الصمت صفة كريمة ، تضفي على صاحبها القوة والاحترام، والمهابة والوقار، قيل في مدحها الكثير من المقولات والحكم والأمثال، ومن ذلك قولهم : (الصمت حكمة) وقيل (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) وقيل (الزم الصمت فإنه أجمل عادة، وأكرم شيمة، وأعظم غنيمة، يكسبك الكرامة، ويورثك السلامة، ويؤمنك الندامة، ويكفيك الملامة) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ليت لي عنق الجمل، حتى أزن الكلمة قبل النطق بها) وقيل (الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها الصمت ، والعاشر قلة الكلام) قال الشاعر:
وأحفظ لسانك لا تقول فتبتلى ## إن البلاء موكل بالمنطق
وفي الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) والكثير من الأقوال والأحاديث والحكم والأمثال ، تدور حول فضل الصمت والتحلي به، وبالذات إن كان صمت عن ما لا داعي له، ليس صمت عيء وخرس وعدم قدرة على الكلام ، ولكنه الصمت عن عابث الكلام، أو التحدث فيما لا نفع فيه ، فمن كثر كلامه كثر سقطه ، قال الإمام النووي (رحمه الله) (اعلم انه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى أستوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجرُّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة ، والسلامة لا يعدلها شيء) .
صاحب سيرتنا رجل صموت، قليل الكلام يسمع أكثر مما يتحدث، وان استنطقته وجدته عامر بالحكمة والثقافة والكلمة المحلقة الرقيقة، هادئ الطبع رقيق العبارة ذو ثقافة عالية وعلم واسع، إن كتب أجاد وان تحدث أوجز وابلغ ، لا يمل من القراءة والاستماع ، ولا يتحدث فيما ليس له داع ، خفيف الروح حاضر النكتة يفهمها كما قيل وهي طائرة .
وهو محب للإسفار لا يكاد يتعب منها، وهيئ الله سبحانه وتعالى أن عمله يتطلب الكثير من الرحلات والتجوال، وأكاد أجزم انه قد طوف جميع مناطق ومحافظات ومراكز المملكة العربية السعودية، لأكثر من مرة، فلا يكاد يركن إلى الراحة طوال العام الدراسي في جولات تفتيشية شبه منتظمة، فيما يخص مجال عمله (التربية الخاصة) ، لمتابعة كل الفصول المبثوثة في معظم مدارس الوزارة ، بعد دمجها في مدارس التعليم العام ،ولعل مما حبب إليه الأسفار وجذبه إليها، ما وجده فيه منذ أول سفرة له وهو طفل صغير، من اكتشاف الجديد، والاطلاع والتعرف على الكثير مما يجهل، ولأول سفرة له حكاية ، يحسن بنا إيرادها، وقد يستغرب ذلك الكثير من أبناء هذا الجيل ، الذي اختلفت ظروف حياتهم ، ووسائل المعيشة والتنقلات والسفر لهم ، بشكل كبير يفوق كل خيال ، لقد كان ذلك الجيل وما سبقه من الأجيال من أبناء فيفاء،ومعظم بيئات المملكة ومناطقها، قبل شق الطرق وسهولة المواصلات والتنقلات، يعيشون في عزلة مطبقة، ولا يكاد احدهم يغادر محيط بلدته أو جهته، وان تجاوز ذلك في فيفاء فلا يتعدى سوق عيبان ، في سفح الجبل، وهي أقصى نقطة يستطيع أن يصل إليها الشاب، ولا يطيق ذلك إلا الشاب أو من قارب ذلك، فكيف بمن أتيحت له فرصة تجاوز هذا النقطة ، وتهيأ له أن يجرب ركوب السيارة لأول مرة، فذلك فوق التصور بين أبناء ذلك الجيل، فكيف حدث ذلك وما هي الحكاية، لنسمعها منه شخصيا ، ولو كنا لم ندلف إلى شخصيته، ولم نتعرف على سيرته ، حيث يقول (أول سفر لي خارج فيفاء كان في عام 1390هـ (عمره 7سنوات)، بصحبة السيدة/ خيرة بنت جابر الابياتي (رحمها الله) إلى مدينة جيزان، وفي النزول من فيفاء إلى عيبان ، وكان سيرا على الأقدام ، إلا أني لصغر سني تم تربيطي فوق احد الحمير، بين جوالين (القاز) الفارغة، وكانت تجربة ومغامرة خطيرة، فيها الكثير من الخوف والمتعة والتحفز، ومن عيبان حاضرة المناطق الجبلية حينها ، حيث هو سوق كبير لا يهدئ ، يرتاده الكثير من المتسوقين من كل الجبال المجاورة، ومن تهامة واليمن، ،فقد ركبنا السيارة، وكانت بالنسبة لي هي أول مرة، وعلى العموم ففي هذه السفرة التي استمرت لما يقارب الأسبوع، رأيت عالماً مختلفاً، وأشياء كثيرة لأول مرة كالسيارة والبحر والبواخر والسفن والعشة والمروحة وحتى البيبسي والصامولي….) وبالطبع فقد انطبعت ذكريات هذه التجربة في داخل قلبه، وبقي لفترة وهو يفاخر بها بين أقرانه وأصحابه، ويسرد لهم أحداثها ومشاهداتها ، ويضفي عليها الكثير من خياله، ويحلم بتكرارها وإعادة هذه التجربة مرة أخرى ، رحم الله السيدة الفاضلة خيرة بنت جابر، فقد كانت تغليه وهو يغليها، ويدعو لها إلى الآن ودوما بالرحمة والمغفرة، وكلنا كأسرة نحفظ لها منزلة خاصة في قلوبنا، لكريم أخلاقها وصدق وفائها، نسال الله أن يرحمها ويغفر لها، ويجعلها من ورثة جنة النعيم.
انه أخي وشقيقي الاستاذ/ عبد الرحمن بن علي بن قاسم آل طارش الخسافي الفيفي.
والده فضيلة الشيخ القاضي علي بن قاسم (حفظه الله)، أولاه كبقية إخوانه عناية فائقة ، فكان لتربيته الدور الكبير بعد توفيق الله لما وهو عليه، من علم وأدب وثقة بالنفس، ونجاح وأخلاق عالية، ولنتحدث عن جانب واحد وأسلوب فريد وراق من أساليبه العظيمة في التربية ، التي زرع بها الثقة في أبنائه ، وعلمهم اعتماد الواحد منهم على نفسه، فكان لا يظهر الحدب والشفقة المبالغ فيها أمامهم ، فإذا ما وقع احدهم في مشكلة، أو تعرض لموقف من مواقف الحياة العابرة، وعرف أنها لا تؤثر على سلامته، ولا تترك أثرا سيئا في مشاعره ، تركه يتعامل معها بنفسه دون تدخل منه، وأشعره ببساطتها وانه واثق بأنه قادر على تخليص نفسه منها ولا يظهر له تعاطف كبير أو تأثر شديد ، بل يتغافل عنه ويرقبه بهدوء من بعيد دون أن يحسسه بذلك ، فإذا ما اضطر إلى معونة أعانه بصورة غير مباشرة ، فيخرج الواحد من هذه المواقف وقد اكتسب خبرة وثقة بنفسه، وتعلم كيفية الاعتماد عليها، واستفاد دروسا لا ينساها أبدا، تبقى معه طوال حياته وفي مستقبل أيامه، لنقتبس هذا الدرس من هذه الحكاية التي يوردها (عبد الرحمن) في قوله : (في عام 1399هـ، أزمع الوالد على السفر إلى سوريا، لاستقدام عمّال لمزرعته، التي يملكها هو والعم سليمان في ضمد، وفي الليلة التي تسبق السفر، أبديت الرغبة في مرافقته، فوافق فورا،وقد وصلنا إلى مدينة الرقة الواقعة على ضفاف نهر الفرات، مرورا بحمص وحماة وحلب ، ومن المواقف التي حدثت لي في تلك السفرة، أن دعانا الملحق السعودي الثقافي في دمشق، لتناول الغداء في منزله، وفي طريق عودتنا للفندق ركبنا إحدى حافلات النقل العام (النقل العام مجاني لتطبيقهم للاشتراكية)، وكانت مزدحمة، وركبنا من الباب الخلفي، وأخذ الوالد ومرافقه السوري التوغل في ممر الحافلة في انتظار فراغ بعض المقاعد، وأنا بقيت في مؤخرة الحافلة، وعند وصولنا إلى محطة كبيرة، تشبه المحطة التي ركبنا فيها عند الذهاب، لم أعد أرى والدي ومرافقه، فنزلت من الباب الخلفي ظن مني أنهما نزلا، وعند نزولي تحركت الحافلة، وأسقط في يدي لما لمحت والدي جالساَ في الحافلة، فركبت الحافلة التالية ،ولكن وجهتها إلى مسار آخر، وعندما وصلنا إلى المحطة الأخيرة في ضواحي المدينة، نزل من بقي من الركاب، وأشعرني السائق بأن هذه المحطة هي الأخيرة، ويجب النزول فيها، نزلت وكان الناس ينظرون إلى هذا الغريب بزيه السعودي نظرة استغراب، والحي فقير، والسيارات فيه قليلة جداً، وبينما كنت أنتظر مرور سيارة أجرة، توقف عندي صاحب سيارة (دباب أربع كفرات) مهترئ وسائقه في حوالي الخمسين من العمر، فطلبت منه توصيلي إلى وسط المدينة، وأخذت أصف له بعض المعالم، لأنني لا أعرف أسم الحي الذي به الفندق، فأخذني إلى وسط المدينة، وقد استدللنا على المكان بسرعة حيث رأيت الفندق، وأعطيته المبلغ الذي عندي وكان في حدود الأربعين ليرة، وكانت الليرة آنذاك لها قيمة كبيرة، ويبدوا أنه لم يتوقع هذا المبلغ، فسألني ما هذا؟ فقلت أجرتك فأكب على يدي يقبلها شاكرا وداعيا (وقد زرت دمشق بعد ذلك بثمانية عشر سنة في مهمة رسمية، ولاحظت الأجرة الزهيدة التي يتقاضاها أصحاب سيارات الأجرة، وأدركت سر استغراب ذلك الرجل) المهم دخلت على والدي وهو في الغرفة مستلقياً على سريره يقرأ في أحد الكتب، ونظر لي مبتسما، وعاد للقراءة، ولم أتبين كنه مشاعره في تلك اللحظة، وفي صباح اليوم التالي أعطاني جواز السفر، وتذكرة الطائرة إلى جدة ومبلغاً من المال، وقال خلها معك احتياط إذا ضعت لا سمح الله تستطيع العودة إلى الوطن) أتظن انه لم يقلق عليه ، بلا ولا شك ، ولكنه لما وجده عاد بنفسه ، وعرف الطريق من ذاته ، تركه يعيش فرحته بحسن تصرفه ، واستغلها في أعطاه جرعة مبهمة من الثقة ، وحسسه وكأن الأمر شيء طبيعي، ولست بالصغير الذي يخشى عليه، بل تستطيع الاعتماد على نفسك في هذا الموقف وغيره، (وهذا أسلوب راق من أساليب التربية الذي يتقنه، فلا تجره العاطفة الجامحة إلى التفريط فيه، بل يستغل المواقف الحياتية العابرة في زرع الثقة والاعتماد على النفس، وإشعاره مهما كان الوضع الذي هو فيه بالطمأنينة فيحسن التصرف دون خوف أو وجل).
ويأتي دليل آخر على نتائج حسن زرع الثقة بالنفس، حيث يقول ( في نهاية عام 1400هـ في موسم الحج حدث لي موقف آخر شبيه بما حدث لي في سوريا ، حيث رافقت الوالدين للحج (معنا العم سليمان وابنه أحمد وشقيقتي عائشة ووفاء) وبعد التعرف على مكان خيمتنا التابعة للضيافة العسكرية، ذهبنا لأداء طواف القدوم والسعي، وكانت حركتنا بطيئة لأن أمي وأختي تتناوبان حمل أختي الرضيعة والتي كانت تعاني من المرض، وعندما شرعنا في السعي رغبت في أدائه منفرداً حتى أفرغ بسرعة وانتظرهم بعد ذلك ، وجهلاً مني سعيت أربعة عشر شوطاً وبالتالي انتهيت عند الصفا وبعد طول انتظار هناك اتجهت إلى عند الباب الذي دخلنا منه ولم أجد أحداً هناك، وبحثت عن أحذيتي فلم أجدها أيضاً في المكان الذي وضعتها فيه، ولم يكن معي نقوداً لشراء أحذية أو ركوب سيارة، فرجعت أمشي حافياً إلى منى، ولم أستدل على الخيمة إلا في آخر الليل، دخلت الخيمة وكان الجميع مستغرقون في النوم عدا أمي رحمها الله التي لم يغمض لها جفن من القلق).
أمه الفاضلة مريم بنت يحيى بن اسعد آل عتمة الثويعي الفيفي (رحمها الله واسكنها فسيح جناته) فهي العاطفة والحنان، وهي المكملة والمعوضة للجانب الآخر، لتكوين الشخصية السوية غير المعقدة، حتى لا يشعر الابن بأنه مهمش ومن سقط المتاع، لا احد يسال عنه أو يحن عليه ، فالأب والأم ينبغي أن يكونا متناغمين متكاملين في التربية، إن وجد الابن صرامة وشدة في جانب، وجد في الجانب الآخر الرحمة والشفقة والعاطفة والحنان ، فكل منهما مكمل للآخر، في توافق بديع، وتبادل ادوار منسق، ليصنعا الشخصية السوية المستقلة .
ولد لهذين الأبوين الكريمين، في بيت الطائف بالنفيعة من فيفاء، في شهر الله المحرم من عام 1383هـ وقد اسميها (عبد الرحمن) على اسم أخيه الذي فقداه قبل ولادة هذا بسنة، عندما كان يخطو في عامه الثاني رحمه الله، وجعله فرطا لوالديه وشفيعا لهما.
الدراسة :
حرص والده على تعليمه مبكرا، لما رأى فيه من النجابة والقابلية للتعلم، فألحقه وهو دون سن المدرسة ببعض حلق القرآن الكريم، التي تقام في محيط المنزل ،قرب مركز الأمارة وسوق فيفاء، فألحقه أولا في معلامة عبد الله اليماني، التي أقامها عند بيت المربوعة، مكان المدرسة الابتدائية الأول (بيت المأمور)، وان كانت محدودة الوقت، ولكنه حفظ فيها بعض قصار السور، وتعود على الجلوس مع الطلاب في الفصل ، وزالت عنه هيبة مخالطة الغرباء ، وتعلم حسن التلقي والإنصات ، ثم افتتح المعلم موسى القيسي (يمني) معلامة في نيد اللمة (آل ظلمة) فألحقه بها، فكان والده حريص على أن يتقن قراءة القرآن الكريم، لمعرفته الأكيدة بفوائد القرآن الكريم الجمة على طالب العلم ، من سلامة النطق وتفتح المدارك ، واكتساب العلم والإيمان، والارتباط بكلام رب العالمين ، والبركة المتحققة بمشيئة الله دنيا وآخرة، فاستمر في إلحاقه بالعديد من هذه المدارس القرآنية المؤقتة ،التي تقام في محيط النفيعة،(فلا توجد حينها مدارس تحفيظ القرآن الكريم الرسمية)، لذلك لا تخلوا عطلة صيفية على مدار سنوات دراسته في مراحل التعليم العام، إلا ودرّسه في إحدى هذه المدارس، ومن تلك المدارس إضافة إلى ما سبق ذكره منها، معلامة المعلم عبد الله بن صلاح (يمني) في بيت المروة ، ثم معلامة المعلم أحسن بن علي آل مشكاع رحمه الله في مسجد النفيعة ، وكان بعضهم يدرس عليه في أكثر من عطلة صيفية، وآخر من درس عنده هو الاستاذ سلمان بن يحيى جبران الداثري في جامع النفيعة.
وأما التعليم العام : فقد التحق بالتعليم العام في المدرسة الابتدائية بالنفيعة، في العام الدراسي 1389هـ/1390هـ ، وكانت تقع في مبناها الواقع في طرف سوق النفيعة المجاور للبيت ، وكان لإعداده السابق قبل المدرسة ، في مدارس القرآن الكريم التي ذكرنا، ولنبوغه وذكائه وحفظه للعديد من قصار السور، وإتقانه مبادئ القراءة والكتابة ، خير معين له ليكون من المتفوقين في هذه الدراسة النظامية، فكان ينجح كل عام بتفوق ، وينتقل من صف إلى آخر دون تأخر، إلى أن أتى بعد ست سنوات وهو بالصف السادس ، وكان في ذلك العام من ضمن الدفعة الأخيرة التي أدت امتحانات هذه الشهادة في مدينة صبيا، وذلك في نهاية العام الدراسي 1394هـ /1395هـ ، وهو يذكر زملائه في ذلك العام، الذين قدموا اختباراتهم أمام اللجنة المركزية في مدينة صبيا، وهم كما يقول : ( ستة عشر طالباً : أحمد جبران مسعود الأبياتي ، أحمد حسين علي الأبياتي (الشدنة)، أحمد فرحان أسعد الظلمي، سليمان يحي حسن المثيبي (الملفق) ، عبد الله هادي ماطر الابياتي ، عبد الله حسن يحي السنحاني، عبد الله محمد المخشمي (المشوة)، علي يحي سلمان صبحان الابياتي (رحمه الله) علي محمد أحمد سليمان الداثري، يحي هادي علي الأبياتي، يحي سالم يحي الظلمي، يزيد هادي الداثري، يحي موسى محمد السنحاني (الخذيلة) ، موسى علي قاسم الخسافي (الحدب)، الأخ محمد علي قاسم، ثم هو بالطبع عبد الرحمن ).
تخرج ذلك العام من المرحلة الابتدائية، والتحق مباشرة بالمرحلة المتوسطة في نفس المدرسة، أو على الأصح لم يمكنه وزملائه الاستاذ حسن بن فرح (رحمه الله)، مدير المدرسة من اخذ شهاداتهم، بل أعتمدهم طلابا لديه بالمدرسة ليواصلوا تعليمهم فيها ، وقد درس معهم كما يذكر في ذلك العام في الصف الأول المتوسط ،الدفعة الأولى من خريجي مدرسة نيد آبار الابتدائية ، وكانت سنوات دراستهم تلك من أمتع سنوات الدراسة له ولزملائه ، في المدرسة نخبة ممتازة من الزملاء ومن المعلمين، وفيها العديد من الأنشطة المتعددة والتنافس الشريف ، وقد تكرر معهم نفس المشهد بعد حصولهم على الكفأة المتوسطة، حيث انتقلت ملافاتهم تلقائيا في نفس المدرسة إلى المرحلة الثانوية، والتي استمرت بنفس القوة والزخم حتى تخرج منها في نهاية العام الدراسي 1401/1402هـ .
انطلق بعد حصوله على شهادة إتمام الدراسة الثانوية إلى مدينة الرياض، ينشد مواصلة تعليمية الجامعي فيها، ولكن كان لتأخر وصوله قليلا على بداية فترة التسجيل، السبب في تقلص الخيارات المتعددة أمامه ، فلم يعد أمامه إلا اختيارات محدودة لا ترتقي لما يؤمل ، فقد قفل حينها التسجيل في الأقسام العلمية التي يحق له التسجيل فيها، ما عدى ثلاث كليات هي : (الصيدلة والعلوم والتربية) ولما كان ميوله الغالب أدبيا، ولكون الثانوية لا يوجد بها إلا القسم العلمي فقط ، لذلك اختار من هذه الكليات كلية التربية، ولما خيّر بين قسمي الرياضيات أو الفيزياء، الأقسام المتاحة لتخصصه (العلمي)، فقد اختار الأخير(الفيزياء)، وان كان عن غير رغبة، فكلاهما وكما قيل أحلاهما مر، لذلك أمضى في هذا القسم خمسة فصول دراسية، أنهى خلالها نصف المقررات المطلوبة للتخرج، ولكنه مع ذلك لم يجد نفسه كما يقول في هذا التخصص العلمي البحت ، وهو شعوره الذي ضل يداريه من البداية، وكان يسعى جهده للتحويل لأي قسم من أقسام العلوم الإنسانية، ولكنه كان يصطدم بالرفض، لكون تخصصه علميا، أو لأن المعدل التراكمي لديه دون المطلوب في بعض الأقسام التي يطلب، ثم جاء الفرج بتوفيق الله وقدرته ، فقد شاهد في احد الأيام إعلاناً عن فتح قسم جديد للتربية الخاصة.
عندما اطلع على هذا الإعلان، الذي وجد فيه ضالته، بادر بالتوجه إلى عميد كلية التربية (د. عبد الله الحمدان) ، وهو من أنشأ هذا القسم ،وكان متخصصاً في التربية الخاصة ، وكان هذا التخصص حينها هو الأول والوحيد على مستوى الشرق الأوسط ، وقد بقي كذلك لعدد من السنين ، وعندما أبدا له رغبته في التحويل إلى هذا القسم ، وافق على تحويله، فكان من أوائل من التحق بهذا القسم، ومن الدفعة الأولى التي تخرجت منه وكان عددهم (ستة عشر طالبا ـ انظر أيضاً ـ الصف السادس الابتدائي 16 طالبا)، كان في هذا القسم ثلاث مسارات، إعاقة سمعية، إعاقة بصرية، إعاقات شديدة ، وتخصص في الأخير.
كان الأول على الدفعة، وكانت رغبته وطموحه أن يكون معيدا في نفس القسم، ولكن لما كان قسم التربية الخاصة قد عين مجموعة من خريجي أقسام الكلية الأخرى معيدين في هذا القسم، وتم إبتعاثهم للخارج قبل عام من تخرج طلابه، حال ذلك دون تحقيق رغبته في الإعادة، لعدم توفر مقاعد شاغرة للمعيدين حينها.
وحرص على أن يتم تعيينه في الرياض، ليتمكن من إكمال الدراسة في الجامعة، ولكن كذلك لم يتحقق له ذلك ، ورشح للابتعاث إلى أمريكا مرتين فيما بعد،ولكن لم يتيسر إتمام الأمر في الاثنتين، ففي الأولى حالت الاعتمادات المالية، وفي الثانية حالت أحداث سبتمبر، فرغبته كانت متأججة لمواصلة الدراسات العليا، وهو مؤهل للاستفادة من ذلك، ولكن لم يرد الله له، والخيرة ما اختاره الله.
التحق بالعديد من الدورات العلمية، والبرامج في مجال تخصصه وفي غيره، على مدى السنوات التي أعقبت تخرجه من الجامعة، أثناء ممارسته للعمل، وذلك على النحو التالي:
- مهمة المعلم التربوية في الفترة من 10ـ27/11/1413هـ في كلية اللغة العربية بابها.
- إدخال البيانات ومعالجة النصوص من 12/4 إلى 12/7/1415هـ مركز التعليم والتدريب بابها.
- إعداد البرامج التربوية الفردية للأطفال المتخلفين عقلياً من 2ـ20 ديسمبر1995م جامعة الخليج العربي بالبحرين.
- دورة الموجهين التربويين طوال الفصل الأول من العام الجامعي 1417/1418هـ جامعة الملك سعود بالرياض.
- اضطرابات التخاطب في مرحلة الطفولة من 25ـ29 أكتوبر 1997م مركز التدخل المبكر بالشارقة دولة الأمارات العربية المتحدة.
- الدورة التنشيطية لمنسوبي التربية الخاصة من 20ـ24/4/1418هـ وزارة التربية والتعليم الرياض.
- برنامج اللغة الانجليزية للمرشحين للإبتعاث من 4/6/1421 إلى 7/3/1422هـ معهد الإدارة العامة بالرياض.
- بناء اختبارات كفايات معلمي التربية الخاصة من 16ـ20/12/1424هـ جدة.
- دورة مشرفي المناهج الأولى من 23/12/1424هـ إلى 21/4/1425هـ جامعة أم القرى مكة المكرمة .
- القيادة بالذكاء الوجداني من 25ـ29/11/1427هـ كلية اليمامة بالرياض د/عبد المحسن جودة.
- تحديد الاحتياج التدريبي في البيئة التربوية من 19ـ21/5/1429هـ فندق الخزامى بالرياض أ/حسن باخميس.
- البرنامج التربوي الفردي للمتخلفين عقليا من 20ـ 22/1/1430هـ الرياض د/ابراهيم العثمان.
- برنامج الكفايات المهنية للعاملين مع متعددي العوق من 19ـ21/3/1430هـ الرياض أ/أنور الصقعبي.
- النجاح في إدارة المشاريع الاحترافية في 29/12/1431هـ الرياض م/تركي التركي.
- إدارة البرامج والمشروعات PMP في 7ـ 12/4/1432هـ الرياض أ/ محمد السباعي.
- ورشة عمل تحسين مستوى الخدمات لذوي الإعاقة طبقا لمعايير الجودة (تحديد الاحتياجات) من 9ـ11/2/1434هـ جدة.
العمل الوظيفي :
بعد تخرجه مباشرة من كلية التربية الخاصة، (إعاقات شديدة) كانت آماله في أن يكون معيدا في نفس الكلية في تخصصه، وبالذات وهو الأول على دفعته أول دفعة تتخرج من هذا القسم، ولكن حالت دون ذلك كما أوضحنا سابقا عدم وجود وظائف معيدين شاغرة بالكلية، حيث سبق أن رشح لها قبل عام مجموعة وتم ابتعاثهم للدراسة ، لذلك كانت رغبته والتي سجلها في الرغبات، أن يتم تعيينه في مدينة الرياض، رغبة منه في مواصلة الدراسة، لعل الفرصة في الرياض تكون متيسرة ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
وجه من قبل وزارة المعارف حينها إلى العمل في أبها، معهد التربية الفكرية، وباشر عمله معلما فيه، واستمر به لمدة سنتين .
ثم كلف بالعمل مشرفا تربويا، داخل المعهد نفسه ، واستمر به لمدة خمس سنوات.
ثم كلف بالعمل مشرفا تربويا في جهاز الوزارة، بعد اخذ موافقته مع بداية عام 1416هـ ، وتزامن ذلك مع تعيين د. محمد الرشيد وزيراً للتربية والتعليم ــ الذي عاشت التربية الخاصة في عهده عصرها الذهبي ــ كما يذكر، حيث عين الدكتور ناصر الموسى مشرفا عاما على التربية الخاصة ، ودعمت خططه لتطوير التربية الخاصة، مما أحدث نقلة نوعية (كما وكيفا) لبرامج التربية الخاصة، ومن ذلك دمج ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام.
وللمشرف التربوي في التربية الخاصة، الكثير من المهام، نجمل أهمها في التالي :
- إعداد الخطط والبرامج التربوية في إطار الأهداف والسياسات التعليمية، ومتابعة تنفيذها.
- المشاركة في إعداد الأنظمة واللوائح والقرارات، والخطط التشغيلية، والتعليمات الخاصة بتربية وتعليم المعاقين عقلياً، والإشراف على تنفيذها.
- مراجعة الخطط التعليمية الحالية، وتطويرها ، والمشاركة في مراجعة وتطوير وتأليف المناهج والمقررات الدراسية للمعاقين عقلياً.
- المشاركة في إعداد ميزانيات الفصول، واستحداث البرامج والرفع بها، وتحديد الاحتياج من المعلمين .
- المشاركة في دراسة احتياج معاهد وبرامج التربية الفكرية من المباني والتجهيزات، واختيار التصاميم المناسبة لتلك المباني، والمواصفات المناسبة لتلك التجهيزات، بما يتلاءم واحتياجات طلاب التربية الفكرية.
- الزيارات الميدانية الإشرافية لمعاهد وبرامج التربية الفكرية، في كافة المناطق والمحافظات التعليمية، لمتابعة سير العملية التعليمية بها .
وهذه الأخيرة، وما يتعلق بالزيارات الميدانية والإشرافية، فقد أتاحت له على مدى ما يقارب سبع عشر عاما من عام 1416هـ والى تاريخه، زيارة معظم مناطق ومحافظات ومراكز المملكة العربية السعودية، التي يوجد بها هذه الفصول، في إدارات التربية والتعليم، البالغ عددها خمسة وأربعين إدارة، حيث زارها كلها ولأكثر من مرة.
الندوات والمشاركات:
شارك في العديد من الندوات والمشاركات داخل وخارج المملكة في تخصصه ومن ذلك :
- التجربة الكويتية في مجال المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية للمتأخرين ذهنياً، عقدت في دولة الكويت في الفترة من 24ـ28 أبريل 1999م .
- ندوة الاتجاهات المعاصرة في التعليم والتأهيل المهني للمعوقين سمعياً، عقدت في الرياض في الفترة من 25ـ27/10/1420هـ .
- المؤتمر الدولي لصعوبات التعلم، عقدت في الرياض في الفترة من 28/10 ــ 1/11/1427هـ .
- ندوة وضع خطة عربية لتنفيذ العقد العربي للأشخاص المعوقين، والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، عقدت في وزارة الشؤون الاجتماعية بالرياض في الفترة من 9ـ11/6/1430هـ .
- مؤتمر واجب المجتمع تجاه الطفل ذي الإعاقة، عقد في المجلس العربي للطفولة بالقاهرة، في الفترة من 2ـ4 فبراير 2010م .
- ورشة عمل تقييم وتطوير ضوابط افتتاح المدارس والبرامج في ضوء الواقع التطبيقي، عقدت في الرياض في الفترة من 26ـ28/5/1431هـ .
- الملتقى الأول لمشرفي التربية الفكرية والتوحد بالمملكة، عقد في الظهران في الفترة من 24ـ26/11/1431هـ .
- ورشة فنيات إعداد الأسئلة الموضوعية، في المركز الوطني للقياس والتقويم، في الفترة من 21ـ23/5/1432هـ .
- ندوة وورشة عمل المعايير المهنية للمعلمين، في المركز الوطني للقياس والتقويم، في الفترة من 5ـ7/11/1432هـ .
أبرز المشاركات واللجان :
عضو ونائب للرئيس في المجموعة الاستشارية التخصصية للتخلف العقلي، من 1420هـ ولمدة أربع سنوات .
عضو في لجنة التعاقد مع المعلمين في سوريا عام 1417هـ .
عضو في لجنة التعاقد مع المعلمين في مصر عام 1426هـ.
تمثيل المملكة في تقديم ورقة عمل عن مناهج المعاقين عقلياَ في المملكة، وذلك في دولة الكويت عام 2000م .
عضو في لجنة وضع اختبارات الكفايات لمعلمي التربية الخاصة ، وعضو في لجنة مراجعتها وتعديلها ، ومحكم للمعايير الجديدة لمعلمي التربية الخاصة.
المشاركة في تأليف دليل الخطط والمناهج الدراسية، لمعاهد وبرامج التربية الفكرية 1425ـ1426هـ.
عضو ومقرر الأسرة الوطنية، للتربية الخاصة 1428هـ.
عضو اللجنة العلمية في جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق والإبداع في التربية الخاصة، للدورتين السادسة والسابعة 1431و1432هـ.
عضو لجنة التحرير لمجلة التربية الخاصة.
الحالة الاجتماعية:
متزوج من ابنة عمه الفاضلة لطيفة بنت سليمان قاسم آل طارش ، ولهما من الأبناء خمسة، بنت وأربعة أولاد، على النحو التالي:
- انس ولد في 24/3/1410هـ بكالوريوس لغة فارسية كلية اللغات والترجمة جامعة الملك سعود.
- شهد ولدت في 12/2/1413هـ متزوجة وطالبة في قسم الأغذية جامعة الأميرة نورة.
- أوس ولد في 16/4/1416هـ يدرس في المرحلة الثانوية .
- معن ولد في 25/11/1420هـ مرحلة متوسطة .
- فهد آخر العنقود دون سن الدراسة .
قبل الختام:
وبعد فهذه سيرة موجزة لسيرة شقيقي عبد الرحمن، وهي مختصرة لان لديه الكثير مما اجهله، ومما لم يفصح عنه، لما سبق وأن ذكرته عنه، من اتصافه بحب الصمت ولزومه، فلا يجيب إلا في حدود السؤال، ولا يحب الاستطرادات، وإلا فهو بحر لا ساحل له ، وهي تجربة فريدة عشناها ، مع هذه الشخصية المتعددة ، والتي تعمل في تخصص نادر ومهم، ومن خلالها تم التعرف على جانب من جوانب التعليم ، وهو (التربية الخاصة) الذي توليه دولتنا الرشيدة اهتماما خاصا، لأنه يخدم فئة غالية علينا ، تحتاج إلى أن تحظى بما يناسبها من التعليم، وان تنال الاهتمام المناسب كغيرها من فئات المجتمع، وان كانت هي أكثر حاجة من غيرها للاهتمام والرعاية ، بما يكسبها ما يعوضها ولو جزئيا عن بعض جوانب القصور في تكوينها الخلقي ، نسال الله أن يجبر قصورنا ، وان يرحم ضعفنا، وان يسعدنا دنيا وآخرة.
وأرجو أن أكون قد استطعت الإلمام بجوانب هذه الشخصية ، وأوصلت لكم من خلالها ما هو جدير بالذكر، وان يكون في سردها نفعا للقارئ الكريم ، وأسال الله لأخي وشقيقي (عبد الرحمن) دوام التوفيق والنجاح ، وأن يطيل عمره على طاعته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/عبد الله بن علي قاسم الفيفي ـ ابو جمال
الرياض 28/5/1434ه