر قربا منهم، يعينهم على اجتياز هذه المرحلة العمرية بأمن وسلام . العودة إلى الوظيفة الحكومية: أمضى في البنك أكثر من عشر سنوات، كانت حافلة بالجد والاجتهاد والعمل الدؤوب، الذي استنفد كل طاقته ومخزون نشاطه، وعزلته كثيرا عن واجباته الاجتماعية والأسرية، مما حدا به إلى أن يقرر الانفلات من هذا الرباط الثقيل ، الذي لا يناسب ظروفه وطبيعته ، وبحث عما يناسبه في أكثر من موقع ، وفي عام 1417هـ تقدم بطلب نقل خدماته إلى أمارة منطقة جازان ،حيث تمت الموافقة على تعيينه لديها على وظيفة (باحثا قضايا) في الشؤون الأمنية في المقر الرئيسي ، لذلك باشر عمله فيها رغم فقده كثيرا من الميزات المالية التي كانت تأتيه في عمله في البنك ، ولكنه ضح بها وأقلم نفسه على وضعه الجديد ، وما أسرع ما ألفه وارتاحت له نفسه، وتعود على وضعه الجديد، وأتقن طبيعة العمل ومهاراته، وتعرف على خفاياه وأسراره ، فنجح وأبدع ونال ثقة المسؤولين وارتياحهم ، لجديته المثالية ، واستيعابه كل ما أوكل إليه من أعمال ومهام وواجبات ، وحرصه على أدائها على خير وجه وأتمه ، وفي هذه الفترة وقد أوكل إليه كثير من المهام والأعمال والواجبات ، التي شارك فيها وترأس من خلالها في العديد من اللجان والاجتماعات ، وكان لمشاركاته الفاعلة الدور في انجاز كثير مما اسند اليه منها ، ومن أهم المشاركات وأبرزها: 1. رئيس اللجنة الحدودية ، والقيام بجولات لتحديد الحدود الإدارية لكل محافظة ومركز. 2.رئيس اللجنة المشكلة من الجهات الأمنية، ووزارة الدفاع والطيران ، لدراسة اختصاص كل جهة منها على ساحل البحر ، وتحديد النقاط التي تخص وزارة الدفاع والطيران . 3. رئاسة لجنة للإشراف على تقدير وبيع السيارات المقبوض عليها لدى الجمارك. 4. رئاسة لجنة أمنية للإشراف على إتلاف بعض المتفجرات والألعاب النارية، التي يتم القبض عليها من حرس الحدود والجهات الأمنية الأخرى. استمر في عمله هذا لأكثر من سنتين ، ولتعثر صحة والده الشيخ حسن بن علي (رحمه الله) في تلك الفترة ،واحتياجه إلى زيادة العناية به والقرب منه، استدعاه ذلك إلى طلب نقل خدماته لمكان قريب من سكن والده، فتمت الموافقة على نقله إلى محافظة الداير وذلك في عام 1419هـ ، وكان عمله فيها مديرا عاما للحقوق، ومسؤولا عن الموظفين ، وكان يقوم بأعمال المحافظة في حالة غياب المحافظ في الإجازات العادية، أو عند قيامه بمهمات رسمية خارج المحافظة . في عام 1423هـ تمت ترقيته ونقله مديرا للشؤون الخاصة بالأمارة ، وكان هذا العمل يتطلب ملاصقته لسمو أمير المنطقة (حفظه الله)، وبقي يؤدي عمله على خير وجه لأكثر من عامين ، وفي عام 1425هـ وجه سمو أمير المنطقة بترشيحه رئيسا لمركز الخشل بمحافظة الحرث . وباشر عمله الجديد في المركز كعادته بكل اقتدار ، وما أسرع ما نال النجاح، وخدم المركز وطوره وقدم لأهله والقرى التابعة له، خلال فترة عمله التي استمرت أكثر من (6) سنوات، الكثير من الخدمات والمصالح الحيوية الهامة ، ومنها : 1. متابعة افتتاح الحزام الدائري للخشل، ومساندة المشايخ والمواطنين في سبيل تحقيق ذلك، بالاتصال والمتابعة بجميع الجهات ذات العلاقة . 2. السعي الجاد والمثمر في إيصال التيار الكهربائي لمعظم القرى التي لم يصلها من قبل، وإنارة الشوارع العامة . 3. متابعة مشاريع التعليم (بنين وبنات)، وسهل على إدارة التربية والتعليم الحصول على الأراضي لإقامة المشاريع التعليمية ، حتى أصبحت كل مدارس مركز الخشل والقرى التابعة له في مبان حكومية. 4. سهل لرجال الأعمال في المنطقة سبل الاستثمار التنموي في المركز . 5. ترأس جميع اللجان الأمنية في المركز، ونظرا لحساسية موقع المركز الحدودي، حث المشايخ على التعاون الجاد مع الجهات الأمنية. 6. أسهم بشكل كبير في إحداث مركز للشرطة بالمركز . وكانت له مشاركات فاعله، سواء أثناء قيامه بعمل المحافظة، أو رئاسة المركز، في ترأس اللجان الأمنية، ومتابعة الأحداث، وملاحظة الأوضاع ، أثناء الأزمة مع الحوثيين ، وأثناء تنفيذ التوجيهات بإخلاء القرى القريبة من الحدود ، لئلا يتعرض مواطنيها للأذى ، بعد أن تمت تهيئة أماكن الإيواء لهم ، ونقلهم إليها. في نهاية عام 1431هـ تم تشكيل جديد للمحافظين ورؤساء المراكز ، ونقل على أثرها إلى رئاسة مركز السهى التابع لمحافظة صامطة ، وباشر عمله في المركز الجديد ، واستمر فيه لأكثر من سنة ونصف، إلى أن أحيل على التقاعد لبلوغه سنه النظامية ، حيث أحيل على التقاعد في 1/7/1432هـ ، بعد حياة حافلة بالأعمال الجليلة النافعة ( بمشيئة الله) خدمة لدينه ثم لوطنه وولاة أمره، امتدت لما يقارب خمس وثلاثين سنة. وقد نال طوال خدماته الطويلة والمتعددة الجوانب ، الكثير من شهادات التقدير والثناء، خلال ما مارسه من أعمال طوال حياته العملية، يسأل الله أن تكون خالصة لوجه الكريم سبحانه وتعالى، ومن تلك الشهادات التقديرية : • شهادة شكر وتقدير من قاعدة الملك خالد الجوية، لقيامه بمرافقة اللجان وتسهيل مهامها، لتحديد مناطق الرصد على ساحل البحر الأحمر . • شكر وتقدير من مدير عام التربية والتعليم، لرعاية فعاليات الخدمة العامة لمنتزه وادي الدحن. • شكر وتقدير من مدير عام الدفاع المدني بمنطقة جازان بمناسبة اليوم العالمي للدفاع المدني للمشاركة ورعاية العرض المصاحب بمركز الدفاع المدني في محافظة الحرث. • شكر وتقدير من عدة جهات حكومية متعددة ومشايخ المحافظة والمراكز. بعد التقاعد: لم يتعود الكسول والخمول، لذلك واصل نشاطاته في مجالات الحياة المتعددة، بل كان لانفكاكه من الرباط الرسمي الذي تمليه عادة الوظيفة، دور في أن يجد نفسه في كثير من المجالات الاجتماعية وفي جميع نواحي الحياة، وله أدواره ومشاركاته المتعددة في الحياة متواصلا بكل جدية واقتدار، يخدم مجتمعه ويسعى إلى أن يكون مؤثرا وايجابيا ، ولموقعة القريب من أخيه سعادة شيخ شمل فيفاء ، الحضور المتميز فهو معه دوما، حاضرا بفكره ورأيه وجهده ، وله العديد من الأدوار المؤثرة والمتعددة في الحياة مما لا ينكر في كل نواحي الحياة من حوله سواء في فيفاء أو على مستوى المنطقة ، يبذل جهده لما فيه نفع ومصلحة الناس والمجتمع من حوله، فهو إنسان ايجابي ومؤثر في المحيط الذي هو فيه، لا يبخل عن تقديم كل ما فيه الصالح العام لمجتمعه ، كان من أيام والده (رحمه الله)، الذي طالما كان يشركه في كثير من أعماله الخاصة والعامة ، ويكل إليه الكثير من المهام، وبعض اللجان والواجبات سواء في معيته أو بالنيابة عنه ، وهاهو مستمر على هذا المنوال مع أخيه سعادة شيخ شمل فيفاء الشيخ علي بن حسن (حفظه الله) معينا ومساندا وظهيرا ، وفقهم الله وأعانهم وسددهم. وحيث أن معظم إقامته اليوم في مدينة جيزان ، من اجل دراسة أبنائه في الجامعة والتعليم العام ، لذلك كعادته سعى وبعض أبناء فيفاء المقيمين معه هناك وفي بعض مدن المنطقة، إلى تكوين رابطة يلتفون حولها، تعينهم على تحقيق التعارف والتالف والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى، ولتحفظ لهم ترابطهم وتستوعب شبابهم، فيما يصلحهم ويشغل أوقاتهم بالصالح المفيد ، ومع الرفقة الطيبة المأمونة ،فاجمعوا على تأسيس ملتقىً، يتضمن في أهدافه كل هذه الوظائف وغيرها، مما يقوي اللحمة ويرفع من قوة التقارب بينهم وبين مجتمعهم الأم ، فكان ملتقى أبناء فيفاء في جازان، وهو اليوم من انجح الملتقيات لأبناء فيفاء في مناطق مملكتنا الغالية، حيث حقق في السنتين الماضيتين وهي عمره، كثيرا مما عجزت عنه مثيلاته الأكبر عمرا، وما ذلك إلا لجدية القائمين عليه، وهو لا شك في مقدمتهم، وقد أحسنوا الاختيار حين اختاروه رئيسا لهذا الملتقى، في أول جلساته التأسيسية ، ومازال يقوده بكل اقتدار ويمنحه الكثير من جهده ووقته وخبراته، زاده الله توفيقا وبارك فيه وفي جهده وعمره وعمله وكثر في مجتمعاتنا من أمثاله. الحياة الاجتماعية: متزوج من الفاضلة / عائشة بنت حسن يحيى آل سنحان الفيفي ولهما العديد من الأبناء والبنات وهم على النحو التالي: 1. محمد معلم في احد مدارس مدينة جيزان الثانوية . 2. ماجد موظف بمركز الخشل . 3. أيمن يعمل بالدفاع المدني بمحافظة الداير. 4. عبد الرحمن طالب في جامعة جازان. 5. عبد الرحيم طالب في المرحلة المتوسطة. 6. بدر طالب في المرحلة الابتدائية. 7. إيمان متزوجة. 8. نجوى طالبة في جامعة جازان. بارك الله فيها من أسرة مباركة ووفقها إلى كل ما يحبه ويرضاه ، وأدعو الله لصاحب السيرة بدوام التوفيق والسداد، وان يمد في عمره على طاعته، ويختم له بالصالح من القول والعمل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/عبد الله بن علي قاسم الفيفي / أبو جمال
الرياض في 20/12/1433هـ |
الاثنين، 8 أبريل 2013
الشيخ عبد الله بن حسن علي آل سنحان الفيفي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق