الاثنين، 8 أبريل 2013

الشريف الشاعر


الشريف الشاعر
الشريف علي بن حسين بن محمد بن حسين بن محمد بن إسماعيل بن قاسم بن حسن بن قاسم بن محمد بن صلاح



الشريف لأنه ينتسب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، فهو من أحفاد الإمام الهادي يحي بن الحسين بن القاسم الرسي، الذي أسس الدولة الأمامية في اليمن، وتوارثتها ذريته من بعده بين مد وجزر، إلى قيام الجمهورية اليمنية الحديثة في عام 1382هـ ،وتعرف أسرة شخصيتنا (بآل الفيفية) ولذلك حكاية ستأتي، وهم ينحدرون من آل محمد بن صلاح التي مقرها هجرة قطابر لواء صعدة وهذه الهجرة تعرف بـ(أم الهجر) فهي من أوائل الهجر العلمية في اليمن ،وأما أسرة محمد بن صلاح فهي أسرة علم ورئاسة، ومازال لها تواجدها الكثيف في بلاد قطابر، لقد تولى محمد بن صلاح أمارة فيفاء في عهد المتوكل إسماعيل بن القاسم عام 1075هـ ثم تولاه فيما بعد حفيده قاسم الثاني، وهو قاسم بن حسن بن قاسم بن محمد بن صلاح وهو من يطلق على أبنائه (آل الفيفية)،وأما قولنا الشاعر فلكونه شاعر متمكن، له العديد من المشاركات الشعرية بالفصيح والشعبي، وله العديد من الدواوين الشعرية، بل قد يكون أول من طبع ديوان شعر من أبناء فيفاء في العصر الحديث .

وأما حكاية لقب (آل الفيفة) فكما هو شائع وكما سمعتها من صاحب الشأن ،وملخصها أن قاسم بن حسن عندما كان أميرا لفيفاء في تلك الفترة، وكان مقر السلطة قلعة العبسية المكان المعروف بقمة جبل فيفاء، وكانت السلطات المسيطرة في ذلك الوقت تسخر الناس للقيام بما تحتاج إليه من مصالح وخدمات، وتامين مواد وتوفير وسائل نقل وخلافه، حتى في الأمور الخاصة مما يكفل لموظفي هذه السلطة الراحة والأمن والعيش الرغيد ،فلما شح الماء صدرت الأوامر بإلزام الأهالي بتكليف النساء بجلب المياه، من الأودية والآبار في سفوح الجبل، وتعبئة البركة الخاصة بالقلعة ، وكما هو معروف والى وقت قريب فان وسائل حمل المياه هي القرب المصنوعة من جلود الضان والماعز، تحملها النساء على ظهورهن معلقة بحبال أو سيور تتدلى من الكتفين، فتكون القربة مستقرة على وسط الظهر مما يجعل المرأة تسير منحنية إلى الأمام قليلا، ويزداد الانحناء مع الصعود، لثقل الحمل وللمحافظة على اتزانه فلا يسقط، لقد اطل هذا الأمير لبعض الوقت على البركة لمتابعة سير العمل، حينما علت الأصوات الصادرة من جلبة النساء عند توافدهن لصب محتويات قربهن من الماء ،ولمح بين إحدى المجموعات القادمة من الأسفل امرأة وضيئة متميزة تلفت النظر بجمالها وسيرها خلاف الأخريات، فهي منتصبة القامة ، مما يوحي بأنها لا تشعر بثقل ما تحمل إما لقوتها المفرطة أو أنها لا تحمل شيئا ذو بال، مع أن قربتها ذات حجم كبير بارز، مما اثأر فضوله وحفزه على متابعتها دون غيرها،وقد لاحظ أنها عندما وصلت إلى حافة البركة لم تسارع بإنزال حمولتها كالأخريات، بل انتظرت حتى تجمع حولها مجموعة من النساء، فدخلت ضمنهن إلى حافة البركة، وحلت رباط قربتها، ويا للعجب فلم ينزل من قربتها ماء، وإنما كانت القربة منفوخة بالهواء ولا شيء غير ذلك ،فأعجبه ذكائها وفطنتها وحسن احتيالها، إضافة إلى ما بهره من جمالها وقوامها ،فلما سال من تكون اعلم أنها أبنت شيخ الشمل حينها (حسن سيله)، فلم يتردد في زيارته في بيته، وطلب أن تجيبه البنت بمنتهى الصراحة عما دعاها إلى هذه الحيلة ، فكانت إجابتها بما معناه لسنا عبيدا لأحد حتى يسيرنا ويسخرنا كما يشاء لمصالحه وحاجياته، وإنها لم تشارك في هذا العمل إلا امتثالا لأمر أبيها، وسعيا للتوفيق بين هذين الأمرين المتعارضين فعلت ما فعلت، عندما سمع هذه الإجابة زاد إعجابه بحسن منطقها مع ذكائها وشجاعتها ، فخطبها في الحال من والدها، ورضيت به وتزوجها، وولد له منها ابنه (إسماعيل) الذي تنسب إليه هذه الأسرة (آل الفيفيه) .
انتهت تلك الأمارة وذهبت تلك السلطة، فقد كانت معظم السلطات السابقة سلطات مؤقتة، تخضع لهمة الإمام المسيطر، فقد يكون ذا همة عالية وعزيمة قوية، فيرسل الجيوش هنا وهناك، ثم يأتي من بعده إمام فاتر العزيمة ضعيف الإرادة، فتتقلص سلطاته حتى لا تتجاوز عاصمة ملكه، أو دون ذلك، فالسلطة كانت تتراوح بين مد وجزر، حسب الموجود على قمة الهرم، وهذا ليس موضوع بحثنا .
لقد بقيت هذه الأسرة بين أخوالها، وتكاثرت وتناسلت في هذه البلدة الطيبة، حتى ذابت وأصبحت جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الكبير، وكان مقر إقامتهم في البداية قلعة العبسية نفسها، لان السلطة انتهت سيطرتها على فيفاء وهم في هذا المقر، وقد مات الشريف قاسم (جدهم)ودفن هناك، والى وقت قريب كان قبره وقبر الشيخ حسن سيله بارزان بجوار بيت الرميح، منزل الشيخ حسن بن سيله الواقع بجوار العبسية، الذي تقوم على أنقاضه اليوم عمارة المهندس حسن سالم ، ثم تنقلت الأجيال المتعاقبة لهذه الأسرة بعد ذلك في أكثر من جهة من الجبل ، وكان لهم بروز وتأثير على مر العصور، ومن ابرز شخصياتهم المتأخرة الشريف محمد بن حسين رحمه الله الذي زامن الشيخ علي بن يحي رحمه الله، حيث كان قائد جيوش فيفاء وبني مالك وغيرها من القبائل المجاورة، في بداية القرن الماضي ضمن جيش الإمام محمد بن علي الإدريسي في بلاد المشرق، حيث توفي الإمام الإدريسي وهذا القائد على مشارف بلدة الطلح المجاورة لصعدة فاتحا، وبموت الإمام الادريسي انهارت هذه الدولة، وعادات الجيوش إلى مواطنها ،ورجع هذا القائد إلى بلدته فيفاء، وتوفي بها رحمه الله وقبره بجوار جامع الوشر بآل المشنية .
أما شخصيتنا فهو الشاعر والأديب والكاتب والقاص واحد الأعضاء الموسسين للنادي الأدبي بمدينة الطائف، الشريف/ علي بن حسين بن محمد بن حسين بن محمد بن إسماعيل بن قاسم بن حسن بن قاسم بن محمد بن صلاح .

image


ولد في فيفاء عام 1349هـ في بيت (مسعودِ) ببقعة آل حسن قاسم بالجهة الغربية من الجبل الأعلى بفيفاء ،وأمه السيدة الفاضلة سكينة بنت حسين آل مشكاع، شقيقة السيد محمد بن حسين آل مشكاع الذي سكن في بيت اللمة بنفس الجهة ،وقد انتقلت هذه الأسرة الصغيرة بعد فترة للسكن في بقعة المرمى بآل المشنية، لظروف طلب الرزق، ولارتباط والده العاطفي بهذه الجهة حيث عاش فيها سنينه الأولى، وفيها قبر أبيه محمد بن حسين (السابق ذكره) ، وفيها قبر أخيه (إسماعيل بن محمد) ، وأثناء سكنهم هناك ولدت لهم بنت ، ثم لم تلبث الأسرة أن عادت مرة أخرى إلى بقعة آل حسن قاسم بالداثري، واستقروا في بيت (حمر) المجاور لبيت (اللمة) سكن خاله ،ولكن لم تمضي طويل فترة حتى توفيت والدته (سكينة) رحمها الله، ولم يكد يندمل الجرح إلا ويلحق بها والده، في اقل من عام، ولم يكن قد تجاوز عمره الثامنة ، فانفرط عقد الطمأنينة والاستقرار الذي كان يعيشه ، وذاق مرارة اليتم بكل أبعاده ومعانيه ،فكان ينظر إلى أخته الصغيرة والى نفسه وهو في شرود وحيرة،لا يستوعب ما جرى وما يجري حوله ،فقد أظلمت الدنيا في عينيه، واصطدم بواقع مر لم يألفه ولم يتأقلم معه، فأحس بالضياع وشعر بالوحدة والقلق، لقد سارعت عمته (أخت أبيه) وهي زوجة قاضي بني مالك حينها السيد حسن بن محمد الحازمي فاحتوت الموقف، فأخذت الصغيرة وتكفلت بتربيتها ورعايتها،وبذلك انزاح بعض الهم عن كاهل هذا الطفل الذي لا حول له ولا قوة ، لكنه مع ذلك بقي تائها ضائعا بين فقد أم وأب، ولا مساند ولا موجه ، يتنقل هنا وهناك ما بين فيفاء وبني مالك، ففي فيفاء يحن عليه خاله علي بن حسن مشكاع ،وهو ابن عم أمه وأخيها من الرضاع وزوج شقيقتها الصغرى ، فيبقى لديه فترة من الوقت ، ثم لا يلبث أن يتجه إلى عمته وزوجها في بني مالك ،وهناك كذلك عمته زوجة أبيه الثانية وأم أخيه (يحي) الأصغر منه ، فهو كالريشة ليس له قرار، ونفسه اشد انزعاجا وحيرة، لا يرى إلا مصيرا مظلما فكأنما هو داخل نفق لا نهاية له ،فالحيرة تكتنفه من كل جانب ولا يدري كيف المخرج وما المصير ، فالحياة صعبة قاسية على الجميع فما بالك بقليل الخبرة والتجربة الذي يفتقد المعين والمرشد والموجه ،لقد حاول أخواله أن يشجعوه ليتجه لطلب العلم،وهم يكررون عليه ذلك في أكثر من مرة، ولكن كيف والى أين ، فلديه الرغبة ولكن ما السبيل إلى تحقيقها ، لكن الله سبحانه وتعالى هو المدبر والميسر إذا كتب شيئا هيئ أسبابه .
لقد هيئ الله له في هذه اللحظة الفاضل جابر بن حسن المشرومي (صاحب حمزة) فاصطحبه معه إلى بلاد رازح ،حيث سافر جابر هذا لمواصلة تعليمه هناك، في بلدة النظير منها، وهنا وجد ضالته المنشودة، فالمدارس قائمة مشرعة أبوابها ، مهيأة لطلاب العلم ،وقد وجد بها بعض الأشراف ممن يقيمون في تلك البلدة، الذين استضافوه في بيوتهم واحتفوا به ، وهيئوا له السكن والأكل وكل ما يلزم ، لما لمسوا فيه من النباهة والرغبة في طلب العلم ،وحسن السمت، والأخلاق الفاضلة، التي تربى عليهما من صغره ، ففرغ نفسه عاقدا العزم على طلب هذا العلم المتاح , حيث بقي أكثر من سنتين لا يشغله فيهما إلا التحصيل والدرس ،فحفظ فيهما القرآن الكريم والكثير من العلوم الأخرى ،ثم رجع عائدا إلى فيفاء بعد أن أحس انه قد تزود بحصيلة طيبة من العلوم .
لم يمكث طويلا في فيفاء،فقد التحق بزوج عمته فضيلة قاضي بني مالك الشيخ حسن بن محمد الحازمي، الذي احتفى به عندما وجده قد نال حظا طيبا من العلوم في مهجره في النظير، فرتب له بعض الدروس العلمية ،ليستكمل معه بعض التأسيس العلمي المهم، فكان يقرأ عليه الكثير من الكتب في العقيدة واللغة والنحو، مثل كتاب متن الاجرومية وكتاب قطر الندى لابن هشام، فتشرب هذه العلوم ووجد في اللغة والنحو بالذات ضالته، فكانت هذه الدروس منطلقا قويا وراسخا نفعه كثيرا في مستقبل أيامه وحياته الأدبية والعلمية التي عاشها فيما بعد .
انتقل بعد فترة إلى قبيلة آل سلمى ببني مالك عند أسرة (آل امسوادي) حيث شجعه عمه القاضي الحازمي لتحقيق رغبتهم في افتتاح مدرسة لديهم يتعلم فيها أبنائهم القرآن الكريم وبعض العلوم الأخرى، فقام بذلك كأول عمل يقوم به مما أشعره بالراحة والطمأنينة، ولما وجده بين هولاء الطلاب من الإقبال على طلب العلم والسعي إلي الاستفادة، فبقي لديهم ما يقارب العام ،إلى أن وصله خطاب من شيخ شمل بني مالك (الشيخ جابر بن ناجعة العليلي) يدعوه فيه للانتقال لديه ليقوم بتدريس ولده سالم (الشيخ فيما بعد)، وليستعين به على قراءة ما يرده من رسائل وخطابات، ويكتب له ما يحتاج إليه من خطابات وغيرها .
انتقل لدى الشيخ جابر ناجعة في جبل آل علي ولازمه، بل وأحبه وأعجب بشخصيته القوية والحكيمة ، حيث بقي لديه أكثر من ثلاث سنين ،كان له فيها الكاتب والجليس والسفير في الكثير من المهام رغم صغر سنه، إضافة إلى تعليمه لولده (سالم) ، وبعد هذه السنين التي يقول أنها كانت من أجمل أيام حياته، لما وجد فيها من تحقيق ذاته، وما وجده من حسن التعامل والاحترام والتقدير من هذا الرجل العظيم الذي قل وجود أمثاله بين الرجال، فقد استفاد الكثير من مجالس هذا الشيخ التي لا تخلوا من الدروس العملية في الحوار والطرح والنقاش وتبادل الأفكار والحكمة، ومعالجة الأمور وما يستجد من الحوادث بأساليب راقية، يحكمها العقل والحكمة والمنطق والرؤية الثاقبة ،مما جعله وكأنه يعيش في أرقى الجامعات يتعلم في كل يوم درس عملي ونظري جديد، فتفتحت مداركه على هذه العبقرية الفذة ,والقيادة الحكيمة لهذا العلم البارز .
استأذن الشيخ بعد هذه السنين التي مرت به وكأنها لحظات، ولكن تأثيرها ووهجها بقي في نفسه إلى هذه اللحظة من عمره المديد , لقد عاد أدراجه إلى فيفاء الحبيبة، التي لا يستطيع عنها بعدا رغم ما يجده فيها من لوعة فقد الوالدين والأحباب ، ولكنه عاد رجلا قد اكتسب الكثير من العلم والتجارب والخبرة ، ولديه الرغبة في إثبات ذاته بين من عرفوا ضعفه وعجزه صغيرا ،فاشتغل في الكثير من الأعمال ووجد نفسه في التجارة ،حين لقي بين من كانوا حوله من أقران وأصدقاء ممن يشتغلون في هذا المجال ويعملون فيه، فسهلوا له ولوجه فخاضه في معيتهم، وتعلم وذاق الكثير من النجاح والمتعة والمغامرة، ومخالطة الناس، والبيع والشراء، والسياحة والأسفار التي تتطلبها هذه المهنة في تلك الفترة ، فكان يجلب وإياهم الكثير من السلع من الأسواق الكبيرة في المنطقة وخارجها، ومن مكة المكرمة عندما أدى فريضة الحج،حيث جلب معه الكثير من السلع مما خف وغلى ثمنه، وبالذات بعض حلي النساء (كالقطع ) فكانت تجربته في هذا المجال تجربة ناجحة، اكتسب منها خبرة من نوع مختلف، وتعلم فيها الكثير والكثير ، وكما اشرنا فقد لاقى فيها نجاحا، وصادف إخفاقا، ومر بكثير من العلو والانخفاض، ويرجع معظم ذلك إلى قلة الخبرة و طيش الشباب ، فإذا ما فكر في ذاته وأمعن النظر في حاله، وجد أن هذه المهنة لا تتوافق مع طبيعته الحقيقية التي تميل إلى حب الدعة والسكون وعشق الاستقرار والأمان، وهذه المهنة على النقيض تحتاج إلى الكثير من الحركة والمغامرة، وطول الصبر والتحمل،وهو ينقصه الكثير من ذلك، فقرر أخيرا ترك هذه المهنة قبل أن ينجر إلى خسائر لا يستطيع الخروج منها، وليجرب مجالا آخر، فسعى إلى تصفية حساباته، وإنهاء كل ما له وعليه من حقوق ،ثم توجه وقد عقد العزم على الالتحاق بإحدى الوظائف الحكومية، التي سبقه إليها بعض أصحابه وأصدقائه، فانتهى به المطاف في مدينة الطائف ،وهنا استقرت حياته وتغيرت أموره وتحسن وضعه إلى الأفضل .
حياته الوظيفية :
التحق بالجيش السعودي في عام 1372هـ واثبت مكانته واعتزازه بنفسه ،وساعدته قدراته العلمية والأدبية في تحقيق الكثير من النجاح والتفوق ،فلم يمضي طويل وقت حتى أصبح معروفا على مستوى القيادة في الطائف بمواهبه الأدبية والشعرية، فكان المسئولون في القيادة يحرصون على مشاركته في المناسبات العامة والرسمية، التي تقيمها القوات المسلحة، لما اكتشفوا من مواهبه الشعرية والأدبية ، وتميزه في النظم البديع والإلقاء الرائع , فكان يشارك بقصائده الشعرية الفصيحة في كل احتفالات القوات المسلحة في مدينة الطائف، التي تقام على شرف وزير الدفاع والطيران صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود حينها، ثم فيما بعد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد الأمين حفظهما الله, وغيرها من المناسبات الرسمية المتعددة، حتى أصبح بحق وبكل جدارة شاعر الجيش، فكانت مشاركاته تلقى إعجابا وتقديرا لقوتها وتميزها، فلا يوجد حينها من يجيد نظم الشعر العربي الفصيح إلا نادرا، لقلة المتعلمين في تلك الفترة .
في عام 1373هـ سعت وزارة الدفاع والطيران إلى إنشاء مطبعة كبيرة في مدينة الطائف ، تطبع فيها مجلة خاصة بالجيش (الجندي المسلم) إضافة إلى ما تحتاج إليه الوزارة من المطبوعات الرسمية والكتب العلمية، فكان يتطلب الأمر توفير الكوادر الجيدة من منسوبي الجيش ممن سيقومون على هذه المطبعة، ويقودونها إلى النجاح المأمول ،فقامت بإجراء مسابقات في الأفواج الموجودة بالطائف، لاختيار عشرة أشخاص للدراسة في مطبعة الفتح، ثم في مؤسسة الطباعة والصحافة في جدة ، ليكونوا النواة للعاملين في هذه المطبعة والمجلة، فكان هو من ضمن هولاء العشرة ، حيث تعلموا فن الطباعة واستوعبوا التعامل مع آلياتها، والإشراف على العاملين فيها وتوجيههم، فأنشئت هذه المطبعة وقاموا بها خير قيام، وصدرت عنها المجلة المتميزة ،والكثير من الكتب العلمية والأدبية ،وكانت هذه المطبعة وما صدر عنها ،مشعل علم وثقافة، خدمت القوات المسلحة والوطن بكامله.
لقد تدرج في السلك العسكري في مراتب صف الضباط حتى وصل إلى رتبة رئيس رقباء، وفي عام 1393هـ صدر أمر وزير الدفاع والطيران صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد الأمين حفظه الله، تقديرا منه لجهوده وأنشطته الأدبية المتعددة ومشاركاته المتميزة بإلحاقه بدورة المرشحين المقامة في ذلك العام، ومع انه قد مضى على بداية هذه الدورة فصلا دراسيا كاملا، إلا انه التحق بها وتخرج مع زملائه في نهايتها، وعين على رتبة ملازم ،ثم تدرج بعد ذلك في رتبها إلى أن أحيل على التقاعد في عام 1399هـ لبلوغه السن النظامية وهو على رتبة نقيب.
بعد تقاعده قام على تأسيس مستوصف أهلي جهزه بما يلزم من أجهزة وتراخيص وخلافه واستقدم له مجموعة كبيرة من الأطباء في جميع التخصصات، وكان يديره بنفسه،مما أوصله بفضل الله وتوفيقه إلى أن أصبح من انجح المستوصفات الأهلية في مدينة الطائف، واستمر على ذلك النجاح لأكثر من اثني عشرة سنة،ثم قرر بعدها التفرغ لأسرته ولحياته العلمية والأدبية ونقل المستوصف إلى مالك آخر.
لما ترك المستوصف تفرغ لنفسه ولأسرته ولبحوثه وأنشطته المتعددة، فقام بإعادة طباعة مجموعة من دواوينه الشعرية التي نفدت طبعاتها ، واعد مجموعة من المذكرات الأدبية ،ثم أصدرها في كتاب جميل بعنوان (ذكريات العواصف والعواطف)، وهو يعكف الآن كما اعرف على تجميع مسودة كتاب قيم، يحتوي على بعض كلمات أهالي فيفاء وردت معنى ومبنى في القرآن الكريم .
له العديد من الإصدارات الأدبية والقصصية، طبع بعضها في مطابع الجيش، وبعضها على حساب النادي الأدبي بمدينة الطائف ، وبعضها في المطابع الاهليه على حسابه الخاص، ويعتبر ديوانه أصداء الذكريات الذي صدر عن مطابع الجيش عام 1384هـ هو أول ديوان يصدر مطبوعا لأحد أبناء فيفاء ,وهذه الإصدارات تأتي على النحو التالي :
1ـ ديوان أصداء الذكريات .
2ـ ديوان أجراس .
3ـ ديوان رحلة العمر.
4ـ ديوان أزهار.
5ـ ديوان زائر الأمس.
6ـ ديوان الهمس الخافت .
7ـ كتاب ذكريات العواصف والعواطف (نوع من المذكرات والذكريات).
8ـ مسودة كتاب عن كلمات فيفيه وردت في القرآن الكريم .
أقام العديد من الأمسيات الشعرية والأدبية على مستوى المملكة في الطائف وعسير وجازان وتبوك وغيرها وحضر العديد من اللقاءات الدورية التي تقيمها الأندية الأدبية بصفته أديبا وعضوا موسسا في نادي الطائف الأدبي .

الحالة الاجتماعية:
لدية زوجتان وله منهما العديد من الأبناء بلغوا (16) منهم (7) أولاد و (9) بنات والعديد من الأحفاد والأسباط بارك الله فيهم جميعا وجعلهم امتداد خير وبركه لوالديهم .
ويسعدني أن اختم هذا التعريف البسيط، بهذا العلم من أبناء فيفاء الأوفياء، بإيراد قصيدة الوالد الشيخ علي بن قاسم الفيفي، التي نظمها عندما صدر له أول ديوان شعر (أصداء الذكريات) لكونه أول ديوان شعر يطبع لأحد أبناء فيفاء، يقول فيها :




رجع أصدا الذكريات 
صاغ هذي التمتمات 

هز وجداني وفكري 
ثم أجرى أنملاتي 

ويراعي خطها شع 
راً كما أملت شفاتي 

أعجبت فيفاء وقالت 
كيف إنجاب البنات 

كان هذا الأمر حلما 
لا يرى في الممكنات 

بعد عقم طال بالاف 
كار دهر الداهرات 

كنت أخشى أن مائي 
أو هوائي أو نباتي 

أو سهولي أو جبالي 
للبيان لا تواتي 

أو حرام أن يرى انجا 
بها غير الكماة 

حققت لي هذه الاص 
داء أغلى أمنياتي 

فجزى الأصداء خيراً 
قد أتت بالمعجزات 

فجرت نبعاً معيناً 
للنفوس الظامئات 

قالت الأصداء مهلاً 
لست إلا كالنواة 

أو أنا فاتح درب 
أو كحاد للسراة 

أو كهاد لسبيل القو 
م في ارض فلاة 

أو أنا باكورة الانت 
اج في هاتي الجهات 

ولهم ياصاح حقاً 
ألف عذر في السكات 

كم عصور خيم الج 
هل على ارض الاباة 

ترك الأسلاف منا 
في بحور مظلمات 

كان قومي مرتع 
خصبا له كالسائمات 

قد كفاهم أن يعيشوا 
كالوحوش الضاريات 

ويخطوا المجد فيهم 
بالسيوف المرهفات 

إن يك الجهل زمانا 
قد اتي بالمعضلات 

لم نرى النور ولم نح 
فل بأقوال الرواة 

فلقد آن الأوان 
أن نهب من سبات 

ونرى الناس بانا 
أهل عزم وثبات 

وذوو فكر وفهم 
وعقول نيرات 

قادرون أن نباري ال 
قوم أرباب الدواة 

ولسان الحال منا 
يتحدى كل عاتي 

لا انثنى عزمي ولا لا 
نت على حال قناتي 

ليتما الذكرى توالى 
يا سليل المكرمات 

فنرى الأسفار تترى 
بعد هذا السفر تأتي 

أيه يا(عندل) لا تو 
ن وهات ثم هات 

وترنم وتنقل 
في مجالات الحياة 

وأجيلاً فكرك الو 
قاد في ماض وآت 

فيفاء في 20/3/1385هـ ونشرت في جريدة الندوة

بارك الله في شاعرنا وأديبنا، وأطال الله في عمره ،ووفقه دوما وأبدا إلى كل خير، وختم له بالصالحات، وجمعنا وإياه ووالدينا في جنات النعيم ــ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


عبد الله بن علي قاسم الفيفي ــ أبو جمال
الرياض في 15/9/1430هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق