المكان والزمان، وظروف الحياة، وطبيعة الإنسان، موثرات في تكوين وبلورة الشخصية، وإبراز مكانتها الاجتماعية والفكرية ، ومدى تأثيرها في محيطها الاجتماعي ، وكل هذه المقومات اجتمعت لهذا الإنسان، الذي سنتحدث عنه ، فمكانه الجغرافي في قلب السلطة الإدارية والقيادة في بلدته في تلك الفترة، حيث أن بيته (النغوة) الملاصق لمقر مركز الأمارة في النفيعة، جعلته يعيش في قلب الحدث، ويتفاعل بشكل يومي مع كل ما يدور حوله من تغيرات وأحداث ساعة بساعة، حتى انه لو أراد أن يتغافل عنها فالناس لا تتركه، بل تأتي إليه وتبحث عنه وتقحمه في هذه الأحداث، إما طلبا لمشورته ورأيه، أو الاستنجاد به وبشفاعته، أما لتوضيح أمر قد التبس، أو للوصل إلى حق استعصى، أو رفع ظلم قد حاق أو سيحيق بإنسان، فالزمن زمن بدايات وزمن تغييرات، يوجد الكثير ممن يستغل هذه الموجات من التغييرات ليركبها ويحقق من خلالها لنفسه بعض ما يؤمله من مكاسب عينية أو معنوية ولو بظلم الآخرين، وكان معظم المسؤولين وأصحاب السلطة في معظم هذه المراكز من غير أهل البلدة، فلا يميز معظمهم بين الناس فيها، ولا يعرفون الكثير من خواصهم ومكاناتهم الاجتماعية، ولا حتى كثير من لهجاتهم وعاداتهم، فيحدث بسبب ذلك الكثير من اللبس والكثير من الحيف والكثير من المظالم، عن قصد أو عن غير قصد، لنقص معلومة أو سوء فهم أو استغلال موقف من خصم متربص، فهنا يأتي دور هذا الرجل وأمثاله، ويتميز هو عن غيره كما سبق وأوضحنا لموقعه القريب، ولكونه الإنسان العالم الواعي، الفاهم الحصيف الشجاع، والكثير من صفات النبل التي يتصف بها، والتي أهلته لان يقوم بهذه الأدوار الاجتماعية والإصلاحية المهمة، وينجح فيها أيما نجاح ،مما اكسبه ثقة الناس واحترامهم وتقديرهم، وثقة واحترام المسؤولين العقلاء ، عندما عرفوا حسن مقصده، ورجاحة عقله، وحصافة رأيه، ونبل مساعيه،( ... إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب) ـ هود88ـ فاكبروا له ذلك وقربوه، وأطلقوا يده يعينهم في ما أوكل إليهم من مهام ومسؤوليات، ويساعدهم على إحقاق الحق وإبطال الباطل، رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه فسيح الجنان.
انه الفقيه العالم القاضي حسن بن احمد بن علي بن جابر بن سليمان بن حسين آل خفشة الابياتي (المغامري) الفيفي . ![]() إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل والده كما ورد أعلاه احمد بن علي رحمه الله، وأمه الفاضلة /عذابه بنت احمد بن يحي الشعيثي الخالدي رحمها الله. ولد في بيت شيحة الواقع في وسط بقعة العذر أجمل بقع فيفاء والتي تتربع في وسط الجبل الأعلى من الجهة الجنوبية الغربية من القمة ، وذلك في حوالي عام 1327هـ تقريبا . طلبه العلم: تربى في حجر والديه وكان يتميز بالنباهة والذكاء، ولتعلقه بطلب العلم ألحقه والده بمعلامة الفقيه سلمان بن يحي المشرومي، وختم القرآن على يديه،ثم تطلعت نفسه واشتاقت لمواصلة طلب العلم والتوسع فيه ، وليس ذلك بالمتوفر إلا بالغربة والهجرة إليه في مظانه، وذلك فيما يعرف لدى أهل فيفا قديما (ببلاد المشرق) صعدة وضحيان وقطابر وحتى صنعاء، حيث فيها الكثير من العلماء وهجر العلم ومدارسه المشهورة ، فلم يمانعا والداه بل شجعاه وأعاناه لتحقيق مقصده النبيل ، فتوجه مهاجرا ينشد الخير والفلاح، وانتهت به الرحلة إلى بلدة ضحيان ، حيث وجد فيها غايته ورغبته، وتحقق له معظم ما يصبوا اليه، ومضت به السنين يجد ويجتهد حتى نال حصيلة علمية مباركة في الكثير من العلوم الشرعية والعربية في الفقه والحديث والتفسير واللغة، والكثير من العلوم الجليلة النافعة،وقد طال مكثه بين تلك الحدائق والرياض ، ولولا حق الوالدين لطال بقائه أكثر وأكثر، فكان يروح ويجيء لا يشبع ولا يمل ، بل يعل ويتزود من هذه المناهل ، وقد بلغت المدة التي تردد فيها إلى هذه الأماكن في سبيل طلب العلم أكثر من ثمان وعشرين سنة، يأتي ويعود وكلما وجد فرصة ابتدرها فلا تشبع نهمته من طلب العلم والتوسع فيه، ونال من ذلك الكثير بفضل الله وتوفيقه ، وكان مميزا لدى الكثير من مشايخ تلك الحلق ، وذلك بسبب جديته ومواظبته على التلقي ، وتحقق له الكثير مما يصبو إليه ، حتى أصبح عالما وفقيها يشار إليه بالبنان، وأصبح مدار الفتيا والتعليم بين أهله وجماعته رحمه الله رحمة واسعة وغفر له . بذله العلم : عاد من مهاجره إلى بيئة يكثر فيها الجهل، ويسود فيها الظلام ، وتحتاج إلى طلبة العلم وحملة مشاعله، فكانت له العديد من الأدوار التي شارك بها ، فبذل علمه للناس يعلمهم ويوجههم وينصحهم ، فارتاح الناس إليه ، يسمعون توجيهاته ونصائحه المثمرة ، لما يتصف به من تواضع وحسن معشر وكرم نفس ، وما هو عليه من علم وتقوى وصلاح وصدق، فيرجعون إليه في كثير من استفساراتهم الدينية، وفي طلب فتياه وتوجيهاته ، وفي ما أشكل عليهم من أمور دينهم ودنياهم . وفي عام 1357هـ في عهد أمير فيفا المصلح رشيد بن خثلان (رحمه الله)، الذي سعى بالاتفاق مع شيخ الشمل ومشايخ القبائل وعقلاء البلدة، على أن يتعاونوا ويتكاتفوا في نشر العلم في فيفا ، وذلك بتشجيع كل طالب علم على فتح مدرسة في جهته، وتشجيع الناس وحثهم بل وحتى إجبارهم على إلحاق أبنائهم بهذه المدارس، وكان ذلك وفق رغبة مشتركة لدى الجميع، حيث تعاونوا على تفعيلها، وكان دور هذا الأمير عظيما وفعالا في المتابعة والتشجيع، ثم التحفيز بأساليب مبتكرة ،ومن أهمها انه كان يدخل هذه المدارس في منافسة شريفة فيما بينها، فيستدعي إلى مركز الأمارة بين فترة وأخرى إحدى هذه المدارس من معلمين وطلاب، ويجري لطلابها اختبارات فيما تعلموه، ومدى تحصيلهم العلمي والمعرفي ، ويجري بينهم الكثير من المسابقات ليعرف قوة هذه المدارس، وقدرات معلميها وإمكانياتهم ، فيزداد المعلمون والطلاب حماسا وبذلا واجتهادا، لمعرفتهم بمدى تقدير جهدهم والاحتفاء به من أعلى سلطة في مجتمعهم، وبلغ عدد هذه المدارس ما يقارب اثني عشرة مدرسة ، كانت في مقدمتها مدرسة (شيحة)التي افتتحها الفقيه حسن بن احمد بجوار مركز الأمارة في وسط بقعة العذر، انضم إليه عدد كبير من الطلاب (أبياتي وداثري وعمري ومثيبي وخسافي وظلمي) ومن ضمنهم شيخ شمل فيفا فيما بعد حسن بن علي (رحمه الله) وقاضي فيفا كذلك الشيخ علي بن قاسم (حفظه الله) ،وأكثر أبناء ذلك الجيل في بقعة العذر والبقع المجاورة لها ، ولقربها من مركز الأمارة كانت تنال الحظ الأوفر من زيارة هذا الأمير المبارك، وكثير ما يدعوهم إلى زيارته في المركز، ويقيّم مستويات طلابها ويجيز المستحقين ويكافئهم، أو يوجه بإعادة من لم يجتاز منهم الدراسة حتى يتحسن مستواه . استمرت هذه المدرسة لأكثر من سبع سنين، كانت شعلة في النشاط والاجتهاد ، خرّجت الكثيرين ممن ختموا القرآن وتعلموا العلم ، وكان يعينه فيها أخوه الفاضل موسى بن احمد (رحمه الله) ، الذي درس معه لفترة في ضحيان ، وقد تنقلت هذه المدرسة بين بيتي (شيحة) و(العلايج) في بقعة العذر . وكان له أيضا الدور الأكبر والمؤثر في افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات في فيفا ، قبل التعليم الرسمي، حيث اتفق هو والوالد فضيلة الشيخ علي بن قاسم قاضي فيفا، عندما كان فضيلته المشرف على مدارس فضيلة الشيخ عبد الله القرعاوي (رحمه الله) في تعليم البنات أسوة بالبنين ، فسعيا إلى إقناع السيدة عافية بنت فرح في أن تقوم بتعليمهن وهي المؤهلة لذلك ، ثم شجع إخوانه وأبناء عمومته وجيرانه على إرسال بناتهم إلى هذه المدرسة ،وكان هو لهم القدوة الحسنة حيث ابتداء بنفسه فأرسل بناته وبنات إخوانه ، وكان قد طلب من ورثة فرحان بن مغوي الابياتي (رحمه الله) أن يعيروهم بيت (العزورية) في بقعة العذر، ليكون مقرا لهذه المدرسة ، فكانت هي أول مدرسة لتعليم البنات في فيفا عام 1376هـ ، التحق بها أكثر من عشرين طالبة، واستمرت تؤدي وظيفتها في هذا الموقع لأكثر من سنة، ثم انتقلت بعدها إلى بيت (معشم). عمله الوظيفي: التحق بالعمل الوظيفي في المحكمة الشرعية بفيفا في حوالي عام 1364هـ على وظيفة كاتب عدل، ثم كاتب ضبط في نفس المحكمة ، فكان في المكان المناسب الذي يخدم فيه الناس ويعينهم ويوجههم من خلال عمله ووجاهته واحترام الجميع له مسؤولين ومواطنين، لإخلاصه ومكانته الاجتماعية والعلمية . وقد بلغت الثقة به إلى درجة انه كان يسند إليه تصريف الأمور في البلدة، نيابة عن أمير المركز في حالة غيابه عنه لأمر طارئ ونحوه ، ومن ذلك أن أمير فيفا عبد العزيز السماري (رحمه الله) في عام 1375هـ اسند إليه تصريف الأمور في المركز، والإشراف على مهامه ومسئولياته، أثناء مشاركة قبائل فيفا بقيادة هذا الأمير وشيخ الشمل (حسن بن علي رحمه الله) ضمن القبائل الأخرى في حرب الريث ، وقد أدى ما أوكل إليه لأكثر من شهرين بكل نجاح واقتدار ، وذلك دليل على مدى الثقة التي كان يتمتع بها، وحسن إدارته وولائه (رحمه الله) . في أواخر السبعينات حدثت تغيرات كبيرة في المجتمع، وبداية نقلة حضارية واسعة ، نتيجة لما عمهم من رخاء وامن واستقرار، فبعدما كان مجتمع مغلق معزول قاصر على أهله فقط ، تحول إلى مجتمع اشرعت أبوابه لاستقبال الكثير من المستجدات والمفاهيم المختلفة ، وفد إليه كثير من الناس من أبناء المناطق الأخرى ومن غيرهم، إما للعمل الرسمي للدولة أو لطلب الرزق ، وسافر كثير من أبنائه وساحوا هنا وهناك، لطلب الرزق أو الوظيفة أو العلم ، فكان لا بد من التفاعل والتأثر والتأثير سلبا وإيجابا ، فكانت تحدث بعض المخالفات والتجاوزات الغير سليمة، من بعض أصحاب النفوذ من المشايخ أو المسؤولين ، باستغلال سلطاتهم فيما يخدم مصالحهم الشخصية، حيث ظنوا أنهم بمأمن من العقوبة ، لبعدهم عن الرقابة، لعزلة المكان ، ولجهل كثير من الناس في هذه المجتمعات عن إيصال تظلماتهم لولاة الأمر المنصفين ، فكثرت التجاوزات من بعضهم دون تورع من المجاهرة بالباطل والإثم، بأكل أموال الناس بالباطل ، والتحزبات والتكتلات غير السليمة ، وقول الزور والتشاهد بالباطل ، فتعكر الجو وفشا الفساد والظلم ، مما اشعر العقلاء بشيء من التوجس والخوف من عاقبة ذلك ، فكان (رحمه الله) بحكم مركزه ووظيفته في المحكمة، ومكانته الاجتماعية ، يطلع على بعض هذه الأمور، ويسعى جاهدا إلى إصلاح الكثير منها،ولكن كما قيل اتسع الخرق على الراقع ، وتجاوز الأمر حده الطبيعي ، حتى لم يعد يحتمل ، وبما انه لا يجامل ولا يحابي في أمر دينه، ولا يرضى أن يرى المنكر يفشوا وهو ساكت لا يتصرف في إيقافه، أو الحد منه، ومعظم الناس لم يعد يسمع نصيحة الناصحين ، مما أشعره بخيبة أمل وغضب كبير، جعله لا يحتمل البقاء في هذا المجتمع، لذلك بادر إلى التقدم بطلب إعفائه من وظيفته الرسمية في المحكمة الشرعية، وإحالته إلى التقاعد وذلك في عام 1378هـ ، ثم اخذ أهله وأولاده وترك بيته وخرج من بلدته مغادرا إلى حيث استقر به المقام في بلدة العارضة ، مجاورا لشيخها الكريم شيخ شمل سفيان (محمد بن احمد أبو صمة) رحمه الله، حيث فرح به ورحب بمقدمه وبجواره، ومنحه أرضا خصبة في المكان المعروف بـ (أم النخلة) على شاطئ وادي جازان، فطاب له المقام فيها ،واستصلح معظمها وزرعها، وبنا له بيتا في جزء منها ، واستقر هناك لأكثر من عشرين سنة معززا مكرما، لا يأتي إلى فيفا إلا زائر فقط ، وقد كان لتصرفه ذلك اثر كبير على جماعته وعلى قبائل فيفا كلها حيث أحس الكثير من العقلاء بفداحة ما كان المجتمع يسير إليه من خطر محدق، فتصححت الكثير من الأمور بفضل الله وتوفيقه . ميزاته الشخصية : لقد كان شعلة من النشاط والذكاء، وزان ذلك ما يحمله من علم وتقوى وصلاح، جعله مميز بين أبناء جيله وموثر في محيطة، مما رفع مكانته بين أهله ومجتمعه، ولما كان شيخ شمل فيفاء حينها علي بن يحي شريف (رحمه الله) يستقطب حوله أصحاب القدرات العقلية والعلمية المتميزة ليستعين بهم في أداء الأمانة التي تحمّلها كرئيس وقائد لقبائل فيفا (شيخ شمل)، وكان هذا الشيخ على قدر كبير من العلم والذكاء والفراسة والقيافة ومعرفة الرجال، حيث عرف لهذا الرجل قدره وفضله ومكانته الجديرة به فقربه وأدناه منه ، ولعدم وجود سلطة حاكمة في تلك الفترة (قبل العهد السعودي الزاهر) فقد كان الشيخ يحيل القضايا التي يرفعها الناس إليه على طلبة العلم (وكانوا قلة) ليوضحوا فيها حكم الشرع ليقوم على تنفيذه ، فكان هو من ضمن من يحيل إليهم هذه القضايا، ليفصل فيها رغم صغر سنه حينها، وكان يكل إليه إنهاء بعض الخصومات والمشاكل في جهته . وكان من ضمن من اختارهم ثقة بحسن تصرفهم وشجاعتهم، في القيام بمنع الإمام الحسن الإدريسي وعبد الوهاب الإدريسي ومن معهما من الأتباع، من الاعتصام بفيفا عام 1351هـ بعد نكثهما العهد مع الملك عبد العزيز آل سعود (رحمه الله) ، حيث كانت الحكمة تقتضي عدم إيوائهم ، صيانة للبيعة وحفظا للعهد ، ووقاية من أن تدخل فيفا في إشكالات الله اعلم بأبعادها ، فكان لابد من الحسم دون تردد ، بمنعهم من الالتجاء لفيفا التي كانت مقصدهم على ما يبدو، فكان هولاء الفتية هم من أوكل إليهم هذه المهمة ، فأدوها بكل نجاح واقتدار، حيث قابلوا السيد على مداخل فيفا في أم الدراهم، وطلبوا منه ومن رفقته التحول عنها إلى غيرها، فليس له فيها قبول، ولن يسمح له ولا مرافقيه من دخولها أبدا ، مما جعله يتحول عنها إلى جهة العارضة ، ومنها إلى النظير بجبال رازح ،والى اليمن. ومن صفاته الشخصية (رحمه الله) انه كان رجلا مهيبا حازما شجاعا كثير الصمت، ولكن إذا غضب أو استثير، ولا يغضب إلا لحق من حقوق الله ، أو لمنكر ارتكب، أو لكرامة أهدرت أو اعتدي عليها سواء له أو لغيره، فلا يقبل الظلم ولا يقره ولا يجامل فيه كائن من كان، بل يتحول إلى أسد هصور لا يقف في وجه شيء مهما كان (والذين عاصروه يعرفون الكثير من تلك الوقائع والأحداث التي تدل على شجاعته وقوة إيمانه في إنكاره المنكر وسعيه لتغييره) وكان خروجه من بلدته كما سبق وذكرنا أعلاه من هذا القبيل، ورسالة معبرة عن عدم رضاه عندما فشا المنكر في تلك الفترة. وكان خلوقا كريما متواضعا يحب المساكين ويكرمهم ويعطف عليهم، لا يخلو بيته في فيفا وفي العارضة من كثير من هولاء، وبالذات الغرباء الذين عرفوا فضله وإحسانه وكرمه، فكان بعضهم يقيم لديه شهور عديدة . وكانت مجالسه مجالس علم وأدب، تحوي الكثير من الفوائد والحكم والمتعة ، لا تسمع فيه غيبة أو نميمة ، حلو المعشر مع كل الناس صغيرهم وكبيرهم ، رفيق سفر رائع لا تمل رفقته ولا تنسى صحبته، تتمنى في رفقته أن تطول الطريق أكثر مما هي عليه ، لما يملؤها به من الأحاديث الماتعة، والأخلاق الرائعة، وحسن التلطف وطلب الراحة لرفقائه ، كان كثير الأسفار منذ صغره لطلب العلم ، ثم للحج فيما بعد ، حيث حج مواسم عديدة راجلا وراكبا وفي السيارة والطائرة، فكان يحرص معظم الناس على رفقته فيها، تقبل الله منه صالح أعماله وضاعف حسناته. كان راوية ومورخا ثقة ملما بالكثير من تاريخ وجغرافيا فيفا، وقد استعان به المؤلف القدير والأديب الكبير الاستاذ محمد بن احمد العقيلي فيما سجله مما يخص تاريخ وجغرافيا جبال فيفا، وقد أشار إلى ذلك فيما أورده في كتابه (التاريخ الأدبي لمنطقة جازان ) الطبعة الأولى 1412هـ من منشورات نادي جازان الأدبي الجزء الثاني ص1028، ففي الهامش وهو يتحدث عن فيفا تعليقا لمّا ورد اسمها ضمن (المقامة الأدبية التي أنشأها الشيخ عبد الله بن علي العمودي ) فتحدث عن ما ذكره هو عن فيفا في كتابه (المعجم الجغرافي لمنطقة جازان) فقال: ما نصه (انه ليس من السهل تسجيل أسماء قراه ـ بقاعه ـ (فيفا) اعتباطا بدون الاستعانة بشخص من أهله ومن ذوي الخبرة بقراه ومسالكه مثل الشيخ / حسن بن احمد المغامري الفيفي ، ولهذا فقد استعنت به ، وتفضل مشكورا فوافاني بالبيان الذي سوف أورده ، وقد أوردنا البيان في ص326، ص327، ص328، إلى ص335). كان له اهتمام كبير بالطب النبوي والشعبي، والمعالجة بالإعشاب وله إلمام عظيم بالكثير من خواص النباتات والعلاج بها ، وبالرقية الشرعية. خبير بمعرفة التقاويم الزراعية، ومعرفة الأوقات المناسبة للزراعة بكل دقة، وما يناسب كل فصل من فصول السنة، من الزرع والقلع والغرس والقطع، وكان مرجعا خبيرا في كثير من ذلك، وبالذات عندما كانت حياة الناس في هذه المجتمعات تدور في معظمها على الزراعة، بل كانت هي المهنة الوحيدة التي يمارسها الجميع، ومصدر رزقهم الوحيد، لذلك كان على قدر أهميتها لهم كان اهتمامهم بالتقويم الزراعي، يبرمجون عليه أنشطتهم، وحياتهم الحقلية على مدار السنة . وكذلك كانت له مشاركة وتعاوننا مع ما كانت تقوم به وزارة الزراعة والمياه في بداية نشأتها في جمع المعلومات الخاصة باختصاصها في هذا الجانب، فقد تعاون مع فرع الوزارة في منطقة جازان لقياس كمية الأمطار التي تهطل على فيفا، حيث ركّب فوق سطح منزله (النغوة) جهاز قياس الأمطار، فيقوم بعد نزول المطر مباشرة بقراءة الكمية التي تجمعت في الجهاز، وتحسب في مقياس خاص بها، فيه درجات بالملي متر، ويسجلها في سجل خاص ،ثم يفرّغ الجهاز ويهيئه للقياس للمرة القادمة، ومن خلال ذلك الرصد المسجل يتم حساب معدل كمية الأمطار النازلة خلال الشهر، ثم خلال العام ، فلما انتقل للسكن في العارضة وخلفه في سكن هذا البيت (النغوة) الوالد فضيلة الشيخ علي بن قاسم حفظه الله، كان يقوم على متابعة تسجيل ورصد كميات الأمطار على هذا الجهاز وبنفس الطريقة، حتى انه لما انتقل إلى بيته الجديد المجاور (الطائف) عام 1381هـ نقل هذا الجهاز معه إلى سطح هذا البيت، واستمر في رصد مقاييسه وبعثها لإدارة الزراعة بجيزان ، وقد استمر على ذلك لسنوات عدة، ثم انتقل الإشراف على هذا الجهاز إلى الاستاذ موسى بن هادي الابياتي (خيران) ولم اعد ادري إلى ماذا انتهى إليه هذا الجهاز . له الكثير (رحمه الله ) من الإصلاحات وأعمال البر، ومن ذلك انه قام بحفر وبناء (البركة) الواقعة على جانب طريق المشاة النازل إلى عيبان من ذراع الفحاح، وكانت في موقع متميز يخدم الناس ، فهي في مكان قفر وخال منقطع عن السكان ، في منتصف الطريق تقريبا ، استفاد منها الناس كثيرا، للشرب وسقي دوابهم ،واستمرت تخدم الناس على مدى أكثر من ثلاثين سنة ، إلى أن تحولت عنها الطريق عندما شقت طرق السيارات في أواخر التسعينات الهجرية، وما زالت معالم هذه البركة موجودة إلى الوقت الحاضر،وقد تهدم سقفها ومعظم أجزائها، جزاه الله كل خير وأعظم له الأجر والمثوبة على ما قدم وبذل . حياته الاجتماعية : زوجاته : 1ـ الفاضلة الكريمة جميلة بنت اسعد المخشمي الفيفي (رحمها الله) كانت رفيقة دربه لأكثر من ستين سنة عاشت معه وبعده، رحمهما الله وجمعهما في مستقر رحمته . 2ـ الفاضلة مريم بنت محمد هادي الفضلي (الدرابة) (رحمها الله) ، تزوجها في إحدى اقاماته في ضحيان، وقد رزق منها بولده (عبد الفتاح) الذي مات صغيرا (رحمه الله). وله من الأولاد : 1ـ يحي (رحمه الله) وله ذرية مباركة . 2ـ عبد الفتاح (رحمه الله) مات صغيرا. 3ـ إبراهيم موظف في مندوبية تعليم البنات بفيفاء. 4ـ علي (رحمه الله) مات شابا. 5ـ عبد الله عسكري متقاعد من وزارة الداخلية مقيم في مدينة الرياض . 6ـ عيسى (رحمه الله) مات صغيرا. 7ـ هادي مقيم في فيفاء. 8ـ مريم أم احمد بن علي قاسم آل طارش (رحمها الله) . 9ـ فاطمة أم حسن بن سلمان مفرح العبدلي (رحمها الله) . 10ـ عافية أم محمد بن يحي موسى آل خفشه . 11ـ عائشة (رحمها الله) ماتت صغيرة. رحم الله من مات منهم، وجمعهم ووالديهم في جنات النعيم، وحفظ الله بحفظه الباقين ،وجعلهم امتداد خير وبر لوالديهم ،وبارك فيهم وفي ذرياتهم، وختم لنا ولهم بخاتمة صالحة. مرضه وفاته: عان في أواخر عمره ومع تقدم سنه، الكثير من العوارض المرضية ، فحدت من نشاطه وحركته الاعتيادية، وقد طلب العلاج في مستشفيات مكة المكرمة ومدينة الرياض، ثم توفي رحمه الله في فيفا في شهر رجب من عام 1416هـ ، عن عمر يناهز التاسعة والثمانين سنة، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ولوالديه ولزوجاته وذريته ، واسكنه فسيح جناته . وقد رثاه حينها الوالد فضيلة الشيخ علي بن قاسم الفيفي (حفظه الله) بمرثية قال فيها :
رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم / عبد الله بن علي قاسم الفيفي :أبو جمال
الرياض في 21/1/1432هـ |
الاثنين، 8 أبريل 2013
الفقيه حسن بن احمد آل خفشه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق