العلم متاح للجميع، وليس حكرا لاناس دون آخرين، وبقدر ما تعطيه يعطيك ، ومن سمعته أو قرأت له ووجدته متمكنا في علم من العلوم، قدرته وحكمت عليه بأنه عالم دون حاجة للسؤال عن شهاداته ، فليس هناك ما يدعوك لذلك ، ولن يسأل عن الشهادات إلا من وجد لديه قصور في علم ادعاه ، فهو الذي يعوزه إثبات هذه الدعوة، والتدليل على صحتها ، فالإثبات والدليل إنما هو للأمر الملتبس وغير الواضح :
وليس يصح في الأذهان شيء # # إذا احتاج النهار إلى دليل
يقول شيخي الشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري (الشهادات الدراسية والى ما فوق الدكتوراه إنما هي تربية تعليمية، ولا تعني العلم، ولكنها تمنحك أدواته، فان استخدمتها في تنمية ملكة العلم لديك وإلا ضمرت، فالعلم في بطون الكتب، لا يأتي إلا بالاجتهاد والكدح في تحصيله ، ويوهب بتوفيق الله لمن أجهد نفسه في ذلك ، وليس شرطا أن يكون طالبه من أصحاب الشهادات ، ولكن صاحب الشهادات يسهل عليه إدراكه، لامتلاكه أدواته ومفاتيحه ، وكلما زاد الاطلاع وتنوعت الروافد، اتسعت المدارك واستنار العقل ونضج الفكر) فالشهادات إنما هي : (للمركز، والمكانة الاجتماعية، وللوظيفة الحكومية، وللراتب) ، ولكنها لا تعني أن حاملها عالم، ولكنها تؤهله لان يكون كذلك، وتمنحه أدوات العلم، ومفاتيح البحث الصحيحة .
ففي الحديث وان كان ضعيفا ( إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ....) فالعلم مشروط بالتعلم، وبقدر اطلاعك يزيد علمك، ويرتفع قدرك، فكم من حامل شهادة ليس بعالم ،وكم من عالم لا يحمل شهادة .
والشهادات وضعت عندما فشا التعليم وانتشرت مدارسه ، وأصبحت الدراسة إلزامية في أكثر المجتمعات الحديثة الناهضة، ولا يوجد وسيلة أفضل منها في معرفة التمايز بين الطلاب ، وقياس القدر الذي بلغه كل منهم في المراحل التعليمية ، ولكنها لا تقيس حقيقة المحصلة العلمية لديه .
والشهادة تمنح الثقة لحاملها، وتثبت في الغالب انه قد تأسس على طريقة صحيحة ومنتظمة ، تمكنه من أن يكون مؤهلا لان يتحمل مزيدا من العلوم ، فهي مفاتيح يحملها بين يديه ليدخل بثقة إلى أبواب العلم ، فيكتسب بها القدرة والثقة والجراءة .
فليس علماً ما حوى القمطر ## ما العلم إلا ما حواه الصدر
إذا فمهما كان الشخص حاملا لأعلى الشهادات، ثم وقف بنفسه عند هذه الحد ، ولم ينمي قدراته ويصقل مواهبه ، ويزيد من حصيلته العلمية بالاطلاع والقراءة والبحث ، فستجد ما علمه قد تسرب من بين يديه مع الوقت ونسي معظمه ، وفاته الكثير من المعارف الضرورية ، فالعلم متجدد لا يقبل التوقف والاكتفاء ، فكما نشاهد في كثير من الجامعات العريقة أنها تلزم منسوبيها من أعضاء هيئة التدريس بإعداد بحوث دورية محكمة ، يتم تقييمهم وتدرجهم في درجاتها العلمية من خلالها ، بل وتوصي بعد فترة باستبعاد من لا يقوم بإعداد هذه البحوث ، فهو ليس جدير بالانتساب إليها .
لم تتح له الفرصة بان يحصّل الشهادات لعدة أسباب ، منها الظروف الأسرية، وقلة ذات اليد ، وعدم توفر المدارس كما ينبغي أثناء صغره ، ثم قلة وعي المجتمع بأهمية الشهادات ، ولكن بما جبل عليه من التعلق بالعلم، وطلب المعرفة وحب الاطلاع، والسعي إلى تغيير واقعه ، وما وهبه الله إياه من قدرات ذهنية وعقلية، وشغف بالقراءة الحرة، وما هيئه له سبحانه وتعالى من أن أوجد له في حياته من دله على الكتب المناسبة التي أسست لديه القواعد المهمة التي انطلق منها، وبني عليها معارفه، ثم بمخالطته لأهل العلم والأدب والثقافة، كل هذه العوامل نمت قدراته، وصقلت مواهبه، فكان يقتبس منهم ثم يعرض عليهم ما لديه ، ومن تعوده على ارتقاء المنابر، وارتياد الأندية الأدبية والمحافل ، واقتحامه عالم الصحافة مهنة المتاعب والمناكفات، واحتكاكه بأهل الاختصاص ، ودخوله في كثير من المحاورات والمماحكات، واضطراره للدفاع عن ما يطرحه من أفكار ، ودحض الحجة بالحجة ، كلها عوامل صنعت منه وصقلت لديه الكثير من المواهب والقدرات ، وجعلت منه ناقدا ومثقفا طور نفسه بنفسه، حتى بلغ بها درجة عالية ، وان كان ينقصها الكثير ولكن لمن يكون الكمال..........
أحاط به جبابرة البرايا ## وما زالوا به حتى تجبر
إذا راض النمور اخو ميول ## فلا تعجب إذا هو قد تنمر
كاتب وناقد وشاعر وأديب ومؤرخ وقاص وصحفي وممثل ورياضي .................. هو مجموعة من كل ذلك، أبدع ويبدع، يخطئ ويصيب ، يحرك ويحاور، ينقد ويصوب، قبلناه أو لم نقبله ، فالمنصف يعترف بعلمه وأدبه وسعة اطلاعه وثقافته وفهمه، انه ولا شك :
محمد بن مسعود بن يحيى بن جابر بن علي بن علي (المحرّق) وهو [علي امجميلة] بن سلمان بن سليمان بن علي بن حسن بن زيدان بن الحجار بن مهطل العبدلي ثم اليهنوي الخولاني نسباً الفيفي مولداً ونشأة . (هكذا عرف بنسبه )

والده هو مسعود بن يحيى بن جابر المولود سنة 1348هـ حفظه الله .
وأمه هي الفاضلة /عافية بنت سلمان بن جبران بن حسن العبدلي حفظها الله المولودة سنة 1357هـ
ولد لهما ظهيرة يوم الثلاثاء الأول من ذي الحجة؛ سنة 1382هـ في بيت اللفجة في بقعة اللفجة غربي جبل آل عبدل.
أسرة مكافحة وفقيرة كمعظم الأسر من حولهم في تلك الفترة ، الأب يكافح بجلد وصبر طوال الوقت، يعمل بالأجر اليومي الزهيد معظم أيام السنة، والأم تساعده وتقف بجانبه ، في توفير الحياة الضرورية لأبنائهم ، ومن يعولون من كبار السن بينهم، فهي تنقل العلف(الجداب)والماء والحطب إلى بعض النساء الموسرات في قرى اللعثة أعلى جبل آل عبدل، وقد تصل إلى قرب النفيعة ، لتعود بعد يوم شاق لأبنائها بالخبز، والزهيد من الحنطة وقشر البن، وهو الأجر الذي تتقاضاه لقاء رحلتها الشاقة .
فهي أسرة قد عايشت الفاقة، وتعودت عليها، فالأب عاش يتيما، توفي والده يحيى بن جابر (رحمه الله) ولم يبلغ بعد السادسة من العمر، فعاش اليتم الحقيقي، عاش في ظروف شديدة التطرف وضنك العيش ، عاش مع أمه وأخوته حياة تكاد تنعدم فيها لقمة العيش، فدرج وهو دون العاشرة إلى السعي والتنقيب عما يسد الرمق ولا يكاد، وكابدوا مع غيرهم سنة الجوع عام1358هـ ، ولم يكن غذاءهم الرئيس إلا ما تيسر من النبات كالغلف والفُغَّاء [ثمر الجميز] والضبر وغيره، ولم يكد يبلغ الخامسة عشرة إلا وهو يقف سندا وعونا لوالدته في مواجهة متطلبات الحياة التي ترتكز أساسا على توفير لقمة العيش،ولم تتح له الفرصة ليتعلم ولكنه كان متفتحا شاعرا بالفطرة ، ينظم الشعر الملحون ويميل فيه إلى الفكاهة والسخرية.
ومع كده وتعبه فقد استوعب الحياة، وفهمها فكان قريبا جدا من أبنائه، شفيقا عليهم، يحاول تعويضهم عند عودته في المساء (مهما كان مرهقا) بعض ما فقدوه لغيابه طول النهار، فيكون المساء حافلا بالأقاصيص التي يرويها لهم، وهم يتحلقون حوله في لهفة، على ضوء باهت يتسرب من قنديل الزيت المحشور داخل نقرة في الجدار(قترة) ، فيحلق بهم في فضاءات سحر الفنتازيا والأسطورة والملحمة ، فكانت القصة هي الغذاء اليومي لهم، يرويها بأسلوب تمثيلي بديع، فيندمجون مع أبطالها ويحلمون بهم، فتشكلت الذاكرة على الخيال القصصي المبدع ، وأما إذا كانوا في زيارة جدهم لامهم (سلمان بن جبران رحمه الله) فيختلف هناك نمط القصص، ففيها تنشط الحروب، وتهب الأبطال لمنازلة الأعداء، ويحتشد التاريخ ، لذلك اعتجن وتشكل خياله بالكثير من الإبداع ، وسعى إلى الاستزادة عندما خرج من هذا العالم الحالم ، بعدما عرف فك الخط ، وتعلم القراءة التي وجد من خلالها في الكتب عالم واسع من الخيال والتاريخ والعلم .
فتشكلت شخصيته الأدبية والشعرية والقصصية من سن الطفولة المبكرة.
تعليمه:
لما بلغ السابعة من عمره، ألحقه والده وأخاه حسن، بمعلامة عبد الله بن شريف حسن العبدلي، وكان لجدته لأبيه (حالية ـ الخولية) الدور الأكبر في ذلك، فقد كانت حريصة على إلحاقهما بالمعلامة، وكان ذلك في صيف سنة 1387هـ ، وكان مقر المعلامة فناء [ناعم] ، في ذراع القديم، غرب جبل آل عبدل، ولكن لم تستمر المعلامة سوى شهرين ، حيث اقفل المعلم المدرسة وانتقل إلى بني مالك.
ولم يمضي طويل وقت ، حتى افتتح المعلم موسى القيسي (يماني ) معلامة أخرى، قريبة من دارهم تقع في [ جورة ظاهر المرقوع] غرب جبل آل عبدل ، فالحقهما والدهما بها .
وفي هذه المدرسة تعلم كثيرا من سور القران الكريم ، والقراءة والكتابة، فكان معلمه جادا نشيطا، واختزنت ذاكرته كثيرا من مشاهد هذه المدرسة ، ومن هذه المشاهد تتلمذه لمدة يوم واحد لم ينساه على يد السيد عبد الرحمن (يماني الجنسية ـ كانت لديه تصرفات غير سوية، يجمع بين الحمق والذكاء، والعلم والجنون، متقلب غير مفهوم) ولكنها حكاية علقت بمخيلة الصغير على قصر وقتها، وتركت صورة ما زالت شاخصة في خياله، لنعش معه فصولها حيث يقول : ( وحين عهد إليه الفقيه موسى القيسي بتلاميذه، قطعة من نهار ربيع 1387هـ ، كنت واحدا من تلك (المعلامة)، فحضر مكفهرا عابسا يابسا، يكاد يتميز من الغيظ ، يحمل (مخباطا) أطول من قامته ..واتخذ من (دكة) الفقيه مقعدا وقاعدة !! فساد صمت رهيب وسكون موحش.. وكأننا تماثيل من حجارة باردة لا حياة فيها .. ومرت اللحظات بطيئة كالدهر..ثقيلة كالذنب ..بغيضة كالفقر!! وانسلخ أول النهار وأدبرت ساعاته الأولى ونحن على هذه الوتيرة ..وجوم وترقب ..فيما ظل السيد عبد الرحمن صامتا لا يتكلم ..كالجندي في نوبة حراسة مشددة .. يرمقنا بعينين جاحظتين، في وجه مستدير ذو بشرة قمحية داكنة ، تؤطره لحية كثة خشنة ..خالطها شيء من البياض، وقد ترك عليه )العنقز) أثرا واضحا يفوق الأثر الذي خلفته سنيّه الأربعين..) خيال خصب حفر في أعماقه صورة لم تمحها السنين مع محدودية وقتها .
لم تستمر معلامة الفقيه موسى القيسي طويلا ، ولكنه عاد المعلم الأول عبد الله بن شريف حسن العبدلي فافتتح معلامته تحت [ تالقة اللعثة ] في أعلى جبل آل عبدل، فألتحق بها ،رغم مشقة الوصول اليها، واستمر في هذه المدرسة ما يقارب الخمسة أشهر، أتقن خلالها قراءة ثمانية أجزاء من القران الكريم، مبتدئا تنازليا من قصار السور إلى سورة سبأ.
في عام 1389هـ اصطحبه والده إلى مدرسة نيد أبار الابتدائية، عندما افتتحت ليسجله ضمن طلابها، دعونا نعش معه، في أسلوبه الأدبي البديع، وهو يلتقط لنا تلك الصورة الرائعة، التي اختزنتها ذاكرته ، فيقول: ( لعلها المرة الأولى التي ألبس فيها حوكا جديدا، وشميزا يعبق برائحة الصباغ، وكوفية كالتاج يرصع حوافها خيط ذهبي لامع في دوائر تسلب الألباب، لكن أحد المعنيين بتدوين الأسماء، تفحص هندامي، وأعلن عدم ملاءمته، وعليّ أن أستبدله بثوب كالذي يرتديه، فتناقص مني خط الزهو الذي كان قد بلغ الأوج ، وبعد أن أجبت على اسئلة بسيطة، وكتبتُ اسمي على ورقة نظر إليها، ثم قام بتسجيلي ضمن طلاب الصف الثاني الابتدائي(.
إذا فقد تم قبوله بناء على مستوى تحصيله العلمي، من دراسته السابقة لدى المعلمين عبد الله بن شريف وموسى القيسي ،في الصف الثاني الابتدائي ، فمع بداية العام الدراسي 1390/1391هـ انتظم في مدرسة نيد أبار الابتدائية في الصف الثاني الابتدائي ، وانسجم مع المدرسة ومع دروسه وزملائه، رغم بعد الشقة والمسافة الطويلة الشاقة التي يقطعها كل يوم ذهابا وإيابا، من بيتهم في بقعة اللفجة ( الواقعة بين بقعتي المنهم والمقبعي) ، إلى مقر المدرسة في نيد أبار .
وكان في العطلات الصيفية إذا أتيحت له الفرصة لا يتوان عن الدراسة وطلب العلم، متى ما وجد إلى ذلك سبيلا، ومن ذلك انه في صيف عام 1393هـ التحق بمعلامة السيد إبراهيم بن عبد الله آل مشكاع رحمه الله، التي افتتحها في [دارة العقبة] بجوار جامع الغمر، أسفل غرب جبل آل عبدل ،وكان هذا المعلم يحرص على تعليم طلابه مع القران الكريم والقراءة والكتابة ، أمور الدين والمحافظة على الصلاة جماعة ، فكانوا يؤدون الصلاة جماعة في جامع الغمر خلف معلمهم، وقد أكمل أثناء هذه العطلة تلاوة جزء كامل ونسخه، وكان المعلم رحمه الله يمتدح خطه.
وفي مدرسة نيد أبار، وقد اجتاز الصف الثاني والثالث والرابع الابتدائي، وهو يدرس الصف الخامس، حدث أمام عينيه أمر جلل كطفل ، جعله يكره المدرسة ولا يطيق البقاء فيها، بل بسببه خرج منها نهائيا ولم يعد إليها أبدا ، يحكي ذلك بقوله : (ذات صباح دراسي من عام 1394هـ وعند انتهاء الحصة الثالثة، وخروجنا للفسحة، طُلب منا الاحتشاد في ساحة المدرسة، لنشهد عقابا قررت الإدارة إنزاله على أحد التلاميذ، لسوء ألفاظ وجهها لأحد المدرسين، أثناء تلقيه الضرب على يديه، ألقى المدير كلمة مقتضبة عن أهمية احترام المدرسة والمعلمين، وعدم التذمر من أي عقاب قد يصدر بحق طالب مهمل لدروسه، لا يلقي اهتماما للواجبات المدرسية التي يكلف بها من قبل أساتذته ، ثم أومأ لاثنين من موظفي المدرسة، فتقدما إلى الطالب المسكين ، الذي أمر أن يستلقي على الأرضية الترابية لفناء المدرسة، ثم لفا على ساقيه غترة كانت على كتفه، وأمسكا بها من الطرفين كل يشدها إلى ناحيته، ورفعا قدميه عاليا، وتقدم المدير إلى قدمين معروقتين، وأهوى بعصاته الغليظة، فيما ظل الطالب متماسكا، ومبديا شجاعة وتحملا تمليه الثقافة القبلية الموروثة، فاكتفى بتحريك قدميه تحت انهمار الضرب العنيف ، خمسة عشرة عصاة تركت لونا كحليا على قدميه، وتركت في نفسي أثرا أعمق، ولا أظن إلا أن كافة الطلبة قد تركت في نفوسهم أثرا كهذا .. كرهت المدرسة، والمدير، والمعلمين ، والدروس، والحصص، وكرهت الطريق المؤدي للمدرسة، ولم تنجح كافة النصائح والتقريعات والتهديد والوعيد في إعادتي إلى صفوف المدرسة.. كان ترتيبي الثاني على الصف لعامين متتالين الثالث والرابع بعد زميل مثالي مجتهد هو إبراهيم حسن جبران الثويعي، وبانصرافي خلال الشهر الأول من الصف الخامس الابتدائي يكون مجموع سنوات دراستي المنتظمة في وزارة المعارف (حينها) ثلاث سنوات) تلك كانت بعض الأساليب الموجودة في معظم المدارس، في تلك الفترة وما قبلها، وما تتركه من اثر سلبي في نفسية معظم الطلاب، مما حدا بوزارة التربية والتعليم الى منع الضرب من مدارسها.
لما ترك الدراسة وهو في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة نيد أبار، بعد المشهد الفظيع (في هذه السن) الذي شهده، وما خلفه في نفسه من انطباع سيء عن المدرسة، جعله يتركها دون رجعة، لم تجدي معه بعدها كل الرجاءات من والديه ، والمحاولات التشجيعية والتهديدية ،في تغيير قراره والعودة للمدرسة ، إلا انه في عام 1405هـ تقريبا، وبعد إحدى عشرة سنة ، وقد تجاوز العشرين من عمره ، بعدما استقر به المقام في مدينة الطائف، قرر الالتحاق بمدرسة الملك عبد العزيز الليلية ، بعد إلحاح وإصرار من بعض المقربين له، وأكمل فيها عاما دراسيا واحدا ، حصل في نهايته على شهادة أولى متابعة بتفوق!.. ولكونها دون رغبة حقيقية صادقة ، وإنما من باب المجاملة، لذلك لم يواصل، بل أعتبر الدراسة النظامية في تلك السن ، قياسا بما لديه من حصيلة علمية جيدة، قد اكتسبها من مداومته على القراءة الحرة الجادة ، مما فاق فيه كثيرا مما يدرسه في هذه المرحلة ، وان في حبسه لنفسه هذه الساعات الطوال في المدرسة ، هدر لوقته وطاقاته، التي يرى أن الأجدى له فيها صرفها فيما هو مفيد .
إن عشقه لطلب العلم والاستزادة منه، لم يجده في المدارس النظامية ، وهو في هذه السن، فقد كبر عليها، ولا يشعر انه بحاجة إلى الحصول على شهادة، إنما حاجته إلى العلم لا غير، والعلم فد عثر عليه ميسورا مبثوثا في بطون الكتب ، التي أحبها وعشقها وتعلق بها ولا يكاد يشبع منها ، فكان يقرأ دون كلل أو ملل ، فلا يقع تحت يده كتابا إلا استوعبه ، (وهذا هو العلم الحقيقي الذي ينفع صاحبه ويرتفع به) ، فإذا قرأت برغبة ذاتية، ودافع شخصي، تنشد العلم والفائدة ، فأنت تبني المعارف في صدرك ، وتشحذ فكرك وتنير بصيرتك ، فإذا ما جالست العلماء ، وعرضت حصيلتك عليهم، وأخذت بتوجيهاتهم ونصائحهم، زاد علمك، واكتمل فكرك، واستنار عقلك ، وهو ما كان عليه في تلك الفترة التكوينية في حياته.
كانت تلك المرحلة من عمره في مدينة الطائف ، من أخصب مراحل حياته ، كان لها اثر عظيم على علمه وثقافته ، وكانت حجر الزاوية ، والمنعطف المهم والخطير في حياته العلمية والأدبية ، التي شكلت حياته ورسمت مستقبله الثقافي الذي هو عليه اليوم ، لقد وجد في الطائف الفرص الحقيقية التي غيرته ، وشكلت وصنعت فكره ونفسيته إلى الأفضل ، فجعلت له هدفا وأملا يعيش له ، فيها تلقى العلم الحقيقي المؤسس ، قابل أشخاصا اثروا في تكوينه ، وأحسنوا توجيهه وصقله، وابرزوا كثيرا من كوامن نفسه الحقيقية ، زودوه بالقواعد الثابتة والصحيحة التي سار عليها ، وزودوه بالكتب المناسبة التي ارتقى من خلالها إلى مصاف المتعلمين ، مما أهله ليستكمل البنيان فيما بعد بنفسه، بطريقة علمية صحيحة وناجحة، أخرجت لنا فيه عالما و مثقفا وناقدا وكاتبا ألمعيا .
قابل في الطائف ولازم الشيخ العلامة والأديب محمد سعيد حسن كمال (رحمه الله)، وهو شخصية فذة ، وعلم من أعلام الفكر والمعرفة ، تردد على مكتبته العامة والخاصة ، وفتح لي مخازن كتبه الضخمة، وأتاح له فرصة التزود بكثير من الكتب المهمة بأسعار زهيدة، وأهداه كثيرا منها ، فجمع العديد من العناوين الموسوعية , مثل (الأغاني) و(لسان العرب) و(معجم البلدان) و(فتح الباري) و(أرواء الغليل) و(النحو الوافي) و(معجم الشعراء) ومن الكتب الحديثة (الإرتسامات اللطاف ـ لشكيب أرسلان) و(ديوان الشاعر الصوفي اليمني عبدالرحيم البرعي) من تحقيق الشيخ ، ونسخة من كتاب ( مارأيت وما سمعت ـ لخير الدين الزّركلي).
وفي الطائف ايضا التحق بحلقة الشيخ محمد العيافي (رحمه الله) ،عندما كان يأتي للاصطياف في مدينة الطائف ، فيمنح الراغبين في المعرفة وطلاب العلم بعض من وقته ، فكان له دروس في احد مساجد حي العقيق جوار سكنه ، كل ليلة ما بين العشائين، تكون في الحديث وشرحه من رياض الصالحين، أو الفقه و الفرائض من متن الرحبية ،وفي النحو من ألفية ابن مالك ، مع دروس حرة في مادة الأدب، يتناولون احد القصائد الشهيرة حفظا وشرحا ، إلى جانب التلاوة والحفظ من كتاب الله الكريم، فانتفع كثيرا من دروسه وجلساته.
في تلك الأثناء من عام 1406هـ ، وهو يبحث عن عشقه المتمثل في المكتبات ، دخل مصادفة مقر النادي الأدبي في الطائف ، فاكتشف عالما مختلفا طالما حلم به ، دخله ولم يعد يطيق الخروج منه ، لأنه تعرف فيه على رجال الأدب والثقافة والصحافة ، وكان في مقدمتهم رئيس النادي آنذاك الأستاذ الفاضل علي بن حسن العبادي ، الذي عندما أطلعه على بعض كتاباته، أبدى إعجابا صادقا بما وجده فيها ، وشجعه بل ونشر له شيء منها، ولا تسل عن مردود ذلك على نفسه ، وتعرف أيضا على سكرتير النادي ، الكاتب القاص محمد بن منصور الشقحاء ، الذي اخذ بيده إلى القراءات المعاصرة والحداثية، إضافة إلى الكلاسيكية التراثية ، وعن طريقه عرف أسماء الأدباء البارزين، على امتداد الوطن العربي، الذين اقتنى العديد من كتبهم، وكان أيضا يدله على الكتب التي تناسب حصيلته الثقافية في الأدب والنقد، بل ويعيره بعضها من مكتبته الخاصة ، وقد نشر له كذلك نصا قصصيا بعنوان (وادي القنبلة)، يوم كان مشرفا على الزاوية الثقافية لمجلة الطائف، التي تصدر عن الغرفة التجارية ، ثم فيما بعد توالى نشر إنتاجه ، فقد نشر له الأستاذ القاص عبده خال، في صفحة الثقافة من صحيفة عكاظ ، نصا آخر بعنوان (لحظة انكسار)، ومن يومها سجل لنفسه حضورا ايجابيا ، وأصبح عضوا عاملا في النادي ، ومواظبا على حضور فعالياته وأنشطته ، وتعرف على معظم أدباء مدينة الطائف، من أعضاء النادي ومن خارجه ، كل ذلك كان له ولاشك تأثيره الإيجابي الكبير على شخصيته ، أضافت إليه علما وثقافة وأدبا ، واكتسب منها ثقة بنفسه وبما لديه ، وصقل من خلالها مواهبه ونمى قدراته ،فالاحتكاك بالأدباء والعلماء وأهل الاختصاص مدرسة حقيقية ، ومقياسا واقعيا لما يملكه ، حرّكت كوامن نفسه، وأطلقت العنان لمواهبه وقدراته .
إضافة إلى ما يكسبه كل يوم من علوم عن طريق القراءة الجادة، التي خصص لها منه وردا وحصة كبيرة كل يوم ، فالقراءة الجادة التي نماها حتى أصبحت عشقه الذي لا يسلوا عنه، حيث تولع بالقراءة وعشق الكتاب من سن مبكرة ، يروى عن ذلك بقوله : في عام 1394هـ كنت شغوفا بالقراءة فيما لا علاقة له بالمقررات المدرسية ، فقرأت الكتاب الوحيد، الذي استعاره عمي أحمد، من الراحل متعب بن يحيى يزيد ، بعنوان تنبيه الغافلين .
وكان من دليل ولعه بالقراءة والاطلاع، انه لما لم يجد ما يقرأه فقد كان يسطو على الاحراز والتمائم، التي كان يعلقها بعض من الناس في أعناق أطفالهم وأبقارهم ( جهلا منهم أنها من الشرك ) فيجمعها في غفلة منهم، ثم يسارع إلى تمزيق أغلفتها الجلدية المحكمة، لكي يقرأ محتواها، والتي تحوي بعض الآيات والأدعية ، وبعض الكلمات المفهومة وغير المفهومة.
ثم تطور ولعه هذا إلى حلم بان يتملك مكتبة خاصة به ، وكان ذلك بعدما شاهد لأول مرة مكتبة من هذا النوع، يحكي عن ذلك بقوله : (تهيأت لي فرصة عندما ذهبت بصبحة زميلي محمد بن يحيى أسعد الثويعي، إلى دار القاضي في النفيعة، وبعد تناولنا العشاء، انصرف الشيخ فلم أمهله كثيرا حتى تبعته بدافع من حب الاستطلاع والفضول، فصعدت السلالم لاكتشاف بقية هذا الحصن العظيم، الذي لا يدانيه مبنى في فيفا تلك الحقبة المتقدمة ، كنت أرغب إلقاء نظرة على السفوح من شرفته العالية ، وإذا هناك إلى يساري قنديلا يضيء عتمة المكان، فيممت شطره ، ولعلي من القلائل جدا الذين ولجوا المكتبة المنزلية لفضيلة الشيخ علي بن قاسم الفيفي قاضي فيفا حينها، وتقع في الطابق العلوي في القسم الجنوبي منه، وهناك عثرت على الشيخ، لقد شاهدته لابسا مصنفا ناصعا وفنيلة بيضاء، وربما كنت الوحيد من خارج العائلة الذي يقف جوار الكرسي المخصص للقراءة إلى يمين الداخل للمكتبة ، كان منظر الكتب المرتبة في رفوفها ساحرا، وشدتني كثيرا تلك الألوان الزاهية لأغلفتها الجلدية، وهذا الحشد الكبير من الكتب ، كان فانوس الكاز ينتصب على منضدة [ تختة] خشبية بجانب الكرسي الملاصق للجدار الغربي، والذي جُعِلتْ أريكته على طرفه الأدنى لباب المكتبة، بحيث لا تشكل الحركة في الخارج أي تشتيت ذهني أو إزعاج لجو الاستغراق في القراءة، ولعل الشيخ توقع خطوتي التالية باتجاه الرف، فطلب مني الانصراف إلى مرقدي، فانصرفت فورا .. وفي صبيحة اليوم التالي انطلقت في اكتشاف الأدوار السفلية، وهناك عثرت على الكنز، كانت حجرة خصصها الشيخ مستودعا للصحف اليومية التي لا شك أنها كانت تصله متأخرة جدا عن صدورها، أكداس هائلة من صحيفة أم القرى، في أربطة من الكتان، ولا أدري عما كنت أفتش، لكني نثرتها أجمع، وفتحتها أقرأ أي شيء، حتى الإعلانات المبوبة.. وقد أقرأ من هذه أسطرا، ثم أنتقل للأخرى حتى انتصف النهار، فغادرت المكان نهبا للفوضى ) .
وفي عام 1398هـ كان قد اجتمع له مبلغ من المال، فنزل إلى مدينتي صبيا وجيزان، واشترى كلما كان يحلم به ويتمناه، ومن أهمها مجموعة (دواوين) من المكتبة العقيلية في جيزان ،وهي كما يقول أول المقتنيات الشخصية في حياته .
عندما التحق شقيقه حسن بالعسكرية، في مدينة خميس امشيط عام 1398هـ ، ولمعرفته بهواية أخيه، فقد أرسل له مجموعة من الكتب، كان أهمها لديه كتاب (ألف ليلة وليلة)، وكتاب (كليلة ودمنة)، وكتاب (روبنسن كروزو) ، مع مجموعة من أعداد مجلة (ميكي جيب) .
ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره عام 1399هـ سارع إلى استخرج حفيظة نفوس (تابعية) وسافر مباشرة إلى مدينة تبوك، والتحق فيها موظفا في الشرطة الجوية، ومن أول مرتب يستلمه أنفقه في شراء مجموعة من الكتب، منها : (أساس البلاغة) للزمخشري (في اللغة)، و(يتيمة الدهر) للثعالبي (أدب) ، و(مروج الذهب) للمسعودي، (تاريخ) ، مع مجموعة عناوين أخرى ، فكان المال كما يقول حافزا له على المزيد من القراءة والاطلاع .
بقي في تبوك إلى جمادى الأولى من عام 1402هـ ،ثم انتقل إلى الطائف، وهناك تحققت أحلامه أكثر وأكثر، ففيها وجد ما لم يجده في تبوك من وفرة الكتب والمكتبات، وتيسر أبواب الثقافة والمعرفة، فهو يقول : لم يمض كثير وقت حتى عرفت الطريق إلى مكتبة جامع العباس ، ومكتبة الجامعة بحي شهار، والمكتبة العامة بحي الربوة ، أما المكتبات التجارية فقد كانت أشهرها مكتبة المعارف ، ومكتبة المؤيد، ومنهما بدأت أجمع مكتبتي الخاصة، ولما دعاه الشيخ محمد سعيد حسن كمال رحمه الله، بعد أن عرف فيه ولعه بالكتب والاطلاع، إلى زيارته في بيته، وفتح له كما يقول مخازن كتبه الملحقة بمنزله، جمع كثيرا من تلك العناوين الموسوعية .
وإلى جانب الكتاب كانت هناك مصادر أخرى للثقافة بالنسبة له كالمطبوعات الدورية ، كمجلة (المختار) من (ريدرز دايجست) الشهرية.. و(المجلة العربية(، ومجلة (العربي) التي تصدر في الكويت، وكان شديد الحرص على اقتناء هذه المطبوعات .
أمضى كما يقول خمس سنوات كان خلالها منهمكا في القراءة الحرّة، يقول عندما يتذكرها اليوم ، يمكنه وصفها بالقراءة الجادة .
أعماله الوظيفية:
كما أسلفنا بعدما بلغ السن التي تؤهله لان يحمل حفيظة نفوس لبلوغه (18) سنة عام 1399هـ ، سافر مباشرة إلى مدينة تبوك ، والتحق بالعمل جنديا في سلاح الشرطة الجوية.
مكث في الوظيفة العسكرية ما يقارب (14) عاما، متنقلا بين تبوك والطائف وشرورة، وشارك خلالها في حرب تحرير الكويت ضمن مجموعة الإسناد الهندسي .
وبعد أن استقال من الجيش في عام 1413هـ، عاد مجددا إلى مدينة الطائف، بعد غياب عنها لأكثر من أربع سنوات، عاد لها وهو بشوق شديد ولهفة كبيرة إلى مراتع العلم ، وحدائق الأدب ومجانيه، لا يشغل باله شيء غير ذلك ، يتنقل هنا وهناك ، ويبقى الساعات الطويلة في ربوع النادي، يلتقي الأصحاب ويجدد العهد بهم ، ويعرض ما قد تجمع لديه من الكتابات والمشاريع الأدبية والصحفية، وفي هذه الأثناء تواصل وتعاون مع الكثير من الصحف والمجلات ، وتعرف على كثيرين من مراسلي الصحف وكتابها في مدينة الطائف ، وقد عرض عليه حينها الاستاذ خالد بن محمد الخضري مدير مكتب صحيفة المدينة بالطائف، العمل صحفيا متفرغا وموظفا في المكتب معه ، فراقت له الفكرة، ووجدها تحقق له الجانبين الفكري والمادي، فليس لديه حينها مصدر رزق يعتمد عليه، فوافق من فوره دون تردد.
تم تعيينه موظفا في مكتب صحيفة المدينة بالطائف ، وبقي فيها ما يقارب السنة ،تعلم فيها الكثير وحقق الكثير له وللصحيفة، ثم انتقل إلى مركز الصحيفة الرئيسي في جدة، وطاب له هناك المقام وأحس بالاستقرار ، عاش فيها تجربة جديدة ورائعة ، فكان عمله في الصحافة شيء مبهر ومشوق، لم يكن ليخطر له على بال، فهي عالم جديد وعمل متجدد، وتجارب يومية ناجحة، وعلاقات متعددة مختلفة، تعرّف من خلاله على ألمع الأسماء، في دنيا الثقافة والعلم والأدب، على مستوى المجتمع الحجازي وعلى مستوى المملكة ،وتعرّف على أساليب الصحافة ودهاليزها ، وما أسرع ما أتقن واستوعب وأبدع ، وقدم العديد من الموضوعات الصحفية المميزة، والاستطلاعات الرائعة ، ووجد الكثير من الدعم والتشجيع ، مما حفزه وزاده نجاحا وتميزا، ونال كثيرا من التقدير والدعم، وتسلم العديد من الشهادات والدروع، من عدة مؤسسات أهمها أمانة مدينة جدة، في عهد معالي الدكتور خالد عبدالغني .
ورغبة منه في التغيير وحب التجديد، بعد أن أمضى في جدة ما يقارب العامين ، طلب النقل ليعمل في مكتب الصحيفة في جازان ، بعد أن اكتسب الخبرة اللازمة ، والمعرفة والثقة بالنفس المطلوبة ، واكتشف مواهب نفسه وقدراتها الكامنة ، فرغب في أن يختبرها على الطبيعة ، دون اعتماد على الآخرين ، فكانت له فرصة ليثبت نجاحه وتميزه ، وليعزز ثقته بنفسه ، فكان له ما أراد ، حيث مارس عمله فيها بكل جدارة واقتدار ، ومن خلاله تعرف على محيطة الجديد ، واختلط بالمجتمع الجيزاني، والتقى بكوكبة من شعرائه ومثقفيه، وانغمس في تاريخه وجغرافيته ، فقام بالعديد من الجولات في مدنها وقراها، في سهلها وجبلها ، وابرز الكثير من تميزها ، من خلال العديد من استطلاعاته الجريئة الناجحة والمتنوعة، وقام باستكتاب العديد من أدبائها وعلمائها والمفكرين فيها .
ولما كلف الاستاذ قينان الغامدي برئاسة تحرير صحيفة البلاد، وبما يعرفه عنه من خلال تعارفهما السايق في مدينة الطائف ، رغب إليه الانتقال الى صحيفته ، مديرا لتحريرها في منطقة جازان، حيث تم انتقاله ، وفيها واصل نجاحاته وتفوقه على نفسه .
وبما انه عضو عامل في نادي جازان الأدبي ، فقد تم اختياره ضمن فريق التحرير من أعضاء النادي، وهم الدكتور حسن بن حجاب الحازمي، والدكتور محمد حمود حبيبي، والأستاذ الشاعر أيمن عبد الحق ، فكان له الدور والمشاركة في تحرير أول عدد من مجلة النادي(مرافئ ).
بقي يعمل في الصحافة في مدينة جيزان إلى عام 1421هـ، حتى تشبع من الصحافة، وأرهقه العمل المتواصل الدؤوب ، ولطبيعة نفسه المتحررة التي تميل الى الحرية والانطلاق، ولا تحب أن تقيدها الرسميات والروتين ، وقد أحس أنه حقق معظم ما كان يصبوا إليه ويطمح ، لذلك قرر وبكل شجاعة ترك كل ذلك ، حيث ترك الشهرة والنجاح، واستبدلهما بالراحة والطمأنينة والهدوء ، وانسحب من هذا العالم المتحرك الصاخب، إلى عالم السكينة والوحدة والعزلة ، يتحرك في حرية تامة ، لا رقيب ولا حسيب، يتمتع بوقته كيفما يشاء وعلى ما يريد ، في عالم الكتب والفكر والأدب ، فاعتكف في صومعة عشقه وانسه ، لا جليس له إلا كتابه ومحبرته وقرطاسه ، وقد هيئها في جنبات بيته ، ثم هاهو يواصل عطائه وتواصله عن طريق جهازه الحاسوبي عن طريق الشبكة العنكبوتية .
وكما اشرنا فله نجاحات وإبداعات متعددة في الرياضة وفي الفن (التمثيل ) :
فالرياضة عندما كان في العسكرية، انتسب إلى الفريق الرياضي، الذي يمثل قاعدة الملك فيصل الجوية، وتأهل من خلاله إلى التصفيات ، التي أقيمت في مدينة الخرج ، في فريق اللعاب القوى (الوثب العالي) ، وحقق فيها المركز الثالث .
وفي التمثيل بعد ما تعرف في عام 1408هـ على الاستاذ المسرحي فهد بن ردة الحارثي، عضو جمعية الثقافة والفنون في الطائف ، انضم عضوا في هذه الجمعية ، وشارك من خلال أنشطتها في التمثيل، وأدى لوحة طارق بن زياد على المسرح، أمام الجمهور، وهي من تأليف الكاتب المسرحي محفوظ عبد الرحمن، وإخراج الفنان السوداني عثمان أحمد حمد .
وفقه الله وسدده وعفا عنه وغفر له وختم له بالصالحات .
انه ولا شك يحمل العديد من الصفات والميزات الرائعة ، صنع لنفسه مكانا ومكانة، فهو كاتب مبدع، وأديب لامع ،وشاعر ممتع، ومؤرخ مقنع، وناقد مسمع ، من عرفه شخصيا وجده أديبا قريبا حبيبا، يحسن الاستماع ويحسن العرض، يأسرك إن تحدث إليك، ويجذبك إن قرأت له، لديه علم غزير، وثقافة ثرة ، وفهم قوي، وأسلوب متمكن ، يعطي الموضوع حقه، لا يتركه حتى يستوفي معانيه ، وان كان في نقده قسوة، فلأنه صريح لا يجامل ولا يحابي، وفقه الله وسدده وزاده علما وفهما.
له العديد من الأنشطة، وله العضوية في كثير من مجالات الأدب والثقافة، نلخصها في التالي :
عضو نادي الطائف الأدبي عام 1406هـ .
عضو جمعية الثقافة والفنون بالطائف عام 1409هـ .
عضو نادي جازان الأدبي 1415هـ.
عضو مؤسس في مركز فيفاء الثقافي عام 1429هـ .
عضوية اللجنة الإعلامية بإمارة منطقة جازان خلال الفترة 1417 ـ 1419هـ .
عضوية تحرير العدد الأول من مجلة مرافئ الصادرة عن نادي جازان الأدبي عام 1419هـ .
له مشاركات في بعض الموتمرات والتظاهرات الثقافية ومنها :
مؤتمر تعز ( نحو إخراج موسوعة المدن اليمنية ) مايو 2009م ـ تنظيم جامعة تعز.
معرض الكتاب الدولي 2010م ـ الرياض ـ تنظيم : وزارة الثقافة والإعلام.
ومن المحاضرات والندوات :
الكشف عن قواعد التعريف في اللهجات العربية القديمة ـ نادي جازان الأدبي 1430هـ .
الرواية السعودية النسخة العربية لجائزة البوكر للروائي عبده خال ـ القناة الثقافية بالتلفزيون السعودي (ندوة) 1431هـ .
ومن البحوث العلمية :
عثر في التاريخ ــ الكشف عن القواعد اللغوية في اللهجات العربية القديمة ــ إشكالات اللغةــ أداتي التعريف أم وأل ـ قواعدها الغائبة.
عناوين منجزة ولم تطبع :
فيفاء لمحة تاريخية أدبية شاملة ــ من أعلام النساء في جبال فيفا ــ ملامح الاستقلال في البيئة اللسانية (فيفا نموذجا( ــ أناشيد الرعاة (سيرة ذاتية في عمل سردي ) ــ في صالة المغادرة ( مقالة (ــ ثقافة الماء في فيفاء ( بحث (ــ وادي القنبلة (قصة) ــ امرأة من ندى ( شعر) ــ أوتوبيس جازان ( رواية. ( ـ تغطية شاملة ( رواية) ــ مقاربات نقدية (مجموعة مقالات نقدية) ــ رسائل قصيرة (نثر فني) ــ أيام في الطائف (أدب المذكرات) .
مناقشات نقدية :
مع كتاب ( الكنعانيون معينيون من جازان) لمؤلفه الأستاذ عبد الرحمن بن محمد الرفاعي.
مع بحث على الشبكة بعنوان ( الذين جابوا الصخر بالواد) لمؤلفه الأستاذ هادي بن أحمد أبو عامرية .
مع كتاب ( الاستقصاء لتاريخ جبال فيفاء) لمؤلفه الأستاذ حسن بن جابر شريف الثويعي الفيفي،
الحالة الاجتماعية :
زوجته هي الفاضلة / سعيدة بنت ساري محمد الفيفي .
ولهما من الأبناء :
1. طلال يعمل في المجال العسكري تخصص إشارة .
2. عادل يعمل فني مختبر جيولوجي في شركة بناء سعودية .
3. عبد الرحمن يعمل في القاعدة الحربية في الخرج .
4. أحمد خريج الثانوية وطالب في المعهد المهني .
5. عمر خريج ثانوية طالب في المعهد المهني .
6. عبد القادر طالب بالصف الأول الثانوي.
ومن البنات :
7. مريم طالبة بكلية الطب جامعة جازان ، لها إسهامات قصصية إبداعية
8. حنان طالبة المتوسطة.
9. منى طالبة بالأول متوسط.
10ـ جميلة بالصف الخامس ابتدائي .
بارك الله فيه وفي أسرته ، وننتظر منه الكثير من الإبداعات، وهو الآن في سن النضج والاكتمال الأدبي والفكري والمعرفي، ليخرج لنا الكثير من البحوث فيما يخدم بلدته ووطنه .
وفقه الله وسدده، نقف عند هذا الحد، وإلا فهو بحر لا ساحل له، حاولت أن الملم أوراقي، بعد أن عرّفت بشيء بسيط من شخصيته العصامية القوية، التي لا تنحني ولا تعرف الانهزام، ولا تزعزعها العواصف مهما اشتدت، بل تزيدها قوة وصلابة، لأنه واثق من قدراته وإمكانياته، ولأنه هكذا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم / عبد الله بن علي قاسم الفيفي ــ أبو جمال
الرياض في 2/8/1433هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق