الاثنين، 8 أبريل 2013

الشيخ يحيى بن حسين ضيف الله

الشيخ يحيى بن حسين ضيف الله
بقلم : أ. عبد الله بن علي قاسم الفيفي







image



يوجد في فيفاء كغيرها من البلدان في العالم الإسلامي، الكثير من السادة والأشراف، الاسم الذي يطلق على من ينتسب إلى آل البيت، بل إن إحدى قبائل فيفاء المشهورة تنتسب إلى هذا النسب الشريف، وهي قبيلة الأشراف ،وهناك العديد من الأسر متناثرة بين قبائل فيفاء، وكل منها أصبحت تنتمي إلى القبيلة التي استقرت بينها ، ومنها آل الفيفية التي منها الشريف الشاعر علي بن حسين، فهي تعد من قبيلة آل الداثر، وآل مشكاع التي منها الشيخ محمد بن علي، رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف بفيفاء سابقا، وأخيه الاستاذ ضيف الله بن علي مندوب تعليم البنات بفيفاء، فبعضهم يعدون من قبيلة آل الداثر، وبعضهم يعدون من قبيلة العمريين ،وآل التهامي يعد بعضهم من قبيلة آل سلمان، وبعضهم من قبيلة آل المثيب ،وآل حسين بن ضيف الله يعدون من قبيلة آل سلمان . وهولاء السادة والأشراف في فيفاء لا يختلفون عن غيرهم من أبناء فيفاء ،ولا يميزون أنفسهم بشيء عن من سواهم ،لا بسمة ولا لبس ولا لقب، ولا ينظر إليهم الآخرون بنظرة مختلفة، بل يتعاملون معهم تعاملا طبيعيا كغيرهم من البشر ، فمن كان منهم على دين وصلاح وتقوى اجله الناس واحترموه وقدروه لأجل ذلك، ولنسبه الشريف لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، دون إفراط ولا تفريط ،ومن كان على غير ذلك ،لم يرفعه نسبه في أعين الناس، بل يزيده ما هو عليه احتقارا في أعينهم لما يؤملونه منه لنسبه.

معظم هولاء السادة على مر الزمن أهل تقوى وصلاح، وبيوتهم مشهورة بأنها بيوت علم وفضل، فمعظمهم يشتغلون بتعليم الناس العلم والدعوة والإرشاد، وشخصيتنا التي نترجم لها تعود إلى إحدى هذه الاسر الفاضلة، أسرة آل حسين بن ضيف الله ، الذين استقر جدهم (ضيف الله) في فيفاء عام 1298هـ تقريبا، وكان رجلا مشهورا في فيفاء وبني مالك بالتقوى والصلاح، حيث كان يحج معظم المواسم ،وكان الحج حينها مشيا على الأقدام ،فالذاهب مفقود والعائد مولود،لصعوبة الطرق وبعدها وكثرة المخاطر وقطاع الطرق ، وكان الكثير ممن يرغبون في الحج من أهالي فيفاء وبني مالك يحرصون على مرافقته، فيكون دليلهم في الطريق وفي الحج، وقد اشتهر بحسن العشرة ودماثة الأخلاق ، زيادة على معرفته بالطرق والمسالك.

بعد سكنه في فيفاء تزوج الفاضلة فاطمة بنت علوان السلماني (صاحب بير) وتملّك بيت المبداه الواقع في ذراع آل يحي علي، وولد له منها (حسين) في عام 1320هـ تقريبا ثم البنت (سعيدة)، وكان حسين هذا على نهج أبيه من أهل التقوى والصلاح والعلم والدعوة والإرشاد ، افتتح مدرسة (معلامة) عند بيته (المبداه) تتبع مدارس فضيلة الشيخ الداعية عبد الله القرعاوي (رحمه الله ) وكانت من أشهر المدارس وأبرزها في فيفاء لنشاطه وجده واجتهاده وإخلاصه في نفع طلابه ، واستمرت تودي واجباتها حتى بعد أن أغلقت مدارس فضيلة الشيخ القرعاوي احتسابا منه (رحمه الله) ، ثم قرر أن يهاجر إلى صامطة (قبلة طلاب العلم في تلك الفترة)، رغبة منه في طلب العلم، وحرصا على مرافقة أبنائه الذين سبقوه إليها، والتحقوا بمدارسها العلمية وهم :
إبراهيم (رحمه الله) ويحي، وموسى، وعلي ، لكي يشرف على أمورهم المعيشية ويوفر لهم الراحة والاستقرار، ليتفرغوا لدراستهم وان لا يشغلهم شاغل عنها، فسعى جاهدا حتى تم قبوله طالبا في المعهد العلمي مع أبنائه، رغم كبر سنه حيث ناهز الستين ، وبذل الكثير من الجد والتضحية حتى تحصل على الشهادة الثانوية ،وان لم تكن هدفه الأساسي كما أسلفنا، فكان تواجده مع أبنائه مشجعا لهم، وحافزا لهم ولغيرهم من طلبة العلم الصغار والكبار ، حيث كان للجميع بمنزلة الأب والقدوة يعين وينصح ويوجه، ولم يخب أمله في هولاء الأبناء ولم تذهب تضحياته هدرا ، حيث نالوا بفضل الله وتوفيقه أعلى الشهادات
،والدرجات العلمية المتاحة ، فقد واصلوا دراستهم حتى تخرجوا من معهد صامطة العلمي، ثم التحقوا بالكليات الجامعية، فإبراهيم تخرج من كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وعمل بعد تخرجه في التدريس في المعهد العلمي بمكة المكرمة، ثم في المعهد العلمي في دولة الامارات العربية المتحدة أمارة رأس الخيمة، ثم في معهد أبها العلمي إلى أن أحيل على التقاعد (رحمه الله وغفر له) ،وكذلك موسى واصل دراسته حتى تخرج من كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعمل بعد تخرجه مديرا لمعهد فيفاء العلمي عند افتتاحه، ثم انتقل رئيسا لبلدية فيفاء، وهو يعمل الآن في أمانة منطقة جازان (حفظه الله ووفقه).
أما شخصيتنا فهو الثاني في الترتيب بين إخوانه انه :
فضيلة الشيخ يحي بن حسين بن ضيف الله بن يحي بن احمد الملقب (بالدخنان ) بن الحسن بن احمد ... ينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما.

ولد في عام 1369هـ ، في بيت والده (المبداه)، في ذراع آل يحي علي،الواقع في الشمال الغربي من فيفاء والذي يطل على كل من وادي الفرع من الجنوب ،ووادي المفره من الشمال ، وأمه هي الفاضلة عافيه بنت قاسم سلمان السلماني من أهل (امنيد) المشهورين حديثا بأهل (الروحه) ، فأولاه والده كإخوته عناية واهتماما ، فما إن ابتدأ يميز ويعي حتى ألحقه بمدرسته ، وكان يتبع في هذه المدرسة طريقة مبتكرة يحفز بها الطلاب،ويدفعهم بها إلى مضاعفة الجهد في الحفظ والمذاكرة والتنافس الشريف، حيث كان يرتب طلابه الذين يقاربون الأربعين في جلوسهم على المسطبات المستطيلة على أطراف غرفة الدرس (الدكات) على حسب ما لديهم من القرآن، فأقربهم منه أكثرهم حفظا ، فيقترب الطالب منه أو يبتعد على حسب ذلك، ويعيد الترتيب كل يوم، فيتقدم اليوم هذا الطالب ويواصل تقدمه، وقد يتأخر أو يراوح بين هذا وذاك حسب جهده ونشاطه وعزيمته ، فتحدث المنافسة الشديدة بين الأقران، ويتضح المجد ويتميز ،وكل ذلك يصب في مصلحتهم ، فكان الطالب يكتب في لوحه ما يخصصه له المعلم من الآيات القرآنية (معشر)، وقد يكون وجه صفحة أو أكثر أو اقل، ويحرص أن يكون بخط جميل مطابق لرسم المصحف ،وهذا اللوح لمن لا يعرفه عبارة عن قطعة من الخشب، مستطيل الشكل له مقبض في أعلاه ،يكبر أو يصغر حسب حجم الطالب، عادة يكون في حدود الذراعين أو أقل قليلا ما يقارب (30 إلى 40سم) في عرض ذراع (20سم) تقريبا مدهونة باللون الأسود المأخوذ من قتار أدخنة السرج ، والقلم من قصب الريع المبري من طرفه كريشة ،والحبر من النورة المذابة في قليل من الماء، ويضاف إليها شيء من الصمغ ليثبت النقش على اللوح، وتكون في علبة صغيرة (صلصة مثلا) بين قليل من القطن ، فإذا ما كتب الطالب درسه كما أسلفنا عرضه على المعلم ،فان أجازه على حسن خطه وجودته ومطابقته لرسم المصحف ،سعى بكل جد إلى حفظه عن ظهر قلب،ويتبع طريقة الترديد ،ثم كمرحلة تالية يمسح أطراف اللوح في خطوط طولية يزيدها قليلا قليلا إلى أن يمسحه بالكلية، ويكون حينها قد أتقن حفظه تماما، فيأخذ دوره عند المعلم ليسمّعه ما حفظ ، فإذا أجازه على ذلك، حدد له درسا جديدا، فابتدر في كتابته كسابقه وهكذا ، فبعضهم ومع اشتداد المنافسة قد يكتب درسين أو ثلاثة في اليوم الواحد، الذي يمتد من طلوع الشمس إلى قبيل غروبها، لا يتخلله إلا فترة يسيرة لصلاة الظهر والغداء ،ثم لصلاة العصر، وكان شخصيتنا (يحي) من المنافسين بقوة على القرب من أبيه، فلم يلبث أن حفظ القرآن الكريم كاملا ،مع إتقان الكتابة، واستيعاب بعض المبادئ في التوحيد والسلوك والآداب، وعندها سمح له والده بان يلتحق بأخيه إبراهيم في صامطة لمواصلة دراسته هناك ، وذلك في عام 1379هـ حيث تم قبوله مباشرة في المدرسة السلفية بصامطة التي كان يدرّس فيها فضيلة الشيخ ناصر بن خلوفة (رحمه الله)، ولم يمضي طويل وقت حتى التحق بالمرحلة التمهيدية بالمعهد العلمي، وهي ثلاث سنوات تعادل المرحلة الابتدائية في التعليم العام، وفي هذه الفترة قرر والده أن يلحق بهم إلى صامطة، حيث هجر بيته ومزرعته مصدر قوته، ورافقهم في غربتهم كما سبق وذكرنا، وكان هدفه سام ونبيل فلم يخب أمله وتحقق حلمه بفضل الله وتوفيقه .
لقد تدرج (يحي) في مراحل المعهد العلمي ، التمهيدي ثم المتوسطة ثم الثانوية، وتخرج منه متفوقا في عام 1387هـ، حيث سافر إلى مدينة الرياض وتم قبوله فيها بكلية العلوم الشرعية، التابعة للرئاسة العامة للمعاهد العلمية والكليات، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيما بعد،وثابر واجتهد إلى أن تخرج منها في عام 1391هـ ، وعين بعد تخرجه مباشرة في سلك القضاء الشرعي، ملازما قضائيا بمكة المكرمة، ثم قاضيا بمدينة العلا ،ثم انتقل منها إلى هيئة التحقيق والتأديب بمدينة الرياض، مما سيأتي تفصيله لاحقا، وفي هذه الأثناء التحق بالمعهد العالي للقضاء، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات منها سنه تحضيرية ،وتحصل منه على شهادة الماجستير في الفقه المقارن، وكانت رسالته بعنوان (النسيان وأثره في الأحكام الشرعية) ، وكان شغوفا إلى مواصلة تحصيله العلمي، حيث سعى بعد فترة إلى تسجيل درجة الدكتوراه، وتم قبوله في كلية العلوم الشريعة جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد تم الموافقة على أطروحته التي كانت بعنوان (الجهل وأثره في الأحكام الشرعية ) وخصص له مشرفا على هذه الرسالة ، وقد عمل فيها على طول الفترة المحددة بأربع سنوات، وانتهى من جميع متطلبات الرسالة، ونالت القبول المبدئي من المشرف ،وحدد له موعدا للمناقشة ، التي هيئ نفسه لها جيدا ،ولكن في هذه الأثناء توفي هذا المشرف، وتم تأجيل المناقشة إلى أن يخصص له مشرف بديل ، ولكن تعثر تعيين هذا المشرف للإجراءات الروتينية المتبعة ، وحالة بعض الأمور والأسباب في التأخير، وطال به الوقت فأهملها ولم يتابعها وتركها نهائيا،مع انه قد طبع فيما بعد هذه الرسالة ورسالة الماجستير في كتب موجودة في المكتبات .
أعماله الوظيفية :
بعد تخرجه في عام 1393هـ كما أسلفنا عين ملازما قضائيا في مكة المكرمة، وبقي فيها لمدة سنتين، وفي عام 1393هـ وجه قاضيا في المحكمة الشرعية في مدينة العلا ، واستمر بها لمدة سنتين تقريبا، ثم طلب نقل خدماته إلى هيئة التحقيق والتأديب بمدينة الرياض، ليتحقق له عندها الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، وقد استمر في هذه الوظيفة إلى عام 1402هـ ، ثم انتقل إلى الرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد، وعين فيها على وظيفة مدير مكتب الدعوة بسيلان (سريلانكا حاليا)، ولكنه باشر في مكتب الدعوة في دولة الأمارات العربية المتحدة أمارة أم القيوين وبقي فيها لما يقارب السنتين، ثم طلب إعفائه من العمل ليتفرغ لاستكمال تحضير رسالة الدكتوراه كما سبق وذكرنا، ولما تعثر مشروعه هذا بموت المشرف وتأخر تعيين البديل، التحق بالعمل الوظيفي مجددا في الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وفي عام 1410هـ كلف من قبل الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالعمل مديرا عاما لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة نجران ، واستمر فيها لما يقارب السنتين حقق فيها الكثير حيث أعاد ترتيب وتنظيم العمل في هذه الإدارة ، ثم بعدها ولظروف عائلية طلب النقل إلى الإدارة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعسير ، وقد تنقل بعد ذلك في أكثر من إدارة للهيئات في كل من مدينة الخرج، ثم مكة المكرمة، ثم الليث، ثم درب بني شعبة بجازان، إلى أن طلب الإحالة على التقاعد المبكر في عام 1425هـ، وتخلل ذلك العمل لفترات بسيطة في إدارة تعليم البنات في أبها منتدبا لمدة ستة أشهر، وأربعة أشهر في مكتب معالي الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد استقر بعد تقاعده في مكة المكرمة .
صفاته ومميزاته :

يتصف بالهدوء والسمت مع قوة الإرادة والتصميم يحسن التنظيم والمتابعة باحث علمي ناجح وصبور لا يحب الظهور ولا السمعة ، كريم ودود على أخلاق عالية وفاضلة حسن المعشر يحاور في أسلوب هادئ ومقنع على درجة عالية من الفضل والعلم وفقه الله وسدده .
يملك مكتبة كبيرة في بيته تحتوي على مئات الكتب والمراجع العلمية في جميع الفنون، وعلمت انه أهدى مجموعة كبيرة منها إلى مكتب الدعوة وخدمة الجاليات في فيفاء ، له العديد من البحوث والمقالات العلمية لم تطبع.
حياته الاجتماعية :
زوجته هي الفاضلة سلامة بنت علي قاسم الفيفي ولهما من الأبناء خمسة أبناء وثمان بنات ومن أبنائه:
1.


1ـ عبد الله : بكالوريوس لغة عربية معلم في إحدى مدارس مدينة خميس امشيط.
2.عبد الملك : بكالوريوس شريعة معلم في إحدى مدارس مدينة جدة.
3ـ عبد العظيم : بكالوريوس شريعة معلم في إحدى مدارس مدينة الدمام .
4.منيرة : بكالوريوس كيمياء تعمل مشرفة علوم في مكتب الإشراف التربوي بفيفاء.
5.إيمان : بكالوريوس رياضيات لا تعمل .
6.وداد : بكالوريوس كيمياء لا تعمل .
 

هذه خلاصة موجزة عن علم من أعلام فيفاء وفقه الله لما يحب ويرضى وختم له بالصالحات .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.

محبكم /عبد الله بن علي قاسم الفيفي ــ أبو جمال
الرياض 29/1/1431هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق