الاثنين، 8 أبريل 2013

العميد الركن موسى الفيفي


الاعتداد بالنفس، وقوة الإرادة، وحسن التعامل، وطيب الأخلاق ، وجمال العبارة ، وحسن التحاور، واستيعاب الآخر، ومراعاة من حولك ورحمتهم، والتأقلم مع الأوضاع والمتغيرات، دون خضوع أو خنوع، كلها صفات مطلوبة في القيادي الناجح ، وقد تكون سجية جبل الله البعض عليها ،أو تخلقها احدهم وعالج نفسه بالدربة والصبر إلى أن ألفها.
وكل إنسان مهيأ لما خلق له، والسلك العسكري يتصف بالشدة والصرامة والحزم ، (فان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)، فهي لا تقبل المداراة والمسايسة، بل تحتاج إلى قوة إرادة، وشجاعة قلب ، في اتخاذ القرار، وصرامة في التنفيذ ، مع حسن التصرف والتعامل مع المواقف والأحداث، بكل جراءة دون تردد أو إبطاء ، فالجندية صانعة الرجال، وصاقلة الأبطال ، تبرز فيها مواهب القيادة ، وتظهر فيها الحنكة والريادة ، تصهر بنارها معادن الرجال، وتبرز النفيس من البطال، فمن كان مجبولا على أخلاقيات عالية، وصفات نبيلة راقية ، فالعسكرية تزيدها توهجا وقوة وتصقلها وتثبتها ، وتصنع منه شخصا يستحل المقدمة بكل جدارة ، وقياديا متميزا يحسن التعامل والإدارة، يثق به أتباعه ومرؤوسيه ، فينصاعون لتوجيهاته بكل اطمئنان وثقة ، وكل سعادة وأريحية ، فالجندي يحسن أن يثق في قائده ثقة مطلقة ، ولا تكون كذلك إلا بعد أن يثبت هذا القائد استحقاقه لها ، وصدق اتصافه بها ، وبلوغه لها عن صدق وجدارة ، وامتلاك مقوماتها بكل مهارة ، واهم هذه المتطلبات ، قوة الشخصية، وصدق الإرادة ، وحسن التصرف ، وقوة الحجة ، وحسن المنطق ، ومهارة الإقناع ،وتوافقه في المخبر والمظهر ، والقول والفعل ، يبادل من حوله الحب والاحترام ، والتقدير والاهتمام ، فيبث فيهم الثقة والراحة ،ويشعرهم بالصدق والصراحة ، فلا يبقى لديهم تردد في الانقياد له وحسن الطاعة، فهو قريب منهم ،حريص على حياتهم، يحترم مشاعرهم ، يكون لهم قدوة وإماما ، وقائدا ملهما،فتسلس له القيادة ، ويتحقق له المأمول والريادة.
إن هذه الصفات وغيرها ،مما يقصر سرده واستكماله ، نجدها في شخصية صاحب هذه السيرة، وكأنما خلقت لتكون له سجية ، وليكون هو في المقدمة ، قائدا ناجحا يهتم بمن حوله ويراعي مشاعرهم،يحسب للكلمة حسابها قبل أن يطلقها، في توجيهات سديدة، وأراء صائبة مفيدة ، وقرارات حاسمة مناسبة ، يتحكم في مشاعره ولا تتحكم فيه ، ولا توثر ردود الأفعال في أقواله ومراميه .
عاش العسكرية بكل أطوارها ، تدرج خلالها من جندي عادي إلى أعلى الرتب العسكرية، على مدى أكثر من ثلاثين سنة، مارس فيها كل أدوار الجندية، ودرس أصولها وفنونها باحترافية، وطبقها بكل صدق وحسن نية ، مما جعله يتشبع بأخلاقياتها،ويتطبع بمفاهيمها، وتصبح له أسلوبا ومنهجا، في كل حياته، العامة والخاصة، وتتبدى في تعامله الراقي مع كل الناس .
لقد كان رائدا في مجال جديد،وقدوة ونموذجا ناجحا لكثير من الأجيال،تطلعوا للسير على نهجه وخوض تجربته، فنجحوا وأبدعوا ،وحق لهم أن ينجحوا ويتفوقوا ،لجدارتهم وإصرارهم، وصفاء معدنهم، وأصالة محتدهم، وقوة عزائمهم، وحدة ذكائهم،فها نحن نرى من أبناء فيفا (بحمد الله وتوفيقه) الكثير والكثير يتسنمون أعلى المراتب القيادية، في كل القطاعات العسكرية، وغيرها من مجالات الحياة المتعددة ،ويثبتون جدارة وتفوقا، وفق الله كل العاملين المخلصين، وحفظ لنا قيادتنا ووحدتنا وأمننا وإيماننا.

انه العميد الركن / موسى بن احمد بن قاسم آل معسف الابياتي الفيفي .



image




والده كما ذكرنا احمد بن قاسم (حفظه الله) وأمه هي الفاضلة /سعيدة بنت شريف بن مسعود السنحاني المثيبي الفيفي (رحمها الله).
ولد لهما في بيت دمينة السفلى، بجوار سوق (النفيعة)، في الجبل الأعلى من فيفاء في عام 1370هـ ، وتربى بين هذين الوالدين على أحسن تربية وأتمها، وان كانت الحياة في تلك الفترة يعتريها الكثير من القسوة وشظف العيش ، فمصادر الرزق محدودة ، تدور حول ما تنتجه الأرض من محصولات زراعية قليلة ، وقد تمحل لانحباس القطر وتأخره ، أو تجتاحها الآفات الزراعية ،فالعمل فيها مضن وشاق ، والمردود قليل ، فالأسرة تسخّر كل الإمكانيات والطاقات المتوفرة لدى جميع أفرادها ، حتى تتظافر في جلب المصلحة للكل، فكان لابد لكل أفراد الأسرة من المشاركة في الأعمال اليومية في المزرعة، أو في رعي شيء من الماشية، فكانت تأخذ معظم أوقاتهم، وليس أمام الأطفال بعدها متسع للهو أو لعب .




image



تعليمه:

لما بلغ سن الدراسة أو يزيد قليلا، قرر والده إدخاله المدرسة المفتتحة حديثا قرب مسكنهم في النفيعة، حيث افتتحت كأول مدرسة في القطاع الجبلي من منطقة جازان، في عام 1377هـ ، وقد سجله في تلك السنة بعد تردد ، وتردده كان مبني على عدة عوامل، وترسبات انطبعت لدى معظم الناس في تلك الفترة، منها عدم القناعة بجدوى هذا التعليم ، وانه سيكون سببا في اخذ أولادهم منهم فيما بعد بعيدا عنهم ، والحياة المعيشية تتطلب الاستفادة من هولاء الأبناء في أعمال المزرعة وغيرها ،مما يفرضه واقع طلب الرزق والكدح في تحصيل المعيشة في ذلك الزمن، وكلها موجبات تجعله يحجم عن إلحاقه بالمدرسة، وأما هو فقد كان ينظر إلى الوضع بمنظار آخر، فهو يرى بعين الغبطة أترابه، وهم يترددون على المدرسة، يتلقون العلوم ،ويمارسون الكثير من الأنشطة والألعاب ، ويصدحون باعذب الأناشيد والألحان ،ويرددون بأصواتهم الجهورية القراءة الجماعية المتناغمة ، يراهم ويراقبهم في غدوهم ورواحهم بالحسرة واللوعة ، فبيته في الجهة المقابلة للمدرسة ، ليس له حلم أو أمنية إلا أن يكون معهم وبينهم ، لذلك ما إن ألحقه والده بها إلا وكان إقباله على الدراسة إقبالا منقطع النظير ، كله شوق ولهفة وحماس ، وأعانه ما يتميز به من ذكاء وحسن استيعاب ، فكان من الطلاب المتفوقين ، يحرز النجاح عاما بعد عام بتفوق وتميز، ولما إن بلغ الصف السادس الابتدائي في العام الدراسي 1383/1384هـ إلا واصطدم بأمر جديد لم يكن له في الحسبان.
كانت شهادة الصف السادس تعتبر يومها شهادة مميزة، ومن الشهادات ذات الأهمية، لندرة من يحملها على مستوى المملكة، فالتعليم النظامي حديث، ولم يتوسع في تعميمه على مستوى المملكة إلا مع نشأت وزارة المعارف في عام 1373هـ في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود (رحمه الله) وكان أول وزير لها صاحب السمو الملكي الأمير (الملك فيما بعد) فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) ، فكانت مدرسة النفيعة أول مدرسة أحدثت في القطاع الجبلي من منطقة جازان كما ذكرنا أعلاه ، والمدارس محدودة العدد في المنطقة، لمحدودية الإمكانيات المالية والبشرية يومها، فالدخل العام محدود، ثم لندرة المعلمين، لذلك كانت المدارس قليلة، ومن أتيح له الالتحاق بها لقربها من سكنه أقلية ، ومن يواصل الدراسة فيها اقل القليل ، لذلك كانت اختبارات شهادتها مركزية، تعد لها أسئلة موحدة في الوزارة ، ترسل إلى لجان الاختبارات في إدارات التعليم في المناطق ، ثم تصحح في الوزارة بالرياض، وتعلن بعدها النتائج ، وتنشر أسماء الناجحين بالإذاعة والصحف، وكان للحفاظ على سرية الأسئلة وعدم تسربها، تعقد لجان مركزية لكل مجموعة متقاربة من المدارس ، فكان طلاب مدرسة فيفاء يقدمون اختباراتهم أمام اللجنة المركزية في مدينة صبيا ،ومع ما في ذلك من أعباء مالية ومشقة نفسية على الطلاب وأهلهم ، لقلة ذات اليد لمعظم الناس حينها ، ولصغر أعمار الطلاب ، وصعوبة المواصلات مع عدم توفر الطرق ووسائل النقل، ولا يتوفر السكن المناسب في هذه البلدة، وهم مضطرون للبقاء فيها لما يقارب الأسبوعين ، فكان ذلك أو بعضه يحول دون تمكن بعض الطلاب من أداء هذه الاختبارات، فلا يستطيع التغلب على ذلك إلا قلة قليلة ، فالأمور صعبة جدا ، لذلك لما حان وقت حضور الاختبارات لهذا العام، لم يسمح له والده بالحضور مع زملائه أمام اللجنة في صبيا، لقلة ذات اليد أولا ، ورغبة في أن يلحق به شقيقه (يحي) الذي ما زال في الصف الخامس الابتدائي ليكونا مع بعضهما في أداء الاختبار، وفي مواصلة دراستهما فيما بعد، حيث لابد لهما من الاغتراب في المدارس المتوسطة التي لا تتوفر إلا في مدن محدودة في المنطقة، في مدينة جيزان أو صبيا أو أبو عريش ، فهو سيطمئن عليهما مع بعضهما، وسيخف العبء المادي عليه قليلا عندما يكونان سويا ،وقد كان قرار الأب صدمة كبيرة عليه، ولكن ليس في اليد حيلة، ولا بد من الصبر مما ليس منه بد .
أعاد دراسته في الصف السادس في العام التالي 1384/1385هـ ، مع ما كان يشعر به في داخله من الإحباط والظلم، لأمر لم يكن له فيه دور ، فها هو يعيد ويكرر دروس قد هضمها واستوعبها من قبل، ولم يعد له رغبة أو دافعية لتكرارها، ويزداد إحباطا إذا ما تذكر زملائه وقد تجاوزوه، وحققوا الكثير من أحلامهم المشتركة ، مضت عليه تلك السنة كئيبة ثقيلة، ولو لم يكن قد وطن نفسه على التسليم والرضا، وطاعة الوالدين لترك الأمر بكامله ، ولكن بالتشاغل والتناسي مضت به السنة بسلام وامن ،وهاهو في نهايتها يتقدم مع أخيه إلى الاختبارات ،ويحرزان النجاح بحمد الله وتوفيقه.
ويتم التحاقهما مع بداية العام الدراسي 1385/1386هـ بالمرحلة المتوسطة، بالمتوسطة الثانية بمدينة جيزان، ويمضي بهما العام الدراسي بين دهشة الغربة وعنائها، ومشقة الدراسة وتبعاتها ، وهما ما زالا صغيران، قد اثر عليهما الواقع الجديد الذي أقحما فيه ، فقدا الكثير من الأمن والرعاية والحنان، والجو الأسري الحميم بين والديهما، ولكن لما جبلا عليه من عدم الإفصاح، ووجوب كتمان المشاعر، جعلهما يكابران ،ولكن في النهاية كان الأخ الأصغر(يحي) لم يطق الاستمرار في معاندة مشاعره ،والصبر على الغربة التي لم يعد يحتملها ، فتمرد على وضعه الحالي،وفي نهاية العطلة الصيفية رفض العودة مع أخيه ، بل بقي في كنف أسرته، تاركا الدراسة ، جاعلا أخاه يعاني الغربة دون أنيس.
عاد مع بداية العام الدراسي وحيدا ، متحملا الوضع الجديد، من فقد مؤانسة ورفيقه، فقد تحمل وصبر ، ولكنه كان قد اكتسب من عامه السابق، الكثير من التجارب والخبرات ، مما أعانه وخفف عنه بعض مما يجد، وكانت تجربة ناجحة ، تعرف فيها على قدراته الذاتية ،واكتسب منها الثقة بالنفس والعصامية ، وتسيير أموره والاعتماد على ذاته ، عرف كيف يحدد أهدافه، وكيف يكافح ويصر على بلوغها ، فانخرط من جديد في المكابدة ، والجد والاجتهاد ، ومضى به العام ثقيلا كئيبا، حتى شارف العام على الانتهاء، وقارب أوان القطاف والجنى ، وتحصيل ثمرة جهد عام طويل، ولكن وكما قيل (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) فمع قرب الاختبارات وهو يهيئ نفسه لدخولها، وقد خرج لجلب بعض مصالحه الخاصة ، إذ بسيارة مسرعة تصدمه ، فتصيبه بإصابات خطيرة، في رأسه وأنحاء متعددة من بدنه ، دخل على أثرها في غيبوبة ، ولم يفق إلا وهو دخل العناية في المستشفى العام ، حيث مكث منوما لأكثر من أسبوعين ، انقضت فيها الاختبارات، وتبددت بها أحلام النجاح ، وزاد الطين بلة أنها لم تشفع له تقارير المستشفى، ، إذ لم يسمح له بدخول الاختبار في الدور الثاني ، لتشدد غير منطقي ولا مقبول من قبل إدارة المدرسة ، مما اضطره إلى إعادة الدراسة مرة أخرى ، مما شكل له صدمة جديدة، وإحباطا نفسيا قد تناساه حينما أعاد الدراسة في الصف السادس من قبل ، بل وزاد من أعبائه وهمومه أن المكافأة التي كان عليها جل اعتماده المعيشي، قلصت إلى النصف، باعتباره راسبا ومعيدا في فصله ، لذلك فما تبقى منها لم يعد يكفيه، ولا يكفل له حياة معيشية آمنة ، وكانت ظروف والده المالية لا تمكنه من مد يد العون إليه ، أو سد شيئا من العجز القائم لديه، مما جعله يعتمد على قدراته الذاتية،واجتهاداته الشخصية القاصرة، لذا سعى إلى البحث عن عمل يعينه على بعض متطلباته الأساسية، ولا يوثر على دراسته الصباحية ، فكان يعمل هنا وهناك، في بعض المؤسسات والشركات، لفترات محدودة، يستعين بها في التغلب على ظروفه المالية المتأزمة ، ولكنه لم يستطع التوفيق بين الأمرين، لصغر سنة، وصعوبة الأعمال المتاحة أمامه ، والشدة القائمة في المدارس آنذاك ، مع شعوره بالظلم والإحباط الذي حل به ، لذلك لم يستطع الاستمرار على هذا الوضع ، فلم يعد لديه القدرة على الصبر والاحتمال ، فقد نفدت كل وسائلهما، حيث لم يستطع توفير الأساسيات الضرورية للمعيشة ، ليتفرغ لدراسته ومذاكرته كما ينبغي ، مما حمله في النهاية أن يقف عاجزا، ويعلن استسلامه وهزيمته ، فترك الدراسة بالكلية، فالوضع لا يحتمل ولا يطاق ، فقد تردى إلى أقصى الدرجات، ولم يجد من يقف بجانبه ويسنده ، ولكن إلى أين؟
قرر أن لا يعود إلى أهله بخفي حنين ، فإحساسه أن في عودته إلى أهله بهذا الوضع ، فشل ذريع ، واعتراف منه بالهزيمة لن يحتمله ، لذا فقد قرر غير ذلك، وبيت النية بما هو أجدى وانفع حسب نظره ، فسعى جاهدا للحصول على حفيظة نفوس، ليتمكن بها من السفر بحرية حيثما أراد، ولأنه كان دون السن النظامية (18) سنة، المسموح فيها للحصول على هذه الحفيظة ، ولكن بكثرة إلحاحه وتردده على موظفي الأحوال المدنية، تمكن من الحصول على مبتغاه ، فبادر بالسفر إلى مدينة الطائف، لكون أخاه لامه يكون منتدبا هناك في هذه الفترة (الصيف) ، فقابله فيها ورحب به، وطلب منه إحضار شهاداته، واللحاق به إلي مدينة الرياض حيث يقيم .
عاد إلى مدينة جيزان، واستكمل كل أوراقه وشهاداته، وسافر مباشرة إلى أخيه في مدينة الرياض ، فلما وصل إليه والى بقية إخوانه لامه هناك ، رحبوا به وهيئوا له السكن المناسب، وما يلزمه من ضروريات الحياة ، وعندها اطمئن باله، واستعاد أنفاسه، وعادت آماله وأحلامه ، فالتحق بأحد المدارس المتوسطة ، مواصلا دراسته ، ثم سعى إخوانه حرصا منهم على إعادة الثقة إلى نفسه، وليشعر بأنه ليس عالة على احد ، بإيجاد عمل مناسب له ، بشرط أن لا يوثر على مواصلته للدراسة، حيث تم تعيينه في رئاسة الحرس الوطني، على وظيفة مؤقتة على بند الأجور، فلم آنسوا جديته وجدارته عملوا على تثبيته على وظيفة عسكرية، حيث عين على رتبة عريف ، باعتباره حاصلا على الشهادة الابتدائية، وفي هذه الأثناء حول دراسته إلى المساء، فتحصل على شهادة الكفأة المتوسطة ، وسجل في المرحلة الثانوية، وهو في عمله متفوقا على نفسه مثبتا نجاحه وتفانيه ، مما جعله في المقدمة، وترقى سريعا في الرتب العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة رقيب ، وفي تلك الفترة تم الإعلان عن دورة (ترشيح ضباط) لمن هم على رتبة رقباء ، لمدة سنة في مدارس الحرس الوطني العسكرية والفنية، فكان من ضمن هولاء المرشحين لانطباق الشروط عليه ، واجتازها بحمد الله بنجاح وتفوق، وثبت بموجبها ملازما في سلاح الإشارة، بالرئاسة العامة للحرس الوطني، في مدينة الرياض في عام 1394هـ ، وتدرج بعدها في الرتب العسكرية، والتحق بعدة دورات دراسية على طول السنوات التالية ، بما يتطلبه عمله وتخصصه العسكري، وتهيئته وتأهيله ليكون على خير جاهزية كضابط عسكري، ومن تلك الدورات والدراسات التي تلقاها :
1. دورة هندسية في أساسيات الهندسة المدنية (تعادل الدبلوم ويبتعث الحاصل عليها إلى احد الدول الغربية للحصول على التخصص الهندسي الكامل) ، ولكن الدورة ألغيت بعد مضي حوالي ستة أشهر لا سباب فنية وإدارية، ومع أنها عقدت بعد ذلك بسنة ولكنه لم يرغب الالتحاق بها مرة أخرى .
2. دورة مرشحين ضباط (مدارس الحرس الوطني ) .
3. دورة تأسيسية إشارة للضباط (مدرسة سلاح الإشارة).
4. دورة متقدمة إشارة للضباط (مركز ومدرسة سلاح الإشارة للقوات البرية بالطائف).
5. دورة في نظام المعلومات.
6. دورة الإدارة في التطبيق العسكري والتنظيم (كلية الملك خالد العسكرية الحرس الوطني).
7. دورة حاسب آلي.
8. دورة تنمية المهارات القيادية (معهد الإدارة العامة).
9. دورة لغة انجليزية لمدة ثلاثة أشهر (بريطانيا).
10. دورة القيادة والأركان (كلية القيادة والأركان بالرياض) ماجستير علوم عسكرية 1410هـ .


image

حياته الوظيفية :

مارس العمل الوظيفي ومازال طالبا في المرحلة المتوسطة، عندما كان يدرس في مدينة جيزان للظروف المعيشية التي مر بها كما أسلفنا ، حتى لا يضطر للإثقال على كاهل والده عندما انقصت قيمة المكافأة التي تصرف لهم في المدرسة، ولم تعد تكفي لمتطلباته المعيشية ، فوالده ليس له دخل ثابت،ولديه أسرة كبيرة، ومصدره الوحيد مزرعته الصغيرة، التي لا تكاد تكفي لمصاريفه الضرورية، لذلك عمل أثنائها في عدة وظائف في موسسات وشركات أهليه ، منها شركة صفا (تعمل في تشغيل ميناء جيزان ) ، وفي الاتصالات السلكية وألا سلكية (مأمور مخابرة) ، وكان يحرص على أن تكون هذه الأعمال مناسبة له كطالب منتظم .
بعدما انتقل إلى مدينة الرياض التحق موظفا على بند الأجور، في رئاسة الحرس الوطني، وبقي عليها ما يقارب الستة أشهر، ثم جرى تثبيته على وظيفة عسكرية في نفس الجهاز،على رتبة عريف في 16/4/1389هـ ، باعتباره يحمل الشهادة الابتدائية، ثم تدرج في الرتب العسكرية سريعا ولم يتأخر، لتميزه الدراسي لندرة من يحمل الشهادات الدراسية في تلك الفترة ، وقد حصل على شهادة المرحلة المتوسطة ، ثم واصل الدراسة في المرحلة الثانوية ، وتمت ترقيته لرتبة وكيل رقيب (كما كانت تسمى)، ثم إلى رتبة رقيب، وكانت الأعمال الذي يمارسها(كصف ضابط) في الرئاسة العامة للحرس الوطني أعمالا إدارية ومكتبية ، حيث عمل أولا في قسم الاتصالات الإدارية والأرشيف ، ثم بعدها في قسم المحاسبة (تأدية الرواتب).
وفي هذه الأثناء عام 1393هـ تم اختياره ضمن الرقباء المتميزين، وممن يحملون مؤهلات دراسية، لدورة ترشيح ضباط مدتها سنة كاملة ، في مدارس الحرس الوطني العسكرية والفنية، فاجتازها بتفوق (الخامس)، وتخرج منها في شهر ربيع الثاني من عام 1394هـ ، وجرى تعيينه بعدها على رتبة ملازم في قيادة سلاح الإشارة بالحرس الوطني بالرياض .
اثبت كعادته تفانيه ونجاحه في كل ما أوكل إليه من مهام وأعمال ، فقد اسند إليه عمل (مساعد ضابط شؤون أفراد) ، ثم (ضابط شؤون أفراد) ، وتدرج فيها إلى أن أصبح (مساعد ركن إدارة)، ثم إلى (ركن إدارة) ، وبعدها نقل إلى (ركن عمليات ) وفي عام 1417هـ رقي إلى رتبة عميد ركن ، وصدر قرار تكليفه (قائدا لسلاح الإشارة بالحرس الوطني للقطاع الغربي ـ جدة) ، وتتبعها قيادات سلاح الإشارة في كل من مكة المكرمة وجدة والطائف والمدينة المنورة وجازان وينبع ، وكانت له لمساته ونجاحاته في هذا العمل الكبير والخطير، واستمر يمارس عمله في هذا المنصب لا كثر من أربع سنوات، حتى أحيل للتقاعد في عام 1423هـ، بعد أن قضى في العمل الوظيفي العسكري لما يقارب (34) سنة، تدرج خلالها في الرتب العسكرية والمهام الوظيفية والقيادية ، وكانت كلها حافلة بالجد والاجتهاد والإخلاص والتفاني وقد نال الكثير من الأنواط والأوسمة وشهادات التقدير والنجاح ومنها :





1. نوط الإدارة العسكرية.
2. نوط الإتقان.
3. نوط الخدمة العسكرية للمرة الأولى.
4. نوط الخدمة العسكرية للمرة الثانية.
5. نوط الخدمة العسكرية للمرة الثالثة.
6. نوط الخدمة العسكرية للمرة الرابعة.
7. نوط المعركة.
8. وسام تحرير الكويت.
9. ميدالية المسجد الحرام.
10. نوط المعلم.
11. نوط الحج.
12. نوط الذكرى المئوية.

أدواره الاجتماعية:

شب وترعرع على حب الناس، والتفاني في خدمتهم ، يراعي مشاعر الكل وظروفهم، ولطبيعته كانسان قيادي ومنظم، فهو يسعى دوما إلى التواصل والتقارب بين الناس، وبناء أواصر الألفة والمحبة بينهم، من خلال التلاقي والاجتماعات الدورية فيما بينهم ، في تنظيمات مبسطة واضحة ، قائمة على السهولة واليسر، يستطيع الكل مهما قل دخله المشاركة دون عنت ولا مغالاة، وهذا ديدنه وما يومن به، منذ بداية حياته وأين ما حل وارتحل ، فهو يحب أن يرى كل الناس من حوله متعاونين متقاربين متآلفين، يعينون بعضهم ويحققون بينهم كل المعاني السامية، والأخوة الصادقة ، عمل على التقارب بينهم في مدينة الرياض ، ولما استقر في مدينة جدة، كان هناك قطب جذب اللتمت حوله القلوب ، وبث بينهم الحب والألفة كعادته.
إن أبناء فيفا في مدينة الرياض يدينون له كثيرا، بما وصلوا إليه بفضل الله من تقارب وتالف واجتماعات متميزة، في الأعياد والمناسبات، والدوريات الأسبوعية، كان له اكبر الأثر في سن معظمها واستمرارها، وفي بساطتها وتكاملها، حتى تميزت وأصبحت سمة لكل الملتقيات، حتى أن كثيرا من أبناء فيفا في المناطق الأخرى اقتبسوا منها وساروا عليها، لما لمسوه فيها من النجاح والتأثير الايجابي على كل أفراد المجتمع، تقربهم من بعضهم ، وتبني فيما بينهم أواصر المحبة والألفة والتعاون والتكاتف .
لقد سن الكثير من هذه التجمعات ، أو كان له الدور الأكبر والمؤثر فيها، ثم التشجيع على استمرارها وتطويرها، وكمثال على شيء من ذلك ، تجمعات العيد التي تميز بها أبناء فيفا في مدينة الرياض ، فان له الدور الأكبر في إيجادها كفكرة ، ثم في استمرارها وتطويرها، اذكر عندما تأهلت في مدينة الرياض في عام 1399هـ ، وكان المتأهلين من أبناء فيفا قلة في تلك الأيام ، فهم عدد قليل وأمورهم المادية محدودة ، فكان أن اتفق مع معظم هولاء الأسر على التلاقي، في جو من الأنس والتعاون، طوال أيام عيد الأضحى الثلاثة، بحيث يكون الغداء عند مجموعة، والعشاء عند أخرى، بما يغطي كامل أيام العيد ، وتكون هذه التجمعات في البيوت، ولا يزيد ما يعد فيها من الأكل على جزء بسيط من الأضحية ، ويدعى لحضورها كل الموجودين من أبناء فيفا في مدينة الرياض من غير المتأهلين .
كانت سعادة الكل بهذا التلاقي عظيمة لا تنسى، ومردود ايجابي لا يمحى، جعلهم يقبلون عليه سنة بعد أخرى، وفي كل عام تنضم إليهم اسر جديدة،وتطورت مع كثرتهم إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم ، تزيد على مائة أسرة بضيوفها.
لم ينسى له الناس أدواره الاجتماعية المتعددة، وتأثيرها الاجتماعي العظيم عليهم ، فهو في المقدمة دوما في معظم أمورهم واحتفالاتهم وتجمعاتهم، حتى مع الأجيال الصاعدة الذين اعترافا منهم بأدواره الايجابية المؤثرة، جعلوا منه رئيسا فخريا لدوراتهم الرياضية، التي يقيمونها كل عام ،والتي احتفلوا هذا العام بالدورة السابعة عشرة منها ، وتعتبر من انجح الدورات الرياضية لأبناء فيفا على مستوى مناطق المملكة ،فهو في الواقع رئيسا فعليا لها، الشباب المنظمون، حوله يجتمعون، ومنه ينطلقون ، واليه يعودون إذا أشكل أمر أو صعب وضع .
لا تكاد تقترب أيام عيد الأضحى، إلا وتلتف حوله لجان العيد، يرتبون وينظمون وينسقون ، للاحتفالية بهذا العيد، والاستعداد بما يتناسب مع هذا التلاقي، مما يسعد الجميع ويجلب الفرح لهم ولأسرهم وأبنائهم وضيوفهم ، وكذلك احتفالات التكريم والتقدير، هو قطب الرحى ومركز التلاقي والتنظيم والترتيب لها بما يناسب ويليق.


وعلى العموم فكل حفل أو مناسبة أريد لها النجاح وحسن التنظيم، جعل قائدا للعاملين على إعدادها وتنفيذها، من بدايتها فكرة إلى أن تخرج واقعا ملموسا، يسعد به كل أبناء فيفا في الرياض ، فهو لا يتوانى ولا يكسل، بل يشجع ويدعم ويرفد وفقه الله وأطال عمره ، فهو الدينمو المحرك والشعلة المضيئة، يبدأ بنفسه، باذلا ماله وجهده ووقته ، عظم الله له الأجر وأجزل له المثوبة.

حياته الاجتماعية:

زوجته هي الفاضلة عافية بنت شريف حسين الداثري الفيفي .
ولهما من الأولاد والبنات كل من :
1. وفاء (جامعية).
2. منيرة (جامعية).
3. النقيب محمد .
4. الملازم أول بندر.
5. أمل (طالبة جامعية).
6. حنان (طالبة جامعية).
7. منال (طالبة تعليم عام).

بارك الله فيهم وأدام عليهم توفيقه وأفضاله، والملاحظ أن الأبناء يسيرون على نفس المنهج والمنوال، اقتبسوا من والدهم الكثير والكثير من الأخلاقيات العالية، والصفات الفاضلة ، نور الله قلوبهم ودروبهم ، ورحم الله الآباء ووفق الأبناء إلى كل خير، وجمعنا جميعا في مستقر رحمته وفسيح جناته .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محبكم / عبد الله بن علي قاسم الفيفي /أبو جمال
الرياض في 17 /7/1432هـ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق