الاثنين، 8 أبريل 2013

الاستاذ/عبد الرحمن بن علي قاسم آل طارش


الصمت صفة كريمة ، تضفي على صاحبها القوة والاحترام، والمهابة والوقار، قيل في مدحها الكثير من المقولات والحكم والأمثال، ومن ذلك قولهم : (الصمت حكمة) وقيل (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) وقيل (الزم الصمت فإنه أجمل عادة، وأكرم شيمة، وأعظم غنيمة، يكسبك الكرامة، ويورثك السلامة، ويؤمنك الندامة، ويكفيك الملامة) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ليت لي عنق الجمل، حتى أزن الكلمة قبل النطق بها) وقيل (الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها الصمت ، والعاشر قلة الكلام) قال الشاعر:
وأحفظ لسانك لا تقول فتبتلى  ##    إن البلاء موكل بالمنطق
  وفي الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) والكثير من الأقوال والأحاديث والحكم والأمثال ، تدور حول فضل الصمت والتحلي به، وبالذات إن كان صمت عن ما لا داعي له، ليس صمت عيء وخرس وعدم قدرة على الكلام ، ولكنه الصمت عن عابث الكلام، أو التحدث فيما لا نفع فيه ، فمن كثر كلامه كثر سقطه ، قال الإمام النووي (رحمه الله) (اعلم انه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى أستوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجرُّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة ، والسلامة لا يعدلها شيء) .
صاحب سيرتنا رجل صموت، قليل الكلام يسمع أكثر مما يتحدث، وان استنطقته وجدته عامر بالحكمة والثقافة والكلمة المحلقة الرقيقة، هادئ الطبع رقيق العبارة ذو ثقافة عالية وعلم واسع، إن كتب أجاد وان تحدث أوجز وابلغ ، لا يمل من القراءة والاستماع ، ولا يتحدث فيما ليس له داع ، خفيف الروح حاضر النكتة يفهمها كما قيل وهي طائرة .
 وهو محب للإسفار لا يكاد يتعب منها، وهيئ الله سبحانه وتعالى أن عمله يتطلب الكثير من الرحلات والتجوال، وأكاد أجزم انه قد طوف جميع مناطق ومحافظات ومراكز المملكة العربية السعودية، لأكثر من مرة، فلا يكاد يركن إلى الراحة طوال العام الدراسي في جولات تفتيشية شبه منتظمة، فيما يخص مجال عمله (التربية الخاصة) ، لمتابعة كل الفصول المبثوثة في معظم مدارس الوزارة ، بعد دمجها في مدارس التعليم العام ،ولعل مما حبب إليه الأسفار وجذبه إليها، ما وجده فيه منذ أول سفرة له وهو طفل صغير، من اكتشاف الجديد، والاطلاع والتعرف على الكثير مما يجهل، ولأول سفرة له حكاية ، يحسن بنا إيرادها، وقد يستغرب ذلك الكثير من أبناء هذا الجيل ، الذي اختلفت ظروف حياتهم ، ووسائل المعيشة والتنقلات والسفر لهم ، بشكل كبير يفوق كل خيال ، لقد كان ذلك الجيل وما سبقه من الأجيال من أبناء فيفاء،ومعظم بيئات المملكة ومناطقها، قبل شق الطرق وسهولة المواصلات والتنقلات، يعيشون في عزلة مطبقة، ولا يكاد احدهم يغادر محيط بلدته أو جهته، وان تجاوز ذلك في فيفاء فلا يتعدى سوق عيبان ، في سفح الجبل، وهي أقصى نقطة يستطيع أن يصل إليها الشاب، ولا يطيق ذلك إلا الشاب أو من قارب ذلك، فكيف بمن أتيحت له فرصة تجاوز هذا النقطة ، وتهيأ له أن يجرب ركوب السيارة لأول مرة، فذلك فوق التصور بين أبناء ذلك الجيل، فكيف حدث ذلك وما هي الحكاية، لنسمعها منه شخصيا ، ولو كنا لم ندلف إلى شخصيته، ولم نتعرف على سيرته ، حيث يقول (أول سفر لي خارج فيفاء كان في عام 1390هـ (عمره 7سنوات)، بصحبة السيدة/ خيرة بنت جابر الابياتي (رحمها الله) إلى مدينة جيزان، وفي النزول من فيفاء إلى عيبان ، وكان سيرا على الأقدام ، إلا أني لصغر سني تم تربيطي فوق احد الحمير، بين جوالين (القاز) الفارغة، وكانت تجربة ومغامرة خطيرة، فيها الكثير من الخوف والمتعة والتحفز، ومن عيبان حاضرة المناطق الجبلية حينها ، حيث هو سوق كبير لا يهدئ ، يرتاده الكثير من المتسوقين من كل الجبال المجاورة، ومن تهامة واليمن، ،فقد ركبنا السيارة، وكانت بالنسبة لي هي أول مرة، وعلى العموم ففي هذه السفرة التي استمرت لما يقارب الأسبوع، رأيت عالماً مختلفاً، وأشياء كثيرة لأول مرة كالسيارة والبحر والبواخر والسفن والعشة والمروحة وحتى البيبسي والصامولي….) وبالطبع فقد انطبعت ذكريات هذه التجربة في داخل قلبه، وبقي لفترة وهو يفاخر بها بين أقرانه وأصحابه، ويسرد لهم أحداثها ومشاهداتها ، ويضفي عليها الكثير من خياله، ويحلم بتكرارها وإعادة هذه التجربة مرة أخرى ، رحم الله السيدة الفاضلة خيرة بنت جابر، فقد كانت تغليه وهو يغليها، ويدعو لها إلى الآن ودوما بالرحمة والمغفرة، وكلنا كأسرة نحفظ لها منزلة خاصة في قلوبنا، لكريم أخلاقها وصدق وفائها، نسال الله أن يرحمها ويغفر لها، ويجعلها من ورثة جنة النعيم.
 انه أخي وشقيقي الاستاذ/ عبد الرحمن بن علي بن قاسم آل طارش الخسافي الفيفي.
عبد-الرحمن
 والده فضيلة الشيخ القاضي علي بن قاسم (حفظه الله)، أولاه كبقية إخوانه عناية فائقة ، فكان لتربيته الدور الكبير بعد توفيق الله لما وهو عليه، من علم وأدب وثقة بالنفس، ونجاح وأخلاق عالية، ولنتحدث عن جانب واحد وأسلوب فريد وراق من أساليبه العظيمة في التربية ، التي زرع بها الثقة في أبنائه ، وعلمهم اعتماد الواحد منهم على نفسه، فكان لا يظهر الحدب والشفقة المبالغ فيها أمامهم ، فإذا ما وقع احدهم في مشكلة، أو تعرض لموقف من مواقف الحياة العابرة، وعرف أنها لا تؤثر على سلامته، ولا تترك أثرا سيئا في مشاعره ، تركه يتعامل معها بنفسه دون تدخل منه، وأشعره ببساطتها وانه واثق بأنه قادر على تخليص نفسه منها  ولا يظهر له تعاطف كبير أو تأثر شديد ، بل يتغافل عنه ويرقبه بهدوء من بعيد دون أن يحسسه بذلك ، فإذا ما اضطر إلى معونة أعانه بصورة غير مباشرة ، فيخرج الواحد من هذه المواقف وقد اكتسب خبرة وثقة بنفسه، وتعلم كيفية الاعتماد عليها، واستفاد دروسا لا ينساها أبدا، تبقى معه طوال حياته وفي مستقبل أيامه، لنقتبس هذا الدرس من هذه الحكاية التي يوردها (عبد الرحمن) في قوله : (في عام 1399هـ، أزمع الوالد على السفر إلى سوريا، لاستقدام عمّال لمزرعته، التي يملكها هو والعم سليمان في ضمد، وفي الليلة التي تسبق السفر، أبديت الرغبة في مرافقته، فوافق فورا،وقد وصلنا إلى مدينة الرقة الواقعة على ضفاف نهر الفرات، مرورا بحمص وحماة وحلب ، ومن المواقف التي حدثت لي في تلك السفرة، أن دعانا الملحق السعودي الثقافي في دمشق، لتناول الغداء في منزله، وفي طريق عودتنا للفندق ركبنا إحدى حافلات النقل العام (النقل العام مجاني لتطبيقهم للاشتراكية)، وكانت مزدحمة، وركبنا من الباب الخلفي، وأخذ الوالد ومرافقه السوري التوغل في ممر الحافلة في انتظار فراغ بعض المقاعد، وأنا بقيت في مؤخرة الحافلة، وعند وصولنا إلى محطة كبيرة، تشبه المحطة التي ركبنا فيها عند الذهاب، لم أعد أرى والدي ومرافقه، فنزلت من الباب الخلفي ظن مني أنهما نزلا، وعند نزولي تحركت الحافلة، وأسقط في يدي لما لمحت والدي جالساَ في الحافلة، فركبت الحافلة التالية ،ولكن وجهتها إلى مسار آخر، وعندما وصلنا إلى المحطة الأخيرة في ضواحي المدينة، نزل من بقي من الركاب، وأشعرني السائق بأن هذه المحطة هي الأخيرة، ويجب النزول فيها، نزلت وكان الناس ينظرون إلى هذا الغريب بزيه السعودي نظرة استغراب، والحي فقير، والسيارات فيه قليلة جداً، وبينما كنت أنتظر مرور سيارة أجرة، توقف عندي صاحب سيارة (دباب أربع كفرات) مهترئ وسائقه في حوالي الخمسين من العمر، فطلبت منه توصيلي إلى وسط المدينة، وأخذت أصف له بعض المعالم، لأنني لا أعرف أسم الحي الذي به الفندق، فأخذني إلى وسط المدينة، وقد استدللنا على المكان بسرعة حيث رأيت الفندق، وأعطيته المبلغ الذي عندي وكان في حدود الأربعين ليرة، وكانت الليرة آنذاك لها قيمة كبيرة، ويبدوا أنه لم يتوقع هذا المبلغ، فسألني ما هذا؟ فقلت أجرتك فأكب على يدي يقبلها شاكرا وداعيا (وقد زرت دمشق بعد ذلك بثمانية عشر سنة في مهمة رسمية، ولاحظت الأجرة الزهيدة التي يتقاضاها أصحاب سيارات الأجرة، وأدركت سر استغراب ذلك الرجل) المهم دخلت على والدي وهو في الغرفة مستلقياً على سريره يقرأ في أحد الكتب، ونظر لي مبتسما، وعاد للقراءة، ولم أتبين كنه مشاعره في تلك اللحظة، وفي صباح اليوم التالي أعطاني جواز السفر، وتذكرة الطائرة إلى جدة ومبلغاً من المال، وقال خلها معك احتياط إذا ضعت لا سمح الله تستطيع العودة إلى الوطن) أتظن انه لم يقلق عليه ، بلا ولا شك ، ولكنه لما وجده عاد بنفسه ، وعرف الطريق من ذاته ، تركه يعيش فرحته بحسن تصرفه ، واستغلها في أعطاه جرعة مبهمة من الثقة ، وحسسه وكأن الأمر شيء طبيعي، ولست بالصغير الذي يخشى عليه، بل تستطيع الاعتماد على نفسك في هذا الموقف وغيره، (وهذا أسلوب راق من أساليب التربية الذي يتقنه، فلا تجره العاطفة الجامحة إلى التفريط فيه، بل يستغل المواقف الحياتية العابرة في زرع الثقة والاعتماد على النفس، وإشعاره مهما كان الوضع الذي هو فيه بالطمأنينة فيحسن التصرف دون خوف أو وجل).
   ويأتي دليل آخر على نتائج حسن زرع الثقة بالنفس، حيث يقول ( في نهاية عام 1400هـ في موسم الحج حدث لي موقف آخر شبيه بما حدث لي في سوريا ، حيث رافقت الوالدين للحج (معنا العم سليمان وابنه أحمد وشقيقتي عائشة ووفاء) وبعد التعرف على مكان خيمتنا التابعة للضيافة العسكرية، ذهبنا لأداء طواف القدوم والسعي، وكانت حركتنا بطيئة لأن أمي وأختي تتناوبان حمل أختي الرضيعة والتي كانت تعاني من المرض، وعندما شرعنا في السعي رغبت في أدائه منفرداً حتى أفرغ بسرعة وانتظرهم بعد ذلك ، وجهلاً مني سعيت أربعة عشر شوطاً وبالتالي انتهيت عند الصفا وبعد طول انتظار هناك اتجهت إلى عند الباب الذي دخلنا منه ولم أجد أحداً هناك، وبحثت عن أحذيتي فلم أجدها أيضاً في المكان الذي وضعتها فيه، ولم يكن معي نقوداً لشراء أحذية أو ركوب سيارة، فرجعت أمشي حافياً إلى منى، ولم أستدل على الخيمة إلا في آخر الليل، دخلت الخيمة وكان الجميع مستغرقون في النوم عدا أمي رحمها الله التي لم يغمض لها جفن من القلق).
  أمه الفاضلة مريم بنت يحيى بن اسعد آل عتمة الثويعي الفيفي (رحمها الله واسكنها فسيح جناته) فهي العاطفة والحنان، وهي المكملة والمعوضة للجانب الآخر، لتكوين الشخصية السوية غير المعقدة، حتى لا يشعر الابن بأنه مهمش ومن سقط المتاع، لا احد يسال عنه أو يحن عليه ، فالأب والأم ينبغي أن يكونا متناغمين متكاملين في التربية، إن وجد الابن صرامة وشدة في جانب، وجد في الجانب الآخر الرحمة والشفقة والعاطفة والحنان ، فكل منهما مكمل للآخر، في توافق بديع، وتبادل ادوار منسق، ليصنعا الشخصية السوية المستقلة .
  ولد لهذين الأبوين الكريمين، في بيت الطائف بالنفيعة من فيفاء، في شهر الله المحرم من عام 1383هـ وقد اسميها (عبد الرحمن) على اسم أخيه الذي فقداه قبل ولادة هذا بسنة، عندما كان يخطو في عامه الثاني رحمه الله، وجعله فرطا لوالديه وشفيعا لهما.
الدراسة :
حرص والده على تعليمه مبكرا، لما رأى فيه من النجابة والقابلية للتعلم، فألحقه وهو دون سن المدرسة ببعض حلق القرآن الكريم، التي تقام في محيط المنزل ،قرب مركز الأمارة وسوق فيفاء، فألحقه أولا في معلامة عبد الله اليماني، التي أقامها عند بيت المربوعة، مكان المدرسة الابتدائية الأول (بيت المأمور)، وان كانت محدودة الوقت، ولكنه حفظ فيها بعض قصار السور، وتعود على الجلوس مع الطلاب في الفصل ، وزالت عنه هيبة مخالطة الغرباء ، وتعلم حسن التلقي والإنصات ، ثم افتتح المعلم موسى القيسي (يمني) معلامة في نيد اللمة (آل ظلمة) فألحقه بها، فكان والده حريص على أن يتقن قراءة القرآن الكريم، لمعرفته الأكيدة بفوائد القرآن الكريم الجمة على طالب العلم ، من سلامة النطق وتفتح المدارك ، واكتساب العلم والإيمان، والارتباط بكلام رب العالمين ، والبركة المتحققة بمشيئة الله دنيا وآخرة، فاستمر في إلحاقه بالعديد من هذه المدارس القرآنية المؤقتة ،التي تقام في محيط النفيعة،(فلا توجد حينها مدارس تحفيظ القرآن الكريم الرسمية)، لذلك لا تخلوا عطلة صيفية على مدار سنوات دراسته في مراحل التعليم العام، إلا ودرّسه في إحدى هذه المدارس، ومن تلك المدارس إضافة إلى ما سبق ذكره منها، معلامة المعلم عبد الله بن صلاح (يمني) في بيت المروة ، ثم معلامة المعلم أحسن بن علي آل مشكاع رحمه الله في مسجد النفيعة ، وكان بعضهم يدرس عليه في أكثر من عطلة صيفية، وآخر من درس عنده هو الاستاذ سلمان بن يحيى جبران الداثري في جامع النفيعة.
  وأما التعليم العام : فقد التحق بالتعليم العام في المدرسة الابتدائية بالنفيعة، في العام الدراسي 1389هـ/1390هـ ، وكانت تقع في مبناها الواقع في طرف سوق النفيعة المجاور للبيت ، وكان لإعداده السابق قبل المدرسة ، في مدارس القرآن الكريم التي ذكرنا، ولنبوغه وذكائه وحفظه للعديد من قصار السور، وإتقانه مبادئ القراءة والكتابة ، خير معين له ليكون من المتفوقين في هذه الدراسة النظامية، فكان ينجح كل عام بتفوق ، وينتقل من صف إلى آخر دون تأخر، إلى أن أتى بعد ست سنوات وهو بالصف السادس ، وكان في ذلك العام من ضمن الدفعة الأخيرة التي أدت امتحانات هذه الشهادة في مدينة صبيا، وذلك في نهاية العام الدراسي 1394هـ /1395هـ ، وهو يذكر زملائه في ذلك العام، الذين قدموا اختباراتهم أمام اللجنة المركزية في مدينة صبيا، وهم كما يقول : ( ستة عشر طالباً : أحمد جبران مسعود الأبياتي ، أحمد حسين علي الأبياتي (الشدنة)، أحمد فرحان أسعد الظلمي، سليمان يحي حسن المثيبي (الملفق) ، عبد الله هادي ماطر الابياتي ، عبد الله حسن يحي السنحاني، عبد الله محمد المخشمي (المشوة)، علي يحي سلمان صبحان الابياتي (رحمه الله) علي محمد أحمد سليمان الداثري، يحي هادي علي الأبياتي، يحي سالم يحي الظلمي، يزيد هادي الداثري، يحي موسى محمد السنحاني (الخذيلة) ، موسى علي قاسم الخسافي (الحدب)، الأخ محمد علي قاسم، ثم هو بالطبع عبد الرحمن ).
 تخرج ذلك العام من المرحلة الابتدائية، والتحق مباشرة بالمرحلة المتوسطة في نفس المدرسة، أو على الأصح لم يمكنه وزملائه الاستاذ حسن بن فرح (رحمه الله)، مدير المدرسة من اخذ شهاداتهم، بل أعتمدهم طلابا لديه بالمدرسة ليواصلوا تعليمهم فيها ، وقد درس معهم كما يذكر في ذلك العام في الصف الأول المتوسط ،الدفعة الأولى من خريجي مدرسة نيد آبار الابتدائية ، وكانت سنوات دراستهم تلك من أمتع سنوات الدراسة له ولزملائه ، في المدرسة نخبة ممتازة من الزملاء ومن المعلمين، وفيها العديد من الأنشطة المتعددة والتنافس الشريف ، وقد تكرر معهم نفس المشهد بعد حصولهم على الكفأة المتوسطة، حيث انتقلت ملافاتهم تلقائيا في نفس المدرسة إلى المرحلة الثانوية، والتي استمرت بنفس القوة والزخم حتى تخرج منها في نهاية العام الدراسي 1401/1402هـ .
  انطلق بعد حصوله على شهادة إتمام الدراسة الثانوية إلى مدينة الرياض، ينشد مواصلة تعليمية الجامعي فيها، ولكن كان لتأخر وصوله قليلا على بداية فترة التسجيل، السبب في تقلص الخيارات المتعددة أمامه ، فلم يعد أمامه إلا اختيارات محدودة لا ترتقي لما يؤمل ، فقد قفل حينها التسجيل في الأقسام العلمية التي يحق له التسجيل فيها، ما عدى ثلاث كليات هي : (الصيدلة والعلوم والتربية) ولما كان ميوله الغالب أدبيا، ولكون الثانوية لا يوجد بها إلا القسم العلمي فقط ، لذلك اختار من هذه الكليات كلية التربية، ولما خيّر بين قسمي الرياضيات أو الفيزياء، الأقسام المتاحة لتخصصه (العلمي)، فقد اختار الأخير(الفيزياء)، وان كان عن غير رغبة، فكلاهما وكما قيل أحلاهما مر، لذلك أمضى في هذا القسم خمسة فصول دراسية، أنهى خلالها نصف المقررات المطلوبة للتخرج، ولكنه مع ذلك لم يجد نفسه كما يقول في هذا التخصص العلمي البحت ، وهو شعوره الذي ضل يداريه من البداية، وكان يسعى جهده للتحويل لأي قسم من أقسام العلوم الإنسانية، ولكنه كان يصطدم بالرفض، لكون تخصصه علميا، أو لأن المعدل التراكمي لديه دون المطلوب في بعض الأقسام التي يطلب، ثم جاء الفرج بتوفيق الله وقدرته ، فقد شاهد في احد الأيام إعلاناً عن فتح قسم جديد للتربية الخاصة.
     عندما اطلع على هذا الإعلان، الذي وجد فيه ضالته، بادر بالتوجه إلى عميد كلية التربية (د. عبد الله الحمدان) ، وهو من أنشأ هذا القسم ،وكان متخصصاً في التربية الخاصة ، وكان هذا التخصص حينها هو الأول والوحيد على مستوى الشرق الأوسط ، وقد بقي كذلك لعدد من السنين ، وعندما أبدا له رغبته في التحويل إلى هذا القسم ، وافق على تحويله، فكان من أوائل من التحق بهذا القسم، ومن الدفعة الأولى التي تخرجت منه وكان عددهم (ستة عشر طالبا ـ انظر أيضاً ـ الصف السادس الابتدائي 16 طالبا)، كان في هذا القسم ثلاث مسارات، إعاقة سمعية، إعاقة بصرية، إعاقات شديدة ، وتخصص في الأخير.
كان الأول على الدفعة، وكانت رغبته وطموحه أن يكون معيدا في نفس القسم، ولكن لما كان قسم التربية الخاصة قد عين مجموعة من خريجي أقسام الكلية الأخرى معيدين في هذا القسم، وتم إبتعاثهم للخارج قبل عام من تخرج طلابه، حال ذلك دون تحقيق رغبته في الإعادة، لعدم توفر مقاعد شاغرة للمعيدين حينها.
وحرص على أن يتم تعيينه في الرياض، ليتمكن من إكمال الدراسة في الجامعة، ولكن كذلك لم يتحقق له ذلك ، ورشح للابتعاث إلى أمريكا مرتين فيما بعد،ولكن لم يتيسر إتمام الأمر في الاثنتين، ففي الأولى حالت الاعتمادات المالية، وفي الثانية حالت أحداث سبتمبر، فرغبته كانت متأججة لمواصلة الدراسات العليا، وهو مؤهل للاستفادة من ذلك، ولكن لم يرد الله له، والخيرة ما اختاره الله.
   التحق بالعديد من الدورات العلمية، والبرامج في مجال تخصصه وفي غيره، على مدى السنوات التي أعقبت تخرجه من الجامعة، أثناء ممارسته للعمل، وذلك على النحو التالي:
  • مهمة المعلم التربوية في الفترة من 10ـ27/11/1413هـ في كلية اللغة العربية بابها.
  • إدخال البيانات ومعالجة النصوص من 12/4 إلى 12/7/1415هـ مركز التعليم والتدريب بابها.
  • إعداد البرامج التربوية الفردية للأطفال المتخلفين عقلياً من 2ـ20 ديسمبر1995م جامعة الخليج العربي بالبحرين.
  • دورة الموجهين التربويين طوال الفصل الأول من العام الجامعي 1417/1418هـ جامعة الملك سعود بالرياض.
  • اضطرابات التخاطب في مرحلة الطفولة من 25ـ29 أكتوبر 1997م مركز التدخل المبكر بالشارقة دولة الأمارات العربية المتحدة.
  • الدورة التنشيطية لمنسوبي التربية الخاصة من 20ـ24/4/1418هـ وزارة التربية والتعليم الرياض.
  • برنامج اللغة الانجليزية للمرشحين للإبتعاث من 4/6/1421 إلى 7/3/1422هـ معهد الإدارة العامة بالرياض.
  • بناء اختبارات كفايات معلمي التربية الخاصة من 16ـ20/12/1424هـ جدة.
  • دورة مشرفي المناهج الأولى من 23/12/1424هـ إلى 21/4/1425هـ جامعة أم القرى مكة المكرمة .
  • القيادة بالذكاء الوجداني من 25ـ29/11/1427هـ كلية اليمامة بالرياض د/عبد المحسن جودة.
  • تحديد الاحتياج التدريبي في البيئة التربوية من 19ـ21/5/1429هـ فندق الخزامى بالرياض أ/حسن باخميس.
  • البرنامج التربوي الفردي للمتخلفين عقليا من 20ـ 22/1/1430هـ الرياض د/ابراهيم العثمان.
  • برنامج الكفايات المهنية للعاملين مع متعددي العوق من 19ـ21/3/1430هـ الرياض أ/أنور الصقعبي.
  • النجاح في إدارة المشاريع الاحترافية في 29/12/1431هـ الرياض م/تركي التركي.
  • إدارة البرامج والمشروعات PMP في 7ـ 12/4/1432هـ الرياض أ/ محمد السباعي.
  •  ورشة عمل تحسين مستوى الخدمات لذوي الإعاقة طبقا لمعايير الجودة (تحديد الاحتياجات) من 9ـ11/2/1434هـ جدة.
العمل الوظيفي :
بعد تخرجه مباشرة من كلية التربية الخاصة، (إعاقات شديدة) كانت آماله في أن يكون معيدا في نفس الكلية في تخصصه، وبالذات وهو الأول على دفعته أول دفعة تتخرج من هذا القسم، ولكن حالت دون ذلك كما أوضحنا سابقا عدم وجود وظائف معيدين شاغرة بالكلية، حيث سبق أن رشح لها قبل عام مجموعة وتم ابتعاثهم للدراسة ، لذلك كانت رغبته والتي سجلها في الرغبات، أن يتم تعيينه في مدينة الرياض، رغبة منه في مواصلة الدراسة، لعل الفرصة في الرياض تكون متيسرة ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
  وجه من قبل وزارة المعارف حينها إلى العمل في أبها، معهد التربية الفكرية، وباشر عمله معلما فيه، واستمر به لمدة سنتين .
  ثم كلف بالعمل مشرفا تربويا، داخل المعهد نفسه ، واستمر به لمدة خمس سنوات.
 ثم كلف بالعمل مشرفا تربويا في جهاز الوزارة، بعد اخذ موافقته مع بداية عام 1416هـ ، وتزامن ذلك مع تعيين د. محمد الرشيد وزيراً للتربية والتعليم ــ الذي عاشت التربية الخاصة في عهده عصرها الذهبي ــ كما يذكر، حيث عين الدكتور ناصر الموسى مشرفا عاما على التربية الخاصة ، ودعمت خططه لتطوير التربية الخاصة، مما أحدث نقلة نوعية (كما وكيفا) لبرامج التربية الخاصة، ومن ذلك دمج ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام.
وللمشرف التربوي في التربية الخاصة، الكثير من المهام، نجمل أهمها في التالي :
  • إعداد الخطط والبرامج التربوية في إطار الأهداف والسياسات التعليمية، ومتابعة تنفيذها.
  • المشاركة في إعداد الأنظمة واللوائح والقرارات، والخطط التشغيلية، والتعليمات الخاصة بتربية وتعليم المعاقين عقلياً، والإشراف على تنفيذها.
  • مراجعة الخطط التعليمية الحالية، وتطويرها ، والمشاركة في مراجعة وتطوير وتأليف المناهج والمقررات الدراسية للمعاقين عقلياً.
  • المشاركة في إعداد ميزانيات الفصول، واستحداث البرامج والرفع بها، وتحديد الاحتياج من المعلمين .
  • المشاركة في دراسة احتياج معاهد وبرامج التربية الفكرية من المباني والتجهيزات، واختيار التصاميم المناسبة لتلك المباني، والمواصفات المناسبة لتلك التجهيزات، بما يتلاءم واحتياجات طلاب التربية الفكرية.
  • الزيارات الميدانية الإشرافية لمعاهد وبرامج التربية الفكرية، في كافة المناطق والمحافظات التعليمية، لمتابعة سير العملية التعليمية بها .
وهذه الأخيرة، وما يتعلق بالزيارات الميدانية والإشرافية، فقد أتاحت له على مدى ما يقارب سبع عشر عاما من عام 1416هـ والى تاريخه، زيارة معظم مناطق ومحافظات ومراكز المملكة العربية السعودية، التي يوجد بها هذه الفصول، في إدارات التربية والتعليم، البالغ عددها خمسة وأربعين إدارة، حيث زارها كلها ولأكثر من مرة.
الندوات والمشاركات:
  شارك في العديد من الندوات والمشاركات داخل وخارج المملكة في تخصصه ومن ذلك :
  • التجربة الكويتية في مجال المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية للمتأخرين ذهنياً، عقدت في دولة الكويت في الفترة من 24ـ28 أبريل 1999م .
  • ندوة الاتجاهات المعاصرة في التعليم والتأهيل المهني للمعوقين سمعياً، عقدت في الرياض في الفترة من 25ـ27/10/1420هـ .
  • المؤتمر الدولي لصعوبات التعلم، عقدت في الرياض في الفترة من 28/10 ــ 1/11/1427هـ .
  • ندوة وضع خطة عربية لتنفيذ العقد العربي للأشخاص المعوقين، والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، عقدت في وزارة الشؤون الاجتماعية بالرياض في الفترة من 9ـ11/6/1430هـ .
  • مؤتمر واجب المجتمع تجاه الطفل ذي الإعاقة، عقد في المجلس العربي للطفولة بالقاهرة، في الفترة من 2ـ4 فبراير 2010م .
  • ورشة عمل تقييم وتطوير ضوابط افتتاح المدارس والبرامج في ضوء الواقع التطبيقي، عقدت في الرياض في الفترة من 26ـ28/5/1431هـ .
  • الملتقى الأول لمشرفي التربية الفكرية والتوحد بالمملكة، عقد في الظهران في الفترة من 24ـ26/11/1431هـ .
  • ورشة فنيات إعداد الأسئلة الموضوعية، في المركز الوطني للقياس والتقويم، في الفترة من 21ـ23/5/1432هـ .
  • ندوة وورشة عمل المعايير المهنية للمعلمين، في المركز الوطني للقياس والتقويم، في الفترة من 5ـ7/11/1432هـ .
أبرز المشاركات واللجان :

عضو ونائب للرئيس في المجموعة الاستشارية التخصصية للتخلف العقلي،  من 1420هـ ولمدة أربع سنوات .
عضو في لجنة التعاقد مع المعلمين في سوريا عام 1417هـ .
عضو في لجنة التعاقد مع المعلمين في مصر عام 1426هـ.
تمثيل المملكة في تقديم ورقة عمل عن مناهج المعاقين عقلياَ في المملكة، وذلك في دولة الكويت عام 2000م .
عضو في لجنة وضع اختبارات الكفايات لمعلمي التربية الخاصة ،  وعضو في لجنة مراجعتها وتعديلها ، ومحكم للمعايير الجديدة لمعلمي التربية الخاصة.
المشاركة في تأليف دليل الخطط والمناهج الدراسية، لمعاهد وبرامج التربية الفكرية 1425ـ1426هـ.
عضو ومقرر الأسرة الوطنية، للتربية الخاصة 1428هـ.
عضو اللجنة العلمية في جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق والإبداع في التربية الخاصة، للدورتين السادسة والسابعة 1431و1432هـ.
عضو لجنة التحرير لمجلة التربية الخاصة.
الحالة الاجتماعية:

متزوج من ابنة عمه الفاضلة لطيفة بنت سليمان قاسم آل طارش ، ولهما من الأبناء خمسة، بنت وأربعة أولاد، على النحو التالي:
  1. انس ولد في 24/3/1410هـ بكالوريوس لغة فارسية كلية اللغات والترجمة جامعة الملك سعود.
  2. شهد ولدت في 12/2/1413هـ متزوجة وطالبة في قسم الأغذية جامعة الأميرة نورة.
  3. أوس ولد في 16/4/1416هـ يدرس في المرحلة الثانوية .
  4. معن ولد في 25/11/1420هـ مرحلة متوسطة .
  5. فهد آخر العنقود دون سن الدراسة .
 قبل الختام:
 وبعد فهذه سيرة موجزة لسيرة شقيقي عبد الرحمن، وهي مختصرة لان لديه الكثير مما اجهله، ومما لم يفصح عنه، لما سبق وأن ذكرته عنه، من اتصافه بحب الصمت ولزومه، فلا يجيب إلا في حدود السؤال، ولا يحب الاستطرادات، وإلا فهو بحر لا ساحل له ، وهي تجربة فريدة عشناها ، مع هذه الشخصية المتعددة ، والتي تعمل في تخصص نادر ومهم، ومن خلالها تم التعرف على جانب من جوانب التعليم ، وهو (التربية الخاصة) الذي توليه دولتنا الرشيدة اهتماما خاصا، لأنه يخدم فئة غالية علينا ، تحتاج إلى أن تحظى بما يناسبها من التعليم، وان تنال الاهتمام المناسب كغيرها من فئات المجتمع، وان كانت هي أكثر حاجة من غيرها للاهتمام والرعاية ، بما يكسبها ما يعوضها ولو جزئيا عن بعض جوانب القصور في تكوينها الخلقي ، نسال الله أن يجبر قصورنا ، وان يرحم ضعفنا، وان يسعدنا دنيا وآخرة.
 وأرجو أن أكون قد استطعت الإلمام بجوانب هذه الشخصية ، وأوصلت لكم من خلالها ما هو جدير بالذكر، وان يكون في سردها نفعا للقارئ الكريم ، وأسال الله لأخي وشقيقي (عبد الرحمن) دوام التوفيق والنجاح ، وأن يطيل عمره على طاعته.
                       والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                                                    محبكم/عبد الله بن علي قاسم الفيفي ـ ابو جمال
                                                                 الرياض 28/5/1434ه

الشيخ احمد بن سليمان آل طارش


يسيّر أموره وحياته على نظام دقيق ومرتب، يحب وضع كل شيء في موضعه الصحيح، لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد ، في بيته تجد كل شيء مما يخصه في مكانه المناسب ، وقد اعد في مخطط منزله زوايا وملاحق تعينه على كثير من ذلك، كل أموره وأعماله على نظام بديع ، بل ومن حبه للتنظيم حتى فواتير الكهرباء والتلفون لها ملفاتها الخاصة ، وأوراقه الرسمية والأشياء المهمة والصور يحسن أرشفتها وحفظها، فهي قريبة متى ما أرادها، مرتب في كل أموره ، يحب النظام ويعشقه، حتى أصبح له عادة ألفها ولا يستطع تركها.
يحب العمل ، ولا يرضى الجلوس خاليا من أي شغل ، يقوم بصيانة أجهزة البيت بنفسه ، تجده يفهم في الكهرباء والسباكة والنجارة والديكور، وحتى في الميكانيكا ، ولديه في مستودع منزله ما يعينه على القيام بذلك ، من المعدات اللازمة والأجهزة (مفكات ومناشير ومطارق ومفاتيح) وهي مرتبة على أحسن وجه ، وإذا ما فرغ من استخدام الأداة أعادها مباشرة إلى مكانها الخاص، دون تأجيل أو إبطاء ، ليس في عرفه الفوضى أو التسويف ، قد ألزم نفسه بالانضباط وسار عليه ، وصار جزءا من حياته لا ينفك عنه.
وفي عمله الوظيفي لا يختلف عن هذا المنوال، إن لم يكن اشد وأكثر ، بل إن نجاحه المعروف في عمله الوظيفي أكثره راجع إلى طبيعة نفسه المنظمة، وسيره على هذا النهج الدقيق المنضبط ، فكل مهامه الوظيفة كانت تتطلب الكثير من الدقة والتنظيم والالتزام ، فمن بداياته الوظيفية مديرا لمكتب مدير عام فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الجنوب، وقد سار وتعود على الدقة والالتزام وحسن التنظيم ، ونجح في كل ذلك بكل المقاييس، واستمر على ذلك النجاح والتفوق في كل ما أوكل إليه من أعمال، وطور قدراته ليرتقي بها بما يناسب مهامه، فعمل في إدارة فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب، ثم في عمادة كلية الشريعة وأصول الدين، ثم في إدارة جامعة الملك خالد بعدما أدمجت فروع الجامعات في أبها (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وجامعة الملك سعود ) إلى جامعة مستقلة، وفيها توسعت وزادت الكليات والأقسام المتخصصة، وعليه زادت الأعمال والمسؤوليات ، وهو على انضباطه وعمله ودقته، وحسن أدائه وتنظيمه لم يتغير.
وأما في السفر والرحلات فحدث عنه ولا حرج، ما أحلى وأمتع رفقته يسعدك ويريحك، بحسن تنظيمها وترتيبها، يحسب لكل شيء حسابه، ويعد لكل أمر عدته ، لا يترك الأمور فوضى ، لا يرضى لمن هم في معيته إلا الالتزام بنظام يسيرون عليه، في سيرهم وفي وقوفهم ، وهو خدوم لرفقته لا يكل ولا يتعب ولا يتأفف، بجعلك تستمتع بالسفر في رفقته، فهو رحالة من الطراز الأول، إن سافر إلى مكان لأول مرة، المّ بمواطن جمال الطبيعة فيه، وآلة التصوير لا تفارقه ،وهو ذو عين لماحة ،وبصيرة حاذقة دقيقة، إن تحدث لك عن رحلة أو سفرة، أبهرك بواسع معلوماته ،وشوّقك بحسن عرضه، وحلق بك بجميل ذوقه ، وبديع وصفه، ينقل لك الصور الزاهية، ويريك ما لن تستطيع رؤيته لو ذهبت بنفسك، إنسان متميز في كثير من أموره وحياته، كتلة من المشاعر الفياضة والعواطف، رحيم خدوم كريم، تفخر بمعرفته وصحبته، وتثني على كل أحواله.
انه الشيخ احمد بن سليمان بن قاسم بن سلمان آل طارش الفيفي
image


والده فضيلة الشيخ الدكتور سليمان بن قاسم (حفظه الله) والمعروف كما قيل لا يعرّف، قبس منه ولا شك الكثير من الأخلاق والعادات، وحب الناس والسعي في خدمتهم ،فهو على خلق عال وتربية متميزة، فيه من الأدب والاحترام للآخرين الكثير، كيف لا يكون كذلك وهو خريج مدرسة والده وطالبها النجيب.
وأمه الفاضلة حالية (حليمة) بنت سلمان بن يحي الداثري (حفظها الله)، امرأة فضل وحلم وتقى، أحسنت التربية وزرعت في أبنائها كل مكرمة وكل فضيلة.
ولد لهذين الفاضلين وهو بكرهما،ولد في بيت الحليق (بيت أخواله) في بقعة البثنة من غرب الجبل الأعلى من فيفاء في عام 1380هـ، وانتقلت الأسرة (رواح) بعد ولادته بقليل إلى بيتهم خيران ، الواقع في شرقي الجبل الأعلى، وفيه درج وترعرع في رعاية أمه، حيث كان والده في تلك الفترة كثير الغياب عن البيت، لأنه طالب في المعهد العلمي في صامطة، فلا يحضر إلا لماما وعلى فترات متباعدة ، في العطل الرسمية والأعياد، ولكن كان حول الأسرة وفي القرب منها الجد والجدة، والأعمام والأخوال، فالبيت لا يخلوا من الأقرباء ، ولم يمضي سوى عام حتى انضم إليه شقيقه يحيى، ثم شقيقهم عبد الله، والوالد مكب على طلب العلم يجد ويجتهد ، حيث تخرج من المعهد العلمي ، وسافر مباشرة إلى مدينة الرياض والتحق بكلية الشريعة التابعة للرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيما بعد)، ودرس السنة الأولى وحيدا، ومع بداية السنة الثانية قرر اصطحاب اسرته معه، فسافروا في معيته، واستقر بهم المقام في مدينة الرياض ، وهنا كانت نقلة مختلفة في حياة احمد والاسرة جميعا.
تعليمه:
لما بلغ سن الدراسة(6) سنوات لم يلحقه والده بالمدرسة مباشرة، نظرا لضعف بنيته وبعد المدرسة عن المنزل، فآثر أن يؤخره للسنة التالية ، حتى يكون شقيقه يحيى الذي يصغره بسنة واحدة في معيته، ليكونا مع بعضهما، فيشجعان بعضهما ويطمئنون عليهما، ويؤنس كل منهما صاحبه، وفعلا فقد ألحقهما في بداية العام الدراسي 1387/1388هـ ، في مدرسة الإمام احمد بن حنبل الابتدائية، التي تقع في الحلة، وتبعد عن منزلهم حوالي الكيلوين, يقطعانها سيرا على الأقدام لعدم توفر وسيلة نقل، لنسمع هذه البدايات منه حيث يقول (كان الوالد يصحبنا أنا والأخ يحيى في الصباح، إلى المدرسة سيراً على الأقدام، ويرافقنا في العودة لعدة أيام, ثم بعد ذلك أصبحنا نرافق العم يحيى قاسم ، الذي كان طالباً في الجامعة في تلك الأيام (شارع الوزير) ، وبعد أيام قليلة من مرافقة الوالد والعم يحيى أصبحنا نسير إلى المدرسة بمفردنا، وتعرفنا في تلك الفترة على طالب من نفس الحي، وهو في سننا فأصبح يرافقنا في الذهاب والعودة إلى المدرسة).
ولكنهما في يوم من الأيام تاها في الطريق، ولم يستطيعا العودة إلى البيت، فماذا حدث وما هي الحكاية، وكيف تصرفا، يقول عن ذلك ( في يوم من الأيام ذكر لنا أحد الطلاب عند الخروج من المدرسة، أن هناك بئرا (قليبا) كما يسمى في الرياض، قريب من المدرسة ،وأغرانا بالذهاب إليه, فغيرنا اتجاه سيرنا لنشاهد ذلك البئر.
والآبار في نجد عميقة جداً، فقد كنا نلقي بالحجر الكبير فيه، وننتظر وقتا طويلا حتى يأتينا صوت ارتطامه بالماء, وهذا يدل على مدى خطورة ذلك التصرف، وستر الله علينا فلم يسقط أحدنا فيه، رغم كونه مكشوفا ولا حواجز عليه .
بعد أن أرضينا غرورنا، وحب الاستطلاع في أنفسنا ، وشبعنا من المرح واللعب ، وذهبت الخمرة وجاءت الفكرة ، اكتشفنا أننا ضيعنا الاتجاه الصحيح إلى البيت, وبعد نقاش فيما بيننا وجدال، اجتهدنا ولكن يبدو أن اجتهادنا كان خاطئا, حيث سرنا حتى تعبنا ولم نصل إلى مقصدنا ، وكلما أدركنا الخطأ صححنا في اتجاه آخر ، حتى زادت حيرتنا وتأكد ضياعنا ، وعميت بصيرتنا ولا وسيلة للوصول أو الاتصال بالمنزل، ولم نعد ندري ما العمل، وما هو التصرف الصحيح، ولكننا كلما وجدنا شخصا نسأله عن طريق (العود) اسم الحي الذي نسكنه ، وعن (قراش) الحرس الوطني القريب من منزلنا، فيصفون لنا بطريقة لا تناسب أعمارنا، فيقول احدهم تتجه شمالاً إلى شارع كذا ثم تتجه غرباً ثم تتجه يميناً ... وهكذا، ونحن لا نعرف الاتجاهات ولا مسميات الشوارع، وبقينا على هذا الحال ندور وندور لعدة ساعات حتى بلغ منا التعب والإعياء غايته ، فنحن نسير من قبل صلاة الظهر إلى بعد صلاة العصر ، فما بالك بقلق الوالدين في البيت .
وفي النهاية وجدنا شخصاً طيباً تفهم وضعنا ورق لحالنا ، فأخذ بأيدينا وسار بنا باتجاه العنوان الذي ذكرناه له, وما إن اقتربنا من المنزل حتى عرفنا الطريق، فانتزعنا أيدينا منه، وأخذنا نركض غير مصدقين إلى البيت، وهو يحاول اللحاق بنا ليتأكد من وصولنا إلى المنزل, وقد تصادف وصولنا مع خروج الوالد ليبحث عنا ) وهكذا كانت تجربة لا تنسى، فالحياة معاناة ومكابدة ودروس لا تنتهي.
لقد درسا في هذه المدرسة السنة الأولى والثانية , وفي السنة الثالثة انتقلت الأسرة للسكن في سكن آخر، ونقلهما والدهما إلى مدرسة قريبة من هذا المنزل ، وهي مدرسة عبد الله بن الزبير الابتدائية , ودرسا فيها السنتين الثالثة والرابعة الابتدائية، وكان ينجحان في كل عام بتميز، وكانت حياتهما في هذه المرحلة حياة البراءة والطفولة والدروس والتجارب والعبر ، لا يعكرها إلا بعض المشاغبات البسيطة التي تحدث دائما بين الطلاب في كل زمان وفي كل مكان .

الانتقال إلى خارج المملكة:
في عام 1393هـ انتدب والده فضيلة الشيخ الدكتور سليمان بن قاسم، للعمل قاضيا في دولة الأمارات العربية المتحدة، في محكمة أمارة أم القيوين الشرعية, وقبل أن يباشر عمله سافر بأهله إلى فيفاء ، ثم توجه وحيدا إلى دولة الأمارات ، ليتعرف على أوضاع الحياة فيها، ويهيأ لهم السكن المناسب ، وحيث بدأ العام الدراسي وما زالوا في فيفاء ، فقد التحقوا بمدرسة النفيعة الابتدائية ، وكان احمد وشقيقه يحيى يدرسان في الصف الخامس، حيث مكثا في هذه المدرسة ما يقارب الشهرين ، إلى أن حضر الوالد ليصطحبهم معه إلى مقر إقامته وعمله الجديد.
كانت دولة الأمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت ، دولة ناشئة خارجة من الاستعمار الانجليزي، تعيش في دويلات وأمارات متفرقة، كل منها له حكومة خاصة وحدود مستقلة ، تتضح الصورة من خلال هذه الحكاية، التي حدثت لهم في أول سنة يعيشونها هناك ، حيث يقول (في السنة الأولى التي انتقلنا فيها إلى دولة الإمارات، صحبت أبي أنا والأخوين يحيى وعبد الله إلى مدينة دبي, لكونه لا يشتري متطلبات المنزل من الخضار والفواكه واللحوم، وغيرها من المواد التموينية إلا من أمارة دبي، لعدم وجود أسواق جيدة في أم القيوين حينها.
ولما وصولنا تلك المرة إلى دبي، طلب منا البقاء عند السيارة إلى أن ينتهي من التسوق ، وحذرنا من الابتعاد عنها, وبينما نحن ننتظر عودته، جذب انتباهنا في القرب شخص هندي يلاعب ثعبانا بواسطة المزمار, والناس ملتمة حوله يتفرجون , فلم نطق صبرا عن مشاهدة ذلك المنظر ، فذهبنا نتفرج مع الناس، ولم نشعر بمضي الوقت، وفي هذه الأثناء عاد الوالد ولم يجدنا عند السيارة ، وانتظرنا كثيرا وكان على عجلة من أمره, وأراد في نفس الوقت أن يلقننا درساً في عدم مخالفة الأوامر ،وكان على يقين أنه لا خطورة علينا ونحن الثلاثة مع بعضنا، ولسنا صغار سن (فوق العاشرة)، لذا تركنا وعاد إلى البيت وحده.
لما عدنا إلى مكان السيارة لم نجدها ، وطال بنا الانتظار، وزاد بنا الخوف لما أدركنا أنه لن يعود (يقول عن ذلك ) : فأخذت أنا وأخي عبد الله نبكي، أما الأخ يحيى فقد أظهر الجلد وأخذ يطلب منا السكوت، وفي هذه الأثناء شاهدنا دورية الشرطة، فتوجهنا إليها في الحال ، وطلبنا منهم إيصالنا إلى منزلنا بأم القيوين، (تبعد حوالي ثمانين كيلا) فقالوا أنه لا يمكنهم ذلك، لأنه لا يحق لهم تجاوز حدود أمارة دبي، فكل إمارة تعتبر حكومة مستقلة، ويتطلب المرور بثلاث أمارات (الشارقة وعجمان ثم أم القيوين)، ولا يسمح لهم بتخطيها والدخول في سيادتها، ولكن اقترحوا علينا أن يأخذونا إلى مقر الشرطة، للإعلان عنا بواسطة التلفزيون.
ولكننا رفضنا ذلك، وأكدنا رغبتنا في إيصالنا إلى المنزل , ولما رأوا إصرارنا، اتصلوا بإدارة الشرطة يبلغونهم بطلبنا ، وبعد طول انتظار طلبوا منا ركوب سيارة الدورية، وتوجهوا بنا إلى أخر نقطة من حدود إمارة دبي مع إمارة الشارقة, وتم الاتصال بدورية للشرطة من أمارة الشارقة التي أخذتنا إلى أخر نقطة من حدودها، وسلمونا لدورية أخرى من إمارة عجمان، قامت بإيصالنا إلى حدودها، وهناك استلمتنا دورية شرطة أم القيوين،وهي بدورها أوصلتنا إلى المنزل)
فالشاهد أنه حينها كان لكل أمارة كيان مستقل ، لها حدودها الرسمية ، ولها شرطتها المستقلة ، وحتى ألوان سيارات الشرطة ونوعها وتجهيزاتها، وحتى الزّي الخاص بأفراد شرطتها مختلف، فأنت تنتقل من دولة إلى دولة أخرى رغم قرب المسافة .
ولما كانت دولة ناشئة قليلة الإمكانيات والخبرات ، لذلك كانت تستعين بخبرات ودعم ومعونات دول الجوار (السعودية والكويت)، ومن ذلك استعانتها بمناهج ومقررات التعليم فيها ، فكان المطبق في أمارة أم القيوين مناهج دولة الكويت، فلما التحقوا بالمدرسة الابتدائية فيها (الصف الخامس) ، وجدوا اختلافا كبيرا في مناهجها الدراسية، عما كانوا يدرسونه في السعودية، فالتركيز فيها أكثر على المواد العلمية واللغة الإنجليزية, دون العلوم الشرعية واللغة العربية .
ولأجل ذلك سببت لهم مادة اللغة الانجليزية صدمة كبيرة ، حيث فاتهم فيها الأساسيات الضرورية ، فهي تبدأ في المقرر من الصف الرابع الابتدائي، وهم الآن في منتصف الصف الخامس، فأربكهم واحدث لديهم صدمة وعقبة كأداء، أشعرتهم بالإحباط والعجز، ولكن الوالد لكي يتجاوزوا ذلك، احضر لهم بعض المدرسين في المنزل، ليعطوهم دروسا مكثفة في هذه المواد (اللغة الإنجليزية والمواد العلمية) ، ليتمكنوا من تعويض هذا القصور ، وليلحقوا ويسايروا زملائهم الذين سبقوهم، وفعلا لم يمضي طويل وقت حتى استعادوا توازنهم ، وتجاوزوا ما كان يعترضهم من صعاب ، وتأقلموا مع الحياة الجديدة والمواد الدراسية، فمضت بهم الأيام سعيدة سهلة ، ينجحون في كل عام، ويحققون خطوة اثر خطوة إلى الأمام، فاجتازوا تلك المرحلة بنجاح ، والتحقوا بعدها بالمرحلة المتوسطة في مدرسة الأمير بأم القيوين، وواصلوا الدراسة فيها على نفس المنوال من التفوق والنجاح، وحصلوا على الشهادة المتوسطة منها في العام 1397هـ ، ثم التحقوا بالمرحلة الثانوية في نفس المدرسة، ولكن لميوله غير العلمية سبب له بعض التعثر، لذا اقترح عليها والده أن يواصل دراسته في المعهد العلمي برأس الخيمة ، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، فراقت له الفكرة لتوافق مواد المعهد مع ميوله ورغبته، فانتقل للدراسة إلى المعهد العلمي في عام 1398هـ .
وهنا ولأول مرة يفترق عن أخيه يحيى ، بل ولأول مرة يخرج من محيط الأسرة مستقلا ينفسه، ومعتمدا عليها في تدبير أموره، فكانت له تجربة جد مفيدة، ودرساً نافعاً، اكتشف فيه نفسه وقدراته وكيفية التعامل مع الآخرين من غير أهله، إضافة إلى ما تعلمه دراسيا في هذا المعهد العلمي، الزاخر بكثير من القدرات العلمية والمواد الدراسية .
يصف شيء من ذلك بأسلوبه الماتع، وما تعلمه فيه، وعن انطباعاته وذكرياته الجميلة عن تلك الفترة، حيث يقول : ( من ذكريات تلك الفترة التي درست فيها الصفين الثاني والثالث ثانوي، بمعهد رأس الخيمة العلمي، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد كانت هذه المرحلة فترة تحول لي, فكانت المرة الأولى التي أعيش فيها بعيداً عن جو الأسرة وأتغرب فيها, فرأس الخيمة تبعد حوالي ستين كيلاً عن أم القيوين التي تقيم فيها أسرتي، وان كانت قريبة ولكنها بعيدة بالنسبة لي فانا لا آتي أهلي إلا في نهاية الأسبوع ، ففي السنة الأولى التي درست فيها في المعهد لم يكن للطلاب سكن, وكانوا يسكنون في سكن الثانوية الزراعية بمدينة (الدقداقة)، تبعد حوالي اثنا عشر كيلا عن مدينة رأس الخيمة ، وهذا السكن عبارة عن مجموعة (بركسات) في وسط منطقة من الغابات والمزارع, يسكن فيها بعض طلاب الثانوية الزراعية، ومعظمهم من سلطنة عمان، يسكنون في بعض هذه البركسات، وخصص لطلاب المعهد العلمي بعضها على النحو التالي : يسكن في بركس اثنا عشر طالباً من السعوديين والأردنيين والبحرينيين, وفي آخر يمنيين عددهم حوالي العشرة، وفي بعضها طلاب من نيجيريا، وكان هذا الإسكان دون إشراف ،تعمه الفوضى وعدم النظام ، يخرج الطالب متى شاء ويعود متى شاء، دون رقيب أو حسيب، وفيه الكثير من الإهمال وعدم الاهتمام).
ومن المواقف اللافتة للنظر التي لا ينساها ، وتدل على اختلاف العادات والطبائع بين الأجناس البشرية المختلفة ، ما يذكره في قوله : ( انه مع بداية العام الدراسي وصلت دفعة كبيرة من الطلاب النيجيريين, ولما وصولوا إلى السكن تفاجئوا بوجود زملاء لهم من أبناء جلدتهم ، فوقفوا أمام بعضهم ينظر بعضهم لبعض، ويطلقون أصوات مشابهة لأصوات القرود في الغابات, يتبادلونها فيما بينهم، وكأنه نوع من الترحيب والتحايا ، وظلوا على ذلك الوضع يتبادلون هذه الصيحات, وبقية الطلاب من الجنسيات الأخرى ينظرون إليهم باستغراب. ثم بعدها سلم بعضهم على بعض) .
يقول: في نهاية العام الدراسي الأول اعتذرت الثانوية الزراعية عن إسكان طلاب المعهد العلمي لديها, ولما لم يكن قد اكتمل السكن الخاص بالمعهد، فقد تفرق الطلاب في عزب مختلفة, فسكنت أنا والأخ محمد علي قاسم (الذي كان يدرس حينها في المعهد) وزميلين آخرين من اليمن في عزبة ، ولم يمضي بضع أشهر حتى انتهى سكن المعهد فانتقلنا إليه، كان السكن نظيفا وأثاثه جديد, ولكن كان يطبق فيه نظام صارم لم نألفه من قبل ، بل فيه شدة مبالغ فيها أحيانا , فهو أشبه بالسجن أو المعسكر، فيه تفتيش ومراقبة مستمرة لغرف الطلاب ، ويمنع الخروج منه بعد المغرب أو الدخول إليه .
كلها كانت دروس وتجارب استفاد منها كثيرا ، إضافة على ما تعلمه من المواد العلمية التي يتلقونها ، حيث يقول: (حقيقة كان في المعهد العلمي عدد من الأساتذة الفضلاء، نخبة من خيرة الأساتذة ، وجميعهم من السعوديين عدا مدرس اللغة الانجليزية ، وكثيراً منهم من المعيدين والمحاضرين بكليات جامعة الإمام، ومن أبرزهم فضيلة الشيخ/ إبراهيم حسين ضيف الله الفيفي (رحمه الله)، كان عالماً بكل ما تعنيه الكلمة، واسع الإطلاع في الشرعية والتاريخ واللغة العربية , ومعظم المعلمون يحيلون إليه كل سؤال من الطلاب في الفقه أو التفسير أو الحديث والتاريخ والنحو, فإذا سُئل أحدهم عن سؤال لا يجد له إجابة، أحاله على فضيلة الشيخ إبراهيم ، فيجدون عنده الجواب الشافي.
وكان رحمه الله صاحب شخصية قوية مهابة يجله الطلاب ويحترمونه, رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا خير الجزاء. وقد درّسنا رحمه الله النحو والتاريخ واستفدنا منه كثيراً)..
وقد درس كما أسلفنا في هذا المعهد السنتين الثانية والثالثة ثانوي، وحصل منه على الشهادة الثانوية في نهاية عام 1400هـ ، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية ، اتجه مباشرة إلى مدينة أبها، حيث قدم أوراقه للقبول في كلية الشريعة وأصول الدين فيها ، التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتم قبوله مع بداية العام الدراسي 1400هـ/1401هـ ، وكانت هذه نقلة أخرى اكبر من الأولى، في ابتعاده الكبير عن أهله، الذين خلفهم في دولة الأمارات العربية المتحدة، ولا يلقاهم إلا في العطلة الصيفية، ولكنه حينها قد بلغ سن الرجولة وأصبح له زوجة ، حيث تزوج في هذه الأثناء من ابنة عمه، وأبقاها في منزل أهلها في فيفاء، ويأتيهم إن استطاع في نهاية كل أسبوع، ولما لم يناسبه السكن الجامعي، سكن مع مجموعة في (عزبة) معظمهم من طلاب الكليات من أبناء فيفاء، ويقيم معهم الرجل الفاضل محمد بن فرحان الداثري (حفظه الله) ، الموظف حينها في فرع وزارة المالية في أبها، فكان لهم بمنزلة الأب والراعي، وقد سن لهذه العزبة نظاما صارما، أعانهم على دراستهم ، يحكي عن تلك التجربة فيقول : ( كنت متعزباً مع أخوة أعزاء, كان رئيس العزبة محمد بن فرحان الداثري، وهو أكبرنا سناً ، ومن الزملاء الشيخ حسن محمد أحمد الداثري, والشيخ أحمد عبد الله العمري, والاستاذ محمد سلمان العمري وينضم لنا أحياناً الاستاذ جابر يحيى الثويعي، وكانت مجموعة متجانسة في الطباع، يسود بيننا التعاون والتآخي, وتميزوا جميعاً بالنشاط والتعاون, وكانت العزبة منظمة تتميز بالترتيب والنظافة , ونعد جميع الوجبات بأنفسنا ولا نشتري شيئا من المطاعم إلا في النادر جداً).
في العام التالي أخذ زوجته معه إلى أبها، بعد أن رزقا بولدهما عبد الله، وعمره في تلك الفترة حوالي ستة أشهر, استأجر شقة صغيرة جداً، لا تتجاوز مساحتها ستين متراً مربعاً, مكونة من ثلاث غرف صغيرة (3×3 و4×4 م) وأثاثها بسيط جداً. ومع ذلك كانا يشعران فيها بالسعادة والراحة، ويستقبلان عددا كبيرا من الأهل والأصدقاء, ولا يحسون بضيق المكان، ويتذكر ذلك فيما بعد ويعجب كيف كانت تتسع لكل هولاء).
هذا الجو الأسري والإحساس بالمسؤولية ، أعانه على الدراسة والتفوق فيها، ومضت به السنين سريعة ما بين جد واجتهاد ، يوافق بين الاعتناء بنفسه وأسرته الصغيرة وتحصيله الدراسي ، إلى أن تخرج من هذه الكلية، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة بتاريخ 3/12/1404هـ.
توظف بعد تخرجه مباشرة ، ومع ذلك فلم يقف في تنمية معلوماته، وتوسيع مداركه، والاستزادة من العلم والمعرفة عند هذا الحد ، بل واصل تطوير قدراته ومعلوماته متى ما سنحت له فرصة لذلك ، فحصل على العديد من الدورات التدريبية، داخل وخارج المملكة، على مدى حياته الوظيفية ، وما زال وفقه الله وسدده ، ومن ذلك :
1. دورة تدريبية للمستوى المتوسط (1) في اللغة الإنجليزية عقدتها كلية التربية/ جامعة الملك سعود بابها عام 1405هـ .
2. دورة تدريبية للمستوى المتقدم الأول والثاني في اللغة الإنجليزية عقدتها كلية التربية/ جامعة الملك سعود بابها عام 1406هـ .
3. برنامج مديري المكاتب ـ دورة بمعهد الإدارة العامة في جدة عام 1407هـ .
4. دورة مقدمة في الحاسب الآلي ونظم التشغيل، نظمتها عمادة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عام 1418هـ .
5. مجموعة من الدورات في معهد التدريب المالي والمصرفي، بالمملكة الأردنية الهاشمية، عام 1421هـ (القيادة الفعّالة ــ التفكير الإيجابي ــ التخطيط الإستراتيجي ــ إدارة الجودة الشاملة) .
6. دورة (قياس النتائج وتقويم الأداء المؤسسي)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في جدة، عام 1422هـ .
7. برنامج (ملتقى التطوير الإداري الثاني)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في تركيا عام 1422هـ، وفيها عدة برامج (تنمية المهارات الإشرافية والإدارية ــ تحقيق الذات ــ القيادة تحت مظلة المبادئ ــ تطوير العمل الجامعي) .
8. برنامج (ملتقى التطوير الإداري الثالث)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في الدمام عام 1423هـ، وفيه برنامجين (دورة مهارات التعبير عن الذات ــ دورة مواجهة ضغوط العمل) .
9. دورة (منهجية التطوير الإداري بالجامعات)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في أبها عام 1423هـ .
10ـ دورة (التخطيط الإستراتيجي)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في جدة عام 1424هـ .
11ـ دورة (المفاهيم الحديثة في القيادة)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في جدة عام 1424هـ .
12ـ برنامج (تطوير المهارات القيادية)، نظمتها النخبة للتدريب والتنمية في جدة عام 1428هـ، وفيها عدة برامج (أنماط التفكير ومنهج إدارة الأولويات ــ تقنيات إبداعية في حل المشكلات ــ إدارة الحوار في بيئة عمل ناجحة).
العمل الوظيفي:
1. عيّن بعد تخرجه مباشرة من الكلية ، على وظيفة مشرف ثقافي، بالمرتبة السادسة، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب، في تاريخ 25/1/1405هـ ،وعمل في بداية تعيينه في إدارة الإسكان الجامعي.
2. كلف بالعمل سكرتيرا لمدير فرع الجامعة بالجنوب، في 1/4/1405هـ، وكان مدير الفرع في تلك الفترة فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن مصلح آل شاكر، واستمر في هذا العمل حتى تم إلغاء فرع الجامعة بالجنوب في تاريخ 30/8/1406هـ .
3. أنتقل عمله إلى كلية الشريعة وأصول الدين، وكُلف بالعمل مديراً لمكتب عميد الكلية من 1/9/1406هـ إلى 1411هـ، وكان عميد الكلية في هذه الفترة فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله المصلح .
4. كُلف في عام 1411هـ بالعمل مديرا للشؤون الإدارية، بكلية الشريعة وأصول الدين، وأُدخل إلى الكلية في نهاية ذلك العام نظام الحاسب الآلي ، وكلف بالإشراف عليه، رغم محدودية معلوماته عن الحاسب الآلي (كما يقول) , مما اضطره إلى تحسين خبراته ومعلوماته في هذا الجانب، فأخذ الكثير من الدورات في نظام التشغيل ومبادئ الحاسب، حتى أن بعضها كان يتلقاها وهو على رأس العمل مباشرة، ثم توسع عمل الحاسب الآلي، باعتماد عدة برامج جديدة، من إدخال معلومات الطلاب ونتائجهم, ثم إدخال مكافآت الطلاب، ورواتب أعضاء هيئة التدريس والموظفين، وهذه زادت العبء على القسم، وأضيفت إلى مهام عمله (الإشراف على الشؤون المالية بالكلية) ليصبح مديراً للشؤون الإدارية والمالية والحاسب الآلي بالكلية، وبقي على رأس هذا العمل يمارس هذه المهام بكل جدارة واقتدار، إلى أن أنشئت جامعة الملك خالد في عسير، بدمج فرعي جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وصدر قرار نقله إلى إدارة الجامعة في تاريخ 10/9/1419هـ.
5. كلف في الجامعة الجديدة مديرا لسكرتارية المجالس, (سكرتير مجلس الجامعة، والمجلس العلمي) ، وفي عام 1420هـ أُضيفت إليه مهام (أمانة المجلس العلمي) ، ثم أضيفت إليه في عام 1421هـ (أمانة اللجان الدائمة), وفي نهاية العام 1421هـ أُضيفت إليه (مهام إدارة المناصب الإدارية بالجامعة من ترشيحات العمداء والوكلاء، ورؤساء الأقسام، ومديري مراكز البحوث ) وفي عام 1422هـ أُضيفت إليه (عقود الاستشارة)، فأصبح يرزح تحت كثير من المسؤوليات والوظائف في الجامعة، وكان في البداية الأمر شبه مقدور عليها، والجامعة حديثة وقليلة الموظفين ، وبحاجة إلى تظافر الكل وبذل المزيد من الجهد، وحينها لم تكن الجامعة تضم إلا أربع كليات، فيها سبعة عشر ألف طالب وطالبة.
6. تطورت الجامعة في السنوات الأخيرة بشكل هائل ، حتى وصلت كلياتها في عام 1433هـ إلى ما يزيد على (54) كلية ، بعد إعادة هيكلتها، وضم كليات البنات، وكليات المعلمين، والكليات الصحية ، وبلغ عدد طلابها أكثر من ثمانين ألف طالب وطالبة، فزاد العبء حتى أصبح شبه مستحيل عليه وعلى طاقمه المحدود، مهما كان الجهد والحرص ، بل أصبح يستنفد كل الوقت والجهد، ولا يستطيعون الجمع والتوفيق بين كل هذه الأعمال، وأدائها بالطريقة الصحيحة المطلوبة، مما جعله يقترح على إدارة الجامعة إعادة توزيع مهام هذه الإدارات ، فاستجابت الإدارة وأنشئت (أمانة للمجلس العلمي) في نهاية عام 1433هـ ، وعُين أحد أعضاء هيئة التدريس أميناً لها، و عُيّن (مقرران للجان الدائمة فيه), ثم في عام 1434هـ (حٌلّت أمانة اللجان الدائمة) وكُلف رؤساء اللجان ومقرريها بالقيام بأعمال اللجان, ولأجل مواصلة نجاح هذه اللجان، وعدم أرباك العمل فيها، كُلف بتدريب العاملين في أمانة المجلس العلمي واللجان التابعة له، لمدة ستة أشهر، وفي نفس العام أُنشئ كذلك (معهد البحوث والدراسات الاستشارية)، وعُيّن أحد أعضاء هيئة التدريس عميداً له، وأصبحت عقود الاستشارة من مهامه، وهو بهذا قد فرغ من كثير من الأعمال والأعباء التي كانت مؤكلة إليه، وأصبح حالياً سكرتيرا لمجلس الجامعة، ومديراً لإدارة المناصب القيادية بالجامعة فقط.
ما سبق هو ما كان يمارسه فعلا، من مهام ومسؤوليات تفوق قدرات شخص واحد، ليديرها وان كان لديه الكثير من الطاقم الوظيفي، ولكنه هو المسؤول الأول وفي فوهة المدفع كما يقال، وقد أداها بكل نجاح واقتدار، ولولا جدارته وتفانيه لما اسند إليه كل هذه الأعمال والمهام، ولولا نجاحه لما استمر فيها لأكثر من عشر سنوات، وفيما يلي خلاصة لمسميات وظائفه الأساسية ومراتبها، طوال سنوات عمله الرسمية والتي مازال يؤديها بكل جدية واقتدار ،وفقه الله وسدده، وهي على النحو التالي:
أولاً: تعين على وظيفة مشرف ثقافي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (المرتبة السادسة) في تاريخ 20/1/1405هـ إلى 22/12/1410هـ
ثانياً: ترقى على وظيفة مشرف ثقافي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (المرتبة السابعة) من تاريخ 23/12/1410هـ إلى 11/4/1417هـ .
ثالثاً: رقي على وظيفة باحث ثقافي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (المرتبة الثامنة) من تاريخ 12/4/1417هـ إلى 4/9/1422هـ .
رابعاً: رقي على وظيفة أخصائي تعليمي في جامعة الملك خالد (المرتبة التاسعة) من تاريخ 5/9/1422هـ إلى 9/6/1426هـ .
خامساً: رقي على وظيفة أخصائي تعليمي في جامعة الملك خالد (المرتبة العاشرة) من تاريخ 10/6/1426هـ إلى 23/12/1431هـ .
سادساً: رقي على وظيفة أخصائي تعليمي في جامعة الملك خالد (المرتبة الحادية عشرة) من تاريخ 24/12/1431هـ وما زال إلى تاريخه .
زاده الله رفعة وتوفيقا، وأعلى من رتبة ومراتبه، دنيا وآخرة.
أشخاص كان لهم أثر عليه :
هناك أشخاص يذكر انه تعلم منهم الكثير، ويدين لهم بالفضل بعد الله سبحانه ، وهم كثر ولكن من أبرزهم كما يقول :
1ـ والدي ووالدتي حفظهما الله فأنا أدين لهما بعد الله تعالى بما أنا فيه من خير وما قد أكون حققته من نجاح في حياتي.
فهما خير قدوة لي لما يتمتعان به من صفات الدين والخلق وحسن التعامل الذي قلّ نظيره. ومهما قلت عنهما فلن أتمكن من إيفائهما ولو جزء يسير من حقهما وفضلهما عليّ.
فجزاهما الله عني وعن جميع أخوتي خير الجزاء، ومتعهما بالصحة والعافية، وأمد الله في عمريهما على طاعته ورضاه ورزقنا برهما.
2ـ فضيلة الدكتور عبد الله المصلح، فقد كان حفظه الله عميد كلية الشريعة وأصول الدين عندما التحقت بالجامعة, وبعد تخرجي عملت مديراً لمكتبه لأكثر من ست سنوات، وقد تعلمت من فضيلته كثيراً فهو عالم جليل، إضافة إلى ما يتمتع به من صفات قيادية وإدارية, وقد كانت مسؤولياته في ذلك الوقت تتعدى دوره كعميد كلية, فقد كان عضو في لجنة الحدود السعودية اليمنية, وكان يعمل مع هيئة الإغاثة الإسلامية ومع رابطة العالم الإسلامي, وغيرها من الجهات الدعوية.
3ـ معالي الدكتور عبد الله بن محمد الراشد فهو أول مدير لجامعة الملك خالد, وقد عملت تحت إدارته ما يقرب ثلاث عشرة عاماً. وذلك بحكم عملي في أمانة مجلس الجامعة والمجلس العلمي وكذلك في اللجان الدائمة وفي إدارة المناصب القيادية بالجامعة.
وقد تعلمت من معاليه الكثير فهو إداري وقيادي من الطراز الأول، استطاع بهمته العالية وحزمه ونشاطه غير الطبيعي أن ينقل جامعة الملك خالد في فترة وجيزة نقلات سريعة نادر ما تجد جامعة تحققها في مثل هذا الزمن القصير.
فقد استلم الجامعة وهي أربع كليات يدرس فيها حوالي ثلاثة عشر ألف طالب وطالبة، فأصبحت تضم عند انتهاء فترة إدارته للجامعة (57) كلية ، وبها أكثر من ثمانين ألف طالب وطالبة، ومما يحسب له أنه استلم العمل في الجامعة وجميع مبانيها مستأجرة، ولم يخرج منها إلا ومعظم الكليات في مبان مملوكة للجامعة, إضافة إلى نجاحه الباهر في تسريع مشروع المدينة الجامعية بأبها وطرحه في منافسة دولية في التصميم والتنفيذ ، وهو أول مشروع حكومي سعودي ينفذ بهذه الطريقة .
هذا بالإضافة إلى عدد من مشاريع المدن الجامعية المصغرة، في النماص وبيشة ومحايل ، وغيرها من محافظات منطقة عسير.
إضافة إلى ما أرساه من نهج حازم وعادل في القبول في الجامعة, وكذلك في ترقيات الموظفين، استطاع أن يلغي فيها المحسوبية، رغم الضغوط الشديدة التي يلقاها من المجتمع.

4 ــ هناك العديد ممن عملت معهم، ودرست على أيديهم وتعلمت منهم الكثير، ولا يتسع المقام هنا لذكر كل واحد منهم على حده, ومنهم عمداء كلية الشريعة الدكتور زاهر بن عواض الألمعي وكذلك الدكتور سالم القرني ،وكذلك وكلاء جامعة الملك خالد الذين عملت معهم ومنهم معالي الدكتور محمد هيازع (مدير جامعة جازان حاليا) ومعالي الدكتور اسماعيل البشري (مدير جامعة الجوف حاليا) والدكتور سعيد رفاع والدكتور سالم الوهابي والدكتور احمد طاهر مبارك .. وغيرهم الكثير ، ولا أنسى الأساتذة الذين علموني في مراحل تعليمي المختلفة فألتمس منهم العذر في عدم إفراد سيرة كل منهم.

الحالة الاجتماعية:
زوجته هي شقيقتي الغالية/ عائشة بنت علي بن قاسم ابنة عمه, وهي كما يقول عنها (على خلق كريم ودين وتتمتع برجاحة عقل كبير, فكانت خير معين لي على الحياة وتربية الأبناء, بل أخذت الدور الأكبر في تربيتهم، ومتابعة تعليمهم، وخصوصاً مع انشغالي المستمر في العمل في السنوات الأخيرة، وسفري أحياناً, فجزاها الله عني خير الجزاء).
ورزقا من الأولاد بابنين، وخمس بنات، على النحو التالي :
1_ عبد الله : وقد ولد عام 1401هـ وهو الآن حاصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء ويعمل معلماً في مدينة الرياض, متزوج وله بنتان.
2_ سلطان : من مواليد عام 1404هـ يعمل موظفا في جامعة الملك خالد، وفي السنة الأخيرة من مرحلة البكالوريوس, متزوج.
3_ ندى : من مواليد 1407هـ ،متزوجة ولها بنتان, وهي حاصلة على الدبلوم في الحاسب الآلي من جامعة الملك خالد.
4_ نسيم : من مواليد 1410هـ وهي حاصلة على الدبلوم في الإدارة من جامعة الملك خالد.
5_ أنوار : من مواليد 1413هـ طالبة بجامعة الملك خالد.
6_ أزهار : من مواليد عام 1416هـ وهي في الصف الثالث ثانوي.
7_ شذى : آخر العنقود كما يقال من مواليد 1418هـ, طالبة في الصف الثالث متوسط.
بارك الله فيها من أسرة مباركة ،وزاده الله توفيقا ونجاحا ،وكثر الله في مجتمعاتنا من هولاء الناجحين ممن نفخر بهم ونرفع بهم رؤوسنا ، ونعتز بما يحققونه من سمعة طيبة راقية ، لأنفسهم ولفيفاء ولأهلها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/عبد الله بن علي بن قاسم الفيفي ـ أبو جمال
الرياض 28/4/1434هـ

د ـ احمد بن علي احمد الاخشمي


حسن إدارة الوقت ، فن لا يقدر عليه إلا قلة من الناس، فتنظيم وقتك بحيث يستوعب مهامك وواجباتك وراحة نفسك ، بحيث لا تتداخل، ولا يطغى شيء منها على آخر، تكون كل الأمور مهمة لديك، تعطي كل منها حقه من الوقت ، فلا يستحوذ بعضها على كل الوقت ، أو يشغلك شيء منها عما سواه، مهما كانت أهميته ، فلكل منها حصة مقدرة من الوقت ، لا تزيد ولا تنقص ، وأنت المدير الذي تسيّر وقتك وتوزعه بينها في توازن عادل ، وهذا هو النجاح الحقيقي المنشود، فكثير من الناس إن لم يكن معظمهم ، يلتهي ببعض الأمور في حياته، حتى تشغله أو تصرفه عما سواها، فتراه إن اهتم بأمر أعطاه كل وقته وكل جهده، ولا بد أن يكون ذلك على حساب أمور أخرى يهملها ، فالوقت هو رأس مال الإنسان ، وهو الأداة التي تصرف فيها كل الأعمال، فإذا لم يحسن الإنسان توزيعه، على حسب مهامه ومشاغله، أصابه الفشل والخسران، مهما حقق من نجاحات في هذا الأمر الذي صرفه فيه، لأنه لم ينظر إلى ما ترتب عليه من تفويت مصالح في الجانب الآخر، قال صلى الله عليه وسلم (صدق سلمان، عندما اخبره بما نصح به أخيه أبي الدرداء رضي الله عنهماـ لما زاره في بيته ووجده يقضي كامل وقته في العبادة لله، صوم بالنهار وقيام بالليل، على حساب واجباته مع حق نفسه من الراحة والغذاء وحق زوجه ـ فقال له : إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه) فقال صلى الله عليه وسلم مؤيدا له (صدق سلمان).
إذا فإدارة الوقت هو النجاح في الحياة ، تتقن الكيفية المثلى في إدارة حياتك، وذلك من أهم المهمات وأصعب الواجبات، ولا يستطيع ذلك إلا من كان على قدر كبير من القوة والحزم والصبر ، فالإنسان يحتاج لكي يدير وقته بالشكل الصحيح، إلى فهم حقيقي لمهامه وأولوياته ،ما له وما عليه ، ويحتاج إلى دربة طويلة لإتقان ذلك ، والى قوة عزيمة وإرادة وثبات ، والى طول نفس وصبر وجلد.
صاحبنا ورفيق رحلتنا في هذه الحلقة، عرفته من فترة ليست بالقصيرة، عرفت فيه الأدب الجم والتواضع الكامل ، يتحلى بالكثير من الصفات الجميلة، من حسن الخلق الذي يزينه علم ويقين وثقة عالية بالنفس، واحترام مفرط لمن معه كبروا أو صغروا، وحضور بديهة، وخفة روح وصفاء نفس ، تلقاه متواجدا ومؤثرا في مجتمعه ، إن غاب فقد، ولا يسد مكانه احد، يؤدي وظيفته الاجتماعية وما أوكل إليه بكل اقتدار، وكأنه لا شاغل له عنها ، وتجده في نفس الوقت يبني حياته الخاصة دون تفريط أو كلل، يدرس ويدرّس، ويبحث ويحضّر ، دون أن يؤثر هذا على هذا ، يعطي كل شان من أموره الخاصة والعامة حقه المستحق ، يدير وقته بحسب أولوياته دون تأثير على سير حياته، يعمل بصمت ،وأفعاله تتكلم وليست أقواله، حصل على درجتين للماجستير، ثم نال بعدهما الدكتوراه، كان يعمل فيها بكل جد واجتهاد، ينقب في أمهات الكتب، ويسافر هنا وهناك، ويتردد على المكتبات ودور البحث، يسهر ليله ، ويكدّ فكره ، يعد ويمحّص ويستنتج، ومعظم من كان حوله لا يدرون بكثير من ذلك ، ولا يحسون بتقصير في جهده وحضوره معهم ، حتى أن الغالبية منهم تفاجأ عندما علم بنبأ حصوله على درجة الدكتوراه، بل إن بعضهم لم يكد يصدق، فعادة وكما تعودنا من أمثاله الذين يعملون على الحصول على مثل هذه الدرجة أو حتى اقل منها، ينقطعون كلية عن كل الناس، حتى من أهلهم وأقربائهم ،وعن العالم من حولهم ، بحجة أن الواحد منهم مشغول بما هو اكبر من أي أمر آخر .
وما نريد الوصول إليه، هو إثبات تميزه في حسن إدارة وقته، وتوزيع جهده ومتطلبات حياته، بطريقة راقية وسليمة وناجحة، ومن لا يعرف قدرات هذا الرجل التي المحنا إليها، وغيرها الكثير من التميز، فليواصل قراءة الأسطر التالية، ليتعرف على شيء من سيرته العطرة ، وحكايته في هذه الحياة ، حفظه الله ووفقه .
انه : الدكتور احمد بن علي بن احمد بن علي بن اسعد بن جابر بن يحيى الاخشمي الفيفي .

image



والده علي بن احمد (حفظه الله)، نشأ يتيم الأب، ولكنه مدرك للحياة، فهو الرجل المكافح الصبور ، التاجر الصادق، صاحب البسمة الدائمة، والخلق الحسن، والكلمة المتفائلة، تجده في مقدمة كل عمل خيّر، مبادر بنفسه وجهده وماله، ومن الأعضاء المؤثرين في مجتمعه، صريح صادق النصيحة، لا يخبئ خلاف ما يظهر، إن قال صدق وان قيل له صدّق، عرك الحياة واستوعبها، وأحسن تربية أبنائه، على الكثير من الأخلاق الطيبة النبيلة ، والصفات الحميدة الكريمة، وزرع فيهم الخير وقوة الإيمان، نشّأهم على تعلم القرآن من صغرهم، فكان له مدرسة خاصة في بيته، يتدارس فيها القرآن الكريم، جميع أفراد الأسرة، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم ، على فترتين كل يوم لا تنقطع ، بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة المغرب، وقد ينضم إليهم أحيانا بعض الأقران، من أبناء العمومة والأخوال ، وفي رمضان تتسع الدائرة ، ويختلف الوقت والمكان ، فتكون في مسجد المعرف ، طوال الشهر من بعد صلاة العشاء إلى موعد السحور، فبذلك زرع هذا الوالد الصالح، في أبنائه حب الخير وحب القرآن الكريم، تعلموه وأتقنوه تلاوة وحفظا ،علما وعملا ، حفظه الله بحفظه ، وحفظ هذه الأسرة المباركة ، وبارك فيه من أب صالح موفق، وختم له بالصالحات من الأعمال، وثقل بها موازين حسناته.
وأمه هي : الفاضلة مريم بنت سليمان بن اسعد الاخشمي، والدها هو الشيخ سليمان بن اسعد شيخ قبيلة آل مخشم لما يقارب الستين سنة، تولاها من شبابه خلفا لوالده، وما زال إلى تاريخه، أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، وختم له بالصالحات، رجل صدق وأمانة وحسن خلق ولطف تعامل ، والبنت كما قيل (سر أبيها) وفقها الله واقر عينيها بأولادها دنيا وآخرة .
ولد لهما (احمد) في منزلهما الواسط، في وسط بقعة آل مخشم، في بقعة المعرف في تاريخ 28/8/1392هـ، وكان ترتيبه بين أخوته لأبيه الرابع ، والثاني بين أشقائه، ولد لهذين الأبوين الفاضلين، فقبس منهما الكثير، من حسن التربية وجميل الأخلاق، وكريم الصفات ومحاسنها ، فبرز بوضح وجلاء على شخصيته المتألقة المتفائلة الناجحة.
تعليمه:
لم يعي على هذه الحياة ويبدأ إدراكه لما حوله، إلا وهو منتظم في مدرسة القرآن الكريم القائمة في بيتهم، التي أوجدها والده الواعي في منزلهم، كما اشرنا سابقا ، حيث ألزم الوالد نفسه ببرنامج دراسي يشمل كل أفراد الأسرة، يتدارسون القرآن الكريم فيما بينهم، على فترتين صباحية ومسائية ، احدهما من صلاة الفجر إلى الإفطار، لينطلق بعدها الطلاب منهم إلى مدارسهم مبكرين، وقد يختلف البرنامج فيها قليلا ، حسب طول الوقت من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، فإذا ما كان الوقت قصيرا، اكتفوا بدرس المساء ، ودرس المساء يبدأ من بعد المغرب إلى صلاة العشاء.
فهذا النظام إضافة إلى ما فيه من بركة على البيت وأهله، فهم يستفيدون جميعا من إتقان القرآن الكريم، مما أعانهم على التفوق الدراسي، فالقرآن الكريم يقوي الإيمان، ويجلوا الفكر، ويوسع المدارك، ويهذب اللسان، واحمد أتقن قراءة القرآن بمهارة، وحفظ عدة أجزاء قبل أن يدخل المدرسة، وانطلق لسانه في إتقان النطق الصحيح ، فكان يمتلك قدراً جيداً من مهارات الإلقاء، أعانته على اجتياز الدراسة المنهجية بكل يسر وتفوق ، وميزه في الأنشطة ألا منهجية في المدرسة ، فكان عنصراً من العناصر الأساسية المشاركة في الإذاعة المدرسية في المعهد العلمي، وفي المناسبات والاحتفالات المختلفة.
وأما انضمامه إلى المدرسة الابتدائية ، فقد تأخر قليلا، عن سن الدراسة المعتبر(ست سنوات ) ، لان موقع المدرسة الابتدائية ، (ابتدائية تحفيظ القرآن الكريم) في النفيعة، ولبعد بيتهم عن هذا الموقع ، وما بينهما من عقبة كؤود، وطريق شاق المسالك صعب بعيد، يتطلب الذهاب فيه سيرا على الأقدام قرابة الساعة، في منطقة جبلية ذات مسالك وعرة، يصعدون خلالها ضلعا مستقيما شاقا، ومنطقة خالية من السكان والبيوت والمزارع (أطوار العفارة) ، لذلك أشفق عليه والده لصغر سنه ، فآثر تأخير تسجيله إلى أن يكبر قليلا، ليشتد عوده ويقوى ساعده ، فلم يلحقه بالمدرسة إلا عندما بلغ السابعة من عمره.
أحس حينها بشيء من الإحباط، وهو يرى إخوته وأبناء عمومته وجيرانهم من الطلاب ، وهم في غدوهم ورواحهم من والى المدرسة، فكان يتحرق شوقا إلى الانضمام إليهم ، ولمّا يدرك ما يعانونه من مشقة الطريق وبعدها ، مما يتطلب التحرك من بيوتهم قبل طلوع الشمس ، ولا يعودون إلا قبيل صلاة العصر، ولكنها اللهفة لاكتشاف هذا العالم المجهول، طغى في نفسه عن كل ما سواه ، لأجل ذلك كان يرقبهم في غبطة، وهم ينطلقون مع كل صباح، في طريقهم إلى المدرسة، حتى يغيبون عن ناظريه، ويرقبهم وهم عائدون في المساء، وكم حلم بان يكون رفيق دربهم ، يحمل حقيبته وكتبه كل صباح مثلهم، ويردد القراءة والأناشيد معهم، وكم من صور وردية كانت تداعب مخيلته الصغيرة تسابقهم ، وتحلق في عالم المدرسة الجميل.
مع بداية العام الدراسي 1400/1401هـ، وقد تحفزت نفسه كثيرا ، وبلغت قمة الرغبة والجاهزية ،هاهو يصل إلى تحقيق حلمه ، و يسير أمام إخوته في رحلة المستقبل العظيم، وما زال يواصل سيره في هذا الطريق الممتع ، حتى فاقهم وفاق كل أقرانه، وتفرد دونهم في المقدمة ، لم يتخلى عنها أو يتقهقر، وفقه الله وزاده رفعة وأعلى من درجاته دنيا وآخرة (..... سلك الله به طريقا إلى الجنة).
بعد التحاقه بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية بفيفاء، التي بقي فيها إلى الصف الخامس الابتدائي، متفوقا متطلعا دوما إلى الأمام ، لا يرضى بديلا عن المراكز الأولى طوال هذه الفترة ، وفي الفصل الدراسي الثاني من ذلك العام ، حولت الدراسة في المدرسة مؤقتا إلى الفترة المسائية، لملاحظات فنية على المبنى، تطلبت ترميمه والبحث عن مبنى بديل، فأثر ذلك على برنامجه اليومي في الذهاب والعودة دون بقية الأخوة، فلم يعد معه منهم احد ، فقد تخرجوا وانتقلوا إلى المراحل العليا ، لأجل ذلك سعى والده لنقله إلى المرحلة التمهيدية في المعهد العلمي، التي توازي الصفين الخامس والسادس الابتدائي، لكي يطمئن عليه مع أخوته في مكان واحد، يذهبون ويأتون مع بعضهم .
تم قبوله مباشرة في الصف الثاني تمهيدي ، التي تعادل الصف السادس الابتدائي ، وبعد نجاحه من هذا الصف، انتقل مباشرة إلى المرحلة المتوسطة في المعهد ، وواصل نجاحه وتفوقه سنة بعد أخرى، وأحب المعهد ودروسه وأبدع، وكان له الكثير من الأنشطة ألا منهجية ، ومن أقطاب إذاعة المعهد ، فمضت به سنين المعهد سريعة حلوة هنيئة، إلى أن تخرج من الصف الثالث الثانوي في العام الدراسي 1411/1412هـ ،بتقدير (ممتاز) .
وكانت له في هذه المرحلة العديد من الذكريات الجميلة، وغير الجميلة، وان كان غير الجميل هو الذي يبقى في الذاكرة ، ويصبح له حلاوة ومتعة لا تنسى ، وهي التي يستعيدها الإنسان في الغالب ، فلبعد منزلهم عن المدارس التي درس فيها ، سواء ابتدائية تحفيظ القرآن الكريم، أو في المعهد العلمي، وللطريق الشاق المتعب الذي يسلكونه كل يوم، ذهابا وعودة من واليها ، على مدار فصول السنة وتقلباتها الجوية، واختلاف المناخ بين شمس وغيم وحر وبرد، ورياح وأمطار، وما يتعرض له من مخاطر الطريق ومسالكها الوعرة ، وما يصادفه من حشرات وهوام وحيات خطرة، وما يعترضه فيها من بعض الحيوانات المؤذية والكلاب الضالة ، وما يمر به من مناطق موحشة، ومزالق خطرة ، فهو يسلك في طريقه مع أخوته بعض الغابات والأشجار والأحراش الملتفة ، فيقابلون في طريقهم الكثير من الصعوبات والمواقف الخطرة ، لنسمع منه شيئا من ذلك ، ونعيش معه بعض المواقف، ولنختار ما يخص ذكرياته مع الأمطار، وما أكثر نزولها في تلك النواحي، (زادها الله بركة ونماء) ، وحكايته مع هذه الأمطار أكثر تخليدا ، لأنه يتعرض لها كثيرا، ولكنه في بعض الأحيان لا يجد ما يتقيها به، لإتيانها فجأة دون احتياطا منه مسبق ، ولوجود مسافة بعيدة تفصله عن منزله، في منطقة شبه خالية من البيوت التي قد يحتمي فيها خلال نزول هذه الأمطار، فيقول عن شيء من هذه الذكريات :
بسبب بُعد المنزل عن مقر المدرسة، والظروف المناخية التي كانت تشهدها المنطقة في بعض الأحيان، من سقوط الأمطار الغزيرة، وجريان السيول في أوقات متعددة من العام، وفي ظل تعوّدي على الانضباط، وعدم أخذ الأعذار حجة للغياب، فقد كانت لي مع تلك الأجواء بعض المواقف، ومنها موقفان لا زلت اذكر تفاصيلهما جيداً :
الموقف الأول: حين كنت في الصف الخامس الابتدائي، وتحديداً في الفصل الدراسي الثاني، (كان عمري حينئذ حوالي 12 سنة) نُقل مقر الدراسة في التحفيظ إلى ثانوية فيفاء بنيد الدارة، بسبب أعمال الترميم التي أجريت على مبنى التحفيظ، وحُوّلت الدراسة إلى الفترة المسائية من بعد الظهر إلى بعيد العصر، وفي أحد الأيام وبعد خروجي من المدرسة بعد العصر، كانت الأمطار قد بدأت في الهطول، وواصلت المشي إلى (مبسط) إذ لم أصل هناك إلا وقد اشتدت الأمطار جداً، وكانت مصحوبة بهواء شديد، بالإضافة إلى البرق والرعد المتواصل، كان الجو في غاية الرعب، وكان بيتنا لا يزال بعيداً، والطريق وعر، وربما كان معرضاً للانهيارات بسبب شدة الأمطار والسيول، حاولت الاختباء بجانب أحد البيوت في مبسط، ولكن ذلك لم يَـحْـمِني من غزارة الأمطار، وقوة الرياح وشدة البرد، الذي بدأ يزلزلني بسبب تبلل ثيابي بالكامل... لم أكن أجرؤ على طرق باب بيت لأحتمي به، اختلطت دموعي مع قطرات المطر، ولكن هذا الموقف الشديد لم يشلّ تفكيري في البحث عن مخرج من هذا الموقف، هداني تفكيري إلى أن اطلع إلى بيت الشيخ حسن بن أحمد آل خفشة رحمه الله(النغوة) فقد كان لي فيه قرابة، إذ كانت زوجة الشيخ جدةً لي (أختاً لجدي لأمي) رحمها الله، قررت الذهاب إلى ذلك البيت رغم شدة تبلل ثيابي، وبعد الطريق قليلاً في ظل تلك الظروف، وحين وصلت إلى البيت استقبلتني جدتي، وجففت ثيابي الخارجية، وأحضرت لي جمراً أستدفئ به، وغطتني ببطانية إلى أن ذهب عني ما بي من بَرْد وخوف، وقبيل المغرب كانت الأمطار قد توقفت، فخرجت من عندهم متوجها إلى بيتي من طريق (العفارة)، وحين وصلت البيت لا أذكر أن أهلي كانوا قد (قلقوا) علي، إذ كانوا يظنوني بقيت في المدرسة حتى انقطاع المطر.
الموقف الثاني: وكان حينئذ في الصف الأول الثانوي بالمعهد العلمي، وتحديداً في أيام الاختبارات النهائية للفصل الثاني، خرج من بيته صباحاً والأجواء تنذر بالمطر، وتوجه إلى الطريق الذي يسلكه عادة، (طريق العفارة، ثم الاتجاه باتجاه الجُرَنَة، ثم وسط البقعة إلى المعهد) ولم يحتط لنفسه بمظله كما فعل بعض زملائه الذين يتقابل معهم في الطريق، وبعد خروجه بقليل بدأت الأمطار تسقط خفيفة واشتدت قليلاً بعد تجاوزه ( الجُرنة)، وحين وصل (الشِّباب) كانت ثيابه قد تبللت كثيراً، وحينها عزم على العودة إلى البيت لتغيير ملابسه رغم محاولة أصحابه أن يثنوه عن ذلك، وبخاصة أن موعد بدء الامتحان قد اقترب إذ لم يبق على بدايته إلا قريباً من نصف ساعة، لكنه أصر على موقفه، عاد إلى البيت جرياً، وغيّر ملابسه، وأخذ مظلته، ورجع مسرعاً، وصل إلى المعهد وقد مضى على بدء الاختبار أكثر من خمس دقائق، لكن الموقف الذي لن ينساه أن مدير المعهد الشيخ عبد الله بن حسن (حفظه الله)، وبعد أن علم بالموقف الذي حصل من زملائه الذين وصلوا قبله، أمر مراقب الاختبار في الصف أن يتريث قليلاً بتوزيع الأسئلة حتى وصوله، وهو ما تمّ بالفعل، حيث لم توزع الأسئلة إلا بعد دخوله قاعة الامتحان.
هذه المواقف وان كانت في نظر البعض بسيطة، ولكن لها دلالاتها، فالموقف الأول يدل على حسن التصرف منه رغم صغر سنة، ثم وضع الأهل واطمئنانهم على مثله وهو في هذه السن، وما يعرفونه من الطريق الذي يقطعه وحيدا، في مناطق خالية مهجورة، وفي هذا الجو العاصف الممطر، وما قد يتعرض له بسبب ذلك ، فلو قارنا بين حالهم وحال كثير من الأسر اليوم وحتى في ذلك الوقت ،لأحسسنا بالتميز في تلك الأسرة، من حسن التوكل وقوة الإيمان ، والصبر والجلد والتعود على المصاعب، (وما نيل المطالب بالتمني) ، ثم نلحظ أن النظام الذي كان مطبق في بيتهم من (الوالد) حفظه الله، أن الدراسة وطلب العلم في رأس الأولويات، فكان حازم في المواظبة على الدراسة مع الجميع ، فالغياب عن المدرسة فكرة مرفوضة لديه ، إلا في نطاق ضيق جداً، حين يكون الابن مريضاً مرضاً شديداً، لا يستطيع معه القيام من فراشه، ولذا فقد تعوّد احمد على الانضباط في الدراسة وعدم التغيب عنها، وقد امتد معه ذلك إلى المرحلة الجامعية (كما يقول)، فعلى الرغم من بعده عن والده، بالإضافة إلى النظام الجامعي الذي يتيح للطالب فرصة غياب ما لا يزيد عن 20% من ساعات المقرر الواحد، إلا أنه كان منتظماً في حضوره، لدرجة أن مجموع عدد الأيام التي تغيبها، طوال الدراسة في المرحلة الجامعية والدراسات العليا، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة .
وما يميزه أيضا ومن تلك السن المبكرة ، ما جبل عليه من قوة الشخصية، وحسن الخلق والسمت والهدوء والأدب الرفيع ، والانضباط والجدية في كل أموره ، لذلك كان يكلف بمهمة (عريف الفصل) في جميع الصفوف الدراسية، من الصف الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي .
بعد تخرجه من المعهد العلمي، بادر حاملا شهادته، ميمما مدينة الرياض، وهناك التحق بكلية اللغة العربية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حلمه وطموحه وميول نفسه ، فتم التحاقه بها وعاش فيها أحلى سنين عمره ، وهنا فقط ارتاح من عناء الطريق ، ولكن في المقابل عان من فقد الأسرة بالبعد عنها ، ومن فقد حنان الوالدين الدافق، ولكنه دارى نفسه واشغلها بالأهم، من تحصيل العلم وبناء المستقبل، وانطلق يمتع نفسه بالدراسة واكتساب الكثير مما يتشوق إليه من المعارف وطلب العلم، وتعرف على العديد من الزملاء والأصدقاء، واكتشف المواهب الكامنة في داخل نفسه ،فنال النجاح اثر النجاح ، وكسب الثقة بنفسه في كثير من الأمور، ومضت به السنين سريعة، إلى أن تخرج من الجامعة في العام الجامعي 1416/1417هـ، وحصل على شهادتها بتقدير (ممتاز).
والتحق مباشرة بالسنة المنهجية للدراسات العليا (مرحلة الماجستير)، بقسم الأدب في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، وحققها بتفوق وحصل على تقدير (ممتاز)، مما أتاح له فرصة مواصلة الدراسات العليا لمرحلة الماجستير بالقسم، وحصل على درجة الماجستير في الأدب العربي، من كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1424هـ بتقدير( ممتاز ) وكان عنوان بحثه لهذه الرسالة ( عزيز ضياء ناثراً).
وفي أثناء عمله معلماً،في مدارس الحرس الوطني، لاحظ ضعف الطلاب في مهارات اللغة العربية، ورأى أن الحاجة إلى تطوير مناهجها، وطرائق تدريسها، مما شجعه على الالتحاق ببرنامج الماجستير، في تخصص المناهج وطرق التدريس، بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وحصل على درجة الماجستير، بتقدير (ممتاز) في عام 1426هـ، وكان عنوان البحث المكمل للدرجة العلمية (أسباب ضعف طلاب المرحلة المتوسطة في مهارات التعبير، من وجهة نظر المعلمين والمشرفين التربويين).
التحق في عام 1429هـ ببرنامج الدكتوراه، في تخصص المناهج وطرق التدريس، بكلية العلوم الاجتماعية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وحصل على درجتها العلمية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى في عام 1433هـ، وكان عنوان بحثه المقدم فيها (تطوير منهج الأدب للصف الأول الثانوي بالمملكة العربية السعودية في ضوء مقومات التذوق الأدبي) .
وقد التحق بالعديد من الدورات التدريبية في المجال التربوي، والتدريب، واللغة الإنجليزية، وتنمية الذات.
الدراسات والأبحاث:
قدم العديد من الدراسات والأبحاث في مسيرته التعليمة، بما يتعلق برسالتيه في الماجستير، ورسالته في الدكتوراه ومن هذه البحوث والدراسات ما يلي :
• عزيز ضياء ناثراً . (رسالة ماجستير في الأدب العربي مقدمة إلى قسم الأدب بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية )، عام 1424هـ .
• أسباب ضعف طلاب المرحلة المتوسطة في مهارات التعبير، من وجهة نظر المعلمين والمشرفين التربويين، ( بحث مكمل لنيل درجة الماجستير، في مناهج وطرق تدريس اللغة العربية من قسم التربية "قسم المناهج وطرق التدريس حالياً " بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) ، عام 1426هـ .
• نشرت مكتبة الملك فهد الوطنية في عام 1426هـ جزءاً من رسالته للماجستير في تخصص الأدب، وذلك في كتاب مستقل بعنوان (عزيز ضياء حياته وآثاره وما كتب عنه).
• بحث الدكتوراه (تطوير منهج الأدب للصف الأول الثانوي بالمملكة العربية السعودية في ضوء مقومات التذوق الأدبي) ، عام 1433هـ .
• له عدد من الدراسات العلمية المعدة للنشر، في مجال مناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها.
العمل الوظيفي:

كان حلم حياته أن يعمل في التدريس، خير المهن وأفضلها ، وكانت (شخصية المعلم) من الشخصيات التي تأثر بها منذ وقت مبكر في حياته، فقد كان في مراحل دراسته الأولى يتخيل نفسه معلماً، وقد أتاحت له المسافة التي يقطعها من البيت إلى المدرسة والعكس، فرصة للذهاب بعيداً في هذا الخيال، وبخاصة حين يكون وحيداً في ذهابه أو عودته، فيتخيل الشجر والحجر في طريقه طلاباً يقف أمامهم، يحدثهم ويشرح لهم، ويعنّفهم، وقد يجنح به خياله إلى آفاق بعيدة في ذلك، فيقوم بمعاقبة بعض الأشجار وضربها بالعصا التي يحملها في يده، كرمز لكونه معلماً قويّ الشخصية.
ولكن مع ذلك وقد حصل على الشهادة (الجامعية) التي تؤهله لكي يحقق حلمه في أن يكون معلما، فلم يستعجل البدأ في التنفيذ، رغبة منه في اكتساب مزيد من العلوم والدراسات العليا،خشية أن تحد الوظيفة من طموحاته ،وتعرقل مسيرته ، فلم يقدم أوراقه للعمل الوظيفي ، بل قدمها لمواصلة دراسته العليا في السنة المنهجية للماجستير، فلما تم قبوله بها لم يشغل نفسه طوال عام دراسي كامل بغير التفرغ لهذه الدراسة، فلما انتهى من هذا العام وقد حقق النجاح المطلوب ، سعى أولا في تسجيل البحث العلمي المكمل للرسالة ، ولطبيعة احتاج التحضير للبحث العلمي، كان يتردد كثيرا على مكتبة الملك عبد العزيز، ليستعين بما تحويه من المراجع والكتب، فتعرف أثنائها على مدير هذه المكتبة، وبعد تفكير خطر له فكرة إيجاد عمل داخل المكتبة ، ليصيد عصفورين في وقت واحد(كما يقال) عصفور الوظيفة ،والثاني وهو الأهم أن يكون بين الكتب بصفة مستمرة، مما يعينه على بحوثه وتحصيله العلمي، ولما أبدى تلك الرغبة لمدير المكتبة ، وأطلعه على شهاداته وتقديراته، رحب به كثيرا، ولكنه عرض عليه بدل أن يعمل في المكتبة ، أن يعمل في مدارس الحرس الوطني، فكان مدير المكتبة مستشارا تعليميا ومتعاونا مع الحرس الوطني، وقد أقنعه بهذا العرض حين لامس وتر الرغبة الكامنة في نفسه وشغفه بالتدريس، مع ما قدمه له من حوافز ومغريات، فوعده بالمستوى الرابع في هذه المدارس ،حين كانت وزارة المعارف لا تعطي إلا المستوى الثالث، مع إتاحة الفرصة له بمواصلة دراسته العليا ،فوافق بعد الاستخارة وقبل بالعرض ، وكان في ذلك الخير والتوفيق بحمد الله ومنّه .
تعين معلماً في مدرسة سعد بن أبي وقاص المتوسطة، بمدارس الأبناء بالحرس الوطني ، وكانت مدارس الحرس الوطني في تلك الفترة كمثيلاتها في بقية القطاعات العسكرية، مستقلة عن وزارة المعارف، ولها إدارة خاصة بها ،ضمن إدارات الحرس الوطني ، واستمر يعمل فيها على مدى خمس سنوات، من عام (1418هـ إلى عام 1422هـ) وكان في أثناء هذه الفترة قد أنهى بنجاح رسالة الماجستير في الأدب العربي.
في عام 1423هـ تمّ اختياره ليكون أحد أعضاء هيئة التدريس بمعهد القرآن الكريم، بالمدارس العسكرية بالحرس الوطني، وهذا المعهد معهد متخصص لتخريج الأئمة والدعاة من أفراد الحرس الوطني ، وله نظام خاص به وبأعضاء التدريس فيه، حيث للقائمين عليه، الصلاحيات في اختيار الصفوة من العاملين، في بقية مدارس الحرس الوطني، وأثناء عمله في هذا المعهد المتميز ، كان من ضمن المشاركين في لجنة التحكيم فيه، لمسابقة خادم الحرمين الشريفين، لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، للطلاب والطالبات، وذلك من عام 1427هـ إلى 1431هـ ، قبل أن ينتقل إلى الجامعة وبعد انتقاله، حيث استمر عمله في المعهد لمدة ست سنوات من عام (1423هـ إلى 1428هـ).
وفي عام 1429هـ طلب الانتقال للعمل محاضراً، بقسم المناهج وطرق التدريس، (قسم التربية سابقاً) بكلية العلوم الاجتماعية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتم له ذلك.
وفي عام 1432هـ كُلِّفَ بقرار من معالي مدير الجامعة، بالعمل وكيلاً لقسم التربية الخاصة، الذي تم افتتاحه بكلية العلوم الاجتماعية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك لمدة عام واحد، ثم أعيد تكليفه بهذا العمل خلال العام الجامعي الحالي 1433/1434هـ ،وفقه الله وأعلى من درجاته.

اللجان والجمعيات العلمية:
العمل الجامعي يتطلب من عضو التدريس، الحركة والنشاط والبذل المستمر، وبقدر ما تعطي وتنتج ترتفع درجتك ومكانتك العلمية والوظيفية في الجامعة، حتى إن ترقيات عضو هيئة التدريس ترتبط بقدر نتاجه الفكري، وبحوثه العلمية المحكّمة، لأنه إذا ما توقف عن تنشيط فكره وزيادة معلوماته، توقف به الحال عند مستوى معين، وارتد عليه ذلك عجزا وقصورا، لذا فكان ربط العطاء والبذل العلمي بالارتقاء في السلم الوظيفي ،والدرجات العلمية ، اكبر تحفيزا لعضو التدريس لكي يضاعف جهده ويحسن من قدراته العلمية .
ومع انه حديث الالتحاق بالجامعة ، ولكن لطموحه ونشاطه، وغريزة المنافسة المتأصلة لدية على الصفوف الأولى ، حتى وكأنها صفة له لا وصفا، فهو شعلة من النشاط والعطاء، وهو ديدنه في كل الأحوال، تعوده وسار عليه في كل أموره ، بل وأصبح نهجه وطريقته ، فنجده مشاركا في العديد من الأنشطة والفعاليات ومنها:
• عضو اللجنة الدائمة لتأسيس وإعداد خطط قسم التربية الخاصة، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
• عضو لجنة التوثيق وتقنية المعلومات، بكلية العلوم الاجتماعية.
• عضو في الجمعية السعودية، للعلوم التربوية والنفسية.
• منسق لجنة التحكيم، بمسابقة خادم الحرمين الشريفين، لحفظ القرآن الكريم، والسنة النبوية، للطلاب والطالبات منذ عام 1427هـ/ 1431هـ ، قبل أن ينتقل إلى الجامعة عندما كان احد أعضاء هيئة التدريس بمعهد القرآن الكريم في الحرس الوطني.
• بالإضافة إلى عضويته في عدد من اللجان العلمية، بقسم التربية سابقاً، وفي قسم التربية الخاصة.
الأنشطة الاجتماعية:
هو إنسان اجتماعي من الطراز الأول، لا يحب العزلة ولا يطيقها، يعيش بين الناس مشاركا بنفسه وفكره وماله ، مؤثر في محيطه ومجتمعه ، يسعى لكل ما يقوي أواصر التقارب والمحبة والألفة، بين كل من حوله، مشاركا في تنظيم العديد من الملتقيات والأنشطة الاجتماعية، والثقافية والرياضية لأبناء فيفاء في مدينة الرياض، ويُعد أحد مؤسسي دورة أبناء فيفاء الرياضية بمدينة الرياض، التي تقام سنوياً منذ ثمانية عشر عاماً، كان في البداية لاعبا، أثناء ما كان طالبا في الجامعة ، ثمّ منظما ومن ابرز الداعمين المهمين لها، وكذلك مع قرينتها دورة الصداقة ، التي تقام مرادفة لدورة أبناء فيفاء ، وهي الآن في عامها السابع ، وبسبب أدواره الايجابية المؤثرة ، ومكانته وقربه الشديد من الشباب العاملين في هذه الدورات، ولثقة الجميع بتوجهاته وقدراته التنظيمية والإدارية الفاعلة ، تم اختياره بالإجماع رئيسا للدورات الرياضية لأبناء فيفاء في مدينة الرياض، بدءاً من هذا العام 1434هـ ، ولمدة أربع سنوات ، ويكون من مهامه في هذا المركز،انه المسؤول الأول عن تنظيم كل الدورات الرياضة، لأبناء فيفاء في مدينة الرياض ، من تحديد مواعيدها، ورسم خططها، وسن أنظمتها والإشراف على تطبيقها ، واختيار الرؤساء المنظمين لكل دورة منها كل عام، وحفظ أوراقها، وارشفت المعلومات عنها، وكل ما يتعلق بها في هذا المجال، ومعالجة مشاكلها وما يترتب عليها ، ونتوقع لقدراته بعد توفيق الله تحقيق نقلة كبيرة لهذه الدورات المهمة لأبناء فيفاء في مدينة الرياض، بجميع فئاتها شبابا وأشبالا وناشئين وجميع الأعمار السنية، نتمنى له التوفيق، ومزيد من النجاح في هذا الجانب، وكل الجوانب في حياته الاجتماعية والعلمية والعملية .

الحالة الاجتماعية:
زوجته هي الفاضلة/منيرة بنت حسين اسعد الاخشمي الفيفي ، ولهما من الأولاد :
1. نسرين تدرس في صفوف الروضة.
2. غسان في عامه الأول .
حفظهما الله وأصلحهما، وجعلهما بارين بوالديهما، وقرة عين لهما.
وبعد فهذا نموذج، يحوي العديد من الميزات، التي تضافر على إبرازها فيه، حسن التربية والإعداد الجيد من الوالدين، حيث ربيها على الصدق والتقوى، والالتزام والمثابرة والإصرار والعزيمة، منذ الصغر في بيتهما، وتعاهداه به حتى شب عن الطوق، إلى أن أصبح له سجية وخلقا لا ينفك عنه، ثم بما وهبه الله إياه من الهمة العالية، وقوة الإرادة، وحسن إدارة الوقت واستغلاله في النافع له، ولمن حوله في مجتمعه، وبنى نفسه وعقله بكل نافع من العلوم والمعارف.
أنار الله دربه، وحفظه بحفظه، ووفقه لكل خير، وكثر من أمثاله في مجتمعاتنا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم/ عبد الله بن علي قاسم الفيفي ــ ابو جمال
الرياض في 27/3/1434هـ

الاستاذ يحيى بن هادي بن علي آل خفشة


الطمأنينة صفة لا تأتي من فراغ، ولا يتحلى بها إلا قلة من الناس، تحسها من خلال تعاملك معهم، ومن خلال تواصلك الايجابي بهم، هي تنبثق من داخل النفس ، لتنعكس على تعامل وتصرفات المتصف بها، وهي في العادة تفيض من النفس يحسها ويستشعرها الذين من حوله، من خلال معاشرته والتعامل معه، وهي في حقيقتها ردة فعل، ونتاج لقوة الإيمان والتقوى، ودليل على ثبات الفكر، وحسن التصرف، وشجاعة القلب ، وتعلقه التام بالله سبحانه وتعالى.
فهناك إنسان تشعر وأنت بالقرب منه بالطمأنينة والسكينة والوقار، وإنسان لا تشعر بشيء من ذلك ، بل قد تشعر بكثير من التوجس والخوف والريبة، وعدم الارتياح النفسي بقربك منه، فتسارع إلى البعد عنه متى ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فالأول إنسان قوي الإيمان ، كريم الأخلاق، حسن السمت، كثير البشاشة، يقابلك دوما ببسمة مشرقة، وضياء جبين لا يفارقه، طلق المحيا، هادئ في طبعه وفي حديثه وفي تعامله، ومع ذلك فكلامه قوي النبرة ليس فيه خنوع ، موزون العبارة لا يتلعثم ، تتميز تصرفاته وتفاعله بالثبات والركود، وكل ذلك سجية وطبعا من دون تكلف ، بخلاف الآخر الذي تلقاه مترددا، مهزوز العبارة ، كثير الريبة والشكوك، نظراته زائغة متوجسة ، لا يثبت على وضع واحد ، متصفا بالتملق والوصولية، ثرثار من غير فائدة ، كثير التقلب والكذب، يسعى دوما للمظاهر الكذابة والمخادعة.
إن الإنسان في جبلته كتلة من المشاعر والأحاسيس، تتشكل وتبرز على شخصيته إما سلبا أو إيجابا، لتفصح عن معدنه، وطوية نفسه، وكمال معتقدة ، وصاحب سيرتنا من النوع الايجابي، الذي تطمئن إليه كلما اقتربت من محيطه، تجده هادئ في كل أموره، وفي كل تعاملاته، وفي جميع تصرفاته، وفي ردود أفعاله، فهو بحر لا ساحل له من الأخلاق العالية، والصفات الجميلة الراقية، التي يتحلى بها جبلة لا تجملا، لأنها صفة أصيلة فيه ، تنبع عن تربية عالية ، وثقة مطلقة، ووضوح رؤيا ، فهو واثق من نفسه ومن ثقافته ، شجاع في أموره، وفي قراراته، وفي كل أحواله ، عركته الحياة وعركها ، منذ صغره وحداثة سنه ، فكان من صغره وما زال على مقاعد الدراسة المبكرة ، مستقلا بنفسه معتمدا عليها في كثير من أموره ، يسعى إلى توفير احتياجاته بنفسه، هكذا رباه والده وهكذا هو تكوينه ، كان من صغره يشارك أباه في العمل في المزرعة ، حتى أتقن كل أعمالها، وما يلزم لها إلى أن تمرس بذلك ومهر فيه، فكان والده يعتمد عليه كثيرا في هذا المجال ، بل ولا يمنعه إذا ما رغب في العمل لدى الآخرين من الجيران والأقارب، حيث أعطاه ومنحه الثقة بنفسه ، وعوده على اختيار ما يراه مناسبا له في حياته ، ولا يناقشه في كثير من اختياراته ، بعد أن أدرك حصافة رايه، وحسن اختياره ، فألف العمل حتى أدمنه وأصبح يجد اللذة فيه ، وفي الكدح المثمر في مجالات الحياة ، بل وصل به الأمر إلى انه لا يرضى أن يبقى عاطلا دون عمل مثمر مفيد ، فكان يمارس هوايته في الحرث والزرع والقلع ، وفي إعادة بناء المدرجات الزراعية المتهدمة، ومع هوايته تلك الغريبة،فلم توثر على اهتمامه بمستقبله وتحصيله العلمي، فقد كان يحرص على أن لا تؤثر أو تتعارض مع دراسته، فكان لا يعمل إلا في العطل المدرسية وفي أوقات الفراغ ، وكان يشرك معه في كثير من تلك الأعمال بعض ممن هم في سنه من أصدقائه وأقربائه وجيرانه، فيشجع بعضهم بعضا ، ويكونون في نفس الوقت قريبين من بعضهم ، لذلك كان يجني من خلال ذلك بعض المال البسيط، ويكسب الخبرة والتعلم والاعتماد على النفس ، فحقق ذاته وتعرف على قدراته، وكسب من خلالها ما يعينه ماديا في قضاء معظم حوائجه، فكان يشعره ذلك بكثير من الفخر بنفسه، وإحساسه بالاستقلالية، وفي المقابل كان يريح والده، ولا يكلفه أو يرهقه بطلباته المحدودة، فاكتسب الكثير من الخبرات الحياتية ، وتمتع بالصحة والنشاط البدني والنفسي ، والبنية الجسدية القوية، الواضحة عليه إلى اليوم.
انك تشعر وأنت تتعامل مع هذا الإنسان منذ طفولته، بأنك تتعامل من إنسان كبير السن ، لديه الكثير من التجارب والخبرات المتعددة ، يشعرك بأنك مع إنسان صبور ومجتهد ومكافح ، وتحس بأنه إنسان فاهم مستوعب للحياة ،وقور كريم النفس ، فهو يحسن التعامل والتصرف في كل أموره وفي كل حياته ، يحترم نفسه ويحترم قدراته ويحترم الآخرين، يسير وفق برنامج منظم مدروس، قد فهم الحياة وعركها وعركته، فاهم ومستوعب للحياة، قد حدد أهدافه ورسم طريقه ، فهو يسعى إليه بكل قوة وثبات وطمأنينة، فيعطي كل ذي حق حقه، دون تنازل منه عن حقوقه وعن قوة شخصيته وعزة نفسه ، يجبرك أن تحبه وتقدره وتحترمه، وان لا تفرط في التمسك بصداقته والقرب منه، تشعر حقا وأنت بالقرب منه بالطمأنينة والسكينة والوقار، وهي أفضل صفة يحسن توافرها في أمثاله ممن يمارسون مهنته ، فيما يتعلق بعمل الأطباء والمعالجين في كل الفروع والتخصصات، لان اطمئنانك إلى من تتعامل معه ، يولد في نفسك الراحة والايجابية، فتتقبل أقواله وإرشاداته وتتأثر بها، فتنفعك وتستفيد منها.
تجد كل هذه الصفات الايجابية وأكثر منها، وتستشعرها حقيقة في صاحب سيرتنا، انه ولا شك الاستاذ/ يحيى بن هادي بن علي بن احمد آل خفشة الابياتي الفيفي.

image

والده هو هادي بن علي، الذي لا شك انه اخذ منه الكثير، في هدوء طبعه ودماثة أخلاقه ، فهو وان كان بسيطا في حياته، ولكنه في واقعه كتلة من الخبرات والتجارب والمهارات والإبداع ، التحق في بداية شبابه في حوالي عام 1373هـ بالجيش السعودي، جنديا في مدينة الطائف ، وبقي فيها لأكثر من ثلاث سنوات ، وفي هذه الأثناء توفي والده (علي بن احمد رحمه الله)، مما اضطره إلى ترك هذا العمل والعودة مرغما إلى فيفاء ، ليكون قريبا من والدته وأخواته، وبعد أن استقر به المقام في فيفاء ، اتخذ من العمل في مزرعتهم مصدر لمعاشه ، وفي العمل لدى الآخرين بالأجر اليومي، واشتهر بإتقانه للبناء الشعبي بالحجارة، وكانت من المهن الهامة والضرورية في تلك الفترة ، قبل أن يدخل التغيير الحاصل في عصرنا الحاضر على حياة الناس، بما توفر لهم بفضل الله وتوفيقه في ظل هذه الدولة المباركة (حفظها الله) من تغيير في كل نواحي الحياة، شمل الأرض والإنسان ، فاستبدلوا بيوتهم الحجرية ببيوت حديثة مسلحة ، حتى انقرضت تلك المهنة وغيرها من المهن الكثيرة ، ولان طبيعة هذا الرجل (حفظه الله) كانت من النوع المبدع الذي يسعى إلى إتقان العمل الذي يقوم به، ويمارسه بكل احترافية ومهارة ، فأنت عندما ترى البيوت القديمة، تشعر بعظمتها ومتانة بنيانها، وما تحتاج إليه من مهارة عالية وإتقان، وهو مع ذلك في أموره العادية إنسان بشوش، لا تلقاه إلا مبتسما مشرق المحيا ، يميز طبعه الهدوء والطمأنينة والوقار، سواء في حديثه أو تعامله، وفي أموره كلها ، فإذا ما تحدث أسرك بحسن كلامه، وسعة معلوماته، وسمته وحسن أدبه وأخلاقه وجم تواضعه.
لقد تزوج بعد عودته إلى فيفاء، من الفاضلة مريم بنت حسن بن احمد آل هديش الابياتي الفيفي، وسكن مع زوجته هذه في بيت (الغرز)، ثم في بيت (الربدة) ، وترك بيتهم (الثميلة) لوالدته وأخواته ، وكل هذه البيوت بالطبع تقع في وسط بقعة العذر، وقد ولد لهما بكرهما (يحيى) في هذه الأثناء في حوالي عام 1381هـ وان كان المسجل في بطاقته الشخصية انه من مواليد عام 1378هـ ، وتربى في حجرهما وفي رعايتهما، على الكثير من الفضائل والحلم والأناة، والاعتماد على النفس، وحب الخير لكل الناس.
تعليمه:
ألحقه والده قبل المدرسة الابتدائية، في معلامة عبد الله بن شريف العبدلي (رحمه الله)، التي أقامها لفترة وجيزة في نيد الدارة، ثم ألحقه بعدها في معلامة موسى القيسي (يمني )، كان يدرس بجوار بيت البديع، بيت حسن بن يحيى العمري ، الواقع في جبل العمريين تحت بيت المرجلة.
ثم ادخله والده المدرسة الابتدائية القائمة في النفيعة، وان تأخر دخوله إليها قليلا، ولكنه انتظم في الدراسة برغبة جامحة إليها، فكان طالبا مجدا متفوقا، اجتاز سنواتها بيسر وسهولة، فكانت الأمور تسير معه فيها بنمط واحد وعلى وتيرة واحدة، من النجاح والتميز عاما بعد عام، فما إن بلغ الصف السادس حتى طرأ لهم شيء جديد ، وتجربة مختلفة وجب عليه وزملائه خوض غمارها، حيث لابد له ولزملائه أن يمرون بها، تتمثل في تأدية الاختبارات في هذه السنة النهائية، من المرحلة الابتدائية، في مدينة صبيا، أمام اللجنة المركزية التي تعقد فيها، حسب ما كانت تسير عليه الأنظمة في تلك الفترة وما قبلها، وذلك نظرا لأهمية هذه الشهادة في ذلك الوقت، وعلو شأنها مع بدايات التعليم النظامي، لقلة المتعلمين وفشو الجهل.
أين هم وأين مدينة صبيا، لقد كانت حينها بالنسبة للأغلبية من أهل فيفاء تعتبر مكانا بعيدا، وغربة صعبة، فكان هو ومعظم زملائه لأول مرة يغادرون فيفاء، ولأول مرة يركبون السيارة، مع ما تعنيه لهم رهبة الاختبارات، مع الشحن النفسي لما يسمعونه عنه من كثير ممن سبقوهم إلى أدائه، والمبالغات المصاحبة لكثير مما يقال ، ومن خلال التوجيهات والنصائح المتكررة بالمذاكرة والمراجعة، وتخويفهم المتواصل بان أمامهم اختبارا صعبا، فكل هذه رسائل تستقر في الأنفس وفي الوجدان ، فيستشعرون وكأنهم سيدخلون إلى معركة حربية حاسمة ، كل ذلك كان له رجع صدى من الخوف والرهبة غير المفهومة في أنفسهم.
لنستمع للحكاية منه وهو يعبر عنها بكل مصداقية، ويشرح فيها كل الخلفيات والتوجسات التي مروا بها، وما صاحبها لديه ولدى الكثير من زملائه من مشاعر وأحاسيس، وهي حالة معظم الطلاب في تلك الفترة وما قبلها وما تلاها، إلى أن تغيرت النظرة التربوية للاختبارات بصفة عامة ، فيقول:
ما إن أنقضى من العام الدراسي نصفه أو ثلثه، إلا ودق ناقوس الخطر، معلنا قرب موعد الاختبارات، الذي ليس عاديا بالنسبة لنا، فهو اختبار شهادة المرحلة الابتدائية ، وأي شهادة هي في ذلك الوقت.
لقد انتظرنا بفارغ الصبر وصول جدول الاختبارات، وما يسمى بأرقام الجلوس، وكان موعد بداية الاختبارات قد تحدد في يوم السبت 5/5/1395هـ في مدينة صبيا، وكان حينها يوافق بداية فصل الصيف، والجو فيها حار جدا، لم نألفه نحن أبناء الجبال في مناطقنا الباردة، وكان يزيد من حرارته الخوف الشديد، وهيبة الاختبارات، التي طالما سمعنا عنها الكثير من الأخبار المبالغ في معظمها ممن سبقونا، فيتحدثون دوما عن صعوبة الاختبارات، وعن تشدد وصرامة لجان المراقبة ، وقوة الأنظمة فيها.
لذلك وبعدما عرفنا موعد الاختبار، بدأت حالة الاستنفار الجادة، من عمل الجداول الخاصة للمذاكرة ، وعمل ملخصات ومذكرات، وسهر الليالي والتجمعات عند الزملاء، لعمل خطط إستراتيجية لهذا الخطر القادم .
كان الوقت يمر بطيئا، إلى أن حان موعد الرحيل ، وكانت الإدارة ممثلة في الاستاذ الكبير حسن بن فرح الفيفي (حفظه الله) الذي كانت هذه السنة هي أول سنة له في تعليم فيفاء ، فقد قامت المدرسة بالتنسيق لهذه الرحلة، وحجزت حافلة لنقل الطلاب (شاص مشدود) من فيفاء إلى صبيا، وتم تحديد الانطلاق من محطة (السربة) أسفل الجبل، وكان عددنا (16) طالبا، يرافقنا بعض من أولياء الأمور.
انتظمنا داخل السيارة بين الخوف والفرح ، الخوف مما نحن مقدمين عليه ، والفرح بهذه التجربة الجديدة ،وما إن تحركت السيارة، حتى بدأنا في ترديد الأهازيج الشعبية ،ندفع بها عن أنفسنا الخوف والملل، وقد استمرت الرحلة لما يقارب خمس ساعات ، كان الطريق متعبا ، كله حفر ومطبات، لأنه طريق ما زال ترابيا وعرا.
لما وصلنا إلى مكان إقامتنا المعد لنا في مدينة صبيا، وكان بيتا واسعا، مهيأ بوسائل الراحة المتاحة حينها، يقع في حي (الموابلة)، الذي يبعد عن المدرسة مقر لجنة الاختبارات حوالي 2كم ، ولا نعتبرها مسافة بعيدة بالنسبة لنا، رغم أننا سنقطعها يوميا ذهابا وعودة مشيا على الأقدام، لأننا متعودون على المشي في بيئتنا، والسير لمسافات طويلة، وكان السبب في اختيارهم هذا المكان، هو البعد بنا عن الضوضاء والضجيج داخل المدينة ، بسبب كثرة السيارات والدراجات النارية.
بدأت أيام الاختبارات ومضت سريعة ، كل يوم مليء بالذكريات والمشاهدات الجميلة ، وكان الاختبار بالنسبة لنا سهلا ميسورا، بسبب استعدادنا التام من قبل بوقت كاف .
ما إن أكملنا الاختبارات في آخر يوم منها، حتى توجهنا مباشرة بحافلتنا إلى إدارة التعليم بمدينة جيزان، لنستلم من هناك مكافأة إتمام الاختبارات، المخصصة للطلاب أمثالنا، الذين يحضرون إلى مقرات لجان الاختبارات من مدارس بعيدة ، وكان مقدار هذه المكافأة 200 ريال للطالب، وهو مبلغ كبير في تلك الفترة ، فتوجهنا بعد خروجنا من إدارة التعليم إلى احد الأسواق القريبة، في مدينة جيزان بقصد التسوق والفرجة ، وكان كل شيء نراه فيها غريب ومدهش ومغر في نفس الوقت، قمت بشراء بعض الهدايا والحاجيات، وقد اشتريت جهاز(راديو) مذياع ، بغرض سماع نتيجة الاختبارات، حيث كانت تعلن من خلال الإذاعة، وكان الجميع يترقبونها ليلا ونهارا بفارغ الصبر، أما أنا فللأسف فقد أعلنت النتيجة وأنا نائم، لذلك لم استفد من هذا المذياع للغرض الذي اشتريته من اجله ، ولكن الحمد لله كانت النتيجة طيبة، حيث نجح جميع طلاب مدرستنا.
ثم يقول بعد ذلك: ما إن حصلت على شهادة المرحلة الابتدائية، حتى بدأت الأفكار تدور في ذهني، فالخيارات أمامي كثيرة، والأبواب مشرعة تناديني ، فهل أواصل الدراسة في المرحلة المتوسطة، أم اكتفي بهذه الشهادة الكبيرة في نظري، كانت تراودني فكرة الالتحاق بالخدمة العسكرية، وأحيانا البحث عن وظيفة مدنية, ولكن أمام هذين الخيارين عقبة كبيرة، هي في كيفية استخراج الشهادة من إدارة المدرسة (الممثلة في الأستاذ حسن فرح) ، الذي احتفظ بكامل الشهادات في الإدارة بعد ورودها ، ولم يرينا إياها مجرد الرؤيا، ورفض بشده تسليم أي شهادة منها، حرصا منه على مواصلتنا للدراسة في المرحلة المتوسطة لديه, ومن ذا الذي يستطيع الانفكاك من قبضته الحديدية، وأخيرا استسلمت للأمر الواقع، وقررت الاستمرار في مواصلة الدراسة في المرحلة المتوسطة، (مكره أخاك لا بطل) ورغم صعوبة الحياة وقتها, وشح الموارد المالية لدى الوالد, ولكنها كانت مرحلة جميله جدا، بوجود نخبه من المعلمين الكرام، شجعونا على إتمام الدراسة، حتى حصلت على الشهادة المتوسطة.
وفي هذه المرحلة وسعيا مني للمشاركة مع الوالد (حفظه الله) للتغلب على بعض الظروف المادية ، كنت اعمل في الإجازات وأحيانا خارج وقت الدراسة، بالأجر اليومي، أو آخذ بعض المقاولات الصغيرة ، فكنت أعمل في البناء والزراعة {الفرس} وأحيانا في النجارة، فأقوم بتصليح بعض الأبواب الخشبية، بل وعملت في تلييس المباني الحجرية، وكان العمل أحيانا يتواصل من الصباح الباكر إلى منتصف الليل، خاصة عندما أكون مضطرا لإنهاء المقاولة في وقتها المحدد، لكي أحظى بثقة أصحاب العمل، ومع شدة الإرهاق والتعب المتواصل كنت أتمنى حلول الظلام سريعا ، لكي استغرق في نوم عميق ,ولكني مع ذلك استيقظ مع الصباح الباكر، مع صياح الديك وتغريد العصافير.
بعد حصولي على الكفاءة المتوسطة، تكرر نفس المشهد، ولان إحساسي كبر بواقعنا الأسري، حيث كانت الظروف المادية صعبة، وكان الوالد (حفظه الله) يكدح ويتعب اشد التعب في سبيل تأمين مصاريف الحياة، وأبواب الرزق محدودة ، ولما كنت اكبر إخواني، شعرت بضرورة المساهمة ولو بجهد يسير معه، على الأقل في تحمل احتياجاتي الخاصة ، وكنت قد فكرت وأنا في السنة الأخيرة من هذه المرحلة (المتوسطة)، في الالتحاق بالثانوية العسكرية في الخرج، لان لدي ميولا للخدمة العسكرية ، وهذه الثانوية طريق لتحقيق ذلك، وفيها ميزات مغرية كما اسمع، ومنها المكافأة المالية، ولما هيأت نفسي للسفر للتسجيل فيها، إذ بالوالدة تمر بوعكة صحية شديدة، وزادت حالتها سوأ بعد سماعها بسفري إلى خارج المنطقة، فلما رأيت ذلك وعدم رغبتها في ما عزمت عليه ، ألغيت الفكرة نهائيا وقررت البقاء لديها ، ومواصلة الدراسة الثانوية في فيفاء، وكان في ذلك الخير كل الخير.
أكملت المرحلة الثانوية والحمد لله بتفوق، وكان الطموح قد كبر معي اكبر واكبر، حيث قررت دراسة الطب، فسافرت إلى الرياض حاملا شهادتي الثانوية ، وسجلت مباشرة في جامعة الملك سعود، وتم قبولي في كلية الطب ، ولكن لم يناسبني جو الرياض الجاف ولم أستطع التأقلم معه بسهولة، لذلك فقد استبشرت كثيرا عندما سمعت بافتتاح كلية للطب في مدينة أبها، فقررت في الحال دون تفكير طويل أو تردد في السفر والعودة إلى أبها للالتحاق بهذه الكلية الناشئة ، لكونها ستحقق له مواصلة الدراسة في المجال الذي أحبه وأرغبه ، وفي نفس الوقت أجد الجو الذي يناسبني ويتوافق مع طبيعتي ، وفعلا قمت بالتسجيل في كلية الطب بابها مع بداية الفصل الدراسي الثاني ، وانغمست في الدراسة بكل جدية واجتهاد ،ولكن ما إن مضت السنتان الأول من الدراسة، وأكملت فيهما البرنامج الموحد للكليات الصحية، وهو شرط أساسي لدخول كلية الطب ، إلا وكانت المفاجئة أنه لم يقبل من الطلاب إلا ثلاثة فقط، أنا واحد منهم، ولقلة عددنا لم نتمكن من دراسة جميع المناهج، فعدم وجود العدد الكافي من الطلاب حال دون ذلك ، ومن اجل ذلك كانت الكلية تخطط لتأخيرنا بشكل غير مباشر، حتى تزداد الأعداد في السنوات اللاحقة، وهذا التأخير غير المجدي لم يكن يناسبني ، وشعرت انه يحد من طموحي ويثبط في همتي ، لذلك قررت الانتقال إلى كلية طب أخرى، أكمل فيها مشواري ، فاضطررت مكرها للعودة إلى مدينة الرياض مرة أخرى ، حيث حصلت على موافقة الانتقال من عميد كلية التربية بابها، الذي كان في تلك الفترة نائبا عن عميد كلية الطب، لكونه في خارج المملكة ، فلما أحضرت أوراقي إلى كلية الطب بالرياض رفضت قبولي، وكان السبب أن عميد كلية الطب في أبها، قد طلب إلى كليات الطب في جميع الجامعات عدم قبول طلابه ، حرصا منه كما يدعي إلى بقائهم لديه في الكلية ، لذلك أصبت بصدمة كبيرة ، ولما كنت قد عزمت على عدم العودة إلى أبها حاملا فشلي، استخرت الله سبحانه وتعالى، واتجهت إلى الالتحاق في كلية العلوم الطبية التطبيقية، حيث تخصصت في العلاج الطبيعي، وبدأت الدراسة من جديد، وكأنني لم أتخرج من الثانوية العامة إلا هذا العام، حيث ضاعت مني سنتان كاملتان، ولكنها في الحقيقة لم تضع فقد استفدت فيهما كثيرا، ثم إن هذا هو قضاء الله وقدره.
لقد أكمل دراسته الجامعية في هذا التخصص قانعا بما قسمه الله له ،ولم تمضي فترة من الوقت إلا وأحب هذا المجال وهذا التخصص حتى أبدع فيه وتفوق، ولم يندم قط على ما فات ، إلى أن تخرج منه بتقدير جيد جدا مرتفع، مما جعل الكلية ترشحه للإعادة فيها (معيدا)، ولكنها لا تتوفر في الكلية حينها وظائف معيدين شاغرة ، فكان يلزمه الانتظار لفترة غير محددة، قد تصل لأكثر من ستة أشهر، ولم يكن لديه القدرة على الصبر كل هذا الوقت، وكما قيل (يبطئ على الجائع فت العيش )، فالصبر قد نفد لديه نهائيا، وأجواء الرياض لا تناسبه كثيرا كما أسلفنا ، ومن جهة أخرى إلحاح والدته لا يفارقه، في رغبتها في أن يعمل في مكان قريب منها، لذا فقد توكل على الله وحزم أمتعته، متوجها يحمل أوراقه وشهاداته إلى مدينة أبها، التي طالما أحبها وعشق جوها، فتقدم هناك بطلب العمل في مستشفى أبها العام، وكان التوفيق حليفه، حيث تيسرت كل أموره بأسرع مما يتوقع ، وصدر قرار تعيينه في نفس اليوم الذي تقدم فيه ، وكان هذا اليوم هو بداية مباشرته في عمله الوظيفي، الذي يوافق 13/2/1408هـ، موظفا في مستشفى أبها العام.
بعد التحاقه بالعمل الوظيفي، لم يتوقف عن الرفع من مستواه العلمي، وقدراته المهنية، وتتبع كل جديد في تخصصه، والتزود بكل ما يستجد من علوم ومخترعات فيه، فمهنته الطبية من المهن المهمة المتجددة، السريعة التطور ، التي يلزم العامل فيها أن يلاحق ويتابع كل جديد فيها، وإلا لن يشعر إلا وقد فاته الكثير من المستجدات المهمة في عمله، ولم يعد يستطيع الاستمرار في مهنته بالطريقة المناسبة، مما قد يحدث فجوة كبيرة بينه وبين عمله الفعلي، لذلك فهو يشارك في كل جديد من الندوات والدورات والمؤتمرات التي تخدم تخصصه ، وتثري معلوماته .
ففي عام 1413هـ تم إبتعاثه في دورة تتعلق بتأهيل المرضى بعد الحوادث، في جامعة هلسنكي بفنلندا، وبقي فيها لأكثر من سبعين يوما ، وهي عبارة عن دورة تدريبية مكثفة، يتم فيها ممارسات عملية تطبيقية على الواقع ، حيث تنقل خلالها لأكثر من مستشفى، وأكثر من مشفى ومركز تأهيلي، فكان يبقى في كل مستشفى متخصص، أو مركز لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وهي ممارسات عملية متنوعة جادة، استفاد منها كثيرا في حياته العملية والمهنية وحتى الإدارية.
وشارك أيضا على مدى سنوات خدمته وما زال، في العديد من الدورات والمؤتمرات داخل وخارج المملكة ، ومعظمها فيما يتعلق بتخصصه ، سواء في الطب الرياضي ، أو في الإعاقات والشلل، وإصابات الحبل الشوكي، والكسور بأنواعها، وكان معظم هذه الدورات تقام في المستشفيات الكبيرة ، وفي مراكز الطب الرياضي التابعة لرعاية الشباب، حيث يستضاف إليها عادة كبار الممارسين والمستشارين من خارج وداخل المملكة، بل كان يقوم المركز في أبها منفردا أو بالتعاون والمشاركة مع بعض المستشفيات في المنطقة، وبالذات مستشفى عسير المركزي، في إعداد العديد من هذه الدورات والندوات والبرامج المتخصصة .
الحياة الوظيفية:
• تعين كما أسلفنا في 13/2/1408هـ بعد تخرجه مباشرة، في مستشفى ابها العام، بمركز التأهيل الطبي، أخصائي علاج طبيعي ، ويعتبر هذا المركز هو الثالث على مستوى المملكة بعد مركزي الرياض ومكة المكرمة، انشئ في عام 1400هـ ليخدم كافة المنطقة الجنوبية ، ويتوفر به قسم للعلاج الطبيعي المتكامل، مجهز بأحدث التجهيزات ، وقسم الأطراف الصناعية، مجهز أيضا بكامل التجهيزات،ويقدم هذا المركز الخدمات العلاجية والتأهيلية، ويستقبل جميع الحالات المحولة من جميع مستشفيات المنطقة، مثل حالات العظام، وخاصة بعد الحوادث والعمليات الجراحية ، وحالات الآم الظهر ، والآم الرقبة والمفاصل، ومشاكل الجهاز العضلي، والإصابات الرياضية، وخشونة المفاصل ، وحالات الشلل المختلفة، ويقوم قسم الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية ، بتصنيع جميع الأطراف العلوية والسفلية، وأجهزة الشلل، والجبائر، والأحزمة الطبية بأنواعها، كما يقدم المركز خدمات خاصة، لذوي الاحتياجات الخاصة، مثل التقارير الطبية ، واثبات الإعاقات ، وبطاقات التخفيض ، والتسهيلات المرورية ، وغير ذلك.
• كان يشارك بالإضافة إلى عمله الرسمي في هذا المركز، في خارج أوقات الدوام الرسمي، متعاونا مع نادي الوديعة الرياضي، لمعالجة حالات الإصابات الرياضية، داخل الملعب أثناء التدريبات وأثناء اللعب، وكانت بداية تعاونه معهم من شهر جمادى الأولى عام 1409هـ لأكثر من عام، واستمر متعاونا مع هذا النادي ومع كل الأندية في المنطقة، لطبيعة عمله الرسمي في المركز، حيث يتم تحويل الحالات التي يتطلب لها عناية خاصة ، فيقوم على متابعتها وعلاجها داخل المركز.
• في عام 1413هـ تم تكليفه بالعمل مدرسا، في قسم العلاج الطبيعي، في المعهد الصحي بابها، التابع لوزارة الصحة، بالإضافة إلى عمله الرسمي في المستشفى .
• في نفس العام 1413هـ تم ابتعاثه، من وزارة الصحة لدورة تدريبية في جامعة هلسنكي بفنلندا، في تأهيل المرضى بعد الحوادث كما اسلفنا.
• بعد عودته تم تفريغه للعمل مدرسا في المعهد الصحي، وقد بقي فيه ما يقارب خمس سنوات .
• في عام 1419هـ عاد للعمل في قسم العلاج الطبيعي، في مركز التأهيل الطبي ، حيث كلف بالعمل مديرا لهذا المركز ولا زال إلى تاريخه.
الحياة الاجتماعية:
تزوج من الفاضلة مريم بنت سلمان بن علي المثيبي الفيفي، ورزقا بخمسة أولاد ابن، وأربع بنات، وهم على النحو التالي :
1. أميرة متزوجة.
2. أسماء طالبة في كلية خدمة المجتمع قسم المحاسبة.
3. أفنان طالبة في المرحلة الثانوية علمي.
4. عبد الرحمن طالب في المرحلة المتوسطة.
5. إيناس ثلاث سنوات.
6. إيلاف عمرها دون العام.
حفظهم الله ووفقهم وجعلهم بارين بوالديهم ، وبارك فيها من أسرة مباركة.
هذا موجز لشخصية عصامية مثابرة، يستحق من شبابنا اتخاذه قدوة ومثالاً، فهو مثال للرجل الكادح المثابر، الذي لا يصده أي عائق عن تحقيق أحلامه ومراميه، ويعتبر على المستوى الاجتماعي من الطراز الأول، مبادر إلى خدمة مجتمعه ومحيطه ، سباق إلى كل خير، تجده يقف مع الكل في كل المواقف ، إنسان يفخر بأمثاله ويعتز بهم ، وفقه الله وبارك فيه، وكثر في مجتمعاتنا من أمثاله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم / عبد الله بن علي قاسم الفيفي ــ أبو جمال
الرياض في 1/3/1434هـ