المجنّي
لقب عرف به من بين عدة ألقاب كثيرة، فهو يعرف بالمطوع والمعلم، ولكن شهرته بالمجنّي، عمله الوظيفي الحكومي الذي عين عليه ومارسه حتى اشتهر به على مستوى فيفاء، فكان أكثر شهرة به والتصاقا .
والمجني اسم فاعل لمقدر الجنايات،المعروف وظيفيا بمقدر الشجاج،وهي إحدى وظائف المحاكم الشرعية المهمة،ومهمتها توصيف الجنايات وصفا دقيقا،مطابقا للقواعد التي وضعها أهل الفقه (فالشج هو القطع يقال شججت المفازة أي قطعتها، والشجة هي الجرح في الرأس والوجه، لأنها تقطع الجلد، فان كان في غيرهما، سمي جرحا لا شجة، وأنواعها على النحو التالي: (الحارصة) تشق قليلا ولا تدمي، (والبازلة) الدامية الدامعة لقلة سيلان الدم، (والباضعة) تبضع اللحم أي تشقه، (والمتلاحمة) الغائصة في اللحم، (والسمحاق) بينها وبين العظم قشرة رقيقة، (والموضحة) التي توضح العظم، (والهاشمة) تهشم العظم وتكسره ،(المنقلة) تنقل العظم من مكانه، (والدامغة) تخرق جلدة الدماغ ، وغيرها من التسميات الدقيقة، فلكل نوع منها دية محددة في الشريعة ، والجروح إذا لم تقدر حال وقوعها، اندملت واختفى أثرها، ومن الصعوبة تقدير ديتها فيما بعد، لذلك اصطلح على أن تقدر حال وقوعها أو قريب من ذلك ، من إنسان ثقة عدل أمين ملم بهذه التسميات وأصولها،يطلع على الشجة ويفحصها، ويعطى مشهدا بنوع هذه الشجة، ليتمكن القاضي بعد ذلك مهما طال الوقت في إنزال الحكم الخاص على هذه الجناية، على الوجه المطابق للواقع، بناء على هذا التقدير الموثق ، وقد كانت هي الوظيفة الرسمية لشخصيتنا في المحكمة الشرعية بفيفاء لما يقارب الربع قرن، وأظن الأكثرية منكم قد عرفه قبل أن أفصح عن اسمه ،وبالذات كبار السن . نعم انه الشيخ احمد بن علي بن سالم الخسافي الفيفي . ![]() ولد الشيخ احمد بن علي في بيت الهطل، الواقع في بقعة آل حالية من شرق الجبل الأعلى من فيفاء، في عام 1340هـ تقريبا في أسرة متدينة متعلمة، فوالده الشاعر علي بن سالم الفيفي رحمه الله، معروف بالتدين والحكمة ورجاحة العقل والرأي ،فقد حج تسع حجج مشيا على الأقدام ، وله قصائد كثيرة مشهورة، تفيض بالحكمة وتعلى من النبل والوفاء والكرم، وتدعو إلى الخير والفضيلة والاستقامة،وأمه فاطمة بنت الشيخ احمد بن جبران الخسافي، شيخ قبيلة آل الخسافي السابق رحمه الله، وهي عمة الشيخ الحالي علي بن فرحان احمد، وكانت معروفة بدينها وصبرها، وكانت مربية حكيمة صالحة . كان احمد بكر هذين الوالدين الفاضلين، فتربى في كنفهما وتشرب الكثير من فضائلهما، وأولياه الكثير من العطف والعناية والتربية الصالحة ، وألحقه والده بمعلامة الفاضل علي بن حسين آل مدهش الخسافي رحمه الله ،في بيت القنى في بقعة وادي البير ،فتعلم لديه القرأة والكتابة، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، فلما دخل بداية مرحلة الشباب، وكان والده قد كبر في السن ويحتاج إلى من يعينه في مزرعته ،اضطر إلى الانقطاع والتفرغ لأجل ذلك لفترة، مشاركا لأبيه في تحمل أعباء الحياة، فأتقن بالعمل مع أبيه مهارات الأعمال الزراعية ، ولكن الحنين أعاده مرة اخرى إلى طلب العلم، فعاد من جديد إلى شيخه السابق علي بن حسين فأتم معه حفظ القرآن الكريم، فحفظ اثنين وعشرين جزءا، إلى الجزء الثامن (سورة الأنعام)، ثم توقف مرة أخرى لنفس السبب السابق، ولكنه أتم حفظ القرآن الكريم كاملا على يد والده ، في عام 1357هـ . إن طالب العلم في تلك الفترة لا يتفرغ لطلب العلم تمام التفرغ ،فالكل لابد أن يستفاد منه على حسبه، ويشارك في طلب المعيشة ،فالحياة قاسية وشاقة، وتحتاج إلى كل يد قادرة لتعمل وتكد،فالأب لا يستطيع العمل وحده دون مساعدة جميع أفراد الأسرة ذكورا وإناثا، وبالذات إذا كثر الأولاد ، فكان صاحبنا عندما يعود من مدرسته في آخر النهار ينغمس مشاركا في ما يتطلب من أعمال، فهو لم ينقطع نهائيا عن مساعدة والده في أعمال الزراعة وغيرها ،والزراعة هي الحرفة الوحيدة التي يمتهنها أبناء هذه البلدة ، فأرضهم ارض زراعية،والأرض بقدر ما تقدم لها تعطيك وتمنحك، وكلما كان المزارع مجتهدا نشيطا، يحسن إعداد مزرعته ويتحرى الأوقات المناسبة للزرع والقلع، ويخدمها كما ينبغي في حسن الإعداد والملاحظة، كلما كان مردودها عليه أفضل وأكمل، لذلك كان كل أب يحرص على أن يربي في أولاده هذه الأساسيات، ليكونوا نافعين ومفيدين لأنفسهم وأسرهم فيما بعد، فيغرس فيهم المثابرة والصبر والجلد والدقة والإخلاص، وكلها شروط أساسية في المزارع الناجح، وكلها قواعد وأساسيات وخبرات تتوارثها الأجيال، وتتعلمها بالممارسة الطويلة والملازمة اللصيقة ، وهو ما اكتسبه صاحبنا من والده وسار عليه حتى أصبح مزارعا ناجحا يعشق الزرع والعناية بمزرعته ومتابعة أعمالها، والى اليوم رغم تقدمه في العمر حفظه الله . في عام 1360هـ حدثت أحداث بسبب مقتل أمير فيفاء، وأخذت الرهائن من أسر وعشائر الخسافي عشيرة القاتل ،فوجهه أبوه بالانتقال المؤقت إلى الشيخ جابر بن سالم المشنوي شيخ قبيلة آل مشنية للعمل لديه ؛ وليسلم من أخذه رهينة ، فقد كان صديق والده ،وهو صاحب أملاك ومزارع، فعمل لديه في الزراعة التي يجيدها، فعرفه الشيخ من خلال تعامله معه، بالأمانة والصدق والأخلاق الكريمة العالية، فأحبه وأكرمه وعامله كأحد أبنائه ،ولكنه لم يلبث أن توفي والده علي بن سالم رحمه الله في أواخر هذا العام ، فاضطر إلى العودة إلى أسرته في الجبل الأعلى، ليتولى رعاية أمه وأخويه الشقيقين (يحي وسليمان ) وأخيه لأبيه (محمد) ولكن الشيخ جابر سالم ألح عليه لان يعود إليه، ويصطحب معه أخوته ،وهو ما حصل فقد اصطحب أخويه الشقيقين، وأما أخوه لأبيه الأصغر فقد بقي مع والدته لدى أخواله ،وهنا استمر في عمله السابق مزارعا في مزارع الشيخ الكثيرة. وقد طلب منه الشيخ جابر بن سالم وشجعه على افتتاح مدرسة لتعليم الأولاد لمعرفته بتحصيله العلمي، فهو أجدى من عمله الحالي، فوافق ذلك الطلب رغبة لديه، حيث قام بافتتاح هذه المدرسة في جامع الوشر عام 1363هـ، والتحق بها مجموعة كبيرة من الطلاب، كان من ضمنهم الشيخ محمد بن جابر اكبر أولاد الشيخ ، شيخ قبيلة آل المشنية الحالي . وفي هذه الأثناء تزوج زواجه الأول من ابنة الشيخ جابر بن سالم المشنوي في عام 1364هـ واستمر في عمله مدرسا في تلك المدرسة لمدة سنتين ،ثم انقطع فترة وعاد للعمل في الزراعة ،فكان يتفق مع بعض ملاك المزارع المهجورة ، على أن يقوم باستصلاحها وإحيائها مقابل جزء من غلتها،وكان عملا شاقا ومضنيا ، فكان يجد فيه الكثير من الصعوبة وعدم ضمان المردود، وإنما دعاه لذلك حب إثبات الذات، والسعي إلى الاستقلالية في تكوين حياة خاصة به كما يتصور، وان لا يكون عالة على غيره، حيث أصبح ذو أسرة وأولاد ، فواجه الكثير من المتاعب والمشقة ولكن عزة النفس تجعله لا يظهر ذلك ولا يشكو ولا يتذمر،ولكن الأمر لا يخفى وبالذات على المحب المشفق ،فعمه الشيخ جابر يرقبه ويعرف وضعه من خلال زوجته (ابنته) ،فاقترح عليه بأسلوب الناصح أن يعاود فتح المدرسة من جديد ،حيث افتتحها للمرة الثانية عام 1367هـ بعد انقطاع عامين كاملين ، واستمر فيها إلى عام 1369هـ ،ثم مرض مرضا أقعده عن العمل، وضاقت به الحال، ولم يعد يستطيع المواصلة في بذل الجهد الذي كان يقوم به في التدريس ولا في الزراعة، وانقطعت الموارد عنه مما اضطره للانفصال عن زوجه حتى لا يظلمها معه ، وكان قد رزق منها بولدين و بنت ، فلحقت بأهلها ومعها أبناؤها . لما تماثل للشفاء وكانت حينها مدارس فضيلة الشيخ القرعاوي في أوج نهضتها، تحركت الرغبة لديه في الاستزادة من طلب العلم ، فهاجر إلى بيش ( أم الخشب ) لطلب العلم ، والتحق فيها بمدارس الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله وذلك في عام 1369هـ ،وتتلمذ عليه وعلى الشيخ حافظ ابن أحمد الحكمي رحمهما الله تعالى ، واستمر في طلب العلم مدة أربع سنوات ، كانت إقامته فيها مع بعض الطلبة ابتداءً ، ثم في ضيافة الشيخ محمد بن يحيى القرني قاضي بيش حينها ،الذي تمتد علاقته به من يوم أن كان فضيلة الشيخ القرني حفظه الله معلما في مدرسة القرعاوي الأولى بالنفيعة بفيفاء . وقد تعلم الشيخ في بيش الكثير من العلوم منها التوحيد وفقه العبادات والفرائض والتفسير والتجويد واللغة وغيرها من العلوم الدينية و العربية . وفي أوائل عام 1373هـ كلّفه الشيخ عبدالله القرعاوي بالعودة إلى فيفاء معلما ،وافتتاح مدرسة فيها وفق مناهج و نظام مدارس الشيخ القرعاوي السلفية ، ومع انه كان يرغب في البقاء في بيش لطلب المزيد من العلم، ولكن تكليف فضيلة الشيخ رحمه الله، وتشجيع وحث الشيخ علي بن قاسم الفيفي قاضي فيفاء حينها، والمشرف على مدارس فضيلة الشيخ القرعاوي ، جعلاه يعود إلى فيفاء لافتتاح هذه المدرسة . توجه إلى فيفاء وافتتح مدرسة الخشعة السلفية في عام 1373هـ ، وكانت من اكبر المدارس في فيفاء،حيث تخدم قبيلتي الحكمي والمشنوي ،وقد بلغ عدد طلابها يوم الافتتاح سبعون طالبا من هاتين القبيلتين وغيرهما ، كان منهم الشيخ حسن بن محمد بن أحمد الحكمي الفيفي رحمه الله شيخ قبيلة الحكمي سابقا، ومنهم الشيخ المربي يحيى بن محمد قاسم الحكمي الفيفي ، والأديب الشاعر سلمان بن محمد قاسم الحكمي الفيفي رحمه الله، والشيخ حسن بن يحي الثويعي شيخ قبيلة آل الثويع ، والشيخ احمد بن قاسم آل طارش وغيرهم كثير . وقد زاد عدد طلاب المدرسة فيما بعد ، وسارت بتوفيق الله ثم بحكمة الشيخ أحمد وحرصه وتشجيع الشيخ علي بن قاسم الفيفي ودعمه ، سيرا حسنا . وقد زارها الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله عدة مرات،فأعجب بها ودعمها دعما سخيا ، ومن ذلك أنه رحمه الله حين علم أنّ الطلاب من قبيلتي الحكمي والمشنوي، عيّن شيخي القبيلتين محمد بن أحمد الحكمي وجابر بن سالم المشنوي مراقبين على المدرسة ، مشرفين على احتياجاتها وأجرى لهما راتبا سخيا ، وعين ولديهما حسن بن محمد رحمه الله ومحمد بن جابر مساعدين للشيخ أحمد في ضبط الطلاب داخل المدرسة وأجرى لهما راتبا ، وكان ذلك باقتراح من الشيخ أحمد ، فانتعشت المدرسة وازدهرت ازدهارا كبيرا ، وصارت منارة إشعاع في فيفاء كلها ، وأصلح الله بها كثيرا من الأوضاع الاجتماعية و القبلية في تلك الفترة. وفي عام 1375هـ أقدم الشيخ أحمد على خطوة جريئة في التعليم في ذلك الوقت ، وهي افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات في تاريخ فيفاء ، كانت أول المسجلات فيها ابنته هو وابنتا الشيخين جابر بن سالم شيخ قبيلة المشنوي ومحمد ابن أحمد شيخ قبيلة الحكمي ، وقد حرص على أن يبدأ بابنته هو ويكسب الشيخين ليسجلا ابنتيهما ، وذلك قطعا للألسنة وتعزيزا للفكرة ، وقد نجحت خطته تماما ، حيث وصل عدد المسجلات في المدرسة خلال أيام قليلة إلى خمس وأربعين طالبة . وكان للبنات قسم منفصل تماما عن قسم الطلاب ومخرج خاص ، وكان الشيخ أحمد يقوم بتحفيظهن والاستماع إليهن من نافذة يحجبها ستار ، وكن يحضرن إلى المدرسة بعد حضور الطلاب، وينصرفن منها قبل موعد انصراف الطلاب بساعة كاملة ، ثم بعد فترة وجيزة انتقلت الطالبات إلى مبنى مستقل تماما عن مبنى الطلاب . وقد علّم الشيخ أحمد الطالبات القراءة والكتابة وحفظ القرآن وأحكام العبادة ، وعلمهن الآداب وألزمهن بالحجاب ، وكان يساعده في الإشراف على مدرسة البنات الشيخ قاسم بن محمد بن قاسم الحكمي الفيفي رحمه الله تعالى . وقد نجحت المدرستان وازدهرتا كثيرا ، وخاصة بعد تعيين الشيخين مراقبين ، وعملهما على تذليل العقبات وتعاونهما فيما يخدم مصلحتها . ومما يذكر هنا أنه حدث في عامي 1376و1377هـ قحط شديد وشح في الأمطار أدى إلى جفاف منابع الماء تماما ، حتى صار أهل فيفاء يجلبون المياه من الوديان البعيدة بعناء و مشقة كبيرين ، وعلى رغم ذلك استمرت المدرسة ولم تتوقف فشاء الله أن يفجر ينبوعا عذبا غزيراً مجاورا للمدرسة ، في مكان لم يعهد أحد فيه من قبل أي ماء ، وقد بدأ قليلا وخلال أيام ازداد ازديادا ملحوظاً ، فحضر شيخ القبيلة محمد بن أحمد الحكمي ليراه وتعجب منه ، واستدعي عرائف وأعيان القبيلة ، وقال لهم إن هذا الماء لم يظهر إلا ببركة القرآن فليكن خاصا باحتياجات المدرسة لوضوء الطلاب وشربهم ، و منع أن يستقي منه شخص لبيته أو أن ترد عليه أي دابة ، وحذر من ذلك تحذيرا شديدا ، ولكن الماء ما لبث أن ازداد حتى أغنى المدرسة تماما و فاض ليكفي القبيلة في كل احتياجاتها ، واستمر غزيرا دفّاقاً والناس يتعجبون منه إلى أن توقف بتوقف المدرسة في عام 1378هـ ، ولم يظهر منه شيء إلى اليوم . وكان الشيخ أحمد في أثناء عمله في المدرسة يعمل إماما وخطيبا وداعية و واعظا في مساجد منطقة ولد عطا بفيفاء . و في عام 1377هـ جاء الأمر بإيقاف مدارس الشيخ القرعاوي مع بداية التعليم النظامي ، فأخفى الشيخ أحمد الأمر واستمر يعلم في مدرسته لمدة تسعة أشهر دون مقابل ، لثلاثة اعتبارات : 1- رغبته في إبراء ذمته بالتعويض عمّا قد يكون حصل من نقص أو خلل . 2- رغبته في استكمال طلابه قسطاً من التعليم ، خاصة أولئك الذين سجلوا متأخرين فلم يكملوا حفظ القرآن ، وربما يتوقفون تماما بتوقف المدرسة . 3- خشيته من تأخر افتتاح المدارس النظامية الجديدة في فيفاء أو قلتها عن الوفاء بالحاجة . ثم أخيرا توقفت المدرسة تماما أواسط عام 1378هـ ، بعد أن تسرّب خبر إيقاف المدارس في المناطق الأخرى وتغيّب الطلاب و تخلّى مشايخ القبيلتين . في هذه الأثناء كان الشيخ أحمد قد تزوج زواجه الثاني ، واشترى بيته الحالي (معشم) و مزرعته فانتقل إليها بأهله وأبنائه في عام 1379هـ ، وفي العام ذاته عين إماما وخطيبا لجامع (النفيعة) ، وكاتبا ومقدرا للشجاج في المحكمة الشرعية بفيفاء. ومع عمله المكتبي في المحكمة كان كثيراً ما يختار أمينا للنظر في خصومة أو حادثة أو مشكلة ، أو يكلف ممثلا للمحكمة في مهمات رسمية ، فعرف بدوره في إصلاح ذات البين ، وكان الناس يسمعون له و يعرفون أمانته وصدقه ونصحه ، فيرضون صلحه ويقفون عند رأيه ، كما كانوا يعرفون عفته ونزاهته و حزمه وشدته في الحقّ فلا يطمعون في استمالته إلى حيف أو خديعته إلى ظلم . كما عرف الناس حرصه على أداء الأمانات والحقوق فكانوا يأتمنون عنده كثيراً من الودائع والوثائق . وفي عام 1394هـ تقريباً بنى مسجده في ( معشم ) الذي حمل لاحقا اسم ( مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) وانتقلت وظيفته إليه بدلا من إمامة جامع النفيعة . وقد استمر إماما ، واستمر عمله في المحكمة الشرعية إلى أن تقاعد لبلوغه السن النظامي للتقاعد عام 1400هـ ، ثم استمر تمديد التعاقد معه بعد التقاعد لعدّة سنوات ، كما عمل منذ عام 1401هـ مأذونا للأنكحة . وكان وما يزال حفظه الله معروفا بدوره المشهود في الدعوة والتربية والإصلاح ، فما جلس مجلسا عاما إلا وشغله بالحديث في أمور إصلاح المجتمع أو التذكير بنعم الله أو سرد القصص ذات العبرة بأسلوب حكيم سلس مشوق لا يملّ . ويحكي ابنه الاستاذ عبد الرحمن حفظه الله عنه فيقول : (انه ما جلس في بيته مجلسا مع أهله وأبنائه أو حتى مع عمّاله أو ضيوفه إلا وقرأ عليهم في كتاب أو استمع معهم لبرنامج ديني أو حدثهم حديث الواعظ الناصح . ويضيف : وما يسعده شيء مثل سماعه لعالم ربانيّ في خطبة أو محاضرة أو درس علمي ، فقد رأيته في مواطن من ذلك فظننت أن تلك هي لذته الكبرى التي لا يعدلها عنده لذة ، وما رأيته حرص على شيء مثل حرصه على طهارة ثوبه و بدنه ، ولا اهتم لشيء مثل اهتمامه بأداء ما عليه من دين دائن أو أجر عامل ، ولا خف لإدراك شيء مثل خفته لأداء الصلاة في أول وقتها مهما كان ظرفه . ويقول : وقد كان لنا نحن أبناؤه قدوةً حسنةً ، يفعل هو قبل أن يوجه أو يأمر ، فإذا أمر كان لطيفا في أمره حكيما في توجيهه حازما في متابعته . كان يلاعبنا صغارا ويداعبنا ولا يمل منا ولا يتضجر ، ولا يجلس إلا جلس بعضنا في حجره ولعب بلحيته وما في جيبه ، وهو في غاية السعادة بذلك ، فلما بلغنا مبلغ التعليم كان يتابعنا ويناقشنا ويصوب فهمنا ويسأل عنا معلمينا ، ويقص علينا قصص العلماء و أمثال المتفوقين ، وكثيرا ما يسمي لنا أسماء من نعرف من المشايخ والفضلاء والقدوات ، وفي الوقت نفسه كان يحاسبنا على أي تقصير أو تكاسل ، ويذكرنا بنعمة الله علينا في سهولة طلب العلم بعد معاناة من سبقنا في ذلك ، و هو في كل ذلك يجهر في كل حين بالدعاء لنا مما يشعرنا بصدق حبه وحرصه ، ويظهر فرحه وفخره بكل نجاح أو تفوّق نحققه مما يزيدنا تحفيزا وتشجيعا . فإذا انقضى العام الدراسي دفع بنا لحفظ كتاب الله تعالى عند أحد المشايخ وشجعنا على ذلك تشجيعا كبيرا . ومع كل ذلك كان يصطحبنا إلى سوقه ومشاويره وأعماله ، يتحدث إلينا حديث الكبار ويسمع منا ، و كثيرا ما يستشيرنا في أمور مختلفة ؛ ربما ليرى فهمنا للأمور و تقديرنا للعواقب والآثار ، وكثيرا ما كان يعتمد علينا في بعض المهمات ، وهو اليوم كذلك مع أحفاده . فلما كبرنا قليلا حرص على التبكير في تزويجنا وكان شديد الحرص على ذات الدين لولده ولكنه كان أشد حرصا على أن لا يزوج بناته إلا لأصحاب دين وأمانة وربما اهتم لذلك كثيرا وسأل واستشار ودعا واستخار طويلا قبل أن يعلن موافقته . وقد حقق الله رجاءه فكان كل أزواج بناته من الفضلاء الخيرين ، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا) . ونقول : ما أعظمه من مربى فاضل حريص، اخرج للأمة أبناء صالحون برره، حفظه الله وحفظهم ووفقنا جميعا إلى ما يرضيه سبحانه وتعالى . وهولاء الأبناء هم : 1-حسن بن أحمد رحمه الله . عمل في هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أن توفي في 3 رمضان 1426هـ عن عمر يناهز الستين . 2-حسين بن أحمد عمل في الأمن العام إلى أن تقاعد في عام 1425هـ . 3-د. عبد الله بن أحمد ، دكتوراه في الأدب و النقد ، أستاذ في جامعة الملك سعود ، عضو في مجلس الشورى ، شاعر وناقد أدبي . 4-عبد الرحمن بن أحمد ، ماجستير في فقه اللغة ، محاضر في جامعة الملك خالد ، شاعر ومدرب معتمد في برامج التنمية البشرية . 5-محمد بن أحمد ، بكالوريوس في الشريعة ، معلم في المعهد العلمي بفيفاء ، إمام وخطيب لجامع النفيعة بفيفاء . 6-إبراهيم بن أحمد ، بكالوريوس شريعة ، وكيل للمعهد العلمي بفيفاء ، إمام لمسجد الفاروق عمر بن الخطاب ، وخطيب لجامع نيد الدارة . وله من البنات خمس تعلمن تعليما عاليا ومنهن من عمل في التعليم و منهن من تفرغت لزوجها و أبنائها . كما أن له من الأحفاد قرابة ثمانين حفيدا وحفيدة من ذرية أبنائه وبناته نسأل الله أن يجعلهم صالحين ، ويرزقه برهم ودعاءهم . كما نسأله تعالى أن يمد في عمره على طاعته ويحسن له الختام و يجزيه خير ما جزى معلما ومصلحا عن أهله و وطنه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، تنويه: يسرني أن اشكر الأخ الفاضل الاستاذ/عبد الرحمن بن احمد علي، على ما زودني به من معلومات قيمة وسيرة عاطرة لوالدنا فضيلة الشيخ احمد بن علي الفيفي حفظه الله ووفقه .
محبكم /عبد الله بن علي قاسم الفيفي /أبو جمال
الرياض 18/10/1430هـ |
الاثنين، 8 أبريل 2013
المجنّي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق